السابع والعشرون

803 141 201
                                    

قبل الفصل، أذكركم ونفسي بتكثيف الدعاء لإخواننا بغزة وفلسطين عامةً، ردَّهم اللهُ إلى بيوتهم وأرضيهم وأهلهم سالمين غانمين، وأخزىٰ الكيان الصهيوني وأتباعه ومناصريه وزلزلهم، وثبَّتَ أقدامَ المقاومينَ بكل بلادنا العربية.
.

كانَ عسيرًا عليها أن تواريَ آثارَ الأيامِ على وجهها وجسدِها وحتى ثيابِها، رغمَ أنها لم تكسر حاجزَ السابعة والثلاثين إلا أن التجاعيدَ الصغيرةَ قد بدأت بالالتفافِ حولَ عينيها، ولم تنجح صبغاتُ الشعرِ الرديئةُ التي ألجأتها إليها الدُّنيا في منعِ الشعيراتِ البيضِ في مقدمةِ شعرِها من التناثرِ كما يحلو لهنّ، لم تجد حلًّا لإخفاءِ وضعها الاقتصادي المرير إلا بزيادة بهرجةِ ملابسها الرخيصة، الكثير من الألوان والحُليِّ الزهيدة، الكثيرُ من العطورِ النفاذة، وأحمرُ شفاهٍ ذو لمعةٍ وكثافة سوقية، لا شيءَ في ذلكَ يشبه نفسها السابقة، كاترينا التي كانت تشتري فاخرَ الثياب وتعرضُ عليها شركاتُ العطورِ ومستحضرات التجميل الكبرىٰ كلَّ ما تشتهيه نفسُها فقط كي تذكرَ اسمها خطأً في أحدِ مقاطعها، ما بالُها الآنَ هاربةٌ من الدنيا وما فيها؟ بالكادِ تملكُ مأوًى تطردُ منه كل حينٍ إن أخّرت مُستحَقُّ الإيجار، وتعملُ في توصيلِ الطعام؟

رغمَ كلِّ ذلكَ تعرَّفَها ابنُها ما إن وقعت عيناهُ عليها، وإن كانت هي شخصيًا لم تستطع أن تربطَ بين الطفلِ الذي عرفتْهُ ضئيلًا خفيضَ الصوتِ لا يكفُّ عن البكاء، ذاكَ الذي كان بالكادَ يبلغُ خصرها وكان سهلًا عليها أن تصفعَه حين تنزعج سواءً كان سببًا في انزعاجها أم لم يكن، وبين ذاكَ اليافعِ ذي التقاسيمِ الوسيمة والعينين التعِبتَين الذي وقفَ أمامَها، ورغمَ أنها شعرت كما لو أنها قد رأته قبلًا فلم تكن لتعرَفَه لولا اتفاقها مع رفيقه الذي يجاورُه على كل التفاصيل حتى الطاولةُ التي سيلتقيان عندها في المقهىٰ؛ كي لا يضطرا إلى البحث والتساؤل، كذا واستطاعت بنظرةٍ واحدةٍ أن ترىٰ آثارَ النعيمِ على وجه ابنها المتوردِ ومعطفه الجلدي الفاخر وذوقِ ملابسه الأرستقراطي، حتى صاحبُه قد بدا شخصًا أكثرَ احترامًا من أن يرافقَ ابنَها الذي تعرفُه.

«ألن تجلس؟»
نطقت حين رأته قد تسمَّرَ أمامَها يحملقُ فيها كمَن يرىٰ شيطانًا، حسبت أن رعشةً خافتةً قد نفَضت جسده حين تحدثت، لكأنما كان يحاولُ إنكارَ وجودِها بكلِّ شطرٍ فيه وما زادَه سؤالُها إلا يقينًا سامًّا، ألفته يقبضُ يدَ رفيقِه مقتربًا منه دونَ أن يشيحَ عينيه عنها، قبلَ أن يهمسَ بصوتٍ بالكادِ سمعتْه: «لنرحل.»

كان المدعوُّ تاج قد اتفق معها سابقًا أنه لن يخطِرَ برايلين عن لقائهما، سيكتفي بتهيئتِه نفسيًّا، ونظرًا للفزعِ الذي تراهُ الآنَ في عينيه فهي تشكُّ أنه قد فعلَ أيًّا من الأمرَين، تجلّى خوفُه أمامَها رغمِ محاولاتِه المكشوفة كي لا يُبدِيَه، في تلكَ اللحظةِ تعرّفته، ما يزالُ يحتفظُ بذاتِ الروحِ الهشّةِ والأعين المذعورة.

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن