36

76 12 7
                                    


تسللت جنى إلى غرفتي وأنبأتني هامسة بقدوم ضيفي أخيرا، ثم تبعها جاد ليبلغني أن أبي استقبله مع والديه وأرشدهم إلى غرفة الضيوف.

ما أحبه في نظام بيتنا أن غرفة الضيوف منعزلة عن البيت ويفصل بينها وبين الحجرات الأخرى ممر طويل، وهكذا يتحرك الفرد بحرية هنا وهناك.

وأخيرا أقبل فادي ليطل علي قائلا بحزم:

"أمي تأمرك أن تجهزي الضيافة"

حصل فادي على إجازة اليوم من عمله، لكي يكون متواجدا لاستقبال السيد سديم مع والديّ، لم يبد لي مرتاحا بهذه الزيارة، ربما لأن الرجل القادم لطلب يدي هو مديري فخشي أن يؤثر ذلك على عملي، أو أنه يخشى على أخته من التعايش مع رجل بسطوته وهيبته، لا أدري لكنه كان متضايقا وذلك واضح في عينيه.

سكبت العصير في الكؤوس بيد مرتجفة، وقدم لي كل من جاد وجنى المساعدة، حتى لا أتسبب بكوارث في المطبخ بسبب ارتباكي. حملت الصينية بثبات مزعوم وانطلقت صوب مصيري المجهول.

دلفت إلى الغرفة مع تحية خافتة، اتجهت أنظار والديه نحوي مع شهقة عبرت من بين شفتي أمه، التفتت نحو ابنها مذهولة، بينما تابعت سيري بتوتر ملحوظ.

قدمت العصير أولا لوالده وهو ينظر إلي متفحصا، ثم اتجهت صوب السيدة أحلام، وقبل أن تمد يدها نحو الصينية التفتت مجددا نحو ابنها وربما أرادت أن تهمس لكن صوتها خرج بنبرة أعلى مما خططت فقالت:

"يا لك من ماكر! أما استطعت أن تقول لي أن البنت التي تريدها هي آيلا؟! منذ متى وضعت عينك عليها؟"

أجابها وهو ينظر أمامه متحاشيا النظر في عينيها:

"لا أظن الوقت ملائما للحديث عن ذلك الآن!"

تنحنح والدي في إحراج، أما هو أبقى عينيه مسلطتين أمامه، إلى حيث يجلس فادي، حرّك بصره نحوي بنظرة عميقة فيها كلام لم أهتدِ إليه في حينها.

رفعت السيدة أحلام بصرها نحوي ومع ابتسامة محرجة قالت:

"آسفة لم أقصد صنع هذا الجو المربك، هل ضغط عليك لاستقباله؟"

شعرت بأن الكل وضع اهتمامه بسؤالها فاشرأبت الأعناق من حولي في انتظار إجابتي، أما السيد سديم فكان يطالع وجه أمه مذهولا من سؤالها مع شيء من الاستياء، لكنني أسرعت بإجابتها لأنقي صورته من الشوائب أمام والديّ:

"لا أبدا، لم يظهر لي إلا الاحترام، سيدتي"

استدرت عنها إليه ليأخذ كأسا، فمد يده واستغل الفرصة ليهمس لي:

"قلت لي ابن الجيران، ها؟!"

فهمت فورا سبب تعلق بصره بفادي، ما أغباني كيف لم أفكر بذلك؟ لقد كذبت عليه في السابق فيما يخص عدد أفراد أسرتي حتى لا يهتدي إلى هويتي، لكنه علم بكذبتي سلفا فلما التدقيق على الأمر الآن؟ ربما لأنه غفل عن تلك الجزئية من كثرة ما ألقي على كتفيه في هذه الفترة.

بدأت برسالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن