اجتمعنا كلنا في قاعة الاجتماعات وقد قامت المستخدمات بترتيب الطاولات فيها للموظفين على شكل حرف U ، وأمامنا في المنتصف طاولتان متوازيتان إحداهما رُتب عليها سدور الطعام المغلفة؛ علمنا في وقت سابق أنها تخبئ في أحضانها المنسف باللحم، رائحتها جعلتني أتضور جوعا أكثر وكم رغبت في أن أنقض على الطعام الآن. أما الطاولة الأخرى فخُصّصت للمدير وحاشيته.
اخترت زاوية على اليمين مع هند وماريا وأروى، التي أحضرت أيضا طفليها، فلا مكان لهما ليذهبا إليه بعد دوام أمهما إلا البقاء معها، فقد أصرت على أخذهما من عندي حينما بدأت مغادرة الطلبة، ومع تمسكي بهما ليبقيا حتى يلعبا مع من تبقى من الطلبة إلا أنها رفضت، أنا أفهم كيف تفكر، إنها تخشى أن تثقل علي برعايتهما، كم تفكيرها سخيف، فأنا أعشقهما وأحب وجودهما ربما لأنهما ابناها وأنا أحبها كثيرا، وأحزن عليها أيضا لكثرة المسؤوليات التي على عاتقها.
كان الأستاذ خالد جالسا وسط رفاقه على الجهة الأخرى من الطاولة، لذا قررت الجلوس هنا بعيدا عنه. لمحته أكثر من مرة يسترق النظرات إلي مما زاد من شعوري بعدم الراحة.
أخيرا دخل السيد سديم القاعة بحضوره الملفت كالمعتاد، كأنه أحد المشاهير الكبار، والعيون تلحق به، نعم بالرغم من كره عدد لا بأس به من الموظفين له إلا أنه لا يستطيع اثنان الاتفاق إلا على كونه جذابا وملفتا للأنظار، ومهما حاولت أي موظفة ذمه فهي لا تستطيع منع عينيها من التحديق بأناقته ونظافته وجماله الملفت. فحتى أروى اعترفت بمقدار وسامته مع تنهيدة متعبة رغم كونها متزوجة وتحب زوجها كثيرا.
لحقته العيون من الجميع، إعجابا وكرها مخلوطا بإعجاب، وحبا، وأقصد بالأخيرة أنا، حتى وصل مقعده مقابلنا إلى جانب المدير كمال ولين ودان. ألقى لنا التحية ثم قال:
"أعلم أن الدعوة كانت فجائية وأنكم معتادون على إعلامكم قبل يوم، أنا عن نفسي لم أكن أعلم أنني سأدعوكم..."
ضحك البعض على تصريحه الأخير، ثم تابع:
"لكن أردت مشاركتكم شيئا من فرحتي"
وهنا أكل الفضول البعض لمعرفة سبب فرحته، فكانت أروى الأجرأ من بين الكل لتسأله ذاك السؤال المختنق في أفواه الجميع:
"سمعنا أن لديك بعض الأمور العالقة في المحكمة، هل فزت بالقضايا وهذا سبب فرحتك؟"
رفع حاجبيه متعجبا، ثم قال مع طيف ابتسامة:
"لا شيء يبقى سرا في هذه المدرسة! يجب علي الحرص على كتم أسراري أكثر إذن!"
ضحكت أروى محرجة مع صدى ضحكات من البعض عليها، ثم أعطاها إجابته قائلا:
"لا لم ينته شيء، ما زلت أعاني، لكنني أحتفل بنجاة الغنم من الذئب"
فور تعليقه التفتت إلي هند وماريا بنظرة مشاكسة، فقرصت ماريا في فخذها كونها الأقرب إلي في الجلوس حتى لا يلفتن نظره، وحاولت قدر الإمكان أن أطبع على وجهي نظرة الجاهلة بمقصده كما الباقين. رفعت بصري نحوه لأجده ينظر إلي دون أن يحاول أن يخبئ ذلك فزاد من ارتباكي.
أنت تقرأ
بدأت برسالة
Romanceوصلت باب المكتب وهممت بقرعه لألج داخل عرينه، وربما أستطيع وصفه بهذا التشبيه؛ حينما أفتح الباب فكأنني على وشك أن ألمح شاطئ البحر ساعة الشروق، بصفحات مائه اللامعة، قطرات الماء تتلألأ وهي تعانق وجه الشمس التي تسطع من خلف مسافات ممتدة من ذاك البحر الواس...