التاسعُ والعشرون

861 136 158
                                    

«…أدركتُ ببطءٍ ووضوحٍ كيفَ فكّرَ ابني.. إدريس الأخرقُ الذي ما يزالُ يحمِّلُ نفسَه ذنبَ أمِّه وأخيه.. حينَ علمَ أن رفيقَ غرفتِه مدمِنٌ على موادَّ مُخدِّرة.. قرر أن يلقيَ بنفسِه في النارِ لينتشلَه، زاعمًا أنه لن يحترق!»

لم يسعه أن يقطعَ حالةَ التصنُّمِ التي تلبَّسَتْهُ ليعترض، وقفت كلماتُ صالح بحلقِه هو، جاعلةً زحزحةَ حنجِرتِه أمرًا شاقًّا عظيمًا، انتبه أخيرًا لكونه في جوهرِه لم يفعل أيًّا من ذلكَ لأجلِ برايلين، بل لأجلِ نسخة سُليمان العالقةِ في عقلِه أبدًا، على الأرجحِ كانَ يحاولُ علاجَ صدمتِه الأولىٰ الناجمةِ عن عجزِه في إنقاذِ شقيقه ثم أمِّه.

«كلا يا والدي! برايلين لا علاقةَ له بسُليمان، أنا أدرِكُ ذلكَ جيدًا، برايلين يريدُ أن يتعافىٰ فعلًا ويستميتُ كي ينجحَ، لم يختر أن يتردّىٰ إلى هذا الحالِ بملئ إرادتِه بل إن شخصًا حقيرًا قد دسَّ العقارَ في جسده وقد كانَ ما يزالُ طفلًا! وأنا...
أنا لن أتركَ برايلين للموتِ أبدًا.»
شعرَ أن نظراتِ صالح حَريّةٌ بثَقبِ رأسِه لتشهدَ المعترَكَ القائمَ بها، رغم ذلكَ حاولَ أن يتمسَّكَ بنظرة الثقة في عينيه، علّه يستطيعُ إقناعَه بما قال.

«متىٰ عرفتَ بأمرِه؟»
لم تكن معرفةُ انطباعِ والدِه عن أقواله وأفعاله بهذا العُسرِ قط، اجتاحه إنهاكٌ كفاهُ ليخرَّ جالسًا إلى جوارِ ليلىٰ، وقد خَبَت عيناهُ شيئًا قليلًا بينما يردُّ: «في اليومِ الثاني لي هنا.»

«إذًا لم تكن قد تعرّفتَه بالشكلِ الذي يخوِّلُكَ لإطلاقِ الأحكام بشأنِ عزيمتِه على التعافي أو ما أوصلَهُ إلى الإدمان! كنتَ ما تزالُ بعيدًا بما يكفيكَ لتبلِغَ مِصحًّا نفسيًّا وتغسلَ يديكَ من مشكلتِه، ولكنّكَ فضّلتَ أن تزيدَ تورُّطَه بأن تتورَّطَ معه!»
يدركُ إدريس أن علمَ والدِه بأمرِ برايلين محضُ خطأٍ عظيم؛ صالحُ قد فقدَ ابنَه الأولَ بسببِ الإدمان، وبالتأكيدِ لن يتقبّلَ ولوجَ أيِّ شخصٍ مشبوهٍ إلى حياةِ ابنه الثاني، على الأرجح يخشىٰ أنه قد تأثرَ بوجودِه أو أفعالِه الهوجاء.. ولكن لحظة.. ألم يتأثر؟

«أنا لم أورِّطه، تركتُ الخيارَ له إن شاءَ يبقىٰ تحتَ إشرافي وإن شاء يُنقَلُ إلى مصحٍّ نفسيّ، وقد وعدتُه أن أتكفَّلَ به حتى التعافي إن قررَ البقاء وعزمَ على العلاج، وتبعًا لكَونه قد بذلَ جهده ليفيَ باتفاقِنا فبالتأكيدِ لن أكونَ أنا مَن يُفلِتُ يدَه.»

لم يبدُ صالحُ راضيًا عمّا قيل، حكَّ حاجبَه متمعِّنًا في عيني ابنِه المشبَّعتَين بالقلق لكأنه يستشعرُ قرارَه القادمَ، بل ويحاولُ ثنيَه عنه.

«كيفَ أقنعتَه بفكرةِ علاجِكَ له؟ كيفَ استطعتَ أن تحبكَ كلُّ الأمورِ لصالحِ خططكَ بهذا الشكل؟ حتى مشروعُكَ الدراسيُّ كرَّستَه لأجلِه!»
ازدردَ إدريسُ ريقًا ثقيلًا، أرخىٰ جفنَيه ومقاومتَه للاستجوابِ الجاري على حدٍّ سواء، واسترسل قاصًّا: «لم يكن الأمرُ سهلًا، تطلّب إقناعُ مشرف شئون الطلبة جهدًا كبيرًا، وإقناعه هو شخصيًا كذلك؛ كانَ يخشىٰ أن أتخلىٰ عنه في منتصف رحلة العلاج.»

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن