29

2.7K 74 3
                                    

الفصل التاسع و العشرين :
( لماذا رحلتِ يا بشرى ؟!! ....... هل أخفتك بمشاعري ؟!!! ...... )
ظلت تنظر اليه بصمت ..... ثم أومأت برأسها دون كلام و هي تعجز عن ايجاد الحجة المناسبة ...
كان ينظر اليها بجفاء ... بينما نظرات عينيه تبوح بأشياء لم ترغب في قرائتها حاليا ....
فاستدارت بعيدا عنه كي تمنح نفسها القوة اللازمة كي تأخذ نفسا عميقا ثم تقول بهدوء كاذب
( ارحل من هنا الآن يا وليد ....... رجاءا )
لم يرد على الفور ... لكن طاقة غضبه وصلتها واضحة , ثم قال بخفوت جاف
( هل تطردينني ؟؟ ........... )
ارتجف النفس الخارج من بين شفتيها المرتعشتين , فهمست بخفوت و هي تطرق برأسها
( وجودك هنا خاطىء .... و أنت تدرك ذلك )
قال لها بخشونة وهو يقترب خطوة
( لم تتركي لي البديل برحيلك المفاجىء ....... )
أغمضت عينيها و قالت بتصلب دون أن تستدير اليه
( لا تقترب أكثر من فضلك .... و الأفضل أن تغادر الآن .... )
تسمر مكانه .... ووقف يحدق في بنيتها الضعيفة الهشة و رأسها المنحني ذو الشعر المتطاير الأشقر بطبيعته دون أصباغه الأولى و المنفرة ....
ثم قال بخفوت شرس
( هل عدتِ للخوف مني مجددا ؟؟ ........ )
تنهدت شيراز دون رغبة منها ثم همست بعد فترة طويلة دون أن تفتح عينيها أو أن ترفع رأسها
( لن أخاف منك ...... أبدا ...... )
ما لم تتوقع سماعه هو صوته الأجش يقول بإنفعال خافت
( اذن يجب عليك أن تبدأي بالخوف .......... )
فتحت عينيها و استدارت اليه بسرعة البرق و هي تنظر اليه بصدرٍ لاهث و همست بتوتر
( هل تهددني ؟؟!.......... )
لكن عيناه كانتا تحملان انفعال قوي ..... شملها كلها ... فاقترب منها تحت نظراتها المذهولة و دون كلام مد ذراعيه يجذبها اليه من خصرها ....يرفعها على أطراف أقدامها و هي ترفع اليه وجهها ناظرة الى عينيه البراقتين فهمس بجوار شفتيها
( بل أهدد نفسي ......... تلك الفترة التي قضيناها كانت من الروعة و الجمال .... بحيث اشعلت الجحيم بداخلي )
شهقت شيراز دون صوت فاغرة شفتيها ... و عيناها متسعتان على أقصاهما ... و حاولت محاولاتٍ واهية للتلوي من بين ذراعيه لكن يداه ثبتتا ظهرها بقوة ... فارتاحت يداها على صدره و همست بترجي اقرب الي نفسها
( وليد ..... لا تفعل , أرجوك ... )
همس بخشونة و يداه تتحركان على ظهرها الهش .. تطبعانها فوق صدره
( هذا ما بت أردده لنفسي بيأسٍ كل يوم ...... " وليد لا تفعل , أرجوووك " )
اغمضت عينيها ووجهها مرفوع اليه كوردة تنتظر حبات مطرٍ تحييها .... فزفر لهيبا غاضبا لفح بشرة وجهها و همس بجنون و يداه تشاركانه ذلك الجنون
( أوقفيني يا بشرى .... الآن , أين ذهب لسانك الشبيه بلسان العقرب ..... )
همست تئن بنشيجٍ يائس
( أنا ...... أكثر إجاهدا من أن ....... أفعل ..... )
تأوه بغضب وهو يعصرها على صدره هامسا بخشونة
( ياللهي ......... )
لكنه أغمض عينيه ليأخذ نفسا خشنا مرتجفا ثم سحب يديها عن صدره و أمسك بكتفيها يبعدها عنه لينظر الى وجهها مغمض العينين ... فهمس بقوة
( افتحي عينيكِ ......... )
هزت رأسها نفيا دون أن ترد ..... فقال لها بعنف مترجي هامس
( افتحي عينيكِ يا بشرى ....... ارجوكِ )
هتفت بنشيج ناعم و قد انسابت دمعتان على وجنتيها من خلف جفنيها المطبقين
( أكره أسم بشرى هذا ...... أمقته .... أمقته من كل قلبي )
شدد على كتفيها ليقول بقوة
( دعيني أساعدك ...... اسمحي لي أن أدخل حياتك و أساعدك .... لا أن تخرجيني منها كما فعلتِ !! .. )
كانت تهز رأسها نفيا بصمت و الدموع تتلألأ على وجنتيها .... فرفع يده يمسح تلك الدموع برقةٍ أذابت قلبها
ملمس بشرتها جعل رعشة رقيقة تسري بجسده الضخم ... و رغم رقتها أجفل من تأثيرها الذي بدا كصاعق كهربائي .....
تلك الشابة الغريبة المتناقضة ..... دخلت حياته فجأة .... و رسمت لها دورا هناك دون اذن منه .....
وها هو يقف أمامه يستجدي منها السماح لأنه تساعده ..... و تبقيه بحياتها التي لا يعرف عنها الكثير !! ...
ارتجفت تحت ملمس اصابعه .... و شعر هو برجفتها , فابتسم رغم عنه ,. فهو يمتلك من المعرفة ما يستطيع به ان يفرق به بين رجفة الخوف .... و رجفة الرضا ....
في البداية كانت ترتجف منه خوفا .... و كأن الفرق بين حجميهما يخيفها ... ضخامته توترها ... و كأنها متأهبة لأي هجوم منه في أي لحظة ....
لكن مؤخرا و بعد الفترة التي قضياها معا .... بات من المستحيل على كل منهما انكار تأثير الآخر عليه ....
ابتسم بحنان اكبر وهو يتلمس وجهها المرفوع اليه بحزن .... مسيطرا بكل طاقاته الرياضية المكتسبة على رغبة جسده الدنيئة !! ....
قد لا تكون أجمل النساء و لا أعلاهن قدرا .... و قد يكون تعليمها و ثقافتها و بيئتها أقل حتى مما تخيل ... و هذا ما خبره خلال أشهر من التعامل معها رغم تظاهرها بالعكس
لكنها احتلت مكانه بداخله .... مثيرة به احساس جارف بالحماية ... احساس يكاد يكون وحشي تجاه اي كائن مذكر يقترب منها ......
فتحت عيناها الخضراوان أخيرا ... تنظر اليه ... فانتفض قلبه مرتطما بأضلعه بغباء ....
عيناها تحملان الوقاحة و الخوف !.... فكيف كونت ذلك المزيج المهلك لأي رجل يتباهى برجولته ....
قال لها أخيرا متهما بخشونة
( عيناك جميلتان .......... )
رغما عنها ابتسمت .... و همست
( كم فتاة سمعت تلك العبارة منك !! ........ )
همس بخشونةٍ عاقدا حاجبيه
( الكثيرات .......... )
مطت شفتيها مبتسمة ثم همست ببساطة
( أرني عرض كتفيك و اخرج من هنا اذن ...... أراهن أنهن في انتظارك )
مد يده الأخرى .... ترافق الأولى في تحسس وجهها الناعم , شاعرا بكل الرضا لتقبلها للمساته .... على الرغم من دنائة احساسه هذا .....
ثم قال بصدق
( لكنني لم ألحق أيا منهن لآلاف الكيلو مترات كالمجنون ما أن أكتشفت رحيلها الوقح المفاجىء ... )
انخفض جفناها امام نظراته .... فقال بجدية مجددا
( لماذا رحلتِ بتلك الصورة !! ...... الليلة التي سبقت رحيلك ظننت ..... ظننت أن .... )
رفعت وجهها تنظر اليه بوجه ميت و عينان انطفأت الحياة بهما ... ثم همست بفتور
( أن ماذا ؟!!! ............. )
ظل صامتا قليلا .....ثم همس وهو يقربها منه ليقول بصراحة
( لقد أوشكت أن ....... أقبلك .... )
احمر وجهها بشدة .... بفتنةٍ تألقت في عينيه , بينما هي شعرت بالذهول من اشتعال وجنتيها !!!
تماما حين اقترب منها تلك الليلة ووجدت شفتيه تهبطان الى شفتيها ..... اصابها الذهول من ارتباك دقات قلبها و الإحمرار العنيف الذي هاجم وجنتيها !!
هل لا يزال للحياء دور في حياتها ؟!!!
هي نفسها لم تعلم أنها لا تزال تمتلك شيئا منه !!
أطرقت شيراز برأسها بارتباك .... لكنه رفع ذقنها اليه يرفض أن تهرب من عينيه , ثم همس بقوة
( لقد أخفتك ....... و أنا لم أقصد ذلك , لكن ما أشعر به تجاهك كان قد تفاقم تلك الليلة .... )
صمت قليلا يراقبها برضا و هي فاغرة شفتيها تلهث قليلا .... و كأنما لم تعلم من قبل !!...
فقربها منه يهمس في اذنها
( لكن من المستحيل أن أؤذيك .... حتى لو احترقت في جحيم رغبتي بكِ )
شهقت شيراز بصمت ... بينما شردت عيناها و هي تهمس بأسى
( رغبتك بي!! ......... )
عقد حاجبيه قليلا أمام حزنها المفاجىء .... فقال غاضبا , لكن الصدق يغلف نبرته
( نعم رغبتي بكِ ...... الا أنها رغبة بكل نواحيها , لم تكوني ابدا مجرد جسد لي ..... بل أن الأصح أن جسدك يكاد يكون جسد طفلة مشردة لا يغري الكثيرين ..... و ملامحك لا ينقصها سوى بضع قطبات من مطواة منتقمة لتكتمل صورتك ....... )
عقدت شيراز حاجبيها و هي تهمس و قد فقدت تواصل المشاعر الحميمية فجأة
( أمممممم ... هل من المفترض أن أشكرك !! ... )
ابتسم فجأة ليقول بحنان و بخفوت
( أردت أخبرك أن سر جاذبيتك ليس كامنا في جسدك ....... بل السر بكِ أنتِ .... بطفولتك ... بشرودك ... بشجاعتك ...... بشراستك في الدفاع عن نفسك ...... )
عاد يصمت وهو ينظر الى عينيها الخضاروين المرتفعتين اليه بذهول .... تسمع كلام لم تسمعه من قبل ... فتابع يهمس لعينيها
( السر بكِ أنتِ يا بشرى ......... أنتِ الجمال نفسه .... و جسدك هو أخر مقومات هذا الجمال ... )
صدر تأوه مرتجف من بين شفتيها .... و هزت رأسها قليلا بينما تابع مبتسما بخبث
( و إن كان آخر تلك المقومات له ... عدة جاذبيات معينة .... لو ركزنا النظر عليها لوجدنا أن .... )
هتفت و هي تضرب صدره ضخم العضلات و اهتزت عضلاته المرعبة تحت قبضتها الطفولية
( أخرس ...... قذر ... )
عبس فجأة .....و برقت عيناه غضبا , فأمسك ذقنها يرفع وجهها اليه وهو يقول بحنق
( بالله عليكِ .... أتعرفين ما هو أكبر مجهود سأبذله معك ؟!!! ...... تنظيف لسانك بالماء و الصابون مع مادة الكلور كذلك ..... و أعتقد أن كل ذلك لن يكون كافيا بعد ...... )
كانت تنظر اليه عاقدة حاجبيها بغضب دون ان تضحك ..... فهتفت
( الكلور احتفظ به لنظراتك الدنيئة لعله يذهب بصرك الوقح ...... ففي النهاية أنت رجل ككل رجال هذا العالم , لا يهتم سوى بشيء واحد ....... ... آآآآآآآآه ..... )
لم تتابع كلماتها التي ذهب آخر شهقاتها بين ظلماتِ قبلةٍ قوية انكبت فجأة عليها ....... اسكرتها ......
اغمضت شيراز عينيها بذهول و هي تهمس بداخلها برعب
" ما هذا !!! ...... هل هذه تسمى قبلة!!! ...... "
ضاعت بين روائع قبلته ..... ما بين رقتها التي لم تتخيلها يوما و كأنه يخبرها بأنواعٍ من القبل لم تكن تعرف عنها شيء من قبل ..... و بين قوة امساكه لها دون عنف ليجعلها تتذوق حلاوة ما يشعر به .....
" لقد ضعتِ يا شيراز ............و من قبلة ! "
انهى قبلته القوية بثلاث قبلاتٍ صغيرة على شفتيها كلمسةِ ورقة وردة ..... ثم ابتسم ......
ليهمس بعدها بضياع يماثل ضياعها ....
( فمك له مذاق العسل ممتزجا بالفانليا ....... تشبهين سكرة كنت أحب أن أرتشف حلاوتها و أنا طفل )
نظرت اليه بذهول و شك .... دون أن تستفيق بعد
" هل كان هذا الكائن طفلا من قبل !! ..... "
الا أنها همست بذهول و بصوتٍ ذاهب الأنفاس
( لماذا ....... فعلت ..... ذلك ؟!! ..... )
قال بهدوء و جدية
( لأنكِ لم تسمعي كلمة واحدة مما نطقت بها ....... لم تستوعبي حرفا مما قلته لقلبك قبل أذنيكِ , لذا من العدل أن أنفذ ما تراه نظرتك بي طالما أن كلامي لا يجدي ...... )
أخذت ترتجف بقوة و عنف .... حينها عقد حاجبيه و هو يمسك كتفيها يدلكهما بأصابعه وهو يقول بقلق حقيقي
( بشرى ........ بشرى هل أنتِ بخير , ..... ياللهي .... أنا آسف حبيبتي , لم أقصد إرعابك للمرة الثانية ...... أجبيني بالله عليكِ .... )
انحنى يحملها بين ذراعيه .... و اتجه الى أقرب أريكة فجلس عليها و أجلسها على ركبتيه , ليرجع رأسها للخلف على كتفه و أخذ يربت على وجنتها بقوة وهو يقول عابسا
( بشرى !! ....... بشرى !!! .... )
أخذت ترمش بعينيها عدة مرات و صدرها يخفق بعنف ..... وهو يربت على وجنتها أقوى هامسا بقلق اكبر
( لم أقصد إرعابك ...... حبيبتي !! ... )
ارتفع حاجبا واحدا من حاجبيها فجأة
" ماذا قال !! ..... ماذا قال للتو ؟!!! ... "
استمرت ضرباته حتى اهتزت الرؤية أمام عينيها ... فقالت بخفوت
( وليد ...... هلا توقفت عن صفعي .... )
عبس ورفع يده بسرعة وهو يرفعها اليه قليلا كطفل رضيع ... ثم قال بخشونة
( لم أكن أصفعك ...... كنت أربت على وجنتك ... )
ردت و هي تدلك وجنتها
( هذا لو كنت تمتلك كفا تشبه كفوف البشر الطبيعين ....... )
رفع ذقنها ... و انحنى ليقبل مكان صفعاته هامسا مع كل قبلة
( هذه ... قبلة .... لكل ..... صفعة ...... )
رفعت وجهها اليه .... و همست بوجوم بينما روحها تشتعل و تهدد بالإنفلات
( كفى أرجوك ....... أنت ..... لست عادلا ..... )
أمسك بذقنها مجددا ليقول لعينيها مبتسا
( متى كانت حرب الحب عادلة !! ......... )
صرخت فجأة باندفاع
( أي حب !! ...... أي حب !!! ...... توقف أرجوك .... لقد كانت مشاعر اجازة صيف , تتكسر مع أولى موجات الشتاء ....... )
هتف بغضب و هو يشدد من إمساكه بها
( ليس من حقك أن تحكمي على ما أشعر به تجاهك .......... )
حاولت النهوض ... الا أنه لم يسمح لها ... و أجبرها على مواجهة عينيه الغاضبتين ليقول بقوة
( أنظري الي ......... أنظري ألي , أنا أحبك يا بشرى ..... و أعتقد أن ذلك حدث منذ وقت طويل قبل حتى أن أدركه ..... )
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها بيأس .... فقال محاصرا إياها
( كنتِ تدركين ذلك ...... كنت تشعرين به , لا تحاولي ايهامي بالعكس ...... لكن لماذا رحلتِ فجأة ؟؟
هل لأنني أخفتك بمشاعري المفاجأة حقا !! ..... لكنك تغيرتِ منذ عشرة أيام تحديدا ..... بكِ شيء تغير و بعينيكِ رأيت ضياعا مفاجئا !!! ....... و كأنكِ سمعتِ خبرا ضايقك .....
