التاسع عشر

1K 151 157
                                    


«رأسي.. سينفجر.. أحتاجُ العقارَ حالًا!»
انسابت همستُهُ إلى أذنِ إدريس حاملةً معها للأخيرِ قذائفَ من فزَعٍ مُجرَّد، من بينِ كلِّ الأوقاتِ الفكليّةِ التي قد تنتقيها نوباتُ الألمِ المرافقةُ للانسحابِ فقد اختارت هذا الوقتَ بالذاتِ كي تصرعَ إدريسَ قبلَ أن تصرعَ صاحبَها، كانَ وجهُ برايلين شديدَ الاحمرار، كفَّاهُ يرتعشانِ بلا توقفٍ وقد رَسَمت الشعيراتُ الدمويةُ في عينيه الزائغتَين لوحةً محتقنةً لطختها الدموع، حينَ رآها... اكتشفَ إدريسُ أنه لا يدري بربِّ السماءِ ما يجبُ عليه فعلُه.

بالكادِ استجمعَ الأخيرُ نفسَه واختلسَ نفَسًا خافتًا من أنفاسِه التي سُحِبت منه بغتةً، ابتلعَ ريقَه وحاوطَ كفَّ برايلين القابضَ على الطرفِ السفليِّ من الدُّرجِ بيدِه، يهمسُ متضرعًا أن لا يلحظهما المُعلِّم: «برايلين.. اهدأ.. الأمورُ على ما يُرام.. أرخِ رأسَكَ على الدُّرجِ قليلًا وانظر إليّ.. هل الأمرُ مقتصرٌ على الصداعِ فقط أم ثمةَ أعرـ...»

«الصمتَ رجاءً يا سادة! سيتمُّ خصمُ درجتَين مِن مَن ألحظه يحاولُ محادثةَ زميله!»

أنفاسُ الفتىٰ الواهنةُ تستجدي الهواء، بينما يحاولُ بكلِّ قواهُ أن يتعاملَ بطبيعيةٍ كي لا يجذبَ أنظارَ المعلمِ الذي يترقبُ هَفوتَه، وقد ازدادَ احتقانُ معالمِه بينما يشدُّ أعصابَه كي يحكمَ السيطرةَ على القلمِ جنبًا إلى جنبٍ مع رجفةِ أصابعِه، لم يدرِ إدريسُ لحظتئذٍ كيفَ انسلّت كلُّ خططِ التعاملِ من رأسه لكأنها لم توجَد قطُّ، بينما يشهدُه يعاني حدَّ الاحتضارِ ربما، فألقىٰ على المعلمِ نظرةً حائرةً مفكرًا إن كانَ سيسمحُ لبرايلين بتركِ الامتحانِ وإن رآهُ ينازعُ الموتَ أمامَه.

«لا بأس.. أستطيعُ الاحتمالَ.. قليلًا بعدُ.. أنا... أعلمُ أنني أستطـ...»
انقطعت همستُه التحفيزيةُ الفاترة بأنينٍ مكتومٍ طويلٍ حينَ أطبقَ الألمُ على رأسِه من جديد، جسدُه لن يبرحَه حتى يَدُسَّ العقارَ الملعونَ فيه، قطرةٌ واحدةٌ قد تُنجيه، لقد احتملَ طويلًا، منذُ الصباحِ وهو يقاتِل ويحاولُ أن يبدوَ طبيعيًّا بالضحكِ والمزاحِ كي لا يُقلِقَ إدريس، كي لا يُزَعزِعَ ثقتَهُ فيه، ألا فلتنقضَّ الثقةُ الآن إن كانَ هذا مقرونًا بتحصُّلِه على إكسيرِ نجاتِه! لن يستطيعَ احتمالَ الألمِ لثانيةٍ أخرىٰ على أيةِ حال، لم يكن تخفيفُ الجرعةِ فكرةً جيدةً من البداية، أيُّ تعافٍ هذا الذي تجرَّأَ على مداعبةِ أحلامِه؟ هل سيستطيعُ فاشلٌ واهنٌ مثلُه أن يقاومَ سلطانَ چيمس كوبر الذي تغلغلَ حتى في أورِدَتِه؟ هل كانَ يفكرُ في الاعتراضِ على النقطةِ التي أوصلَه إليها الشخصُ الذي ربّاه؟

ألفاهُ إدريس يعزلُ نفسَه تمامًا عن العالمِ الخارجيِّ، مغمضًا عينيه ومحيطًا أذنَيه بكفَّيه الراجفَين وقد برزت أوردتُه، ولم يسمع الهمسةَ الخافتةَ المرتعشةَ التي تسللت من بين شفتَيه: «كلا! اخرج من رأسي يا چوردون أنا أتوسلُك، ليسَ وقتَكَ الآن!»

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن