الرابع عشر

1.2K 157 324
                                    


حشرتُ رأسي في قلنسوةِ كنزتي البرتقاليةِ القابعةِ أسفلَ معطفِ الچينز مُدَّعيًّا حنقًا يليقُ بطفلٍ مُدلَّلٍ بعدما تركزت علينا أنظارُ الناسِ في الحافلةِ بسببٍ شجارنا السخيفِ، اضطررتُ لصفقِ برايلين في الكرسيِّ جوارَ النافذةِ واجتلاسِ الآخرِ الموازي للممر، أنا لستُ طفلًا تافهًا ولكنني أحبُّ أن أجاورَ النافذة! لمَ عليه أن يأخذَ مكاني المفضل؟!

«توقف عن هذه التصرفاتِ يا إدريس! أنتَ لستَ يعقوبَ ابنَ عمِّك، يفترضُ أنّكَ العاقلُ هُنا!»

ضيقتُ عينايَ وشزرتُه بحنق: «آه! من الجيدِ جدًا أنك تعلمُ بكونكَ تتقمصُ شخصَ يعقوب، وبأنكَ لستَ عاقلًا كذلك.»

أعطاني نظرةَ استهجانٍ فخمّنتُ أنه يُراجعُ ما قالَه في رأسِه، ثم حينَ أدركَ دعَسَ قدمي وأعادَ عينيه إلى النافذة بينما كبحتُ نفسي بالكادِ كي لا أصفقَ رأسه بالشباكِ أمامَ الناس، لا يا إدريس! أنتَ العاقلُ ها هُنا!

لانَ انفعالي قليلًا حينَ وجدتُ رأسَه يرتخي على حافةِ ظهرِ المقعد بوهن، الصداعُ يشقُّ رأسَه، أنا أعلمُ ذلكَ وإن لم يُقدِم على إخباري، ما لا يعرفه برايلين هو أنني قد بدأتُ بالفعلِ بتخفيفِ تركيزِ العقارِ الذي يتعاطاهُ منذُ يومَين، استعدادًا لتقليلِ الجرعةِ اليوم، ورغمَ أنني قد خفَّفتُه بنسبةٍ لا تذكرُ فإنّ آلامَ الانسحابِ تداهمه بقسوةٍ بينَ حينٍ وحين، وبما أنه يحتملُها ولا ينطقُ إطلاقًا بل ويحاولُ التصرُّفَ على سجيَّتِه كي لا يُبديَ لي ما بِه، فهذا يعني أنه معتادٌ بالفعلِ على التعرضِ لنوباتِ الألمِ الناتجةِ عن مطالبةِ جسده بالعقار، لقد كانَ يحاربُ فعلًا كي لا يمدَّ أوردتَهُ بالمزيدِ من السُّمِ وبالنسبةِ له هذه محضُ جولةٍ أخرىٰ من حربِه التي لا تنتهي، لا يتخيّلُ أبدًا أنه بالفعلِ يعاني أعراضَ انسحابٍ حقيقية.

هذا ليسَ كلَّ شيءٍ على أيةِ حال، خوفي الأعظمُ من الآتي وليسَ من المعاصَر، هذه بدايةُ الأعراضِ فحسب، ما يزالُ طريقُه طويلًا جدًّا، ولا أدري حقًّا إن كانَ سيستطيعُ التجلُّدَ والصبرَ والخوضَ فيها صامتًا كما هوَ الآن.

بغتةً قبضت كفُّه بقسوةٍ على كفِّي التي تجاورُه فتفاجأتُ، إلا أنه قد سحبَها سريعًا وغمغم دونَ أن ينظرَ نحوي: «آسف، لم أقصد.»
لم أعلق وإن لم أفهم سببًا لاعتذاره، فيما أراه يحاولُ كبحَ رجفةِ كفَّيه، يبدو أن الأعراضَ تتأهبُ للتفاقم، ربَّاه.. لا تجعله ينهارُ الآن، مُدَّهُ ببعضِ القوةِ رجاءً!

«بعضَ الماء؟»
انتشلتُ الزجاجةَ من حقيبتي أعرضُها عليه، أعطاني نظرةً واهنةً قبلَ أن يتناولها ويتجرّعَ البعض، حينذاكَ استهللتُ خطةَ الإلهاء: «منزلُنا يقعُ أقصىٰ غربِ المدينة، يبعدُ عن المدرسةِ ساعتَينِ ونصفًا بسيارةٍ مُسرعة، في الليلةِ التي سبقت قدومي إلى المدرسة أوصلني عمي الأكبرُ يونس إلى فندقٍ قريبٍ أقمنا فيه الليلةَ حتى لا يتسببَ بُعدُنا عن المدرسةِ في تأخري، ظلَّت خالتي حليمة -وهي زوجة عمي- تكررُ أن لا حاجةَ للاستعجالِ وأنها تستطيعُ إيقاظنا في باكرِ الصباح إن بقينا في المنزل، كانت هيَ وجدِّي تاج أكثرُ مَن عارضا فكرةَ أن أقضي هذا العامِ في آندستريال، خالتي حليمة تكرهُ أيَّ تعليمٍ داخليٍ لأنها في صغرها أدخلها والدُها إلى مدرسةٍ ابتدائيةٍ داخليةٍ لم يعلموا بأنها مسلمةٌ فلقنوها تعاليمَ الدينِ المسيحيِّ وجعلوها تحضرُ القُدّاسَ وتشعلُ الشموع! لم يستمع لها أحدٌ كلما أخبرتهم أنها مسلمةٌ وظنّوها تحاولُ التهربَ من الشعائر! لذا فقد رفضت فكرةَ انتقالي رفضًا تامًّا وجاهدتُ مع والدي وعمي كي نقنعها أنني لستُ في السادسةِ كي يجبرني أحدهم على حضورِ القداسِ أو شيئًا من هذا!»

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن