الثاني والثلاثون

981 135 248
                                    

حِدّةُ الظلامِ لا يكسرُها إلا شعاعُ الهلال الصغيرِ وقد هجرَته النجمات، لم يكن شديدَ السطوعِ ولكنه كفىٰ داكنَ العينينِ ليرىٰ ثغرَ البابِ دونَ الحاجةِ إلى ضوءِ مصباحٍ ما، تبادلَ مع رفيقِه نظرةً مضطربةً سريعة، هنالك حيثُ أشارَ له الأخيرُ برأسِه ليشرعَ بما سيفعل، فما كانَ منه إلا أن سحَبَ نفَسًا ضيَّقته الكمامةُ التي تغطي وجهه، وعدَّلَ قبعةَ رأسه بإحدىٰ يدَيه مستغلًا الأخرىٰ في استخراجِ قطعةٍ معدنية رفيعةٍ ومدببةٍ من الحقيبةِ المُعلَّقةِ بظهرِه، ليُقحِمها في قترة البابِ بِـيَدٍ ثابتةٍ وحرصٍ شديد، ثم أخذَ بالعبثِ وهلةً قصيرةً، قبلَ أن ينفكَّ القفلُ ويُفرَجَ البابُ.

سرعانَ ما دلفا وأغلقاهُ خلفَهما، أشعلَ إدريسُ ضوءَ هاتفِه ليبددَ شيئًا من الظلمةِ واقتربَ ببطءٍ من طاولةِ التحضير في العيادةِ حيثُ رقدَ حمَّالٌ معدنيٌ تحوي أنابيبُه سوائلَ مختلفةَ الألوان، ميَّزَ أحدَها سريعًا بقصاصة الورقِ الملصقة به حاملةً اسم رفيقِه، فانتشلَها بما فيها هامسًا لبرايلين المنشغلِ بتحريكِ هاتفِه كي يوسِّعَ رقعةَ الضوء: «أعطِني الوعاء.»

تحركت يدُ برايلين بخفةٍ لتُخرِجَ برطمانًا زجاجيًا فارغًا كان خاصًا بمُربَّى الفراولة، وبعدما تأكدَ إدريس من حجمِ العينةِ الدموية في الأنبوبِ سكبَها في البرطمان بعنايةٍ كي لا يترك أي أثرِ حمضٍ نوويٍ محتمل، قبلَ أن يحكِمَ إغلاقَه بِيَدٍ راجفةٍ ويعيدَه إلى حقيبةِ رفيقِه، وفيما قامَ سريعًا بغسلِ الأنبوبِ من كلِّ ما فيه من بقايا مستخدمًا ماءَ صنبور العيادة وبعض المُعقِّمات، اتجهَ برايلين ببطءٍ نحوَ خزانةٍ مُعَّينَةٍ وفتَّشَ بعينيه عن زجاجةٍ سبقَ ورآها، ثم حين استخرجَها كانَ إدريسُ قد انتهىٰ من صنيعِه، واجتمعا من جديدٍ عندَ الطاولة.

«تلكَ هي.»
همسَ بينما يناولُه الزجاجةَ التي رأىٰ الطبيبَ يخرجها قبلًا ليستخدمَها ككاشفٍ للمُخدِّر، فالتقطَها إدريس مُمَرِّرًا عينيه على الملصقِ قبلَ أن ينقلَ اسمَ المادةِ إلى مُحرِّكِ بحثٍ علمي، ثم على عجلٍ قرأَ المقالَ الذي توسطَ شاشةَ هاتفه قبلَ أن يهمهم لصاحبه: «كما توقعتُ، ستكونُ جاهزةً بحلولِ الوقتِ الذي تُفتَحُ فيه العيادة، ناولني المُحقِن.»

أخرجَ برايلين من الحقيبة محقنًا بلاستيكيًا ممتلئًا بسائلٍ أحمرَ طازج، أفرغَ عددًا معيّنًا من سنتيمتراتِه في الأنبوبِ وأتبعه إدريس بكميةٍ محددةٍ من المادة الكاشفة يحققُ بها النسبة التي قرأها في المقال، ثم رفعَ عينين مهتزَّتَين نحوَ رفيقه الذي بدورِه كانَ يبادِلُه ذاتَ النظرةِ المتوترة، كلما خطرَ له ما فعله حتى وصلَ إلى هذه النقطةِ أنكرَ نفسَه، ما عادَ يدري أو يثِقُ على أيِّ جانبٍ من الصراعِ هو، ولكنه مع ذلك لا يتوقفُ عن المُضيِّ فيما يظنُّ أن لن يستطيعَه سواه، باذلًا كلَّ جهودِه كي تسيرَ خطَطه دونَ ترنُّحات...


جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن