ولج إلى سيارته ينفخ في كفيه بحثا عن الدفء ثم قال:
"لم أتوقع أن الجو بارد هكذا!..."
التفت صوبي وزاد:
"هل آلمتك؟ أما زلت منزعجة من موضع الحقنة؟"
أومأت بالنفي، وطمأنته إلى أنني بخير، مع أنني أشعر بنيران تشتعل في ذراعي، إنني أكره الحقن، منظر الحقنة في يدي وهي تسحب منها دمي جعلني أصاب بالغثيان.
انطلق بالسيارة بعد أن أنهينا أمورنا في المختبر إلى بيت ذويه، من أجل اصطحاب ابنته، أما بالنسبة لنتائج الفحص فستصلنا في رسالة إلكترونية بعد ساعتين تقريبا.
كان التوتر مسيطرا علي بشكل رهيب، حاولت إخفاء ذلك عنه قدر الإمكان، لكن تقمص دور الهادئة صعب للغاية، فأنا لست في طريقي فقط للقاء ابنته، بل سأقابل أهله من جديد.
وصلنا أحد الأحياء الراقية الهادئة، كان المكان مختلفا عن موقع سكنه، فهذا الحي أكثر هدوءا، كما تنتشر فيه المنازل المستقلة وبالكاد تجد فيه عمارة سكنية، كالمنطقة التي يعيش فيها هو. إذ يعيش والداه في منزل مستقل.
لم يخطر في بالي يوما أنني سأزور بيت مديرتي أو أنني سأراها في ظرف غير رسمي، وها أنا الآن أقف على أعتاب بيتها، أمام السور العملاق، بينما السيد سديم يقرع جرس البوابة الخارجية، تمكن مني الذعر حتى بلغ كل مبلغ، فهمست له بسرعة:
"ما رأيك لو أنتظرك في السيارة؟"
التفت إلي مقطب الجبين وقال مستنكرا:
"أهذا نوع من أنواع المزاح؟ استرخي لن يؤذيك أحد!"
شعرت بالخجل وازداد شعوري بالارتباك، فلازمت الصمت، أما في سري فلم أبق دعاء أذكره أو آية قرآنية إلا تلوتها لألتمس شيئا من الأمان.
فتحت لنا الخادمة الباب، كانت فتاة قمحية أجنبية، فلم تكن لغتها العربية متقنة. تمسك السيد سديم بيدي بإحكام ثم قادني نحو الداخل خلفها، فسرت معه وعيناي لا ترتفعان عن الأرض إنشا واحدا.
وصلنا صالة كبيرة حيث يجلس فيها والداه بجانب موقد المدفأة ومقابلهما شاشة التلفاز معلقة على الحائط وهما يتابعان نشرة الأخبار.
استقبلا ابنهما بحفاوة، ثم ألقيت عليهما التحية فجذبتني السيدة أحلام في عناق حار، ثم همست في أذني:
"ما قلته لك في الأمس لا يغير مشاعري نحوك، لطالما أحببتك يا آيلا"
حولت نظري إليها مصدومة، فتراجعت عني بوجه ثابت ولم تعقب، كأنها لم تقل شيئا، حسنا الآن تذكرت من أين ورث هذا المخلوق بروده، من شدة ما قاسيناه من تعذيبه نسيت كم كانت هي صارمة علينا في السابق.
أصرت علينا بالجلوس لنشرب قدحا من القهوة لكن السيد سديم رفض بتاتا، لأن ذلك يعيق مخططاته التي رسمها لنا اليوم، ثم طلب منها الإتيان بابنته متسائلا عن مكانها، فهتفت للخادمة لكي تحضرها، التفتت إليه ثم قالت:
أنت تقرأ
بدأت برسالة
Romanceوصلت باب المكتب وهممت بقرعه لألج داخل عرينه، وربما أستطيع وصفه بهذا التشبيه؛ حينما أفتح الباب فكأنني على وشك أن ألمح شاطئ البحر ساعة الشروق، بصفحات مائه اللامعة، قطرات الماء تتلألأ وهي تعانق وجه الشمس التي تسطع من خلف مسافات ممتدة من ذاك البحر الواس...