كان علي شرب قدح كبير من القهوة لإحياء خلايا دماغي التي ما تزال في سباتها، والسبب وراء الأمر، ذلك السديم الغامض الذي قضى الليلة في ملكوت أفكاري، طالت محاولتي في النوم مساء الأمس بينما أحاول إخراجه من مخيلتي وعدم التفكير به، ولا أدري لماذا أخذت بعض مقتطفات مواقفه بالهجوم على مخيلتي، مثل حادث الاصطدام عند مخرج المدرسة.. خلوته بي عند باب استراحة المعلمات.. قرب أنفاسه من منطقتي المحظورة على الرجال... دفاعه عني أمام الكادر... وتناوله قطعة الفاكهة من يد لين...
قررت اليوم وضع كحل في عيني لأخفي ورهما من آثار السهر، والمصيبة أنني نسيت هاتفي في البيت بسبب استعجالي، حاولت تصبير نفسي بإقناعها بأنني لا أستخدمه أصلا في المدرسة، ومع ذلك فالهاتف غدا في أيامنا هذه ضرورة حتى لو لم نكن في حاجة إليه، نحمله معنا كأننا نحمل معنا تذكرة البقاء في عالم البشرية سواء تركناه في الحقيبة ساعات أو ثوان.
كان الجو اليوم باردا، وأمطار الخير رحبت بنا منذ الصباح، فلم نقف في الطابور الصباحي، كان ذلك أفضل بالنسبة لي حتى لا ألمح وجهه إذا ما خرج لحضور فعاليات الطابور. لست مستعدة لرؤيته حقا، وخصوصا مع تلك المشاعر الغريبة التي تقدح في صدري.
جاءتني هند معتذرة على ما حل بي أمس من لسانها، وكانت ماريا برفقتها ولست بحاجة إلى عراف لأدرك أن هند أخبرتها بكل شيء عن الموقف الكارثي الذي سببته لي في المطبخ، وبعد أن وافقت أخيرا على مسامحتها أخبرتها بآخر المستجدات التي استقررت عليها معه.
كانتا مهتمين بسماع كل تفصيل عنه كأنه أحد نجوم السينما، وتساءلت هند:
"لماذا أخوه الأصغر منه متزوج وهو لا؟ ألم يخطر في بالك أن تسأليه ذلك؟"
صحيح! لم يخطر في بالي ذلك التساؤل أبدا! أعني بالنسبة لرجل يحمل مواصفاته وفي مثل سنه، فالمفترض به أن يكون متزوجا وله أولاد أيضا أقله ولد! فلماذا يبقى أعزب حتى اليوم؟ ربما استطعت الغوص في خصوصياته أكثر مستقبلا والحصول على تفاصيل أغنى، بالنسبة لي كنت أشعر بالنصر لحصولي على تلك المعلومات عنه حتى وإن بدت ضحلة، أفضل من لا شيء على الأقل.
قبل أن ننصرف إلى دروسنا وطلابنا توقفت هند عند باب الغرفة والتفتت نحوي وسألتني:
"فقط من باب الفضول... هل كلام لين صحيح بالنسبة لإعجابك بدان؟"
احمر وجهي وقابلتها بنظرة منزعجة، فاقتربت مني وهمست لي:
"فقط قولي... لن أبوح لأحد"
هتفت ماريا بمرح:
"إلا أنا!"
تنهدت مبعدة نظري نحو الأرض ثم استجمعت شجاعتي لأبوح لهما بالحقيقة التي حاولت بنفسي التهرب منها:
"في الحقيقة.... كلامك أنت... هو الصحيح... أعني السيد سديم كشكل انسي المضمون!.. هو الأقرب.. إلى ذوقي"
أنت تقرأ
بدأت برسالة
Romanceوصلت باب المكتب وهممت بقرعه لألج داخل عرينه، وربما أستطيع وصفه بهذا التشبيه؛ حينما أفتح الباب فكأنني على وشك أن ألمح شاطئ البحر ساعة الشروق، بصفحات مائه اللامعة، قطرات الماء تتلألأ وهي تعانق وجه الشمس التي تسطع من خلف مسافات ممتدة من ذاك البحر الواس...