مررت على المدرسة التي يرتادها التوأم وصحبتهما قبل نهاية دوامهما، كان الاستغراب يملؤهما لسبب مغادرتي مبكرة هكذا، لكنني لم أجب على أي من استفساراتهما، وأمرتهما بالحفاظ على الصمت لأنني لم أكن في مزاج لأسمع أي تعليق أو سؤال في تلك اللحظة.
وصلنا البيت ثم تركتهما واتجهت صوب غرفتي لأختلي مع نفسي، نجحت طوال الوقت بتجاهل الرنين المستمر من هاتفي والذي لم يكن إلا مكالمات من لين وماريا. أما هند فلم تبادر بمهاتفتي هل يعقل أنها ما زالت غاضبة مني ولا تأبه بما يحصل لي؟ أو أن أخباري لم تصلها بعد؟
توقف هاتفي عن الرنين يأسا من عدم الرد، أمسكت به ونظرت إلى الشاشة مطولا حتى استجمعت شجاعتي وضغطت على رقم هند لأحاول الاتصال بها، فلم تستجب، لم أيأس فإن هي أبت محادثتي فسأكون أنا المبادرة، حاولت ثانية وثالثة لكن دون جدوى.
جلست على الأرض وألقيت برأسي على السرير أشعر بالضياع والوحدة. طرق باب غرفتي وأطل من خلفه جاد بنصف ابتسامة، ثم ولج نحو الداخل برفقة جنى، كانا يحملان طبقا يحتوي على شطيرة.
جلست جنى إلى جانبي وقالت:
"لقد شعرنا بالجوع، لذا أعددنا الشطائر وهذه حصتك"
تسمرت عيناي عليها وأنا أستمع لصوت ضميري الذي يؤنبني، كيف نسيت أمر إعداد الطعام لهما؟ بل ومن طيبتهما قاما بإعداد الطعام لي بدل أن يحصل العكس، المفترض أنني المسؤولة عن رعايتهما، ما الذي يحصل لي؟
استسلمت لنوبة جديدة من البكاء وأنا أغلظ في جلد نفسي فأسرع كل منهما بتحويطي من جهة ثم قالت جنى:
"كفاك قولا قاسيا بحق نفسك، نحن نشعر بكمية الضغط التي تعانينها فأردنا أن نخفف عنك بعض الأعمال اليوم، أختاه نحن سنساندك لا تشعري بالحرج من طلب المساعدة منا فنحن في الخدمة"
مسحت دموعي وأنا أحاول الابتسام لهما، يا لهما من بلسم دافئ تمكنا قليلا من تحسين مزاجي المعكر. قاسمتهما الشطيرة وتناولتها برفقتهما ووعدتهما أن أبذل جهدي لإصلاح كل شيء. رن هاتفي مجددا فأمسكت به على أمل أن تكون هند، لكن عندما لمحت هوية المتصل أصابتني صاعقة كبيرة.
قرأت المكتوب هلى الشاشة أكثر من مرة لأتأكد إن كان فعلا هو، بل وطلبت من جاد أن يقرأ هوية المتصل فقد شككت بوجود خلل في دماغي، فقال متعجبا من طلبي:
"مكتوب المدير سديم.... لماذا تسألينني ألا تجيدين القراءة؟ أنت معلمة!"
تركت سؤاله دون جواب وأنا أتأمل الشاشة، والسؤال الذي يراودني هل أجيب؟ تذكرت توبيخه وإهاناته لي أمام الأستاذ خالد فاعتراني الغضب منه مجددا وألقيت بالهاتف على السرير. وليت ظهري له وجلست القرفصاء مع وجه متجهم بينما أردد بخفوت:
"فلتذهب إلى الجحيم لن أستجيب للئيم مثلك!"
رن هاتفي مجددا وتجاهلت المكالمة من جديد، بينما جاد وجنى يتملكهما الفضول ليفهما ما ألم بي، لكنهما لم يجرؤا على سؤالي شيئا.
أنت تقرأ
بدأت برسالة
Romanceوصلت باب المكتب وهممت بقرعه لألج داخل عرينه، وربما أستطيع وصفه بهذا التشبيه؛ حينما أفتح الباب فكأنني على وشك أن ألمح شاطئ البحر ساعة الشروق، بصفحات مائه اللامعة، قطرات الماء تتلألأ وهي تعانق وجه الشمس التي تسطع من خلف مسافات ممتدة من ذاك البحر الواس...