4

127 10 7
                                    

ترددت كثيرا قبل أن ألج مبنى المدرسة، ربما من الأفضل لو عدت إلى البيت وأخذت إجازة لليوم، لست مستعدة للقائه بعد حادثة الأمس، لن أملك شجاعة كافية للنظر إلى وجهه، كلما فكرت به أتذكر رائحته التي ما إن تلاشت من أنفي حتى أقسمت على توطين مستعمرة في أحد زوايا دماغي، القرب الذي جمعنا في الأمس ما زال يضايقني، كوننا مجتمعا محافظا لا نختلط فيه بالرجال دون ضوابط.

لم أمسك يوما بيد رجل سوى والدي، ولم أدخل في أي علاقات بكل أشكالها مع أي شاب من قبل، مشاعر الإعجاب راودتني مرتين في حياتي فقط؛ إحداهما أنني أعجبت بفتى كان معي على مقاعد الدراسة في سنتي الأخيرة من المرحلة الأساسية إلا أنني نسيته فورا ما إن التحقت بمدارس الإعدادية للإناث، والثانية كانت افتناني بأحد الشبان منذ أيام الجامعة لكن الأمر لم يتخطى دائرة الإعجاب السري من بعيد، ولم أكن وحدي المعجبة، فكل البنات من حولي كنّ مولعات به، كونه مثقفا وواعيا وصاحب فكر فذ. لكنني أخرجته من تفكيري عندما علمت بمشاعره تجاه أخرى، كان الأمر مؤلما بالنسبة لي وقتها، لكن الزمن يمضي والجروح تشفى، ركزت على دراستي ثم وظيفتي وحافظت على التزامي، لكن ما حصل في الأمس جعلني أتمنى لو أنني أختفي الآن، ليتني لم أولد لأعايش تجربة محملة بهذا القدر من الإحراج.

فكرت مليا، ثم أقنعت نفسي بأن التهرب من مواجهة مخاوفي لن يوصلني إلى مكان، كما أنّ لديّ دروسا مهمة لطلبتي، لذا قررت أن أطأ المبنى أخيرا وأسرع الخطى لأتجنب رؤيته أو الاحتكاك به ثانية، على الأقل لهذه الفترة.

وكأن الكون دائما يدور ضدي، فلو أردت رؤيته سيختفي شهرا عن عيني، لكن بما أنني قررت تجنبه فقد لمحته عيني يسير في الممر وإلى جانبه لين وهي تدون بعضا من ملاحظاته. هممت بالركض باتجاه السلالم بسرعة لكن لين لم تكن لتتركني بحالي قبل إلقاء تحية شفوية لي لتسترعي انتباهه نحوي.

كان يرتدي بزة رمادية أنيقة جدا، وشعره الأسود مصفف كالعادة مع خصلة صغيرة هربت من نعومتها لتسرح فوق جبينه برشاقة، عكست البزة بريق اللون الرمادي المتوشح للون الأخضر في عينيه ليزيد طلته بهاء، وتغري بوسامته الأخاذة العيون من حوله، هل يعي هو مقدار جاذبيته ووسامته؟ لماذا قد يبقى شاب في هذه المواصفات أعزب حتى الآن؟ الثراء.. الوسامة.. قوة الشخصية... أم تراه متزوجا ونحن لا ندري؟ لكنه نفى ذلك لي في محادثة الأمس.

قاومت رغبة شديدة في تسليط نظرة ساخطة لابنة خالتي، لكن عذرها أنها لا تعلم بما حصل البارحة لذا لا ألومها. أومأت لها برأسي بسرعة واستدرت صعودا نحو السلالم وطيلة الوقت لم أسمح لعيني أن تلتقيا بنظراته المسلطة نحوي.

ما إن استقررت في غرفتي الصفية حتى فاجأتني هند وماريا بهجومهما علي، تذكرت أنني لم أجب أيا من رسائلهما أو مكالماتهما، لأنني كنت منشغلة بذاك الرجل الضبابي، عدا عن ذلك كنت محملة بالسخط على هند فهي السبب وراء ما حصل معي.

بدأت برسالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن