الفصل السادس :
دخل سيف البيت بروحٍ مختلفة ... و ابتسامة صغيرة غير ملحوظة تزين زاوية شفتيه ... ربما لن لايحظها من يراه ... لكن بالتأكيد من يعرفه يستطيع أن يرى تراخي تلك الخيوط المشدودة حول فمه و فكه الصلب ...
منذ فترة طويلة لم يشعر براحةٍ لإنسان كما شعر بها في دقائق قليلة مع تلك المدعوة وعد ....
يثق بها ؟.... مستحيل .... كيف يثق بها و رأس الأفعى يقضي كل ليلة من لياليه يبث في اذنها من المكائد و الدسائس ....
لكن هذا لا يمنع أنه يشعر بالراحة لها .
على الرغم من الحنق الشديد الذي شعر به حين تعمدت الخصوصية !!....
ناكرة الجميل بعد كل ما فعله من أجلها ... تتصنع الأهمية و تتجاهل سؤاله ....
هل هي ذاهبة لزيارة صديقة لها ؟.... هل لديها صديقات ؟؟
يشك بذلك .... لا يعلم لماذا , لكنه يشك أن تكون لها مثل هذه الحياة المرحة ...
لا يصدق لماذا يهمه أن يعرف الى أين ذهبت بهذه القوة ....
لكنه الآن لا يستطيع منع ذلك الإحساس برقتها .... بها رقة و هدوء .... و صلابة تتحدى بها من يفوقها قوة و جاها ...
رقيقة كالنسيم .... ناعمة كالورد ....
ازدادت ابتسامته تهكما وهو يفكر بسخرية أنه في وضعٍ صعب جدا ....
ربما آن الأوان أن يستمع لنصيحة أمه و يبدأ في التفكير جديا في الزواج .... طالما أن مجرد فتاة عادية مثلها جذبته بمثل هذه القوة و في مثل هذا الوقت القصير ... على الرغم من أن ....
( هل عدت ؟؟ ........ )
كان ليبتسم مجيبا بمرح أنه .. لا لم يعد بعد ... لو كان ذلك صوت أمه .... , لكن بما أن الصوت صوت ورد وهو بالتأكيد يحوى الكثير ... اذن لا مجال لأي مرح ...
استدار اليها ببطء .... ينظر اليها بوجه قاتم ... دون الحاجة للرد , الا أنها رفعت حاجبا لتسأل ببراءة
( كيف حال وعد الآن ؟؟ ...... )
لم يرد سيف للحظة ثم قال بصوتٍ لا تعبير فيه
( على أساس أنها كانت تدعي ذلك !! ..... )
هزت ورد كتفها و هي تقول
( ربما كانت قد فعلت .... المسكينة أصابها الهلع مما فعلته و من تخيل ردة فعلك , لذا أعذرها إن تصنعت الإغماء هربا مما ستفعله بها ..... )
تنهد سيف وهو ينظر لأعلى قليلا .... ثم عاد لينظر اليها قائلا بهدوء
( حسنا .... كان أمرا عارضا , غير ذا قيمة و قد مرأ ..... لذا انسيه و لا تشغلي بالك )
ثم تركها و اتجه الي السلم ... الا أن صوت ورد جاء هادئا من خلفه
( لاااا .... كيف أتجاهل اغماء ابنة خالنا ؟!! .... )
تسمر سيف مكانه , دون أن يستدير اليها لعدة لحظات .... فقط عدة لحظات استطاع فيها السيطرة على انفعالاته بمنتهى المهارة ثم يستدير اليها دون أي تغيير طرأ على ملامحه ليقول بصوتٍ هادىء
( منذ متى و أنت تعلمين هوييتها ؟؟ ......... )
ابتسمت ورد برقة لتقول بهدوء
( منذ أن علمت بعمل عبد الحميد نفسه عندك .... و معرفتي المسبقة بأن لديه ابنة اسمها وعد ... و أنا لا أؤمن بالصدف خاصة حين تزيد عن حدها ....... )
ابتسم سيف دون مرح ليقول
( غريبة !! ...... أنا نفسي لم أكن متأكدا من اسمها ...... )
أمالت ورد رأسها و هي تقول بهدوء على الرغم من أنها قد فقدت ابتسامتها ...
( ربما لأنك نسيت أو تناسيت كل ما كان من هذا الرجل ضدنا .... فتراخت عزيمتك و ازداد وهنك بعد أن اعتدت طعم النجاح و الراحة ..... )
ابتسم سيف بقسوةٍ أكثر
( ما كنت لأهتم بتوظيف عبد الحميد عندي ...... )
ردت ورد بسرعة تسأله
( و ابنته ؟؟............. )
مد سيف ذراعيه يقول بنفاذ صبر
( و ابنته أيضا تعمل عندي ..... فماذا تريدين من العدل أكثر من ذلك ؟!! )
اشتعلت عيناها شرا للمرة الأولى و غادرها قناع الرقة و هي تهتف
( عدل ؟!! ...... هل هذا هو العدل في نظرك ؟!! ..... أنها تحضر قهوتك كل صباح ؟!! ..... هل هذا يماثل ما فعله بنا والدها ؟!! ..... هل نسيت ما فعله بأمك و أبيك ... بك ... وبي ؟!!! ....
لاااا ... لا و الف لا يا سيف .... هذا لا يقارب ذرة من العدل .... )
مسح سيف مقدمة شعره بيده وهو يقول بغضب مكبوت
( الرجل فقد جاهه و ماله .... فما الذي يمكنني أن أسلبه إياه يا ورد ؟!!! .... لقد كان القدر رحيما معه و أفقده كل ما كان يمكنني أن آخذه منه ...... )
عم صمت داكن مشحون بينهما ....وعيناهما في حربٍ يائسة , الى أن قالت ورد أخيرا بخفوت جليدي
( لا زال يملك ابنته ........ )
اتسعت عينا سيف للحظةٍ ... قبل أن تعودا لبرودهما و هو يقول بصوتٍ خطير مكررا
( و هي تعمل لدي يا ورد ...... و انتهى )
حاول الإبتعاد , الا أنها وقفت أمامه تقول بصوتٍ يشبه شفرة حادة فوق زجاج مصقول
( أمي تريدها أن تعمل لدينا بصفة دائمة ....... )
لم تتغير ملامح سيف وهو ينظر اليها ... الا أن عينيه التمعتا ببريقٍ أكثر قسوة ... ثم قال أخيرا بصوتٍ لا جدال فيه
( انسي يا ورد ....... لن أدخلها الي هذا البيت مجددا , و خاصة بصفة دائمة ... )
قالت ورد بشراسة
( هل لأنك لا تثق بها ...... أم لأنك تعطف عليها ؟؟ ...... )
رد سيف قاطعا بكلمةٍ واحدة ... صلبة .... مخيفة ...
( الإثنان ............................. )
نست ورد الإحتمال الأول ... و صرخت عاليا و جسدها كله يهتز بشرارات الكره السوداء
( تعطف عليها ؟!! ............ تعطف عليها يا سيف ؟!! .... و أنا , الا تعطف علي ولو قليلا ؟!! )
قال سيف بصرامة دون أن يرفع صوته
( أخفضي صوتك يا ورد .......... لا أريد لأمك أن تسمع كلمة من هذا , كما أن تلك المقارنة التي تعقدينها بينك و بينها تنتقص من قدرك كثيرا ....تلك الفتاة حتى ولو كانت ابنته و حتى إن كنت لا أثق بها ... الا أنها حتى الآن لم تضرنا في شيء لذا لن أنزل من قدر نفسي بأن أنتقم منها على جريمةٍ لم ترتكبها .... و خاصة بعد أن قررت ترك المجرم نفسه ... . )
ظلت ورد تلهث بصعوبة ... و هي تنظر اليه نظرات مُتعِبة في مجرد النظر اليها من شدة الكره و الضعف و القهر بها ..... ثم أخيرا اقتربت منه لتمس ذراعه هامسة بتوسل مرير
( دعها تعمل لدينا يا سيف أرجوك .... و أعدك الا أمسها بسوء ..... )
ظل ينظر اليها عاقدا حاجبيه بشدة .. الا أن الذهول كان ظاهرا بعينيه , ثم قال حانقا بحدة
( أنا لا أصدق ذلك ..... أنتِ تقتلين نفسك يا ورد , اتركيه ... فقط اتركيه ..... )
ظلت تنظر اليه نظرات فارغة بلا حياة .... ثم اخفضت يدها ببطء عن ذراعه ... لتقف صامتة لفترة قبل أن تقول بصوتٍ ميت
( وهل تركته أنت ؟!! ..... تعود و تدور بحثا عنه ... مرة به و مرة بابنته .... تحلل لنفسك ما تحرمه علي .... )
اشتعل الإستنكار في عينيه ليقول بحدة
( انها تعمل .... و أنا أكبر من أن أستمتع بذلك , لقد ذكرتِها منذ لحظات ...... مجرد دخولها الي بالقهوة , لا يعبر ذلك عن أي شيء ...... )
قالت ورد تشد على أسنانها
( أي أنك وظفتها لديك لمجرد أن تساعدها ؟!!! ..... و هل نفذ العالم من كل من يحتاجون الى المساعدة كي تساعد ابنة عبد الحميد ؟!!! .... )
أغمض عينيه يأسا و قد أسقط في يده ... لا يجد التبرير المناسب , الا أنه هتف بحنق
( توقفي عن ذلك ..... فقط توقفي عن ذلك , لدي من المشاغل ما يكفيني لأفكر بمثل تلك التفاهات ..... )
همست بصوتٍ جليدي و عينان كالزجاج و هي ترفع يدها لتمس أذنها بشرود
( تفاهات ؟!! ......... )
اسقط سيف يديه يضرب بهما فخذيه بتعب ليقول بصوتٍ خافت قاسي
( انسيه ..... فقط انسيه و اتركيها لحالها يا وعد ...... )
ابتعد عدة خطوات و قد قرر إنهاء تلك المناقشة العقيمة ... الا أن صوتها جاء من خلفه أكثر خفوتا كهمس ميت
( أنا ورد ..... ولست وعد ..... لقد أخطأت بحرف ..... مجرد حرفٍ واحد ..... لا عليك , ليس خطأ جللا )
ظل سيف واقفا مكانه .... لا يستدير اليها , كي لا تفضحه عيناه , بهزيمة نطق اسمٍ لم يكن من المفترض أن ينطقه ..... الا أنه رفض الإستسلام و الٌإقرار بالهزيمة .... ليقول بصوتٍ حاسم لكن مجهد
( لا أريد أن تعلم أمي بكل ذلك يا ورد ..... اعلمي أنكِ ستؤلمينها حد الموت لو فعلتِ , فإن كان ذلك يرضيكِ فافعليه ..... )
ثم صعد السلم دون اضافة أي كلمة اخرى ...................
دخلت ورد الى غرفتها تغلق الباب خلفها بصمت ... ثم اتجهت الى المرآة تنظر الى نفسها بملامحها الميتة ... و عيناها الخضراوان الزجاجيتان ... و كأنه زجاجٍ يخفي خلفه لهب حارق على وشك كسره في أي لحظة ...
أبعدت غرة شعرها الطويل من جانب وجهها الى خلف رأسها ..... ثم مدت يدها خلف أذنها كي تنزع سماعة الأذن الصغيرة و تضعها بهدوء على منضدة الزينة ....
وقفت ورد تنظر الي تلك القطعة الصغيرة قليلا .... قبل أن تتجه الى سريرها كي تستلقي به على جانبها , رافعة الغطاء فوق وجهها
و من بعيد سمعت صوت طفيف ... لأمها تطرق الباب و هي تنادي ...
( ورد .... هيا للغذاء حبيبيتي , لقد وصلك أخوكِ ..... تعالي لتساعديني ... )
الا أن ورد لم تلتفت الى الباب ... و لم ترد , حتى بعد أن فتحت أمها الباب و دخلت عدة خطوات لتقول بخفوت
( ورد .... هل نمتِ حبيبتي ؟؟ .... ورد )
ظلت ورد مكانها دون أن تستدير الى أمها التي خرجت بصمت مغلقة الباب خلفها ....
كان ذلك ما يفعله والدها دائما .... حين يدخل ليتفقدها بينما هي تتظاهر بالنوم كاتمة ضحكتها بالقوة ... الا أنها غالبا ما تفشل في إمساكها لفترة أطول فتنفجر ضاحكة , قبل أن تفاجىء بيدين قويتين يحملانها عاليا حتى سقف الغرفة ....
أغمضت ورد عينيها ..... و هي تتسائل عن جدوى بقاء أمثال عبد الحميد في هذه الحياة .... و غالبا ما تحظى بناتهم على فرصٍ أفضل في الحياة ....
سيف معجب بها ....
فكرت بهذه الجملة بمنتهى البساطة دون أي تعجب .... بل في الواقع هذا هو المنطقي في هذا العالم ...
كم من مرةٍ رأت فتاة في مثل ظروف وعد ... و مثل خبثها و دناءة أهلها ... لتفاجأ بأنها تحظى بزوج و حياة لم تكن لتحلم بمثلها !! ....
حتى أصبح الجميع يلهون بقول أن من لا تستحق هي في الواقع من تجد أفضل الفرص ....
و تلك وعد ... ليس فقط أنها لا تستحق , بل يكفي أنها ابنة عبد الحميد .... الذي سلبها والدها يوما ...
كان صدرها يتردد بنفسٍ حارق تحت الغطاء لدرجة أنه أوشك على أن يحترق ....
.................................................. .................................................. ......................
دخلت وعد البيت بأقدامٍ متثاقلة .... أصبح ذلك البيت يمثل لها ثقلا يفوق قدرتها على التحمل ...
ممسكة بما تبقى من كيس الحلوى ...
تذكرت حين كانت جالسة في انتظار أخذ قياسات الفتاة الرابعة لأسرة تعرفها جيدا ... و المطلوب تفصيل اربع فساتين طبق الأصل لكن بقياسات مختلفة .. نظرا لأن الفتيات سيكن وصيفات عروس من قريبات الأسرة ... لذا توجب أن يرتدين تصميم واحد ...
حينها جاء آخر العنقود ... الولد الوحيد لهذه الأسرة ...
ينظر اليها طويلا مدققا بها بملامح طفولية قريبة للغباء .... و كانت وعد كذلك تراقبه بملامح لا تحوي أي نوع من أنواع المودة ....
الى أن تكلم أخيرا قائلا ببلادة
( ما هذا الذي معك ؟؟ ..... )
نظرت وعد الى الكيس في حضنها و التي كانت على وشك أكل شيءٍ منه , الا أنها أعادت غلقه , لتنظر الى الولد الصغير قائلة ببرود
( شيئ لا يخصك ...... )
اقترب حاجبي الولد من بعضهما وهو ينقل نظره منها , الى كيس شرائح البطاطس الظاهر من داخل الكيس الشفاف ... و في عينيه نظرة صياد خارق للقانون في محمية طبيعية ...
ثم قال بخفوت خطير ...
( لمن شرائح البطاطس تلك ؟؟ ...... )
قالت وعد و عيناها لا تحديان عن عينيه في تحدٍ صامت
( لي ............ )
عاد الولد ينظر الى الكيس طويلا .... و أحد حاجبيه يرتفع كأحد أبطال أفلام الرعب , ثم قال أخيرا بصوتٍ لا يقبل الجدل
( أريدها ..... )
فردت وعد و حاجبها يرتفع مجاراة لحاجبه
( لا ........... )
فاحمر وجه الولد غضبا و قد بدأ يفقد قناع السيطرة خاصته وهو يقول
( أريده ...... .. )
فردت وعد بصوتٍ بارد جليدي
( اجعل والدتك تأتي لك بواحد ......... )
ازداد حنقه بوضوح .. و من الواضح أيضا أن أمه لن تأتي له بمثله سوى في الأعياد ... بدعوى أنه خطر , أو لمجرد أنها أم صميمة ترفض لمجرد الرفض ...
ثم قال بصوتٍ حانق
( و من جلبه لك ....... )
قالت وعد بلهجةٍ مغيظة
( ابن عمتي ........... )
قال الولد و هو يضع كفيه في خصره مادا وجهه للأمام كي يغيظها بالمثل
( الا تعلمين أن أخذ الحلوى من الغير تجعل منك متسولة ؟؟ ....... )
نهضت وعد من مكانها لتنحني اليه قائلة بنفس اللهجة
( قل ذلك لنفسك ........ )
ثم مدت له لسانها قبل أن تستقيم متأففة بنفاذ صبر لتنادي بصوت نافذ الصبر
( يا سيدة منال ...... لقد مرت ساعة كاملة و لم نكمل حتى جميع القياسات , فمتى اذن سأقص القماش ؟؟ )
و بعد ساعتين كاملتين .... كانت وعد قد تمكنت بعد جهد من أخذ القياسات و قص القماش ... و تثبيته بأبرة و خيط مؤقتا ... كي تأخذه معها الى البيت و تبدأ في خياطته بماكينتها ....
و ها هي الآن تقف في مدخل البيت القديم ... تنظر بأسى لأعلى خلال التفافات السلم ... تود لو تبتعد و تجد لها مكانا آخر تسكنه ...
لماذا اذن كانت تريد من السيدة منال أن تتعجل , كي تنهي عملها .... الى ماذا تريد أن ترجع ... أو الى من ؟؟ .....
الى عبد الحميد ؟!!! ....
أخفضت وعد عينيها و هي تتنهد بتعب .... هل يأتي اليوم الذي ستتمكن فيه من الإستقلال بحياتها ؟؟ ....
لقد أصبح عمرها ستة و عشرين عاما .... و ها هي بدون وظيفة تناسب مؤهلها .... و لا تملك ايجار غرفة حتى في أي مكان ....
دون أن تدري وجدت نفسها تنخفض كي تجلس على درجة من درجات السلم ....
شعور غريب بالفراغ بدأ في التوسع بداخلها ....
ماذا حققت حتى الآن ؟؟ .... أربع سنوات و تصل للثلاثين دون وظيفة أو سكن مناسبين ... و دون حتى أن تجد أختها ملك ....
ستصل الى الثلاثين دون أن تجد ملك ؟!!! ....
عقدت وعد حاجبيها و تأوهت بصدمة و هي تفكر
و كم سيتبقى من العمر اذن كي تقضيه معها ؟!! ..... هذا إن وجدتها أصلا ....
مالت وعد برأسها حتى اسندتها الى حاجز السلم .... ثم أغمضت عينيها ....
لم تحقق أي شيء بحياتها .... اي شيء ....
ابتسمت بمرارة ساخرة و هي تفكر بنفسها حين كانت تلوم كرمة بينها و بين نفسها على زواجها المبكر الذي أنهت به حياتها ...
و الآن حين تنظر الي نفسها و تقارنها بكرمة .... تعلم بأن العيب ليس فقط في الظروف , فظروف كرمة كانت أصعب منها .... لكنها تمكنت في الوصول الى جزء كبير من أهدافها ....
بينما هي .... تجلس هنا على درجات سلم قديم , منقبضة من دخول بيت ذلك الرجل المكتوب لها والدا في شهادة الميلاد ....
فتحت وعد الكيس بيدها في صمت .... لتفتح منه كيس شرائح البطاطس الذي تمكنت من انقاذه من براثن ابن منال الثقيل .....
أخذت تلتقط واحدة بعد الأخرى تأكلها بصمت .... و بلا حياة تهبها الى ملامحها الشفافة المتعبة ....
و ماذا عن قرارها بعدم الذهاب الى العمل مجددا ؟؟ .... هل ستواتيها الجرأة لاتخاذ هذا القرار دون أن تجد عملا بديلا ؟؟ ....
لا تستبعد أن تموت من الجوع لو فعلت ذلك .... اليست تقطن مع عبد الحميد العمري ....
نظرت وعد الى شريحة بطاطس رقيقة بين أصابعها .... تتذكر أحداث اليوم مع سيف الدين فؤاد ... و الذي انتهى بجلوسها في سيارته ....
منذ فترة طويلة لم ترى معاملة شبيهة بتلك المعاملة التي تلقتها اليوم ....
بل الأصح أنها لم تتلقى مثل هذه المعاملة مطلقا .....
لا .... لا .... كيف نسيت ؟!! .... بل تلقت مثل هذه المعاملة من قبل ...
منذ سنواتٍ طويلة جدا .... من والد ملك رحمه الله .... كان طيبا معها جدا ......
كان يعاملها معاملة طيبة و يجلب لها بعض الحلوى كل فترة ....
لقد كانت صغيرة جدا ... لكنها مع ذلك تتذكره , تتذكر طيبته معها ....
لكنها كانت فترة قصيرة جدا .... و كأن الطيبة قد أبت أن تكون حليفة لها لفترة أطول ....
ليرحل فجأة في صمت و هدوء ..... كما يرحل كل شيء جميل في حياتها ....
تاركا أمها صفا ... وهي تحمل طفلتين ....
وعد عبد الحميد العمري ... و ملك ابراهيم عثمان ....
ابتسمت وعد ابتسامة حزن تسودها الرقة .... كم كانت ملك شبيهة بأبيها .... و كم فرحت بها حين وصلتالى هذا العالم على الرغم من أنها كانت مجرد طفلة في الرابعة ... لكنها تتذكر اطياف مشاهد حين كانت تتسلل الى المهد الصغير لتلعب بها قليلا ...
كانت طفلة ضاحكة منذ صغرها ....
أدخلت وعد يدها بأسى و شرود الى كيس البطاطس ... لكنها رفعت رأسها حين اكتشفت أنه قد فرغ تماما ... فتنهدت بحزن ..... حتى البطاطس انتهت .... العالم كله ضدها ... حتى البطاطس ....
حين لم تجد بدا ... نهضت بتثاقل ... تصعد الطوابق المتبقية , حتى وصلت الى شقتة والدها ....
و ما ان دخلت حتى وجدته قابعا في نفس مكانه بعيني الصقر الرماديتين كعينيها .... لكن شتان بين طبيعة النظرتين ...
تسمرت مكانها للحظات بانقباض قبل أن تغلق الباب ببطء و هي تتنهد في داخلها ...
ثم عبرت أمامه بسرعة و هي تقول بإقتضاب
( السلام عليكم ................ )
لكنها لم تتمكن من الهرب سريعا بما يكفي ... فقد لحقها صوته الأجش
( أين كنتِ ؟ .......... )
توقفت مكانها تزفر دون صوت ... ثم التفتت اليه ببطىء لتقول بفتور
( كنت عند السيدة منال التي تسكن قبلنا بشارعين ...... لأقص قماش فساتين بناتها .... هل هناك استفسار آخر ؟؟ ..... )
قال بصوتٍ آمر
( متى ستأتين بمال ؟؟ ...... هل تظنين حقا أنكِ قد وصلتِ لمثل عمرك كي تعيشين هنا مجانا لمدة شهر كامل ؟!! ..... )
ظلت تنظر اليه بعينين متجمدتين قبل أن تقول من بين أسنانها
( شهر كامل ؟؟!! ..... لماذا , أنسيت أنك قد أخذت المال الذي ادخرته لشهور ؟؟ .... فيما صرفته كله؟؟ )
قال دون أي احساسٍ بالذنب
( ما ادخرته كان ثمن معيشتك هنا ... و ليس طعامك , ما تلك الوقاحة فيكِ حيث تقفين أمامي متبجحة كل دقيقة بما تدخرينه من قروش !! .... )
امتلأ قلبها قسوة تجاهه أكثر و أكثر .... ثم همست من بين أسنانها
( لماذا أنت بهذه الصورة ؟؟ ... لماذا تعاملني بتلك الطريقة ؟؟ .... الا تشعر بذرة أبوة تجاهي ... فقط ذرة واحدة .... )
ظل ينظر اليها بملامح في قسوة الرخام البارد ... ثم قال بصوته الغريب
( أنت مثل أمك تماما ... جاحدة , ناكرة للجميل .... قذرة .... )
ارتدت للخلف قليلا و كأنه قد قذفها بالكلمة الأخيرة ... فانعقد حاجبيها بذهول .. لتهتف بعد لحظة
( لماذا تنعتني بهذه الصفة ؟؟ ... ماذا رأيت مني كي تنعت ابنتك الوحيدة بها ليل نهار و كأنها كلمة تدليل !! )
قال وهو ينظر اليها بلا أي ندم ...
( يكفيني أنكِ ابنة أمك ...... العرق دساس )
ارتجفت شفتاها قليلا و تشوشت الرؤية أمامها بدموع حبيسة .... ثم قالت بحدة
؛( و لماذا تزوجتها اذن طالما كانت بمثل هذه البشاعة .... لو لم تتزوجها لكنت قد رحمتني من أن أكون نسل كليكما ...... )
ضحك قليلا بخشونة ... بينما عيناه كانت مخيفتين كعيني الضباع وهو يقول
( أتعلمين أنني كنت شبه متأكدا من أنكِ لستِ ابنتى ..... كنت أود لو أرحت قلبك الآن بأنكِ بالفعل لستِ من نسلي أنا على الأقل ..... لكن للأسف , حين جئت لأخذك تأكدت من أنكِ لي ..... )
اتسعت عيناها بذهول و قد انسابت دموع القهر منهما على وجنتيها ... و هي تهتف بخزي
( كيف تخبرني ذلك بمنتهى البساطة ؟!! ..... و تقول للأسف أيضا ؟!! ....هل أنت آسف على أن ابنتك بنت حلال ؟!! .... أي رجل أنت ؟!! .... )
لم يظهر اي انطباع على ملامحه ... الى أن قال بصوته الذي أصبح كالنياط على جسدها
( ابنة حلال أم ابنة حرام .... هل سيشكل ذلك في كون أن أمك كانت خائنة قذرة ؟!! .... الذي يدعو للأسف أنها قد تركت لي ذرية تحمل من دمها الملوث ..... )
تحولت دموعها الي شهقات نحيب خافتة .... و هي تغلق عينيها تعصرهما قبل أن تفتحهما مجددا و هي تهتف بعذاب
( و لماذا أخذتني اذن ؟!! ..... كنت تركتني مع أختي ..... كنت تركتني مع أختي .... لماذا أخذتني طالما تكرهني لهذه الدرجة ؟!! )
قال متشدقا ببساطة
( آه أختك .... لا بد و أنها كانت بنت حرام هي الأخرى .... فذلك ما كانت تجيده أمك .... )
وضعت كفيها على ذنيها بقوة و هي تغمض عينيها باكية بعنف ... بينما ظل هو ينظر الى انهيارها بملامح متجمدة ....
الى أن رفعت رأسها في الأخير ... تنظر اليه و هي تنشج بضعف و عيناها متورمتان بشدة ... ثم همست من بين بكائها الذي تحول الى متعبا ضعيفا
( و كيف تأكدت من أنني ابنتك ؟؟ ........ لا أذكر أنك قمت بأي تحليل , ... او أي شيء من هذا القبيل ... )
ظل ينظر اليها لفترة ... قبل أن تلتوي زاوية شفتيه بسخرية ليقول ببساطة
( من عينيكِ .......... )
عقدت حاجبيها قليلا بعدم فهم ... الا انه تابع بصوته الأجش
( حين رحلت أمك و هي تصطحبك معها و قبل ان أتأكد .... كان من الصعب التنبه للشبه .... لكن ما أن عدت لآخذك من دار الرعاية .... و كنت قد كبرتِ قليلا ... ما أن نظرت الى عينيكِ حتى ادركت الشبه ... انهما نفس عيناي ...... )
صرخت وعد و هي تبكي بطفولة مقهورة
( أفضل أن أفقأهما ........ ... )
ضحك عبد الحميد عاليا .... فاستدارت بعنف تنوي مغادرته الى غرفتها , الا أن صوته جاء من خلفها غامضا نشازا
( كيف حال ابن عمتك ؟؟ ...... )
توقفت مكانها .. ثم استدارت اليه بعينين ممتلئتان كرها و بكاءا ... ثم هتفت بحقد دفين يحمل سخرية مريرة
( يبعث اليك بتحيته ......... )
رفع عبد الحميد احد حاجبيه متجاهلا الكره الواضح في عينيها و نبراتها ... ثم قال منشرحا
( حقا !! ....... ردي اليه التحية .... و بحرارة )
عقدت حاجبيها بشدة وهي تبكي بصمت ... تهز رأسها بذهول و يأس من هذا الكائن ... , ثم همست بصوتٍ كاره
( ماذا فعلت به و بأمه ؟!! ............. )
نظر اليها عبد الحميد مبتسما بتجمد ... قبل أن يقول بهدوء
( لما لا تسألينه هو ؟!! ..... فربما فتح قلبه لكِ و ارتاح للشكوى معك .... )
هزت رأسها مرة أخرى قبل أن تقول بخفوت يائس
( من الواضح أنه شخص لم يعتد الشكوى بحياته .... لكن الأمر لا يحتاج لذكاء لمعرفة أنك كنت نقمة على تلك الأسرة ..... كما أنت على كل اسرة تدخلها ... )
استدارت لتغادر , الا أنه قال بهدوء و كأنه يتكلم عن الطقس
( احذريه ..... فهو لن يهدأ له بال قبل أن ينالك ...... و ها أنا أحذرك لتعرفين أهميتك عندي )
تسمرت وعد مكانها مغلقة عينيها بقوة من عمق الذهول .... ثم هتفت بقوة
( كفى ....... كفى ...... )
ابتعدت و هي تشعر بغثيان فظيع .. الا أن صوته انطلق مجددا ليقول بهدوء
( بسرعة كي تحضري الغذاء .... لقد جعت ... )
دخلت وعد سريعا دون أن تكلف نفسها عناء الرد ... لتغلق بابها بالمفتاح ... ثم ترتمي على سريرها محطمة منهارة ... لم تكن يوما تحمل بداخلها اي عاطفة خاصة تجاه أمها .... الا أن كلامه كان له تأثير السم في عروقها ...
للحظات ... للحظات ودت بالفعل لو تكون ابنة حرام و لا ترتبط به بدمٍ أسود ... و يا حبذا لو لم تكن ابنة أمها كذلك ... لكن للأسف ذلك لم يكن متاحا .... فهي ابنة صفا بالدليل و البرهان ...
تذكرت الآن الأستاذة نوال ... استاذة الدار ...
التي كانت تفرق بوضوح في المعاملة بين أطفال الحلال و اللقطاء ....
بينما ها هي الآن .... جالسة تبكي على حافة سريرها .... تتمنى لو لم تكن ابنة حلال لهاذين الإثنين ....
صفا و عبد الحميد ....
نهضت ببطىء تمسح دموعها بظاهر يدها ... و اتجهت الى أحد أدراجها , تأخذ منه عدة ألوان من لفائف الصوف ... و ابره " الكروشيه "
ثم جلست على سريرها و بدأت في عقد طرف خيط أحمر في الأبرة الصغيرة و هي تهمس بينما الدموع لا تزال تنسكب بصمت على وجنتيها ...
( هذه القطعة ستستغرق نصف ساعة ..... فلينتظرها مرغما ... و الا فليكسر الباب و سأعاود تركيب قفل و مفتاح كما فعلتها اربع مرات من قبل ..... )
.................................................. .................................................. .....................
ظل منتظرا ... دون وعي منه تقريبا و ظاهر قلمه يطرق سطح المكتب بانتظار ... يحتاج الى قهوته الصباحية حالا ....
لا يستطيع أن يبدأ يومه بدونها ... و من يلومه !! ....
منذ أن طلبها بنفسه و هو يجلس متحفزا في انتظراها .... قهوته الصباحية ....
سمع أخيرا طرقة خافتة على الباب ... يستطيع ان يميز تلك الطرقة عن باقي الطرقات ... عن طرقة علا و عن طرقة علي ... و عن طرقة غيرهما ....
قال بصوتٍ عميق لا تعبير به ...
( أدخل .......... .... )
انتظر قليلا ... الى ان شاهد الباب يفتح , و الصينية تدخل اولا ... تمسكها اليد الصغيرة البيضاء ...
ابتسم داخليا دون ان يظهر شيء على ملامحه القاسية ....الى ان ظهر الجسد الأنثوي الهش الرقيق ...
يراها تخطو كعادتها على بساطه السميك .....
مطرقة تنظر الي الصينية بتهذيب .... لا ترتدي فستانها المنكوب اليوم .... ذو الورود و الذراعين المكشوفتين ....
لكنها ترتدي الزي الذي ارتدته في يومها الأول .... التنورة الرمادية و القميص الوردي ذو الرابطة حول الخصر ....
تأفف بداخله وهو يراها مجددا ترتدي كل ما يظهر تناسق قوامها .... لماذا لا تفهم طبيعة وظيفتها و أنه لا مجال لمثل تلك العروض هنا ....
اقتربت من المكتب بحيث استطاع جليا استنشاق رائحة صابون الوجه الذي تستخدمه ....
استطاع التعرف اليه ... لأنه صابون رخيص أصفر اللون يعرفه جيدا ... كانت أمه تحممه به وهو صغير ... لذا ظلت هذه الرائحة بأنفه منذ وقتها ....
الا يزال يتم انتاج مثل هذا الصابون بالفعل ؟!! ..... و لماذا اصبح لطيفا في أنفه الآن !! ...
انحنت وعد لتضع القهوة أمامه .... ثم كوب الماء ....
لتستقيم ببساطة تنتوي المغادرة ... فقال سيف بصوتٍ هادىء
( الأناس الطبيعين عادة يقولون صباح الخير .... خاصة لمدرائهم .... من باب التهذيب ... )
احمر وجهها و ارتبكت ... بينما أمسكت الصينية كدرع واقي كعادتها ... مخفية خصرها النحيف مما أثار غضبه أكثر من ارتدائها لهذا الزي ...
قالت وعد بخفوت
( صباح الخير ... سيد سيف )
لم يرد عليها صباحها .... من باب قلة التهذيب ... لكنه قال بهدوء
( هل أنتِ بخير الآن ؟؟ ....... )
أومأت برأسها ببطىء و هي تقول
( نعم طبعا بخير .... شكرا لك ... و شكرا لك على كل ما تكبدته بالأمس ... )
ضحك سيف في داخله و هو يفكر بأنه بالفعل قد تكبد الكثير بحملها .... يكاد يتذكر انقباض كل عضلات جسده حينها .... دون أي ضمير أو مراعاة لحالتها المرضية ...
لكنه لم يظهر شيئا حين قال بهدوء
( آه نعم بالأمس .... هل تأخرت في قضاء مصلحتك ؟؟ ... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بحيرة
( أي مصلحة ؟!! .......... )
حينها تجهمت ملامح وجه سيف ..قبل أن يستطيع منعها و هو يدقق في عينيها بقسوة ... ليقول بعدها بصوتٍ غريب
( لقد أنزلت قبل بيتك بشارعين ..... قلت أن لديك مصلحة ما تردين قضائها ... )
فكت وعد حاجبيها و هي تقول ببساطة
( آه ... نعم ... لا ... لم أتأخر ... شكرا لإهتمامك .... )
لم يرد سيف ... ولم تلين ملامحه , .. فاستدارت وعد نصف استدارة .. لكنها ترددت قليلا .. قبل أن تلتفت اليه ...
فتابع سيف يحدق بها بإهتمام ... بينما هي مطرقة الرأس ... ثم وجد يدها ترتفع لتحشرها في أحد جيبي تنورتها الرمادية ...
جيب أنيق مائل ...لا يظهر منه سوى فتحته ذات الإطار المائل ... و حين أدخلت يدها ازداد شد التنورة حول بطنها قليلا ... فعبس سيف وهو يشعر بيده تنقبض حول القلم الممسك به أكثر ...
الى أن وجدها أخيرا تخرج قطعة مستديرة ملونة .... لتضعها ببطىء على سطح مكتبه وهي مطرقة الرأس ...
نظر سيف الى قطعة الكوروشيه التي تشبه وردة مسطحة ملونة بعدة ألوان .... لكنه رفع رأسه حين نطقت وعد أخيرا بخفوت دون أن ترفع وجهها اليه
( هذه .... ردا للأشياء التي جلبتها لي بالأمس .... )
ازداد عبوس سيف .... و التوى شيء غريب في معدته , الا أنه حين تكلم قال بهدوء
( هل أخبرك أحد من قبل أنك قليلة الأدب ؟!! ...... )
رفعت وعد عينيها اليه للحظة ثم أخفضتهما ... الا أنهما لم تكونا خائفتين على غير العادة ... ثم همست
( نعم .... أنت .... )
مدت يدها تسحب تلك القطعة و هي تهمس
( آسفة ...... أعرف أنها لا تليق بك ... )
حينها امتدت يده تغطي يدها بهدوء !! .....
رفعت وعد عينين متسعتين ...كالقمر في تمامه الى عينيه ... و احمر وجهها بشدة من يدها الموضوعة على مكتبه و يده تغطيها ....
الا أن سيف لم يهتم وهو يقول بصوتٍ جاف
( ألم يعلمك أحد .... حين تقدمين هدية , .... لا تذكري أنها ردا لأي شيء .... )
ارتبكت وعد و عضت على جانب شفتها السفلى .... و ازداد احمرار وجهها و هي تهمس بذهول خفي
( آسفة ........... )
أخذ سيف وقته كاملا وهو يحدق بعينيها واضعا كفه فوق كفها قبل أن يسحبها ببطء دون أن يسحب عينيه عن عينيها .... ثم نظر اأخيرا الى الوردة الملونة ليقول بصوتٍ عميق للغاية
( هل صنعتها بنفسك ؟؟ ........... )
أومأت وعد برأسها قبل أن تهمس ببراءة
( إنها خاصة بكوب الماء ..... انظر )
ثم أمسكت بالكوب لتضعه فوق الوردة ... فجاء مقاسها مناسبا تماما و أوراقها بالكاد ظاهرة من أسفل الكوب
ثم قالت وعد دون أن تنظر اليه ...
( كي لا يترك الكوب أثرا على سطح المكتب ..... لاحظت أنك لا تمتلك أحدى تلك الدوائر الخشبية ... و خشب مكتبك غالي .... لا ينبغي أن تترك عليه حلقة ماء متخلفة عن كوب الماء .... )
قال سيف يقاطعها بإتزان
( هششششششش .... كفى ثرثرة .... )
صمتت وعد مرتبكة .... فقال سيف بهدوء بعد فترة طويلة
( يدهشني اهتمامك بحلقة الماء المتخلفة عن كوب الماء بعد حمام العصير الذي غسلتي به مكتبي بالأمس ... لكن ......... )
صمت قليلا ... قبل أن يرفع عينيه الى عمق عينيها الرماديتين ليتابع بخفوت
( شكرا لك يا وعد ......... )
ابتسمت للحظة قبل أن تعود و تسحب الإبتسامة سريعا .... وهي تومىء برأسها قبل أن تقول بأدب
( العفو ..... عن اذنك )
ثم خرجت بسرعة تغلق الباب خلفها دون صوت .... بينما بقى سيف ينظر الي الوردة الملونة طويلا بتعبير وجه غير مقروء ... قبل أن يمد يده و يأخذ الكوب من فوقها ليضعه بعيدا على سطح المكتب ... ثم يعاود النظر اليها !! .......
.................................................. .................................................. ..................
كانت وعد تقدم بعض المشروبات و الطلبات هنا و هناك ... و قد أصبحت تعلم معظم خبايا الكثير من الموظفين هنا ... من كلامهم ... اتصالاتهم ... مزاحهم مع بعضهم البعض .....
الموظفات هنا معظمهن مدللات ... يدفعن الكثير و الكثير , و يبقين غير راضيات عن نتيجة منظرهن ....
بينما الكثير من الشباب هنا من طبقة عالية .... لا يبدو عليهم احتياج قوى للوظيفة , من طبيعة هواتفهم و ساعات معصمهم ....
لكن ليس الجميع بهذا الشكل .... فناك الكثير ايضا ممن يبدو عليهم الاتزان في التصرف و المظهر ... أمثال من يريد تكوين نفسه بصرف النظر عن حال اسرته ...
وصلت وعد الي مكتب أحد الموظفين الأكبر قليلا ... ممن يمتلكون مكتب خاص بغرفة و ليست مجرد حواجز فاصلة بين المكاتب ....
طرقت وعد الباب بهدوء لتدخل مكتب الأستاذ رامي رجل في منتصف الثلاثينات ... وسيم بثقة تصل الي الغرور ... مهتم بمظهره و مكانته للغاية ...... ثم دخلت لتجده يتحدث في هاتفه الخاص وهو يقول
( لا تقلق ..... في ظرف أسبوع سأكون قد عثرت لك على عنوانه ... مكتب التحقيق سيتولى الأمر ... لا تخف ... حين بدأت أنا و اخي في انشاء هذا المكتب .... كنا نعلم جيدا ما نفعله .... و حتى الآن لم يضع منا أي طلب تحقيق الا و قد نفذناه وعثرنا على المطلوب .... حتى ولو كان شخص هارب منذ عشر سنوات )
تسمرت وعد مكانها و هي تدقق النظر بحدة في ملامح الأستاذ رامي وهو يتحدث بثقة ... و قد ثبتها كلامه و صعد مباشرة الى مصابيح عقلها فأضائها .....
استمر رامي يتكلم قليلا ... الى أن نظر اليها واقفة في مكانها تحدق به بعد أن وضعت الكوب الساخن دون أن تغادر المكان ....
فتابع كلامه بهدوء دون أن يشير اليها بالإنصراف ... و أخذ وقته متمهلا , الى أن أنهى مكالمته بهدوء أخيرا ... ثم رفع نظره اليها مبتسما ليقول بصوت ممطوط و كأنه معتاد على إعجاب الإناث به
لكن وعد لم تلحظ ذلك و هي تقف أمامه متخلية أنها اشارة من السماء ...
( صباح الخير ........... )
ردت وعد بخفوت
( صباح الخير أستاذ رامي ...... )
ارجع رامي ظهره للخلف منتظرا .... مبتسما .... الى أن قالت وعد أخيرا بارتباك
( سيد رامي ..... هل يمكنني أن أحدثك بموضوع خاص قليلا .... )
اتسعت ابتسامته أكثر لكنه قال ببساطة
( بالطبع تستطيعين ... أنااااااااا أبسط مما تتخيلين ... )
أومأت وعد برأسها مبتسمة بإهتزاز ... وهي تهمس
( شكرا ........ )
ثم أخذت نفسا عميقا قبل أن تهمس محمرة الوجه ...
( سيد رامي ... لقد سمعت ... جزء من محادثتك ... و أنا آسفة جدا جدا ... صدقني لم أقصد ... )
قاطعها رامي ببساطة وهو يقول
( مهلا ... مهلا ... و لماذا ترتجفين بهذا الشكل , لا بأس ...... )
أومأت وعد مرة أخرى تبتلع ريقها ... ثم رفعت رأسها اليه و همست
( هل تمتلك حقا .... مكتب تحقيق ؟؟ .... لقد سمعت عن الأمر في بعض الأفلام الأجنبية ... لكنها المرة الأولى التي أسمع بها هنا في البلد ..... )
أجاب رامي مبتسما بعفوية ... ليست عفوية تماما
( نعم .... أنه مشروع جديد نوعا ما , على الرغم من أني و اخى بدأنا به منذ عدة سنوات ... و الحقيقة أن البلد هنا في حاجة اليه أكثر من الخارج آلاف المرات .... لكننا لا ننشر الموضوع على الملأ ... عملنا يقتصر على من نثق بهم .... كخدمات خاصة .... تعلمين ... لأنه أحيانا يتعارض الأمر مع عمل الشرطة في البحث و كثيرا ما عطلو لنا عملنا في بعض الحالات و نحن لا نحتاج لوجع رأس بهذا الشأن ..... )
أومأت وعد برأسها بسرعة و هي تقول بسرعة
( نعم .... نعم .... هذا ممتاز ..... و كثير من الناس هنا تحتاج هذا المشروع , فاسهل شيء يضيع هنا في البلد الأوراق و هويات الناس ..... و الناس نفسهم .... )
أومأ رامي موافقا .... ثم انتظر يدقق بها النظر في كل تفاصيلها التي تختلف كليا عن مظهر السعاة ... فهي تبدو كشيءٍ يفتح النفس للعمل صباحا ... مع القهوة ...
حين تكلمت وعد أخيرا .... بعد ان حصلت على جرعة شجاعة ... قالت بخفوت
( سيد رامي .... اشعر بأنك قد هبطت علي كنجدة كنت احتاج اليها من فترة .... )
رد رامي بهدوء مبتسما
( حقا ؟!!! ......... )
اومات وعد براسها مباشرة و هي تقول
( نعم ...... لقد اضعت شخصا قريبا مني , و حتى اوراقه ضاعت كلها ... فهل يمكنك ان تجده لي ؟؟ .... )
التوت ابتسامة رامي وهو ينظر اليها ليقول
( اتريدين استئجار خدماتنا ؟؟ ....... لكنها غالية جدا يا وعد , تماثل أتعاب مكتب محترم للمحاماة )
امتقع وجهها و هي تفكر ...بأنها لم تحسب حساب تلك النقطة أبدا ...
هل من المعقول أن تفقد أملا كهذا .... لمجرد انها لا تمتلك مالا ؟!!! ....
ظل رامي ينظر اليها مبتسما و هي تعض شفتها مفكرة بأسى ... فقال بصوت ناعم
( لما لا تحكين لي القصة ..... ربما تمكنت من مساعدتك )
نظرت اليه وعد بصمت .... لا تريد أن تفشي كل أسرارها دفعة واحدة الى أن تتأكد من أنها ستستئجر خدماته .... لكن الأمل كان لا يزال يدفعها بقوة ... فقالت بخفوت يكاد يشبه الرجاء
( طفلة ...... كانت في دار رعاية أعرفه , تم ازالة الدار بأمر من الحكومة و توزيع الأطفال على دور أخرى .... لكن أوراقهم تداخلت و فقد بعضها .... و فقدت أنا هذه الطفلة .... الأمر تقريبا مستحيل )
لمعت عينا رامي ببريق صامت .... ما بين شهوة و سخرية .... و نوعا من الإزدراء ...
ثم نهض من مكانه ببطء ليلف حول مكتبه حتى وصل اليها و اقترب منها للغاية حتى كاد أن يلامسها فابتعدت خطوة ... الا أنه قال بصوت خافت للغاية له نبرة غريبة مع ابتسامته المقلقة
( هل فقدتِ طفلة في دار رعاية ؟؟ ..... هل هي قريبة لكِ ؟؟ .... )
ابتلعت وعد ريقها و قد بدأت تشعر بالخوف من نبرته و ابتسامته .... و قربه بهذا الشكل , فهمست بصوت متجمد قلق
( نوعا ما ....... أعرفها فقط ..... )
فقال متفهما بشكل مبالغ فيه ... و بينه و بين نفسه قد قام بتصنيفها على الفور
( نعم ..... نعم ..... فهمت .... )
ثم مد يده يمسك بذراعها يقربها منه خطوة وهو يهمس ...
( لما لا تأتين الى مكتبي الخاص الليلة .... و سنتباحث الأمر .... )
قفزت وعد للخلف وهي تهتف برعب
( لكننا لم نناقش مسألة الأتعاب ........ )
فعاد ليقترب منها أكثر ... ليضع يده على خصرها هامسا مبتسما
( الليلة سنناقشها ...... )
قفزت وعد للخلف كالملسوعة ... و هي تهتف بحنق
( لا شكرا ...... أنسى الأمر )
ثم جرت الى الباب تفتحه لتخرج منه الا أنه لحقها و قد ابتعدت عدة خطوات في اتجاه المكاتب ذات الحواجز الفاصلة ... فنادى ساخرا بصوتٍ التفت له الرؤوس
( أنا في الخدمة يا وعد ...... )
احمر وجهها بشدة و أسرعت الخطا في اتجاه غرفة السعاة دون أن تنظر اليه .... لكن هناك من كان ينظر اليه بخلاف من نظر من الموظفين .....
هناك كانت عينان في برود الجليد تراقبان الموقف بملامح مرعبة شديدة البأس ... حيث كان مارا ممسكا بأحد الملفات في يده الى أن استوقفه صوت رامي العالي ... ليرفع رأسه و يرى وعد تخرج من مكتبه مسرعة بوجهٍ محمر مرتبك .... غارق في الخزي !! ....
سيطر سيف على ما يشعر به في لحظةٍ واحدة ... ثم تابع سيره الى مكتبه دون أن يلتفت للوراء ولو للحظة .... ليس بعد ....
.................................................. .................................................. .......................
دخلت وعد الى غرفة السعاة ترتجف بقوة ... وجهها أحمر و عيناها حانقتان و صدرها يلهث بشدة .... فما أن رآها علي ... حتى اقترب منها بسرعة وهو يقول بقلق
( وعد .... ماذا بكِ ؟؟ .... )
الا أنها لم ترد و هي تتنفس بعنف و غضب ....ثم طوحت بالصينية كالطبق الطائر لتحط في المغسلة محدثة صوتا عالٍ مزعج .و هي تهتف
( اللعنة ....... )
فأمسكها علي من كتفيها ليجلسها على الأريكة ثم جثا أمامها يقول بخوف
( ماذا بكِ يا وعد ؟؟ ...... كلميني فقط ... ماذا حدث ... )
اخذت وعد تسحب عدة أنفاس الى أن هدأت قليلا .... ثم نظرت الى علي الجاثي أمامها , فهمست وهي تحاول التنفس بطبيعية
( لا بأس يا علي ..... فقط اتركني قليلا .... رجاءا .... أنا بخير )
ظل علي مكانه قليلا ينظر اليها .... يود لو يمسك بكفيها ... لكنه نهض أخيرا وهو يقول
( حسنا .... لكني لن أذهب الى مكان , سأبقى هنا معك ...باستثناء الطلبات الباقية . سأقدمها كلها و استريحي انتِ )
أومأت وعد برأسها دون أن ترد .... و في داخلها تصرخ بجنون
غبية ..... غبية ..... غبية ......
لكن ماذا كان بإمكانها أن تفعل ؟!! ..... من يلومها على التنازل و وضع نفسها في مثل هذا الموقف ....
انها ملك .... ملك التي تركتها في الدار وحيدة من أجل أبٍ لا يستحق حتى حرفي الكلمة ...
ملك التي تركتها بمنتهى الأنانية كي تذهب أملا في أسرة و بيت........ فلم تجد الأسرة و لا البيت ...
و قد أضاعت ملك للأبد .....
تنهدت بأسى و هي تنسى الحقير القذر ..الوحيد الذي كان يملك مفتاح مساعدتها .....
لتشرد بتفكيرها في ملك مرارا ....
و مرت الساعات ... و بعد فترة طويلة جدا انحدرت نظراتها الى الجريدة المطوية بجوارها و التي تركتها هنا صباحا أثناء بحثها عن وظيفة كالعادة دون جدوى ....
فامتدت يدها اليها .... تفتحها بصمت و هي تقلب فيها ذات اليمين و ذات اليسار .... تفكر بعمق ثم همست تقول
( علي ..... هل لديك فكرة عن تكلفة إعلان بهذه الجريدة ؟؟ ..... )
نظر اليها علي ليقول بحيرة
( هل تودين أن تضعي بها إعلان ؟؟....... هذا يختلف .... لكن عن أي شيء الإعلان ؟!! )
قالت وعد بخفوت غير واثقة
( بحث ......... عن صديقة ..... )
ارتفع حاجبي علي حتى كادا أن يلتصقا بمقدمة شعره ... ثم أعاد بغباء
( ستضعين اعلان في جريدة ....... للبحث عن صديقة ؟!! ..... )
أومأت وعد برأسها .... ثم همست
( صديقة أضعتها منذ سنوات طويلة ...... أخطأت بحقها و لا بد أن أعثر عليها ..... لأعوضها .. )
ظل ينظر اليها بتعبير كارتوني مذهول ثم قال أخيرا يستفسر
( هل هي من عالم البشر ؟!! ....... )
امتعضت وعد و هي تقول متأوهة
( علي ...... لقد مررت بالكثير خلال اليوم و أمس .... فمن فضلك الأمر لا يتحمل مزاحك )
قال علي بحيادية
(؛ أنا لا أمزح ..... لكن على الأرجح أنت من تفعلين ..... )
هتفت بحنق
( لا أفعل .............. )
ظل ينظر اليها كمن ينظر الي مخلوق خرافي .... ثم قال أخيرا
( هل تتذكرين اسمها جيدا ؟؟ ....... )
همست وعد بحرارة
( كحفظي لاسمي تماما ............ )
ظل علي ينظر اليها بارتياب من مدى غرابتها عن الحياة .. ثم قال أخيرا
( سؤال ..... مجرد سؤال كنوع من الإستفسار الغير مغفور من جانبي ...... هل جربتِ على سبيل المثال , البحث عنها ربما عن طريق موقع التواصل ؟؟ !!! ..... )
امتعضت وعد وهي تأفف .... لكنها قالت بغضب مرغمة
( من المستحيل أن يكون لها حساب على مواقع التواصل يا علي ..... كن جديا )
قال علي ببساطة و هو يرفع أحدى حاجبيه توجسا
( و لماذا يكون ذلك مستحيلا ؟!! ....... اليست شابة ؟؟ ..... كم عمرها ؟؟؟ )
تنهدت وعد و هي تقول
( عمرها الآن تقريبا اثنان و عشرين عاما ....... لكن من المستحيل أن يكون لها حساب على تلك المواقع ... أنا ..... انا فقط ...... أتمنى أن تكون على قيد الحياة .... لقد مررنا بظروف صعبة .... ظروف لا تعترف بتلك الرفاهيات .... ظروف تجعل من ينجو منها يعد بطلا ...... )
ظل علي يستمع اليها قليلا ... ثم قال أخيرا
( و لو كانت قد نجت .... ووجدت طريقها مثلك تماما , فما الذي يمنع أن تكون مثل باقي من هم في مثل عمرها ؟؟!! ........... )
نظرت وعد اليه تأبى الإعتراف .... ثم قالت أخيرا بقنوط
( أنا لم أنشيء حساب في أي من تلك المواقع إطلاقا ...... )
رفع علي كلتا يديه عاليا وهو يصرخ و قد فقد السيطرة على نفسه
( هذا لأنكِ لستِ معنا في عالم الأحياء ...... أنتِ تعيشين عالم الجفاء الإجتماعي و عصر الرسم على الجران حيث كات تلك هي طريقة التواصل الوحيدة .... )
هتفت وعد تبرر بعنف
( لم أمتلك حاسبا من قبل .... و لا حتى هاتف .... )
أغمض عينيه يهز رأسه بيأس وهو يقول
( أنتِ ... حالة ميؤوس منها خارجة من كتاب تاريخ يعلو سطحه الغبار ..... )
صمتت وعد و هي تطرق برأسها .... فنظر علي اليها بصمت ثم قال بعد فترة طويلة
( هل هي مهمة لك ؟...... تلك الفتاة التي تبحثين عنها ؟؟ .... )
قالت وعد بحزن دفين
( أكثر من أهميتي لدى نفسي ........ )
اقترب علي منها ليرتمي بجوارها على الأريكة ... فقفزت قليلا ... ما بالهم هؤلاء الرجال حين يجلسون يحدث زلزال في المنطقة المحيطة !!
اخرج علي هاتفه من جيب بنطاله .... ثم قام بضغط الشاشة ... وهو يقول
( سأنشيء لكِ حسابا خاصا .... حتى يكرمك الله بحل عقدة بخلك اللامتناهية و تشترين هاتفا خاصا لكِ ... )
همست وعد غير مقتنعة
( لن يصلح هذا أبدا ....... انه تضييع للوقت )
قال علي رافعا رأسه للسماء
( هل من الممكن أن نجرب فقط قبل الإعلان ؟!!! ...... ربما كانت أكثر الحلول تفاهي هي أجداها ..... هذا بخلاف أنكِ لم تحسبي شيئا آخر .... )
همست وعد و هي تسند وجنتها الى كفها المضمومة بقوة
( وماهو ؟؟ ......... )
قال علي رافعا احد حاجبيه
( انه ربما كانت هي الأخرى تبحث عنكِ ......... )
نظرت وعد اليه بعينين تشعان بريقا مجنونا جياشا بعاطفةٍ خالصة ,,فابتسمت ... حينها ابتسم لها علي لينظر الي الشاشة قائلا
( هناك مشكلة وحيدة .... بما أن الهاتف معي و بما أنني سأنشيء لكِ الحساب ... ستكون كلمة مرورك السرية معي ...... حينها سيكون حسابك كله مفتوحا أمامي .... من رسائل و صور و غيرها .... )
قالت وعد بسرعة
(لا بأس يا علي ...... فأي رسائل تلك التي تتحدث عنها يا حسرة .... و انا أصلا لن يكون لي أصدقاء لأضيفهم غيرك ......)
قال علي مبتسما
( و صديقتك .... حين نجدها ..... )
قالت وعد تتنهد بحرارة
( ياااااا رب .............. )
قال علي أخيرا
( ما هو اسمك كاملا ..... الذي تعرفه صديقتك .... )
ترددت وعد قليلا قبل أن تقول أخيرا بصوتٍ خافت
( وعد عبد الحميد العمري .........)
ضحك علي وهو يقول مازحا
( عبد الحميد ؟!!! ....... ياالهي !! ..... انه اسم الساعي الذي كان هنا من قبلك ... استغفر الله كلما تذكرته وددت لو ....... )
صمت قليلا ..... طويلا .... ثم رفع اصبعه .... و رفع عينيه الى عينيها الرماديتين المرتبكتين .... ثم قال أخيرا بذهول ...
( لا ...... لا .... اخبريني أنني أتوهم ......... رجاءا ..... )
همست وعد برجاء
( لا تخبر أحدا بذلك يا علي أرجوك .......... )
نهض علي ببطء ليقول بخفوت
( أعتقد أنه علي أن أذهب بعد كل تلك الإهانات التي لوثت بها سمعك من قبل ........ )
جذبته وعد من ذراعه ليسقط مجددا ... و هي تقول بحنق
( اجلس يا علي و احترم نفسك ..... هيا أكمل ما كنت تفعله ...... )
جلس علي ... ينظر اليها بطرف عينيه .. و خوف جديد يعتمل في نفسه من ان ينال صفعة على مؤخرة عنقه منها كما كان يفعل المقزز ... احم ... عبد الحميد ....
قال علي بخفوت
( بالمناسبة ..... ما اسم صديقتك ؟؟ )
قالت وعد بخفوت
( ملك ...... ملك ابراهيم عثمان )
أومأ علي ... ثم قال ببديهية
( حسنا ..... طبعا دون الحاجة للسؤال .... ليس لديك بريد الكتروني .... )
هتفت وعد بسعادة منتفضة ... حتى ان علي توجس منها و انتفض مبتعدارافعا يده مدافعا عن وجهه بطريقة غير ملحوظة
( نعم لدي ...... حين اخذت دورات للحاسب ارغمونا هناك أن يكون لكلٍ منا بريد الكتروني قبل البدء في الدورة )
نظر اليها علي بطرف عينيه ... ليقول مستنكرا بسخرية
( دكتاتورية !!!! ..... منهم لله )
ثم تابع انشاء حساب على موقع التواصل على بريدها الايكتروني ... ووعد مائلة اليه تراقبه بانبهار طفولي ... ثم رفع هاتفه اخيرا ليقول
( الان الصورة ...... ابتسمي )
ابعدت وعد عينيها و هي تهتف
( لا .... لا اريد ..... ضع اي صورة حيادية ..... )
تنهد علي وهو يقول
( صورة حيادية ؟؟؟ ..... لما لا نضع خريطة البلد مع تحديد الرقعة الزراعية بها ؟!!! .... وعد لابد ان تضعي صورتك في حالتك تلك تحديدا فلربما تمكنت من التعرف اليك )
توترت وعد ... و تشنجت أصابعها ... و ارتبكت ... فشعر علي بالعطف عليها , فقال يهدئها
( لا بأس ..... لا تخشي شيئا , سنضع الصورة المحترمة و نخفي صورة الإغراء ذات الوضع الحلزوني بعيدا )
ضربته وعد على ذراعه و هي تضح قليلا تاركة بعض من قلقها ... ثم ابتسمت بقلق ما أن رفع علي الهاتف الى وجهها ... فقال برقة
( أريني أجمل ابتساماتك ......... )
ابتسمت وعد أكثر ... و شردت عيناها بأمل في صورة ملك الحالية .... هل هي جميلة ؟؟ ....
التقط علي الصورة وهو يقول مبتسما بصوتٍ مبحوح
( رائعة .......... )
ابتسمت وعد له بمودة .... بينما كان ينهي ما يفعله .... و لم يلاحظا أن هناك من كان واقفا بالباب .. ينظر اليهما بشراسة ... الى أن قال أخيرا بصوتٍ عميق
( علي ....... لقد انتهى اليوم , لماذا لم تغادر ؟؟ ..... )
انتفض كلا من وعد و علي ينظران الى سيف الواقف بالباب ... بهيئته الضخمة المخيفة بطبيعتها دون الحاجة لبذل مجهود .....
فنهض علي يقول بدهشة
( حقا ؟!!! ...... لم نشعر بالوقت .... شكرا لك سيد سيف .... هيا يا وعد ي نغلق المكان )
قال سيف بهدوء
؛( لا يا علي .... اذهب انت ... سأبقى أنا و بعد الموظفين لوقتٍ أضافي , و نحن في حاجة لوعد .... )
قال علي بسرعة
( سأبقى أنا اذن و تغادر وعد ...... لقد كانت متعبة اليوم و ...... )
قاطه سيف بصوتٍ حازم لا يقبل الجدل
( ستغادر أنت يا علي ..... و ستبقى وعد .... )
ثم نظر الي وعد بوجهٍ جامد لا تعبير له ليقول بصوته العميق
( هل تمانعين يا وعد ؟؟ ....... )
قالت وعد بسرعة و تهذيب
( على الإطلاق ....... سأبقى ..... حاضر )
قال سيف بنبرةٍ بها لمحة استهزاء
( طبعا ستنالين ثمن وقتٍ اضافي ..... لا تقلقي )
شحب وجه وعد و هي تنظر اليه و قد بدا غريبا كأول يوم عرفته .... بينما انسحب علي بصمت يتبعه سيف بلا كلمة .....
.................................................. .................................................. .....................
بعد أن دق الهاتف يطلب منها قهوته المساءية ....... جلس ينتظرها ........ كما كان ينتظرها صباحا ...... لكن شتان ما بين حالتي الإنتظار ...... كان جالسا كبركان ثائر على حافة الإنفجار ...... بداخله غضب عنيف ، لا يماثل قيمة فتاة لا قيمة لها أصلا في حياته ...... شعور غريب بالرغبة في القتل تنتشر في أوردته ...... لم يكن ليدع الأمر ليمر مرور الكرام ...... لذا و بعد فترة مناسبة اتجه حاملا نفس الملف البائس ..... يسير في ارجاء الشركة متعمدا العفوية ...... الى أن وجد مقصده .... رامي ....... كان واقفا مع احدى الموظفات يمزح معها ، لكن و ما أن لمحا سيف حتى اعتدلا لتنصرف الموظفة بسرعة تتبعها نظرة سيف الجليدية ...... بينما استقام رامي يقول مبتسما ببساطة
(مرحبا سيف ........ )
ارغم سيف نفسه على الابتسام ببرود قبل أن يرد بلهجة تمكن من جعلها عادية
( مرحبا رامي ........ )
ثم سكت متعمدا ليقول بهدوء
(أردت سؤالك عن شيء لفت نظري اليوم ...... تلك الفتاة الجديدة ...... الساعية ..... لقد رأيتها تخرج من عندك مسرعة و كأنها قد ارتكبت جريمة و أنت تصرخ بأنك في الخدمة ...... ماذا كانت تريد منك ؟)
ضحك رامي قليلا لكن بدون حرج ثم قال
(اعفيني يا سيف رجاءا من الكلام ..... لم يكن يتوجب علي أن أصرخ بهذا الشكل ، لكن رغما عني لا أملك سوى تعمد احراج احداهن حين أجدها من هذا النوع........ ).
تجمدت ملامح سيف بصورة غير ملحوظة ...... قبل أن يقول بصوت هادىء
( أي نوع ؟............. )
ابتسم رامي بتحرج هذه المرة و هو يقول
(.......... اعفيني يا سيف رجاءا)
قال سيف بلهجة هادئة لكن امتلأت بنبرة الحزم الذي لا يقبل الجدل
(رامي ..... اخشى أنني مصرا على معرفة الأمر لأن تلك الفتاة تعمل في مرحلة مؤقته و أنا لا أرغب في توظيف تلك التي تشير أنها من نوع ارفض الإشارة اليه بدون حجة قوية ...... )
أطرق رامي برأسه قليلا .... قبل أن يقول مستسلما
( كانت تريد استئجار خدمات مكتبنا الخاص أنا و أخي ..... أنت تعرفه .... )
عقد سيف حاجبيه بشدة ليقول بحيرة
( نعم أعرفه ....... فيما كانت تريد خدماته ؟؟ !! ...... )
رد رامي مبتسما ابتسامة ذات مغزى
( تريد معرفة طريق طفلة أودعتها في دار للرعاية .... ثم فقدت أثرها .... )
اتسعت عينا سيف .... و تشنج جسده , فأومأ رامي موافقا دون الحاجة للنطق .... ثم قال بهدوء
( لقد أخبرتني بهذا بنتهى الهدوء ..... دخلت لرجل غريب تخبره بذلك بمنتهى الهدوء , فضلا عن كونها لا تمتلك أتعاب لتلك الخدمة ..... فماذا يفترض بي أن أفهم من ذلك ؟!!! .... )
تصلبت ملامح سيف تماما ... و اشتعلت عيناه بلهيب أسود مخيف , ثم قال بخفوت
( رامي ...... إنها أمور لا تحتمل الإدعاء , فلو كنت قد ...... )
قاطعه رامي بهدوء
( لو كنت أكذب هل كان بإمكاني أن أعلو بصوتي هكذا أمام الجميع .... فتركض خائفة من أمامي دون الرد ؟!!! )
صمت سيف تماما حينها و لم يجد أي رد .....
وها هو الآن يجلس في انتظارها .... بروحٍ على وشك الوثوب لقتلها دون رحمة .... لقد دافع عنها أمام شقيقته , على الرغم من عدم ثقته بها .... لكنه لم يستطع تخي أن تكون بهذه الدرجة ال ......
كان عرض عبد الحميد البائس لا يزال يطوف بذهنه .... حين عرضها للزواج و كأنها بضاعة رخيصة يريد التخلص منها ....
دخلت وعد الي المكتب ... تمر بمكتب علا أولا فوجدته خاليا .... هل ذهبت ؟!!! .... ألن يحتاج الى سكيرتيرته ؟!!! .....
فطرقت الباب و دخلت بهدوء .... كالعادة مطرقة الرأس .... تسير فوق البساط السميك بلا صوت ...
لكن شيئا ما أثار قشعريرة باردة في أوصالها .... احساسها بطاقة غضب او كره جبارة تحيط بالمكان ...
لكنها كذبت احساسها ووضعت الصينية برفق على سطح المكتب ...
أنزلت الفنجان .... ثم أنزلت الكوب بحثا عن وردتها الى أن وجدتها مكانها فابتسمت قليلا و هي تضع الكوب فوقها
الا أن صوته قصف قويا
( ضعيها على سطح المكتب ...... )
رفعت عينين مصدومتين الى وجهه المخيف ...لكنها وضعت الكوب على سطح المكتب كما أمر ... ثم همست بعد تردد
( سيد سيف ..... هل أخطأت بشيء ؟؟ )
ارجع ظهره للخلف ... ناظرا اليها بصمت قبل ان يقول بصوتٍ غريب
( لماذا هذا السؤال الغريب ؟؟؟ ..... هل تشعرين بأنك قد أخطأت بشيء ؟؟ )
لم ترد .... لأنها لم تعرف بماذا ترد ... الا أن قلبها امتلأ قلقا .... فهمست ترتجف
( انت ..... مختلف قليلا عن ..... الصباح )
و كأنها قد أطلقت سراح الوحش .... فتوحشت ملامحه دون أن يهتم بإخفائها هذه المرة وهو يقول بصوتٍ خافت لكن مرعب
( هل نسيت نفسك ؟!! ..... )
ابتلعت باقي كلامها بسرعة ... و انقبض قلبها , فهمست بتوتر
( أنا آسفة .... لم أقصد ..... )
لكن سيف ارتدى قناع الجليد مرة أخرى وهو يقول ببرود
( عامة يا وعد .... يؤسفني أن أخبرك بأن عملك معنا قد انتهى )
شعرت وعد أن صاعقة قد ضربتها ..... و بأن الأرض تميد بها ... لكنها تمكنت من الهمس بذهول
( ماذا ؟!! .... لماذا .... ماذا فعلت ؟!!! .... )
قال سيف بهدوء
( لم يعد يناسبني وجودك هنا ....... )
همست وعد و كأنها تهذي
( لم يعد يناسبك ؟!! ..... لم أكمل حتى الشهر !!! )
قال سيف بنبرة استهزاء
( لا تقلقي ..... ستحصلين على راتب شهر كامل )
هزت رأسها قليلا غير مستوعبة الكابوس الذي تحياه ... ثم همست بعذاب
( لقد تركت عملي السابق ....... )
ابتسم سيف بقسوة قائلا
( آآآه ..... كبائعة أحواض و مراحيض ؟!!! ..... كان هذا خطئك اذن )
فغرت شفتيها قليلا ... تنظر اليه بعدم تصديق .... لكنها أرغمت نفسها على التنفس قبل أن تصاب بالدوار ... ثم همست أخيرا
( حسنا ...... شكرا لك , بعد اذنك ... )
استدارت لتغادر فلم ترى نظرة الغضب المذهول من سيف الذي لم يتوقع استسلامها بهذه البساطة ...
فنادى خلفها بقوة
( وعد ........... )
توقفت مكانها ... ثم استدارت اليه ... بعينيها الحزينتين , ... المائلتين بقسوة يكاد أن يغرق بهما ... مما جعله يغضب أكثر و أكثر ....
نهض من مكانه بقوة ليستدير حول المكتب ... الى ان وصل اليها فرفعت رأسها اليه كي تجاري طوله ...
لتفاجى به يمد يده ليقبض بها على فكها رافعا وجهها أكثر .... اتسعت عيناها بذهول , الا ان سيف قال بخفوت
( توقعت الا تستسلمي بهذه السهولة ........ )
ابتلعت ريقها تحت كفه القوية المهددة بخنقها .... فهمست بضعف
( انه خطأي كما ذكرت .... كان يجب ان اتوقع ذلك , كان منتهى الغباء مني ان اثق بك بعد ان فعلتها مع ابي سابقا ..... و انا استحق كل ما يحدث لي بسبب هذه الثقة الغبية )
اتسعت عيناه بوحشية .... ليهمس وهو يجذبها اليه
( لقد تجرأتِ كثيرا !!! ......... )
قالت بحرارة ألم
( لم أعد موظفة عندك ..... لذا من حقي الدفاع عن نفسي )
مد يده الأخرى ليمسك بخصرها يجذبها اليه أكثر .... وهو يميل برأسه كي يهمس بأذنها بصوتٍ أثار القشعريرة في أوصالها ...
( هل هذا كله جزء من مسرحية عبد الحميد العمري .... و التي كتب فصولها لك ِ ؟؟ )
انتفضت وهي تتلوى كي تبتعد عنه صارخة
( ماذا تقصد ؟!! ... ابتعد عني .... )
الا أنه ترك ذقنها ليحيط بها بذراعه الأخرى مما شل حركتها تماما فازداد رعبها أمام ضخامته ... بينما كان يتابع هو هامسا في اذنها ملامسا لها
( أتظنين أنكِ قد خدعتني بالفعل ؟!! .... لقد كنت فقط أنتظرك كي تفضحين نفسك بنفسك .... )
صرخت وعد أعلى و هي تقاومه بلا جدوى
( ابتعد عني ...... ابتعد عني ......... أنت مجنون .... )
الا أنه جذبها مرة واحدة لترتطم به .... وهو يهمس بغضب
( من تلك الطفلة التي تبحثين عنها ؟؟ ..... و كيف تمكنت من فضح نفسك بهذه الجرأة و القذارة ؟!!! )
توقفت عن المقاومة تماما .... و هي تنظر اليه بذهول .... بعينين متسعتين تشعان صدقا مذهولا ...
ثم لم تمتلك نفسها من الهمس
( الحقير ...... الحقير ..... الحقييييييير )
الا أن سيف لم يكن ليتركها ... و للأسف بدأ جسده الخائن في التفاعل معها فشدد عليها أكثر وهو يهزها قليلا هامسا بلهجة الأمر و قد فقد السيطرة على نفسه تماما
( انطقي يا وعد ..... من تلك الطفلة التي تبحثين عنها ؟؟ .... )
صرخت بجنون و هي تقاومه بعنف
( و ماذا صور لك تفكيرك المريض ؟!! ....... أو ماذا صورلك الحقير الذي جاء اليك ركضا كي ينقل اليك آخر الشائعات ..... )
لم يرد عليها وهو ينظر الي وجهها المجنون و عينيها الصارختين صدقا من دون دموع .... لربما لو بكت لما كان الآن واقفا أمامها تنتابه لحظة تردد ....
الا أنها تابعت دون أن تنتظره تصرخ
( و هل لو كان ما بظنك سليما .... كنت لأفضح نفسي بمثل تلك السذاجة ؟!!! .... أنا سأغادر ... سأغادر هذا المكان المجنون .... )
هزها اليه مرة أخرى وهو يهمس آمرا بوحشية
( من تلك الطفلة ؟؟ ......... و لماذا تطلبين هذا الطلب من رجل غريب دون أن تمتلكين ما تستطيعين به الدفع سوى ...... )
صرخت وعد عاليا و هي تتلوى أكثر رافضة الإستسلام لبوادر الإغماء مجددا ...
( أخرس ..... أخرس .... انت أحقر منه , و انت لا تمتلكني كي تسألني شيئا لا يخصك ..... )
أسقط فمه على فكها ليهمس بغضب محاولا تهدئة جنونها
( تلك الحركات لن تفيدك ..... و لن تغادري قبل أن أحصل على إجابة ..... )
صرخت بجنون و هي تهبط بقدمها فوق قدمه دون أن يشعر و كأنه بسمك خرتيت ....
( أبتعد عني ...... و اجعل الحقير الذي أخبرك أن يتحرى لك عني .... أنتما من نفس النوع , لقد تحرش بي مثلما تفعل انت الآن ...... )
سقط كلامها عليه من أسقط دلو من الماء البارد فوق رأسه فانتفض مبتعدا عنها وهو يشعر بالذهول يعتريه ينظر اليها بقوة ..... بينما جرت هي من أمامه , لكن شيئا ما جعلها تركض بجنون الى وردتها تسرقها بعنف ثم جرت الى الباب و هي تلعن كل ما يتعلق به ...
الا أنها ما أن مرت به حتى أمسك بها مجددا لكن من معصمها ذو الكف الممسكة بالوردة .... يرفعه لأعلى بقوة ثم مد يده الحرة ... ليجذب الوردة منها بالقوة ... ثم حرر معصمها دافعا اياها و كأنها ستلوثه ...
ثم قال أخيرا بجنون
( الم يعلمك أحد أنه لا يمكنك استعادة هديتك ما أن تريدين ؟؟ ........ )
كانت تنظر اليه تتنفس بجنون ... و هو ينظر اليها بجنون زائد عنها أضعافا ....
فهمست بكره
( احتفظ بها ..... علها تذكرك باليوم الذي فقدت فيه ذرة تحضرك )
ثم خرجت جريا تلعن الغباء الذي اوصلها الي هنا ...... بينما المجنون الآخر يقف لاهثا ... لا يصدق ما فعله للتو ......
أنت تقرأ
بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Randomوأقف أمامك بأعين متضرعة الأرنو اليك بنظرة تلتقطها عيناك من فورها توقف فقط توقف وخذ عينيك بعيدا نظراتك تقتلني وأيامي تضنيني والأمل بعيد بعينيك بحر متلاطم الأسرار ...