《# ألمْ وغَضَبْ》
رحل صديقا قريبا وأخا عزيزا.... تمّت مراسم الدّفن وصار صاحب الدرب تحت التُراب راقدا.... بينما كان الشيخ يقرأ سورة الفاتحة عليه.... كان هنالك عينين حمراء حزينة تدمع بصمت عميق كعُمق المُحيط.... أسنانا تكزّ على نفسها قهرا وحسرة ، يدين راجفة مُلمّة ببعضها فوق الحزام.... وصدرا يتداخل الهواء الطلق بداخله يهزّ العظام ، يعلو وينخفض لشدّة الحُزن والألآم.... ألما سيكون نفسيّا قبل أن يكون جسديّا.... ساقين باردتين راجفتين تحمل نصف الألم الذي يملئ البدن بالكامل.... وفؤادا لا يتوقّف عن الخفقان.... بؤبؤتين تنظُر لفراغٍ في الأمام.... لا تتأثّر بالرياح او بالكلام.... هذا حال يوري ، الذي رحلت الأبدان عن حوله وبقيَ هو واقفا مُزامنا لتُربة صاحب دربه.... كأنهُ صنم لا يتزحزح.... يأتي من وراءه سليم ثم يقف أمام ناظريه التي كانت ترتكز فقط على الأرض ناحية القبر.... ليقول له والحُزن بيّنا من عينيه الذابلة: " عظّم الله أجرك يا بُني.... جعل الله مثواه الجنّة إن شاء الله!. "
إكتفى يوري بإيماء برأسه مُعبّرا عن شكره وإمتنانه لسليم وتعزيته.... ليتفاجئ حينما يمسك ذلك العجوز الطيّب بكلتا يديه الباردة كصقيع الثلج ثم يقول له: " لقد إعتبرته إبنا لي منذ أوّل يوم إلتقيت به.... أنا حزينا ومكسورا بقدرك يا إبني.... ف هيور ليس مُجرّد صديق بالنسبة لي.... بل كان في مقام زينب وعُمر!.... "
ثم فصل يداه عن كفّيه المُتجمّدة ، ليضعهم فوق منكبيه قائلا: " لقد أخبرني بكلّ ما حصل.... أخبرني أن الثعالب خرجت من جُحرها وصارت تنشر الفساد والفِتن! من جانب آخر.... تعاملي السيّء معك! لقد شتمتك وطردتك! لقد أهنتك يوري في حين أنك كنت البريء في لعبة الشياطين تلك! أرجو منك أن تُسامحني يا بُني! في نهاية المطاف.... هذه كانت فتنة ممّن لا يكنّوا الودّ لنا... وللأسف صدّقناها ووقعنا في مصيدتها.... "
صمت ولم يقُل شيئا... هذا غير عيناه التي لا يُزحزحها عن التُربة المُمتلئة ماءا من الأمطار الكثيفة.... لينطق أخيرا ويقول بنبرة مبحوحة وضعيفة: " سلمت.... "
ثم إستدار ورحل عنه.... حيث أن سليم حزن كثيرا أوّلا على هيور ، ثانيا على مُعاملته البشعة ليوري.... غادر المكان مُستقلّا أجرة لأن وضعه لا يسمح له بالقيادة أبدا.... وصل لمنزله ودخل بهدوء.... لتستقبله والدته بعناقٍ دافئ جعل عيناه تدمع ، فيسمعها تقول: " بسلامة رأسك يا حبيبي.... "
يبتسم على جانب شفتاه شديدة الإحمرار كما عينيه ليقول: " سلمتِ أمّي.... "
أجابته: " لقد حظّرت لك شيئا لتتناوله يا بُني سوف.... "
قاطعها على الفور بقول: " لا أشتهي.... أريد أن أنام قليلا أنا مُتعَب.... "