ما ان وقع الإنفصال حتى عزمت السفر، فمن المعتاد بأن الفتاة التي تقدم نفسها لفدية الرحى، سرعان ما يتقدم لها كبار وشيوخ القبائل تكريماً وإجلالاً لحسن صنيعها، تقدم الكثير من الرجال للزواج من سعاد، لتوافق بدورها على أحد اكبر الشيوخ المعروفين بحسن أخلاقه، وتم عقد قرانها.
لا انكر بأني بت ليلتها والعبرُ تخنقني، فلم أحب أحداً بقدر ما أحببتها.خرجت في سفرتي التجارية مدةً تتجاوز الشهرين فلم أقدر على المكوث في القرية، شعرت بالضعف لأول مرةٍ في حياتي. وصلت إلى وجهتي فبدأت اتجول هنا وهناك، فلا طاقةَ لي للعمل بتاتاً. انتهت رحلتي فعت إلى المنزل، جلست مع زوجتي وأمي وانا احتضن أطفالي، فقربهم مني يعني قرب سعاد لي، اشم رائحتها فيهم، تلك الرائحة التي لا تغادر ذاكرتي.
بدأنا نتبادل اطراف الحديث، فسألتهم وانا أبدي اللامبالاة : كيفَ كان عرس سعاد.
فقالت أمي بسخرية: ألم أقل لك سابقاً بأنها تجلب الحظ السيء اينما وقت قدمها؟
_ولماذا ؟
_توفيَ أخوها جبار بحادث مروري بعد مغادرتك، أي قبل زفافها بأسبوع، وتراجع من كان يريد الزواج منها عن قرار الزواج ظناً منه بأن حظها العاثر سيلحقه أيضاً.سعدت بخبرها هذا، فقلت: حسناً سأذهب إلى الشيخ لأقومَ بواجب التعزية.
ما ان وصلت منزلهم، حتى وجدت غرفة الاستقبال مظلمة، فيبدو بأن أحداً لم يطأها منذ شهور، طرقت الباب ليتردد صوت سعاد من خلفه وهي تسأل من الطارق، أجبتها بأني سرحان، فتحت لي الباب وطلبت مني الدخول، سألتها مستنكراً: أين العم أبو جبار
_ما ان توفي أخي حتى سقط أبي صريع الفراش، فهو ملقى على السرير كما ترى.
_لا حول ولا قوة الا بالله، ألم تعرضوه على الطبيب؟
_عرضناه، لكن ما من فائدة.
_حسناً سأجلب له طبيب يبقى معه ويلازمه ويلبي طلباته أجمع، ومن ناحية التكاليف الطبية، لا عليكِ بها سأتكفل بعلاجه.ترجلت لأخرج من المنزل بعد مضي نصف ساعة، فليس هناك ما اقوله، ما ان إقتربت من الباب، حتى غردت سعاد مناديةً بإسمي، ليرقص قلبي فرحًا على وتر صوتها الرنان. إلتفت صوبها واردت ان أقول يا مهجةَ قلبه لسرحان، لكني اكتفيت بنعم.
مدت يدها واعطتني قلادة وقالت، : اسفة لمنادتك بإسمك، فانا حقاً لا اعلم بأسماء اطفالك لانديك بإسمهم، لكن اتمنى ان تحضر طبيباً من خارج القرية، لانه لم يكن بمقدوره ان يقدم الرعاية الكافية لأبي.
_حسناً، سأفعل ما تُملينه علي.
وخرجت متوجهاً نحو الطبيب فبدأ بدوره منذ ان خرجت، داوم على الذهاب وتقديم العلاج، ليتوفى والدها بعد مضي ثلاث سنوات. فطلبت سعاد من الطبيب الحضور واعطته قلادة وقالت له: تفضل هذه القلادة واعطيها لإبنتي، فهذه إرث عائلي تهديه الأم لإبنتها، فقد إهدتني اياها امي وهأنذا اعطيها لابنتي.
ما ان اعطاني اياها الطبيب، حتى شعرت بانها تحن لأطفالها، فذهبت لأمي، وتجرأت وقلت لها بأني اريد ان اتزوج. تقبلت الموضوع برحابة صدر، لكن بعد ان عرفت بأنها سعاد حتى بدأت بشتمي.شعرت بالإختناق، وامتنعت عن الطعام والشراب، وبدأت حالتي الصحية بالتدهور شيئاً فشيئاً، لازمني ذات الطبيب للعلاج، فبعد ان رأى بأني لم أعد استجب للعلاج، حتى ذهب ليخبر والدتي بأن توافق، واخبرها بأني سأموت اذا ما بقيت على هذا الوضع، لترفض مرةً أخرى واردفت قائلة: ليذهب للجحيم، فليأخذه الموت اذا اراد ان يغرس رأسنا بالوحل.
_لكن يا خالة اذا توفى سرحان، ستخسرين أحفادكِ أيضاً ،لان الحضانة ستنتقل تلقائياً للأم.
ضغط على صمام الأمان الخاص بها بهذا القول، فوافقت على مضضٍ، لترتد بذلك لي روحي، وتعود الدماء للتدفق بعروقي. عادت سعاد زوجةً لي بعد الكثير من العناء، فمن يرغب بالوصول للعسل لا بد له من تلقي الوخزات من النحل، وانتهت بذلك قصةَ صراعٍ داخلي، كادت ان تنهي حياتي، فعشت بسعادةٍ عامرة مع من اختارها قلبي.
..تمت..
تنويه:
القصة بالأحداث والتفاصيل والأسماء واقعية، لكنني سردتها لكم بأسلوبي الكتابي.
#بِــقَلَمـــي 🖤🐼
حنان جناجرة