يا رِفاق من واجبي الاعتذارُ لأنني لم أجِب بعدُ عن كاملِ تعليقاتكم وأسئلَتكم على الفصولِ السابقة، بالكادِ عدتُ من الجامعة بعدَ يومٍ متشبّعٍ بالاختبارات، حاولتُ في الاستراحاتِ بينها أن أردَّ على أكبرِ قدرٍ مُمكن منهم ولكن لم يُجدِ الأمر؛ وحرفيًّا لا أكادُ الآنَ أبصِرُ أمامي. :)
نشرتُ الفصلَ كي لا أؤخرَ موعدَ نشرِه، وسأردُّ على كاملِ التعليقات في خلال ساعتَين، أحتاجُ هدنةً قصيرةً فقط.
لا تنسوا الدعاءَ لأهلِنا في غزة. :').
لن أُنكِرَ أنّ لقائي ببرايلين في هذه الفترةِ الهوائيّةِ من حياتي كانَ أحدَ أعظمِ نقاطِ التحوُّلِ التي مررتُ بها، على الأرجحِ في عُمْري بالكامل، وقتئذٍ كنتُ صغيرَ السِّنِ مفعَمًا بالطاقة، أملكُ في عقلي صورةً مقدِّسةً لذاتي الحاليّةِ التي تستطيعُ تعلَّمَ وتطبيقَ أيَّ شيءٍ على الإطلاق، وبكلِّ تأكيدٍ كنتُ ممتلئًا بالمقتِ لذاتي الصغرىٰ التي لم تردعني كلُّ حِجَجِ الدُّنيا عن تحميلِها أوزارَ ما جرىٰ لأخي وأُمِّي، ثم أتت الليلةُ التي اكتشفتُ فيها أنني أملكُ فرصةَ تعويضِ خسارتي السابقة، ليلةَ عرفتُ بأمرِ إدمانِ برايلين، فقررتُ فوريًّا أنني قد فشلتُ في إنقاذِ سليمان كأخٍ أصغر، وواجبي بعدَ اللحظةِ هو النجاحُ في إنقاذِ برايلين كأخٍ أكبر.
لا غروَ أنّي كنتُ متسرِّعًا وعنيدًا في هذا الشأنِ، ربما مجنونًا كذلك، لم يزُل اقتناعي يومًا بقدرتي على علاجِه، برايلين بالذات، لا سُليمان، لأنَّ برايلين لم يألُ جهدًا ليتعافىٰ، كانَ على أتمِّ الأُهبةِ ليُحارِبَ الدُّنيا بأسرِها في سبيلِ الاستغناءِ عن السمومِ المتوَغِّلةِ في أورِدَتِه، لن أنفيَ أنه كانَ ينتكسُ في أحيانَ كثيرة، ولن ألومَه؛ لأنني أدركُ جيدًا أن خلفَ كلَّ محاولةٍ فاشلةٍ أراها بعينيِّ آلافُ المعارِكِ التي لم أشهدها والوِديانِ السحيقة التي لم أقطَعها، كنتُ فخورًا به على كلِّ حال، وكانَ هو مؤمنًا بي، وكأنني آخرُ شخصٍ يملكُ القدرةَ على انتشالِه من وعثاءِ حروبِه.
لأجلِ ذلك كانَ عليَّ أن أنجحَ في التخلُّصِ من آلِ كوبر بأيِّ ثمن، لم أدع للسيدِ إدموند -وهو أحدُ تلاميذِ جدي ذوي الرُّتَبِ الرفيعة في سلكِ المباحثِ الجنائية- فرصةَ التحرِّي أو التفكيرِ حتىٰ قبلَ أن يداهمَ وكرَهم، أخبرتُه أن چوردون يشكِّلُ تهديدًا حقيقيًّا وأن التاخُّرَ في التفتيشِ سيزيلُ قوّةَ وَقْعِ المُفاجأة، ولم أتَّجِه إلى مكتبِ السيدِ بنچامين إلا حينَ تأكدتُ أن كلَّ شيءٍ يسيرُ وِفقَ خططي، راجيًا أن لا يصلَ لچوردون أي أخبارٍ عمّا أفعلُ إلا على لساني أنا.
علمتُ أن رجائي لم يذهب جفاءً حينَ وقعت عينايَ عليه، كانَ جالسًا بكاملِ عُنجهيَّتِه وخيلائه، مفتوحَ الصدر واسعَ الابتسامة، يناظرُ برايلين وكأنه هديةٌ سماوية أو كيسُ مالٍ ممتلئ، ويغمغمُ بنبرةٍ كالصرير بعدما تبادلتُ مع السيدِ بنچامين التحايا: «هل استحقَّ الأمرُ كل هذه الجلجلةِ فعلًا حتىٰ تعودَ إلى عُلِّيَتِك يا برايلين؟»
أنت تقرأ
جانِح | BAD BOY
Short Storyإلى الجانِحِ الذي أفسدَ حياتي وحياتَه: لستَ الشخصَ الأخيرَ في هذا العالمِ يا برايلين، لقد توقفتَ أخيرًا عن نصبِ الفِخاخِ في أيامي واعتزلتَ شنَّ حربِ النظراتِ بينَ مآقينا، ولكم يقلقُني هذا يا برايلين، لم أعتد منكَ البقاءَ هادئًا لساعتَين كاملتَين. ...