الثَّالث عشر

1.2K 193 157
                                    

اليومُ الثاني والعشرون منذُ استهلالِ المشروع:

كانَ مُمتنًّا حقًّا لكونِ الوسادةِ قد كتمت شهقتَه الفزعةَ التي كادت تشقُّ سكونَ الغرفةِ ونومَ إدريس، لقد تسببَ له بالكثيرِ من المتاعبِ واضطراباتِ النومِ مؤخرًا، ولا يبتغي أبدًا أن يفزعَه من جديدٍ وإن كادَ شعرُه يشيبُ رعبًا حينَ ألفىٰ الظلامَ يخنقُ عينيه من كلِّ الجهات، إدريس يحبُّ أن ينامَ في هذا الظلامِ المرعبِ المسطح، هذا لا يعني أبدًا أنه (برايلين) قد عادَ إلى نقطةِ الهلاكِ أو أن كلَّ ما مرَّ في الأيامِ القليلةِ الأخيرة قد كانَ حلمًا أو طيفَ حلم، عليه أن يتمسَّكَ الآنَ بزمامِ وعيِه ويهدِّئَ نفسَه وأنفاسَه حتى لا يوقظَ النائمَ بالسريرِ العلوي، إدريس يستأهلُ بعضَ الراحةِ تلقاءَ كلِّ ما يعانيه لأجله.

لم تتجاوز كلُّ تلكَ القراراتِ حدودَ أفكاره للأسف، كانَ يذوي مرتعبًا وملتصقًا بالجدارِ كلما تذكرَ ما رآهُ خلفَ ستارِ عينيه أثناءَ نومِه، بينما تجتاحُ خلاياهُ فكرةُ أنه قد عادَ بنوعٍ من سحرٍ أسودَ إلى تلكَ العُلِّيَّة، تحسست أكفُّهُ كلَّ جزءٍ في فراشِه منقِّبًا عن هاتفه دونَ أن يبرحَ مكانَه الملتصقَ بالحائط، محاولًا أن يقنعَ خوفَه أنّ وجودَ الفِراشِ في حدِّ ذاتِه لا يعني إلا أن ما يراودُه الآنَ ليسَ إلا أضغاثَ وساوس.

في النهايةِ قبضَ القطعةَ المعدنيةَ وسارعَ بإشعالِ شاشتها لتتوهج في الظلام، حرَّكها باضطرابٍ في كلِّ الاتجاهاتِ لتنتظمَ أنفاسُه حينَ رأىٰ الهيئةَ السيميتريةَ للغرفةِ التي أجبرَه إدريسُ على مساعدتِه في تنظيفها البارحةَ، المكتبانِ المتجاورانِ تزاحمت عليهما صفوفُ الكتبِ والخزانةُ قربَ الشرفة، انسابَ إلى آذانه صوتُ أنفاسِ إدريسَ الهادئة بالأعلى، وقعت عيناهُ على مُلصقِ تقويمِ العامِ العريضِ الذي وضعه الأخيرُ على الحائطِ منذُ أسبوعَين ليجدوِلَ أيامهما القادمة، وصورةِ أُحجيةِ الألفِ قطعة التي قاما بتركيبها معًا في العطلةِ السابقة ثمَّ أطَّرها إدريسُ وعلَّقها على الحائط، عَنَت كلُّ تلكَ التفاصيلِ له شيئًا واحدًا، إنه بأمان.

تنهدَ واعتدلَ ليتخذَ جِلسةً أكثرَ أريحية، قررَ أن يحدِّقَ بهاتفه قليلًا علَّه يستعيدُ طيفَ النومِ وإن كانَ متأكدًا أن ذلكَ مستحيلُ الحدوث، أزعجه كثيرًا أن يكسرَ النمطَ الذي اعتادَه لأيامِه القليلةِ السابقة، تبدو الصباحاتُ أكثرَ نورًا وأمنًا حينَ يستيقظُ على صخبِ تحركاتِ إدريسَ في الغرفةِ أو نداءاتِه أو عبثه بشعره، لا عجبَ الآنَ أن الظلامَ يغمرُ كلَّ شيءٍ لأن إدريسَ كانَ يتعمدُ إيقاظه بعدَ أن تشرقَ الشمسُ حينَ علمَ استنباطيًا منذُ أسبوعَين أنه يكره رؤيةَ السماءِ المظلمة، لم يعرف بعدُ أنه يكره الظلامَ عامةً.

تقلَّبَ في فراشه منزعجًا، هو حقًّا يريدُ أن يعودَ إلى النومِ ولكنّ الأمرَ ليسَ بهذا القدرِ من البساطة، خاصةً وأنه هلعَه المقيتَ يطبقُ على رئتيه فيجعله يقلِّبُ أنظاره وأسماعه في الغرفةِ باحثًا عن أيِّ ضوءٍ أو صوت، حاولَ أن يفكرَ في حلِّ مسألةِ الفيزياء التي أعجزته البارحةَ وقررَ شيطانُه أن يتحداهُ إن كانَ يستطيعُ حلَّها دونَ اللجوءِ لإدريس، إلا أن أفكاره ما لبثت أن تشردت تشرُّدَ نورِ هاتفه الخافتِ في حلكةِ الغرفة بسببِ الصداعِ الذي أطبقَ على رأسه فُجاءً.

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن