الثاني والعشرون

1.1K 153 292
                                    


«ناثان هالاند هو أحدُ زبائنِ الحانةِ التي كنتُ أعملُ فيها، هكذا تعرَّفتُه للمرةِ الأولىٰ، كانَ مثلَ غيرِه يأتي في بعض الأمسياتِ مع رِفاقِه يشربونَ ما يشربونَ ثم يبدأون بالصراخِ على بعضهم البعض كالمجانين، كذا وقد تعرَّفَه چوردون لأنه كانَ يرتادُ الحانةَ من حينٍ لآخر وباتا على قدرٍ من الانسجام، كل هذا طبيعي، إلا أن الطبيعيَّ لم يلبث أن تبدَّلَ حينَ نطقَ ناثان بالشفرةِ للمرةِ الأولىٰ، أخبرتُكَ مسبقًا أن ميغين وكوبر كانا شريكَين في عملياتِ إتجارٍ وترويجٍ للعديدِ من أنواعِ المواد المخدرة؛ وأنا.. كنتُ المكلَّفَ بالتوزيع، يعطيني ميغين المعلوماتِ سابقًا وحين ينطقُ الزبونُ بالشفرةِ أُخرُجُ أنا المُتَّفَقَ عليه وأعطيه لصاحبِه. ومنذُ اليومِ الذي أعطيتُه فيه حِصَّتَه للمرةِ الأولىٰ لاحظَني ناثان أكثرَ، وصارَ زبونًا هامًّا لأنه يدفعُ الكثير.»

يجتلسانِ فراشَ العيادةِ متقابلَين بعدما اتفقا أخيرًا أن يتلوَ برايلين القصةَ منذُ بدايتِها، شعرَ إدريس أن حملَ جبلٍ بينَ أصابعِه كانَ أكثرَ تيَسُّرًا من بلوغِه هذه النقطة، النقطةُ التي جمّعَ عندَها برايلين أشتاتَ شجاعتِه وقد زالَ بعضُ الخوفِ من عينيه، قبضَ كفَّيه سويًّا وضمَّ حدقتَيه مع خاصَّتَي إدريس كي لا يجترئ على الكذب، ثم شرعَ بالسَّرد.

«ما هيَ تلكَ الشفرة؟»
أخفضَ برايلين ناظرَيه قليلًا تزامنًا مع السؤال، إلا أنه قد استرسلَ سريعًا بعدما عاودَ رفعَ عينيه، مغمغمًا: «(السيدُ *** يبعثُ لكَ بتحياتِه)، يُعلِمُني ميغين بالاسمِ قبلها لأن اتفاقاتِهُم المبدئيةَ تتمُّ عادةً هاتفيًّا، وأكونُ أنا الوجهَ الوحيدَ الظاهرَ للعميلِ حتى لا تتورطَ ملامحُهم البهيّةُ في أيِّ مشاكلَ بلا داعٍ، وبالطبعِ لم يخشَ أحدهم أن أقدمَ أنا على التمرُّدِ لأنهم يستطيعون بكلِّ بساطةٍ إثباتَ كوني مدمنًا وبالتالي لا يؤخذُ بشهادَتي، كما أنني لا أعلمُ مكانَ المخزنِ إذ كنتُ أستلمُ المطلوبَ من ميغين شخصيًّا وأسلِّمُه لصاحبِه في نفسِ اليوم، بالتالي لا أملكُ أيَّ أدلَّةٍ ملموسة.»

كانَ إدريسُ قد أقسمَ أمامَ نفسِه أنه لن ينفعلَ أيًا كانَ ما يسمعه، الفتىٰ يكفيه ما هو غارقٌ به ذاتًا، لن تجلبَ عصبيَّتُه إلا فألًا أسودًا، رغمَ كلِّ ذلك لم يستطع منعَ حاجبَيه من الانعقادِ على سخطه إذ يقول: «وكيفَ سمحتَ لهم أن يفعلوا هذا بك؟!»

لم تزِده ردةُ فعلِ برايلين إلا سخطًا، إذ تراجعَ قليلًا ليسندَ ظهرَه إلى الوسادةِ وقد انكلَّت على شفتَيه ضحكةٌ هادئة احمرَّ لها وجهُ إدريس وأبرقت عيناه، برَّرَ كي يتلافىٰ غضبتَه: «آسف، إنه لَمِن اللطيفِ أن تعتقدَ أن سماحي من عدَمِه كانَ ليغيِّرَ من واقعِ الأمرِ شيئًا. كما أخبرتُكَ حالًا، حتى الدمُ الملوثُ الذي يسري في أورِدَتي في صالحهم لا في صالحي.»

مسَّدَ إدريس أيمنَ حاجبَيه وقد لاحت في خيالاتِه الكثيرُ من الخواطرِ الدَّمويةِ جدًّا بشأنِ ما سيفعلُه بچيمس كوبر حينَ يقبضُه بينَ يدَيه، بالكادِ استغفرَ وتمسَّكَ بزمامِ العقلِ من جديدٍ؛ كي يغمغم: «تابِع.»

جانِح | BAD BOYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن