أن تكونَ رجلاً هذا لا يعني أن تكونَ ذو قلبٍ فظ، فرغم صرامتي، كنت رجلاً محبوباً من كل المحيطين بي، من قبائل وعشائر وأهل وأصدقاء، لا أنكر بأن لا أحد له سُلطة علي او حتى القدرةَ على تغير قرارٍ إتخذته البتة.
إستيقظتُ ذات يوم على خبر قتل أخي، تبين لي بأن من قتله هو صديقه جبار إبن شيخ القبيلة المجاورة لنا، غضبت غضباً شديداً وأقسمت بأخذ ثأري منه، وان أقطعَ عنقه ،فقد قتلَ أخي الوحيد.
عندما علمَ أهله بأني سأقتله سارعوا بتسليمه لقوات الأمن، خوفاً عليه مني وليحاولي مساومتي على التنازل مقابل فدية مالية.
سرعت السلطات في محاكمة جبار، ليحكم عليه بالإعدام حقناً للدماء. بعد مُضي ثلاثة أشهر على حكم الإعدام الذي لم ينفذ بعد، همَ شيوخ العشائر وكبار التجار بالدخول على شيخ عشيرتي للتفاوض معه، ظناً منهم بأني قد تمالكت أعصابي الأن، وسأقبل بالفديةِ التي يبغونها.
جاء أحد رجال الشيخ طالباً حضوري للمجلس فرفضت، وبعد العديد من المحاولات ذهبت وانا أكن جُلَ الحقد على ذوي القاتل.
قالَ احد الشيوخ : إسمعني يا سرحان، أنت على درايةٍ بأن جبار هو وحيد والده على خمسِ أخوات، نتمنى منكَ أن تقبل الفدية التي تختارها أنت مهما كانت إلا القصاص من جبار، ستأخذ ما تريد من النقود نبيع بيوتنا وأراضينا وكل ممتلكاتنا ونعطيك إياها إن شئت.
_إسمعني جيداً ،العوض بالمال للبهائم، وليسَ للبشر، واقسم لك ان خرج من السجن سأقتصُ منه مهما كلفني الامر.
رفضت عرضهم بكل حزمٍ وخرجت من مجلسهم وانا في أوج غضبي.
كانت تتوالى زياراتهم كل شهر محاولينَ بذلكَ الضغط علي للخضوع لأمرهم، باءت كل محاولاتهم بالفشل، فلن اقبل بغير الدم ليبردَ قلبي. مضت الشهور تبعاً حتى بقيَ على موعد تنفيذ الحكم أسبوع. ليجتمع في مضافة شيخنا الشيوخ من شتى المناطق المجاورة لنا،
تقذم أحد الشيوخ وقال لي : سيد سرحان أتقبل بديةِ الرحى؟
فتحت فاهي على غرةٍ، فدية الرحى يعني أن أتزوجَ أخت القاتل وتكون كالخادمة في منزلي، إلى أن تنجب لي ذكر، واذا انجبت فتاة، تبقى إلى ان تضع لي ذكراً، دونَ أن أدفع فلساً أحمر.
تبين لي بأن أخته الكبرى من قامت بعرض هذه الدية لتفديَ أخاها الوحيد من القتل والإعدام.
رفضت هذه الدية رفضاً قاطعاً، وعدت إلى المنزل، فكرت ملياً بخصوص هذا الأمر، فأنا متزوج من إبنة عمي قُرابة ال (12) سنة، ولم تنجب لي من يحمل إسمي. فقلت لها عن الأمر.
قالت لي : انا لم انجي لك حتى الآن، واذا لم تحصل على طفل فستتزوج من أخرى وتبقى معي، لكن هذه فورَ ان تضع لكَ مولودها ستغرب عن وجهي، وافق أرجوك.
_لكني رفضت، ولن اذهبَ لهم لأخبرهم بأني أوافق.
_سيعودون، انا على ثقة بهذا الأمر.
_اذا ما عادوا سأوافق.
كنت أعلم بأن أمي وراء إقناعها، فكانت ترفض الفكرة منذ البداية، تباً لكيد النساء. تبقى يومين فقط على تنفيذ الحكم، فعادت جاهتهم مرةً أخرى، ليعرضوا علي فديةَ الرحى من إبنة الشيخ الكبرى الملقبة ب(سعاد) ، فوافقت بعدَ عدة محاولات، ذهبوا ليخبروا الشيخ ابو جبار على موافقتي، ليسقطَ بدوره أرضاً وهو يبكي، فبرغم العفو الذي سيلحق ابنه، إلا انه سيخسر ابنته أيضاً.
زفت سعاد بملابسها، وعبائتها السوداء دونَ دقةِ دف.
يتبع...