10

91 10 3
                                    

جلست على أحد المقاعد أراقب الأجواء الماطرة وأطرب أذنيّ بأصوات الغيث المنهمر، أدعو الله أن يفرج عني غم هذه الليلة. شردت في أفكاري بوالديّ الآن والحال التي هما فيها من عدم عودتي إلى البيت اليوم، لا بد أنهما يبحثان عني الآن، أتمنى أن يهتديا إلى وجودي في المدرسة، كم أشعر بالشفقة عليهما بسبب القلق الذي بالتأكيد اقتلع الراحة من عيونهما بسببي.

لو كنت الآن في البيت لما كنت أشعر بهذا التوتر وهذه الوحشة والرهبة، لكنت الآن في فراشي وربما أكتب قصة جديدة تناسب كآبة الغيم الذي عانق سماءنا الحزينة، ربما صنعت بطلة حمقاء تقع في حب شخص لا يناسبها، شخص متمرد يسطع وسط النجوم، وتتهافت عليه العيون، شخص ليس بمقدورها الحصول عليه، له قوة حضور وهيبة لا تفارق كيانه، وسيم.. أخاذ... كالسيد سديم.

بالطبع لن تكون علاقتها به موفقة فهو لن ينظر إلى من هي أقل منه شأنا، وتنتهي قصة عشقها له بموتها وتسحق جميع أحلامها وتهب مع الريح حينما يدهسها قطار الخط السريع.

احتضنت جسدي داخل سترة السيد سديم وقد نجحت في غرس شتلة الغم في داخلي، رائع! لم ينقصني إلا مخيلتي التعيسة الآن! لكن لماذا قد تخطر في بالي قصة كهذه؟ ربما السبب هو تأثري بأجوائه، أو ... أعتقد.. أنني بدأت أفتتن به؟ أعني لا يوجد تفسير آخر لمشاعري الغريبة تجاهه، آه كم حاربت تلك الفكرة حتى لا أعترف بها، يا لي من سخيفة ومثيرة للشفقة، اجتاحتني رغبة قوية في البكاء، كيف لا أبكي وأنا أنهزم بذلٍّ لمشاعر ليست في محلها؟ من بين كل الرجال على وجه الكرة الأرضية لما هو؟ لا لا.. بالتأكيد لا أكن له المشاعر، ذهني يخدعني بسبب جاذبيته فقط، أنا أكره المتعجرفين ولا تهمني المظاهر .... سترته.. ارتدائي لسترته هو السبب في أحاسيسي المخبولة.

لست معجبة به، أبدا أبدا، إنها مجرد لحظة وتمر، رائحته العالقة في رأسي تسحر تفكيري فتجعلني أتوهم مشاعر لا صحة لها، لماذا عليه أن يحمل رائحة مسكرة كهذه؟

دفنت أنفي في ياقة سترته لأشمها رغما عن شعوري بالذنب، تصارعت نبضات قلبي وهي تخفق بقوة وشعرت بخدران يسري في أوصالي ودغدغات غريبة تكهرب أحاسيسي.

"هل أطلت عليك؟"

أجفلت حتى كدت أقع عن المقعد، وزاد شعوري باحتراق وجهي إحراجا، هل لمحني وأنا أغرف من رائحته؟ لن أستطيع العيش مع نفسي إذا شعر بهيامي المجنون الذي أخرجني من التفكير السليم.

اقترب من حيث أجلس وسألني:

"هل .. أجفلتك؟ هل من شيء يشغل بالك حتى تجفلي؟"

أخذت أتلعثم وأهز برأسي بانفعال شديد ثم نهضت عن المقعد لأجلس مكاني على الأرض مجددا وأنا أعرف أن وجهي ما زال مصبوغا بألوان لا ترحب بها نفسي الآن، توقفي عن التصرف بغرابة حتى لا تزيد الأجواء تعقيدا، أما ترين الحال التي نحن بها الآن؟ كفاك تصرفات درامية غبية، أفيقي!

بدأت برسالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن