استيقظت صفاء لتجد نفسها وسط غابة مهيبة في المجهول، ذات أشجار ضخمة وأغصان متشابكة كادت أن تخفي ضوء القمر المتسلل من بين أوراقها المسودة من شدة الظلام. تساءلت مع ذاتها؛ كيف وصلتْ إلى هنا؟ ألم تأوِ إلى سريرها وتغفو ليلتها؟
ركضت في كل مكان بحثا عن مخرج، تسللت إلى أذنيها زمجرة وحوش ضارية، اشتد خوفها ونال منها الرعب كل مأخذ. اختبأت في أحد تجاويف الأشجار العملاقة حتى يحل الصباح وتستيقظ من هذا الكابوس أو تختفي الأصوات. خشيت أن تشمّ الذئاب المفترسة رائحة خوفها وتهتدي إليها... بكت، كتمت شهقاتها، وانتهى بها الحال أسيرة جهلها وذعرها دون أن تجد مخرجا.
في هذه الأثناء ارتسمت ابتسامة قذرة على ثغر حنين، ابنة عمها، وذلك حينما أدركت لا محالة أن السحر الذي ألقته على غريمتها قد نال مفعوله. دخلت صفاء في غيبوبة أبدية ولم تبد أي استجابة مع كل أنواع العلاج الذي خضعت له في المشفى.
حتى أن أحد الأطباء رفع يديه مستسلما أمام والديها، ومن شدة حيرته طلب منهم أن يلجؤوا إلى شيخ ما رغم عدم ميله إلى تصديق تخاريف السحر وعوالمه.
لم يكن بيد أي أحد حيلة، فلكي يزول السحر يجب أن يقبض على الجاني أو على الحجاب الذي ألقي على ابنتهم الغالية.... لم يجد عمها الأكبر بدا من إلغاء زفاف ابنه منها وقد انتهى أمر مخطوبته تماما، ليلجأ إلى أخيه الأصغر ويطلب يد ابنته حنين لحازم.
دخل حازم في حداد أبدي، وحاول بكل ما استطاع من قوة رفض هذا الزواج، لكنه وللأسف غُلب على أمره، وتمكنت حنين من نيل مرادها في التفريق بين صفاء وحازم والحصول عليه لنفسها فقط.
في نفس اليوم الذي أعلن فيه الزفاف، وفي ذات الليلة بينما كان حازم يساعد عروسه الجديدة على الترجل من السيارة مكرهًا ليلج معها عش الزوجية الكئيب بعدما تحطمت أحلامه وتبددت آماله، أُعلن في تلك الساعة بالذات عن وفاة صفاء رسميا.. وتوقف جهاز نبضات القلب عن إصدار أي صوت ما عدا الصرير...
***
اتجهت سبابتي تلقائيا للنقر على لوحة المفاتيح المرفقة بجهاز الحاسوب المحمول الخاص بي، وضغطت على أمر النشر. تدثرت بغطائي وأنا أطالع الشاشة أمامي بصمت ثم تراءى لي هذا التساؤل؛ ماذا ستفعل بي هند إن قرأت هذه القصة أيضا؟ إنها تبغض النهايات التي أقوم بصياغتها، فهي تسبب لها الاكتئاب حسب ما وصفت لي مرارا.
تمسكت بأمل ألا تتفقد الفيس بوك لهذه الليلة ولا تلمح ما كتبت فيعطيني ذلك فرصة يوم لتجنب سخطها. وجهت نظري إلى ساعة الحائط أمامي فوجدتها اقتربت من منتصف الليل، يجب أن أخلد إلى النوم، لدي دوام غدا، علي أن أحصل على بضعة ساعات من الراحة لعلي أجدد طاقتي لتحمل أعباء العمل.
كان صباح اليوم التالي مغلفا بغيوم حزينة ومنذ دخلت المبنى وقلبي ينبؤني بإحساس سيء... ولأن إحساسي لا يخيب فقد وجد الغم سبيلا إلي لإفساد يومي... لا أدري إن كانت هند قد قرأت القصة التي كتبتها فلم يتسنّ لي اللقاء بها بعد كما لم أتفقد هاتفي؛ إنني في طريقي الآن إلى مكان آخر، ها أنا أهبط السلالم أجر ساقيّ مرغمة، التوتر يغلفني والقلق يعتريني، إنني على وشك مقابلة المدير.. مدير مدرستنا.
أنت تقرأ
بدأت برسالة
Romanceوصلت باب المكتب وهممت بقرعه لألج داخل عرينه، وربما أستطيع وصفه بهذا التشبيه؛ حينما أفتح الباب فكأنني على وشك أن ألمح شاطئ البحر ساعة الشروق، بصفحات مائه اللامعة، قطرات الماء تتلألأ وهي تعانق وجه الشمس التي تسطع من خلف مسافات ممتدة من ذاك البحر الواس...