لم يكن ثمةَ ضوءٌ في الغرفةِ إلا مصباحًا ليليًا صغيرًا كانَ يقبعُ على الكومودِ المجاورِ لسريرِ برايلين، لا يدري إدريسُ لمَ شعرَ أن عليه أن يرىٰ ما يجري بالأسفل، ما جعله يزحفُ بشيءٍ من الوجلِ إلى حافةِ السريرِ مناظرًا السريرَ السفليِّ الذي كانَ برايلين يعتليه ويمسكُ بيمينه الراجفةِ محقنًا مليئًا يقرِّبُ نصلَه من وريدِه الأيسر.
«ما الذي تفعله يا برايلين؟»
صُدِم برايلين حين ألفىٰ إدريسَ يقفزُ بغتةً ليعتليَه هاتفًا بسؤالِه السخيف، مُموضعًا إيّاهُ موضعَ المُحاصَرِ من جديدٍ ولكن بانفعالٍ فاقَ كلَّ غضباتِه السابقةِ حدَّ بُهِتَ برايلين وحرَّكَ ذراعه الأيمنَ بصعوبةٍ ليخفيَ المحقنَ خلفَ ظهره.«إـ إدريس؟!»
تضاعفَ الجنونُ في عيني إدريس ما إن أخفىٰ الآخرُ ما كانَ ممسكًا به في فعلٍ جعلَ شكوكَه تبلغُ عنانَ السماء، أفضى هذا إلى أن ضغطَ بكفَّيه أكثرَ على القفصِ الصدريِّ الواهنِ المحشورِ بينَ يديه والفراش حدَّ أطلقَ برايلين أنينًا طويلًا متألمًا ولمعت عيناهُ.«أرِني ما تخفيه فورًا، لا تتردد.»
«ابتعد.. عني.. يا إدريس.»
قطَّعت محاولاتُه للالتقاطِ نفَسٍ كلماتِه، ولم يُبدِ الآخرُ شيئًا من الشفقةِ معتصرًا رئتَيه أكثرَ حتى شعرَ برايلين وكأنّ ضلعًا له قد كُسِرَ بالفعل، ربما أكثرُ من واحد، ربما تهشم قفصه الصدريُّ كاملًا واخترقت الضلوعُ قلبَه ورئتَيه، لم تبدُ ملامحُ إدريس كشيطانٍ أحمر هذه المرة، كانَ غاضبًا للحدِّ الذي يكبحُ عن كاملِ ملامحه معالمَ الغضب، ويختزنه جميعًا في عينيه اللامعتَين ببريقِ الجنون، صوتُه باتَ همسًا، ولكنه همسٌ مرعبٌ بحوافَّ زجاجية، مشبَّعٌ بقسوةٍ عمياء.«أرِني ما تحمله.. يا برايلين.»
قطَّع جملته بنبرةِ فحيحٍ متوعدة، مستمرًّا في الضغطِ على ضلوعِ الآخرِ حدَّ احمرَّ أنفُ ذاكَ محاولًا كبحَ دموعه، ولكنه لم يرضخ.«قلتُ لكَ تحرَّك، لا تجبرني على أذيَّتِكَ يا إدريس، أنا لا أمزح!»
حاولَ برايلين أن يبديَ أقصىٰ معالمِ التهديدِ على وجهه المتألم، لولا أن زادَ إدريسُ ضغطَه متكلمًا من بينِ أضراسِه: «أتحسبُني لم أعُد أفهمُ تهديداتِكَ السخيفة؟ لقد انكشفَ إفكُكَ كاملًا أمامي يا رايلي الصغير، لستَ إلا طفلًا شقيًّا لا ينفعُ معه سوىٰ الألمِ وسيلةً للتربية، ولكن أن يصلَ الطفلُ لأن يحقنَ نفسَه بمادةٍ مجهولةٍ في قعرِ الليلِ فهنا عليَّ أن أقلقَ، وأقلقَ جدًّا كذلك.»عندَ كلمةٍ ما، أو ربما حينَ شعرَ بالفعلِ أنه لا يستطيعُ سحبَ أيِّ قدرٍ من الأنفاس، أغمضَ برايلين عينيه محاولًا أن يزيدَ احتمالَه قليلًا، إلا أنه في اللحظةِ التالية كانَ ينشجُ باكيًا، ويتوسلُ إدريس ليبتعدَ عنه بينما يشهقُ مستجديًا الهواء.
«أخرج المُحقن!»
«لا أستطيع! لقد كسرتَ ذراعي تقريبًا! لم أعُد أشعرُ به! تبًّا تحلَّ ببعضِ الرحمةِ وابتعد عني أنا أموت!»
أنت تقرأ
جانِح | BAD BOY
Historia Cortaإلى الجانِحِ الذي أفسدَ حياتي وحياتَه: لستَ الشخصَ الأخيرَ في هذا العالمِ يا برايلين، لقد توقفتَ أخيرًا عن نصبِ الفِخاخِ في أيامي واعتزلتَ شنَّ حربِ النظراتِ بينَ مآقينا، ولكم يقلقُني هذا يا برايلين، لم أعتد منكَ البقاءَ هادئًا لساعتَين كاملتَين. ...