49

76 10 9
                                    



لا تسألوني عم يحصل أمامي وما أعيشه الآن، فصدماتي المتتابعة لم تترك لي مجالا لأفهم شيئا، كل ما أستطيع تزويدكم به هو أفواه تتحرك وشفاه تتلو ألحانا غامرة بالسعادة، رجال في لباس المباحث يحيطون بنا جنبا إلى جنب مع المسؤولين عن إدارة الحديقة، عائلتي يتحلقون حولي كأنها درع لي من اللهيب المتأجج من طرف عائلته الذين كانوا يحيطون بسديم وهم يطمئنون عليه. وتلك ما زالت تتمسك بكفه تعانقه بين راحة يديها.

شعور بلهيب يحرق جوفي وصدري طغى على كل ما يحيط بي، جعلني أنفصل كليا عن الجميع، فبينما تندلع النيران في داخلي إلا أنني أشعر أن جسدي من الخارج متخشب بارد لا حياة فيه، كأنني جذع شجرة قطعت عنها أغصانها المورقة لتترك أثر شجرة ميتة لا داعي من وجودها.

سرعان ما بان شبح امرأة تقبل من بعد تمسك بيد ألما وهي تسير بها نحو الجمع الغفير المتفرج ممن له علاقة ومن ليس له علاقة. عاد إلي شيء من مشاعر الخلق... شيء مختلط من المر والحلو... لا أستطيع أن أصف مقدار سعادتي وذعري في آن، فقد سعدت من رؤيتها للتو وقد شارفت على تحمل مسؤولية اختفائها، أما ذعري فقد خلقته الأجواء المشحونة حولي مما يمكن أن يحصل بعد قليل.

حرر سديم يده من قبضة طليقته أخيرا وهرع إلى ابنته راكضا محتضنا مقبلا، وهو يتفقد وجهها ويتأكد من كونها بخير، وعلى الرغم من ركضه مبتعدا عنها إلا أنها أسرعت باللحاق به، كأنها متعلقة به بغراء.

أخذت الطفلة من بين يديه وعانقتها بقوة وهي تهتف بصوت مسموع ربما أرادت من كل الناس المتواجدين في المكان أن يدركوا رموزه:

"حبيبتي، صغيرتي، مهجة قلبي، وأغلى ما أملك! لن أرميك بين يدي أحد بعد الآن! لن أسلمك لشياطين الإنس لكي يعبثوا بطفولتك البريئة!"

ما أشد غلاظتها وما أثقل وقع كلامها على مسامعي! التفتّ من حولي التفاتة صغيرة لألمح وجوها غريبة تنظر إلي باشمئزاز... تمكنت بلسانها السليط تثبيت فكرة زوجة الأب الظالمة حتى للأشخاص الغرباء الذين لا يتوجب تواجدهم هنا من الأساس.

قام بعض من رجال المباحث بصرف الناس وأمرهم بالابتعاد فلا شيء يدعو للنظر، أما أكبرهم رتبة وحسب اعتقادي ربما يكون المفتش أو الضابط بدأ باستجواب المرأة التي صحبت ألما إلى هنا، فقالت بكل ثقة وهي تحمل ملامح متعاطفة تجاه الصغيرة:

"كنت هنا بمحض الصدفة، أو لنقل أنه القدر! قدمت إلى هنا برفقة صديقاتي، دخلنا بيت الأشباح لنتسلى ، ثم سمعت صوت بكاء فبحثت حولي حتى وجدتها تبكي عند ركن مظلم، في البداية ظننتني أتخيل وجودها فماذا ستفعل ألما في مكان كهذا بعيد عن أمها؟ فأخذتها معي إلى الخارج وحاولت تهدئتها مرارا."

سألها الضابط:

"ألم يخطر لك أن تسأليها عن أمها أو من رافقها إلى هنا؟"

بدأت برسالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن