#سركِ_في_بئر*مصر
*عام 1989
تتعالى صرخات بصوت أنثوي مكتوم بالبداية ثم تبدأ بالتصاعد تدريجياً حتى تملأ ضواحي الحي الذي تقطن به أم هيثم، كانت أكثر إمرأة معنفة من زوجها شهدها الحي آنذاك، تتلقى الضربات ليلاً ونهاراً، حتى أن الجيران الملاصقين لبيتها كانوا يتهافتون للتفريق بينها وبين زوجها الذي لم يكلَّ يوماً عن ضربها.
وكأي أنثى شرقية، كانت أم هيثم ترفض الطلاق بسبب أطفالها ونظرة المجتمع البربرية للإمرأة المطلقة، وبين ليلةٍ وضحاها هدأت الأوضاع كلياً في منزل هذه الأسرة، واستمر الحال إلى الحد الذي إشتاق به الجيران لتلك المناوشات التي تدور بينهما يومياً.
تتابعت الأشهر والهدوء لا يزال يطلق جناحه على منزل ابو هيثم، فلم تعد أم هيثم تخرج من الشرفة وهي تصرخ وتطلب المساعدة من سكان الحي، حتى أن بعضهم إنتبه لعدم خروج ابو هيثم من المنزل نهائياً. وكعادة الجيران الشرقيين الذين يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة تحصل، بدأت نساء الحي بالتهافت لزيارة أم هيثم سائلين عن زوجها، فكانت تتمحور الأسئلة حول أين ذهب وما هي أسباب الإختفاء المفاجئ، ليكون ردها دائماً بأنه قد هربَ من المنزل، لكن هذا الكلام لم يكن كافياً ليقنع سكان المنطقة بأسرها، فهم على دراية تامة بأن أبو هيثم لا يخرج من المنزل بل يخرجها هي ويبقى هو جالس مستمتع بخيرات ذاتهمر على إختفاء ابو هيثم قرابة الستةَ شهور، ليزداد الفضول عند الجيران والأقارب عن مكان تواجد ابو هيثم الذي إختفى بين ليلةٍ وضحاها. وبعد مرور سنة على إختفاءه، قام أحد إخوته بتقديم بلاغ تغيب للقوات الأمنية. بدأت السلطات الأمنية بالتحقيق مع أم هيثم، فكان ردها بارداً للحد الذي أشعل ثورة من الغضب لدى رجال الآمن آنذاك، فقالت لهم بأنه هربَ لوحده دون أن يخبر أحد عن وجهته، ثم بدأت تلعن وتشتم بزوجها على مسمع إخوته ورجال الأمن.
*بعد مرور ثلاث سنوات...
في بداية التسعينات، إنتقلت صرخات أم هيثم لجارتها أم أحمد، التي بدأ زوجها بضربها كما كان يفعل أبو هيثم مع زوجته، وبحُكم أنها أنثى معنفة مسبقاً، أبدت تعاطفاً ملحوظاً مع أم أحمد، فكانت تتدخل بينها وبين زوجها وتفض المناوشات وتطلق لسانها القاسي على الزوج الذي كانت تصفه بعدم الرجولة وأنه شخصٌ لا يخشى الله.
فبدأت أم أحمد بزيارة أم هيثم يومياً بعد أن يقوم زوجها بضربها، وفي أحد الجلسات النسائية _وأنتم بالغنى عن تعريف الجلسات النسائية، ففي هذه الجلسات تبدأ كل واحدة منهن بذم زوجها والحديث عنه، إلا من رحمَ ربي، انا لا أعمم، فالتعميم لغة الجاهلين _ قالت أم أحمد بنبرة إنكسار:
_أنتِ محظوظة يا أم هيثم، فهروب زوجك أضفى على حياتك الكثير من الهدوء بعد ان كانت حياتكِ أشبه بالجحيم.
قالت لها أم هيثم بسخرية وهي تضحك:
_لدي خطة لكِ ستُريحكِ من مشاكل زوجك نهائياً. لكن ليبقى الأمر سراً بيننا، فقد مر على إختفاء زوجي ثلاث سنوات ولم أبح بسري هذا لأحدٍ قط، وهأنذا أبوح به لكِ اليوم.
_بالتأكيد لن أخبر أحد.
_أنصتي جيداً يا أم أحمد، افعلي كما فعلت بزوجي.
_وماذا فعلتِ؟
_بعد ان قام في أحد الأيام بضربي ضرباً مبرحاً كاد أن يقتلني به كي أصبح في عداد الموتى، وصل الموضوع حده بالنسبة لي وعزمت الإنتقام، فتركته حتى خلدَ إلى النوم، ذهبت إلى المطبخ وأحضرت سكين كبيرة مخصصة لتقطيع الخراف، وسددت له عدةَ طعنات كانت كفيلة بأن يفارق على إثرها الحياة، نقلته بعدها إلى حوض الإستحمام وقمت بتقطيع جسده البالي، وسكبت عليه الأسيد، بقيت أسكب عليه الأسيد قرابة الشهر إلى أن ذاب الرجل تماماً.
_ وأين ذهبت جثته؟
_ ذابت وأصبحت في الصرف الصحي، ثم بدأت أقول للجميع بأنه هرب، حتى نسى الجميع أمره، هذا سر بيني وبينك لا تخبري به أحد.
_ لا عليكِ سركِ في بئر عميق.
خرجت أم أحمد وذهبت إلى منزلها، وأبقت الأمر سراً في بئرها العميق الذي لا يوجد فيه إلا زوجها بالتأكيد، فقامت بسرد القصة عليه من البداية إلى النهاية، ليذهب زوجها إلى رجال الأمن وقدم بلاغ ضد أم هيثم، كان أبو أحمد أسعد رجل في هذا اليوم فقد تخلص من إمرأة كانت تُعكّر عليه صفوَ حياته بتدخلاتها بينه وبين زوجته.حضرَ رجال الأمن وأخضعوا حوض الإستحمام للفحص وإكتشفوا بعض آثار دماء بشرية في الصرف الصحي، خمنوا بأنها تعود لأبو هيثم، فالطب الشرعي لا تفوته فائتة، بعد مواجهة أم هيثم بالحقائق إعترفت بالأمر، ليتم إحالتها للمحاكمة، صدر بحقها حكم الحبس المؤبد.
فلن يضيعَ الله دماءً بشرية أُريقت ظلماً، فسيأتي يومٌ يُسدل به الستار عن هذه الجريمة مهما كانت متقنة.
..تمت..
تنويه :
القصة بأحداثها حقيقية للأسف.
#بِــقَلَمـــي🖤🐼
#حنان_جناجرة