طبعًا من واجبي أن أعتذر أولًا لأنني أخللتُ بنظام التنزيل، كنتُ البارحةَ في مزاجٍ جيدٍ ووعدتُ بنشر الفصل اليوم، أرجو أن هذا لم يضايق احدًا، يومًا طيبًا. 🤍
__
ثمةَ نورٌ قليلٌ شاحبٌ يلوحُ عندَ خطِّ الأفق منبِّئًا بطلوعِ الشمسِ عمَّا قريب، الرياحُ تضربُ أوراقَ الأشجارِ اليابسةَ المتراكمةَ في الطرقاتِ والسماءُ الرماديةُ تنذرُ بعاصفةِ أمطارٍ قريبة، كلُّ الموجوداتِ ترتجفُ صقيعًا، وإدريس واقفٌ بمعطفٍ ضخمٍ أمامَ سورِ المدرسةِ ويحادثُ شخصًا ما في الهاتف، بينما برايلين واقفٌ إلى جواره بسترةٍ سوداء قطنيةٍ لا تلائمُ الأجواءَ إطلاقًا، ويرتجفُ بلا توقف كهرٍ مبلل.
«قل له أنني سـ..سأموتُ بردًا وجوعًا بينما هو ما يزالُ في الطريق!»
نقلَ إدريسُ عبارةَ مرافقه للشخصِ على الخطِ الآخر، ثم أغلقَ الخط ووقف باسمًا للحياةِ مغمغمًا: «يبدو لي أنه سيكونُ يومًا رائعًا! يا إلٰهيَ العظيم! أترىٰ العصافيرَ يا برايلين؟ تنطلقُ الآنَ للبحثِ عن أرزاقها بينما لم تزُل حتى عن السماءِ ستائرُها المظلمة! تراها تغرِّدُ منعِّمةً الأنامَ بموسيقاها بينما لا تدري أينَ عساها ستجدُ رزقَها اليوم، هذه هي...»«اخرس يا إدريس فضلًا! سأموتُ متجمدًا هنا بينما أنتَ ترتدي معطفًا منتفخًا وتبعثرُ الحِكَمَ عن يمينٍ وشمال!»
ناظرَ إدريسُ مرافقه ساخطًا، ثم فكَّ معطفه وألقىٰ به على الآخر مردفًا: «هو ذا المعطف، لا تُسمعني صوتكَ حتى أنتهي من التأمل. يا إلٰهي القدّوس! أترى هذا الهرَّ الصغيرِ اللطيفَ يا رايلي؟ إنه شبيهُكَ من عالمِ ذواتِ الأربع! أتعرفُ أن الهررةَ تـ...»استمرَّ إدريسُ يلقي بالدروس الحياتية بينما برايلين يناظره بغرابةٍ لتخليه عن المعطفِ بهذه البساطة، لم يستطع إلا أن أغلقَ السحابَ ووقفَ يستمعُ بهدوءٍ إذ أن الدفءَ الذي غمره لا شكَّ يستأهلُ الاستماعَ إلى بعضِ المواعظ، ثم إن نظرةَ إدريسَ الإيجابيةَ لكلِّ الموجوداتِ تجعله يشعرُ أن الحياةَ التي يراها قمةَ في الحقارةِ والعبثية جديرةً بالتأملِ قليلًا.
«...وقد ظنَّ الفراعنةُ الأوائلُ أنه باستطاعتِهم أن يحسبوا مقدارَ الفاقدِ من مياهِ النيلِ عبرَ...»
«لقد وصلَ الرجلُ يا إدريس!»ألقى إدريسُ نظرةً حارقة أخرىٰ على مرافقه حينَ قطعَ حديثه الذي انقلبَ بقدرةِ الإلٰه من الهررةِ إلى طريقةِ الفراعنةِ في الحفاظِ على مياهِ النيل، ثم رفعَ ذراعَه مشيرًا لعاملِ التوصيلِ الذي أوقفَ دراجتَه الناريةَ على مقربةٍ وترجلَ رفقةَ وجبتَين متجهًا نحوهما.
«أنا لم أرَ في حياتي شخصًا يطلبُ طعامًا في الخامسةِ فجرًا! حتى الشمسُ لم تشرق بعدُ!»
كانَ تعليقَ رجلِ التوصيل، وقد نقَّده إدريسُ مالَه سريعًا بينما يرد: «ولا أنا. هل أضفتم المايونيز؟ أنا لا أحبه يا رجل!»
أنت تقرأ
جانِح | BAD BOY
Short Storyإلى الجانِحِ الذي أفسدَ حياتي وحياتَه: لستَ الشخصَ الأخيرَ في هذا العالمِ يا برايلين، لقد توقفتَ أخيرًا عن نصبِ الفِخاخِ في أيامي واعتزلتَ شنَّ حربِ النظراتِ بينَ مآقينا، ولكم يقلقُني هذا يا برايلين، لم أعتد منكَ البقاءَ هادئًا لساعتَين كاملتَين. ...