«إدريس! الفتىٰ الغريبُ يبدو متعبًا جدًّا! ماذا أفعل؟ هل أنادي أمي؟»
ارتعدت فرائسُ إدريس ما إن عالجَ عقلُه هتفةَ يعقوب، لم يملك الوقتَ الكافيَ ليكملَ تهذيبِ هيئتِه إذ توالت الطرقاتُ بشكلٍ أكثرَ جنونًا، وكانَ برايلين شخصيًا هو مَن هرعَ إلى داخلِ الحمامِ ما إن فُرِجَ الباب، ليجثوَ أمامَ المرحاضِ راكعًا، ويتقيَّأَ كلَّ ما تناولَه منذُ الصباح.
لم يدرِ إدريسُ متى تحرَّكَ للاستجابة، ما يزالُ لا يستطيعُ إلا أن يتخشَّب مرتعبًا حينَ يرىٰ كيفَ يحيلُ العقّارُ ضحكاتِ رفيقِه رجفاتٍ وسخرياتِه أنينًا، شرعَ عقلُه ببطءٍ يقارنُ بينَ الورديِّ المشبَّعِ بالحيويّةِ الذي تكونُ عليه وجناتُ برايلين وشفتَيه في الوضعِ الطبيعي والأحمرِ المختنقِ الذي يتلبَّسُه حينَ يلِحُّ عليه جسدُه مطالبًا بجرعةِ السُّمِّ اليوميّة، قبلَ أن يُقسِرَه على مراجعةِ نفسِه متسائلًا إن كانَ بما يفعله يعملُ على مساعدتِه فعلًا أم أنّه يقتلُه ألمًا على مهلٍ كي يشفيَ الجنونَ الذي تلبَّسَه بعدَ موتِ أخيه وأمِّه فحسب، ربما هوَ مجنونٌ فعلًا، من ذا قد يفكرُ بخوضِ رحلةِ علاجِ مع مدمنٍ دونَ حتىٰ أن يختمَ ثانويَّتَه؟ هل يتمتعُ حتى بما يكفي من القوةِ كي يستطيعُ إقامتَه من جديدٍ في اللحظةِ التي سيرضخُ فيها لدمائِه ويقررُ الركوعَ والتسليم؟
«اهدأ يا برايلين، لا بأسَ عليك. أنتَ تخرجُ السمومَ التي تذرعُ في جسدك بهذا الشكل، تماسك قليلًا فقط.»
في النهايةِ استفاقَ وهبَّ نحوَه ليقيمَ جذعَه بينما يأمرُ يعقوبَ بإحضارِ منشفةٍ، فيما اتَّكأ برايلين حتى بلغَ الحوضَ وسدلَ ماءَ الصنبورِ ليضعَ رأسَه أسفلَه، حاولَ أن يهمهمَ لرفيقِه متَّفِقًا على ما قيل ولكنّ ما صدرَ عنه لم يكن إلا أنينًا بائسًا.«إدريس.. ما بِه؟ هل هو مسمومٌ حقًا؟»
كانَ يعقوبُ قد اصفرَّ تمامًا لفرطِ ارتعابِه مما يرىٰ، بالكادِ ازدردَ إدريسُ ريقَه منتشلًا المنشفةَ من الأخيرِ ليجففَ فتاهُ المرتجف، وحاولَ أن يبدوَ متجلِّدًا برفعِ زاويتيْ شفتَيه في ابتسامةٍ راجفةٍ ليطمئنَ الأصغرَ بينما يغمغم: «تناولَ شيئًا فاسدًا فقط، سيكونُ على ما يرام.»ثم أحاطَ جذعَ برايلين بيمينِه ليتَّكِئَ علَيه حتىٰ يبلغا السرير، وأرخىٰ الأخيرُ رأسَه على كتفِه وقد تلاحقت أنفاسُه الواهنة، ثم حينَ بلغا السريرَ كان قد ساعدَه ليستلقيَ بينما دثَّرَه يعقوبُ باللحاف، وأغمضَ ذاكَ عينيه بإنهاكٍ دونَ انتشالِ ذاتِه من حضن إدريس، وجاورَه الصغير من الناحيةِ الأخرىٰ دونَ أن ينبسَ بكلمةٍ كي يوفرَ له الهدوءَ رغمَ كلِّ ما يلمُّ به هوَ الآخرُ من خوفٍ، عرضَ إدريسُ بعدَ وهلةٍ أن يحضِّرَ بعضَ النعناع المغليّ، فانتفضَ برايلين رافضًا وقد ربطَ لا إراديًا بين فكرةِ الطعامِ وفكرةِ أن يتقيّأَ مجددًا.
«لا علاقةَ تجمعُ بينَ تغذيتِكَ وسَقَمِكَ يا برايلين، على العكسِ فإنّ سوءَ التغذيةِ سيؤثرُ عليكَ سلبًا.»
نبسَها إدريسُ بعدما همسَ ليعقوبَ أن لا يقلقَ، لولا أن صوته قد خرجَ متحشرجًا خفيضًا يثيرُ القلَقَ ولا يُسكِنُه. وعاودَ برايلين النفيَ برأسِه رفضًا.
أنت تقرأ
جانِح | BAD BOY
Kısa Hikayeإلى الجانِحِ الذي أفسدَ حياتي وحياتَه: لستَ الشخصَ الأخيرَ في هذا العالمِ يا برايلين، لقد توقفتَ أخيرًا عن نصبِ الفِخاخِ في أيامي واعتزلتَ شنَّ حربِ النظراتِ بينَ مآقينا، ولكم يقلقُني هذا يا برايلين، لم أعتد منكَ البقاءَ هادئًا لساعتَين كاملتَين. ...