الثاني عشر

1.5K 193 349
                                    


إنه لمِنَ العسيرِ حقًا أن تثبتَ لامرئٍ أنكَ صادقٌ في نواياك، وأن اليدَ التي مددتَها جهتَه تريدُ إسنادَه ليقومَ واقِفًا، لا صفعَه ليُطرحَ أرضًا، خاصةً حينَ تكونُ الشخصَ الأولَ الذي يحاولُ ذلك، ربما هذا ما يجعلُ برايلين هجوميًّا ودفاعيًّا جدًا في ردودِ أفعالِه نحوي وكأننا نتصارعُ على البقاء، ولأنني امرؤٌ تئقٌ لا يستطيعُ التحكمَ في انفعاله قليلًا فإن انفعالَ برايلين يكسبُني حنقًا غيرَ مبررٍ أو معقول، ويحيلُني همجيًّا عنيفًا مستبدًا أفرضُ رأيي بالقوة.

لم أدرِ إن كانَ حنقي الأعظمُ موجَّهًا نحوه هوَ الذي لا يقبلُ كلمتَين دونَ أن يجادلَهما، أم نحوي أنا الذي لا أقبلُ جدالًا دونَ اتخاذِ ردِّ فعلٍ انفعاليٍ جدًا، لو كانَ أبي هنا لناظرَني خائبًا، لطالما قالَ لي أن أستخدمَ قوايَ في الدفاعِ لا في الهجوم، وأن أتعقلَ وأزِن الأمرَ من جميعِ نواحيه قبلَ أن أقدم على ردِّ فعل، وقد كنتُ هذا النوعَ من الأشخاصِ بالفعل حتى قابلتُ برايلين ذاك!

لم أعُد إلى الغرفةِ مباشرةً بعدَ حصةِ البيولوچيا الجزئية إذ لم أملك الطاقةَ أو الدافعَ لأخوضَ معه حديثًا أو لأراهُ حتى، تابعتُ التجوالَ في المدرسةِ بغيرِ هُدىٰ، مرورًا بالساحةِ الرئيسيةِ وقاعةِ الطعام والحديقة، هنالكَ اتخذتُ مجلسًا على أحدِ المقاعدِ الخشبيّة، مراقبًا تحولَ لونِ السماءِ إلى البرتقاليِّ الأصهبِ تناغمًا مع سعيِ الشمسِ الحثيثِ جهةَ الغرب، محاولًا أن أعيدَ مزاجي المتكدِّرَ لنقطةِ الاستتباب.

«أنتَ الفتىٰ من صباحِ اليوم؟ إدريس تاج؟»
كانَ السيدَ الأربعينيَّ من المحكمةِ غيرِ الرسميةِ التي عُقدت صباحَ اليوم، رجلٌ بشوشٌ بشعرٍ أشقرِ وعينين داكنتَين، وقد قمتُ واقفًا ما إن اقتحمَ مرآيَ يمدُّ يدَه مصافحًا، وأردفَ مُعرفًا عن نفسه: «چونيوس باركر، الأخصّائيُّ النفسيُّ بالأكاديميّة.»

«تشرفتُ بلُقياكَ يا سيد باركر. حقيقةً فقد وددتُ أن أشكرَكَ جرّاءَ دعمكَ لي صباحَ اليوم، لم نكن لنستطيعَ الخلاصَ إن لم تكن متواجدًا.»
ابتسرَ ابتسامةً أوسعَ وأومأ لي، ثم أشارَ لي لأعودَ إلى المقعدِ وتحركَ بحيويةٍ تناقضُ سنَّهُ ليجلسَ إلى جواري، متكلمًا: «في الواقعِ يا إدريس فقد أعجبني كثيرًا الموقف الذي اتخذتَه لصالحِ زميلك، برايلين ألدوس شخصٌ ذو وضعٍ عائليٍّ واجتماعيٍّ ونفسِيٍّ عسيرٍ جدًا، إنه الاختيارُ الأمثلُ ليصيرَ موضعَ اضطهادِ المعلمينَ والطلبةِ الذينَ يميلون للتغذي على ضعفِ الآخرين. فكرةُ أن شخصًا متفوقًا وحائزًا على احترامِ الأساتذةِ مثلكَ قد قرر أن يدعمَه في موقفه العسير رغمَ كلِّ ما سمعتَ عنه تجعلني أقدِّرُكَ حقًّا، هذه شجاعةٌ منك.»

تبسمتُ بصدقٍ وشكرتُه وقد ارتكزَ اهتمامي على ما قالَ عن وضعِ برايلين عائليًا واجتماعيًا، كيفَ لم ألحظ ذلك قبلًا؟ أنا أهاتفُ أبي يوميًا، وأتواصلُ مع عمي عبرَ مواقعِ التواصل، وأطمئنَّ على أحوالِ جدي والأولادِ من زوجةِ عمي، وأتحدثُ عن أخي وأمي وما إلى ذلك، أما هوَ.. أنا حتى لم أسمعه يهاتفُ أيَّ امرئٍ رغمَ أنني أزامله في الغرفةِ منذ أسبوع! لم يحدثني عن معرفةِ والدَيه بإدمانه أو جهلهما! وقد ذكرَ السيدُ ليبولد صباحَ اليومِ أن وليَّ أمرِ برايلين لم يستجِب لمحالاتِهم للتواصلِ معه! وزوجُ أمِّه ذاك.. ما موقعه من كلِّ ذلك؟ هل يعقلُ أنه هو نفسُه وليُّ أمرِه الذي أدخله إلى المدرسة ولم يستجب لاتصالات الإدراةِ اليوم؟ ما قد يعني هذا؟

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن