" يا الله.... ياربّ... يا رحمَن... يا جبّار... يا عزيز... يا مُقتدِر... لِما أنا؟... لِما في كلّ مرّة يجب عليّ أن أتألّم هكذا؟ لماذا لا أستطيع عيش السعادة التي جاهدتُ للُقياها وتحقيقها؟... كلّ ما يحدُث معي يجعلني أتساءل عن شيئا واحدا فقط... ماهو الذنب العظيم الذي فعلتهُ بحياتي لأتجازى كسورا وخُذلان؟... أنا لم أكسِر بخاطِر أحد من قبل! لم أفعل حتّى مَع من جرَحوني وطَعنوني في الماضي! لم أخذُل من إءتمنني على شيء... لقد إحترَمتُ الجميع ولم أكُن فظّة مع أيّ بشريّ واجهته بحياتي كلّها... رُغم أنهم على عكسي تماما... إذن لماذا كلّ ما هو سيّء يحدُث لي أنا؟ هل تختبرني يا ربّي؟ لِكم ستختبرني بعد؟ لقد تعِبت... اُستُهلِكت... تألّمت... حتّى النوم بات يؤلمني... تسطُع الشمس ويُنير القمر الأرض ليلا وأنا لا أتحرّك من فِراشي... أضُم قدماي لصدري وأبكي طوال اليوم... هل النّاس تكرهني لدرجة أن تحسدني على نومة هنيئة؟ لقد تعذّبت كثيرا ألم يَحِن وقت راحتي؟... من قصدي بهذه النّاس؟ ليسوا ناس... ليسوا بشر... بل مُجتمع... لعين... حقير... بغيض... ظننتُ أنني هربتُ منهم ولكن لا... ظننتُ أنني نجوت منهم ولكن أيضا لا... لاحقوني... في حياتي وفي عملي وفي نومي وحتّى في طمئنينتي وراحتي وهدوئي وسكينتي وفرحي وحُزني... حتّى زوجي لم يسلَم منهم... ذلك الذي ظننتُ أنهُ قد نجّاني منهم ومن وحشيّتهم بتفكيرهم الذي لوّث عقول الجميع! أذوه وأذوني معه... يا الله... لا أحد لي سواك... لا أحد سيُنقذني سواك... لا أحد سيُصمت أفواههم للأبد سواك... فساعدني يا الله ساعدني أرجوك... "
من كانت تبوح بما يسكُن جُعبتها تتألّم بصمت وسط دورة المياة الكبيرة تلك... تقبع في حوضٍ إستحمامٍ ضخم تملئهُ المياة الصافية والرغوة الكثيفة... ظنّت أنها إن رمت نفسها للمياة وإغتسلت ستنسى ما تعايشت معهُ وعاشته... ولكن كلّا... لحقت بها الذكرى حتّى هُنا... دموعها لامعة وساخنة... من شدّة سخونتها أحرقت خدّيها الناعمين... بخلاف حرارة جسدها التي تشعُر أنها ستفتك بها تماما رُغم برودة الماء الذي تقطُن بداخله... عيونا متورّمة وشعرا مُبلّلا ووجها شاحبا وجسدا مُنهكا... هذه هي زينب الآن... زينب التي رفعت أناملها الراجفة وأرختهُم أعلى كتفها العَاري وهي تجهش بالبُكاء... ثمّ تُكمل وتواصل...
" رحلوا جميعهم بسبب ماضٍ لعين أرغمتُ نفسي على نسيانه... ماضٍ ظننتهُ إنتهى وبات رمالا إختلطت مع الرياح... لِماذا الدُنيا تُعاقبني هكذا؟ عقابها قاسٍ وعسير... عاقبيني أنا!!! إسلبي منّي ما أردتِ ولكن أحبائي؟!... مرّت عليّ أزمِنة... وددت فيها الموت فقط... مرّت عليّ لحظة تمنّيت التخلّص فيها من ذاكرتي... جلستُ مع نفسي فلم أجِدها... تغيّر الذين من حولي فجأة وبلا مُقدّمات تؤهلني نفسيّا لتقبُّل هذا الأمر... أغمضتُ عيني على حلم جميل وإستيقظت على وهم مؤلم... فتحتُ عيني على واقعٌ لا أريده... تذكّرتُ إنسانا عزيزا رحلَ بلا عودة... نحن... أنا ومن أُحب... كنّا معا دائما نتقاسم الأفراح والأحزان ، كنّا دائما نُحاول أن نسرُق من أيّامنا لحظاتٍ جميلة ، نُحاول أن تكون هذه اللحظات طويلة ، نُحاول أن نُحقق سعادةً وحبا دائمين حاولنا دائما أن نَبقى معا لآخر العُمر ، لكن لم يخطُر ببالنا أن اللقاء لا يدوم ، وأنّ القضاء والقدر هو سيّد الموقف ، وأنهُ ليسَ بيدنا حيلَة أمام تصاريف القدرِ وتقلّباته... بعد الفُراق لا تنتظر بزوغ القَمر لتشكو له ألم البُعاد؛ لأنّهُ سيغيب ليرمي ما حملهُ ويعود لنا قمرا جديدا ، ولا تقِف أمام البحرِ لتهيج أمواجه ، وتزيد على مائهِ من دموعك؛ لأنه سيرمي بهمّك في قاع ليس له قرار ، ويعودُ لنا بحرا هادئا من جديد... وهذه هي سنّة الكون ، يوم يحمِلك ويومٌ تحمله. "
أرخت جسدها بتلك المياة التي تتحدّثُ عنها وتصِفُها بين حديثها وحُروفها... أرغمت رأسها على الغطس والتوغّل وسط المياة بكُلّ عنفٍ أرادت إخراجه... لأنها تُريد أن تمنع عقلها من تذكّرها وتذكيرها في كلّ دقيقة بالمجزرة التي حلّت بحياتها... زينب تملِك حياة هادئة جميلة ومحفوفة بالحبّ والحنان والإهتمام والأفعال الخيّرة من بعد تغلّبها على ماضيها... ولكن هذا الماضي لا زال يُلاحقها لدرجة أنهُ سلب منها من تُحب وتهتمّ لأجله... من تخاف وتقلق عليه... من عشقهُ قلبُها أوّل عشق حقيقيّ... بعد دقائق عدّة سحبت نفسها من عُمق المياة وهي تشهق لعدم قُدرتها على مواجهته ومواجهة غدره بها... لتُحدّق بعدها بمُقلتيها الواسعتين والحزينتين كما الدّامعتين الباب الذي دخلت منهُ... ولرُبّما هو يدخُل منهُ أيضا... يا لجمال الأحلام!!! ولكن للواقع رأيا آخر....
رأيكم مهم😉