«برايلين، استيقظ، إنها السابعة، نصفُ ساعةٍ وسيكونُ معلمِ اللغةِ في الفصل، علينا أن نسرع.»
لطالما اعتقدَ أنه، كونَه مسلمًا في بلدٍ يعجُّ بدياناتٍ مختلفةٍ ومعتقداتٍ عجيبة، قادرًا على التعاملِ مع أيِّ شكلٍ ممكن من البشر، مع ذلك، فهوَ لا يصدقُ أنه الآن يوقظ المدمنَ الجانحَ برايلين كي لا تفوتَه الحصةُ حقًّا.فهمَ الآنَ لمَ يكونُ نومه ثقيلًا في الصباح، لا بدَّ أن آثارَ المخدرِ ما تزالُ تسبحُ في دمائه مسممةً كلَّ جزءٍ واهنٍ فيه، لا يدري كيفَ أن هذا المرءَ الهزيلَ جدًّا، التعِبَ جدًّا، الذي يشهقُ أنفاسه الهينةَ بصعوبةٍ، يتحملُ جبروتَ المخدرِ على دمائه وخلاياه.
«استيقظ يا برايلين!»
صحا أخيرًا حينَ شرعَ الآخرُ يمسِّدُ شعرَه، ألقىٰ عليه نظرةً تحملُ كلَّ حيرةِ وريبةِ الدنيا، فتنهدَ إدريس وكرر كلماتِه: «انهض، سنتأخرُ على حصةِ اللغة، ارتدِ ملابسك سريعًا، وحينَ أقولُ ملابسكَ فأنا أعني الزيَّ المدرسي، لا ستراتِكَ السوداءَ السخيفة التي تكادُ تطردُ من الحصصِ بسببها، وارتدِ السترة الصوفية، الجوُّ باردٌ في الخارج.»لم تفلح كلماتُ إدريسَ الكثيرة في تخليصِ ملامحِ برايلين من ستارِ الاستنكارِ والحيرة، ظلَّ متصنمًا مكانه وهلةً كافيةً ليعاودَ إدريس الهتاف: «تحرَّك يا برايلين!»
خلالَ عشرين دقيقةً كانَ برايلين جاهزًا بزيِّه المدرسي الكامل، تمعّن -بينما يمشّطُ شعرَه- في صورته التي انعكست على المرآةِ المعلقةِ وأخفىٰ رجفتَه، إنه يبدو الآن كـغِرٍ غضٍّ جاهزٍ ليتعلمَ عن سيرورةِ العالمِ بالطرق الصعبة، لقد أنجَدَته ملابسُه الحالكةُ الفضفاضةُ من تلكَ الهيئةِ الوديعةِ التي تجعله يبدو صيدًا سهلًا لكلِّ من يبتغي صيدًا، قبضت أنامله على أطرافِ السترةِ القمحيةِ بينما يختلسُ نظرةً متسائلةً نحوَ إدريسَ كانَ قد اختلسَ العشراتِ من مثيلاتها منذُ استيقظ، وكانَ الأخيرُ يلقي عليه بتعليقٍ حازمٍ بينَ حينٍ وآخر، تعليقاتٌ تليقُ بـأبٍ أربعينيٍ من طراز: «اغلق الأزرارَ كاملةً كي لا تصيبكَ الحمى»، «مشِّط شعرك جيِّدًا» و«نظف الحذاءَ قبلَ أن تنتعلَه.» ولم يستطع برايلين رغمَ سناحِ الفرصةِ أكثرَ من مرة أن ينبسَ بحرف، يدري جيدًا أن ما حدثَ البارحةَ قد حدثَ فعلًا، هو خيرُ مَن يعلمُ الشعورَ اللاسعَ الذي يتركه نصلُ الإبرةِ في وريده ناتجَ ارتجافِ يدِه في القبضِ على المحقن، وبما أنه لا يبثُّ ألمًا صاعقًا حينَ يحركُ ذراعه الآنَ مهما كانت حركاته خشنةً، فهذا لا يعني إلا أن يدَ إدريسَ الثابتةَ هي التي أفرغت المحقنَ البارحة.
«هل انتهيتَ؟ يفضلُ أن تسرعَ لأنني لا أحبُّ المواعيدَ المتزعزعة!»
ألجمَ نفسه مرةً أخرىٰ، وتبعَ الأبَ الحانقَ صامتًا إلى حصةِ اللغةِ التي دامت دهرًا، في لحظةٍ ما حينَ كانَ يحدِّقُ بإدريس خفيةً بينما يدونُ ملاحظتِه كما أمره الأخيرُ أن يفعلَ قبلَ الحصة، وجدَ المعلمَ الكهلَ ينادي باسمه.
أنت تقرأ
جانِح | BAD BOY
Short Storyإلى الجانِحِ الذي أفسدَ حياتي وحياتَه: لستَ الشخصَ الأخيرَ في هذا العالمِ يا برايلين، لقد توقفتَ أخيرًا عن نصبِ الفِخاخِ في أيامي واعتزلتَ شنَّ حربِ النظراتِ بينَ مآقينا، ولكم يقلقُني هذا يا برايلين، لم أعتد منكَ البقاءَ هادئًا لساعتَين كاملتَين. ...