حاولت كل جهدي لأن أخترق ذلك الجدار الصلب الذي ارتفع فجأة بيننا لكني لم أستطع ...... ما الذي حدث منذ عشرة أيام يا بشرى ؟؟ ....... أخبريني .... لا تخافي و لا تصمتي هكذا !!! .... )
ارتجف النفس الخارج من بين شفتيها المرتعشتين .... و همست بداخلها بأسى و مرار
" آآآه لو تعلم ....... لقد بعت نفسي مجددا و في انتظار تسليم البضاعة المستهلكة لبائع يهوى جمع التحف القديمة و التي حملت بصمات جعلت منها تحدي أكثر منها باعة تالفة ..... حب الإقتناء من يدٍ لأخرى "
قال وليد بصوت قوي وهو يتابع محصارتها من كل اتجاه و هي تحاول النهوض من بين ذراعيه الآسرتين ....
( أم لأنني أخبرتك برغبة أختي في رؤيتك و التعرف اليكِ بعد ما سمعته مني عنكِ !!! ..... )
سكنت مكانها تماما .....
نعم ..... نعم لقد أصابتها صدمة مرعبة حين سمعت رغبته .......
الموضوع يتضاخم .... و يخرج من بين اصابعها .... و ها هو يريد أن يعرفها الى أخته !! ... بنت الأصل الكريم و الأخلاق العالية ....
تنهدت شيراز بارتجاف .... ثم لم تلبث أن أطبقت جفنيها و شهقت باكية بعنف و هي ترفع يدها المضمومة الى عينيها كطفلة صغيرة ....
تسمر وليد مكانه و هو ينظر اليها بصمت .... ثم لم يلبث أن قال بخفوت و صدره يعتصر عليها
( ساعديني كي أساعدك ...... لا تخشي شيء .... فقط ثقي بي .... أرجوكِ أن تثقي بي )
مسحت وجهها و هي تشرد في عالمها البعيد عنه ..... حينها تنهد بقوة و كبت وهو ينظر اليها ...
ثم قال أخيرا بصوتٍ أكثر لطفا
( حسنا ...... لما لا نترك الأمر الآن , لأنني بصراحة متعب من عشر ساعات قيادة ..... فهل تكونين كريمة معي و تحضرين لي ما آكله ...... )
رفعت وجهها المحمر اليه بتعجب ..... ثم قالت بخفوت قبل حتى أن تفكر
( ربما .... لو تركتني أنهض من على ركبتيك !! ..... )
ابتسم بخبث ... ثم قال وهو يداعب ركبتها
( أنا شخصيا مرتاح هكذا ..... فكأنني أحمل طفل صغير ... )
مدت قبضتها تضربه و هي تضغط على أسنانها , الا أنه أمسك قبضتها بسهولة بين قبضته الضخمة فحاولت بالأخرى فالتقطها كذلك بكل يسر .... فظلت تقاومه و لسانها لا يترك لفظا خادشا الا و نطقت به ... بينما هو يضحك عاليا ليقول و هو يهز رأسه بيأس
( كم سأستمتع بتنظيف لسانك ........ و أعتقد أن لدي بعض الأفكار بخلاف الكلور ... )
.................................................. .................................................. .................
وقفت في المطبخ تنظر اليه ...........
ضخامته تحتل المطبخ كله .... و شكله طريف وهو يرتدي مريول المطبخ أثناء اعداده لطبق السلطة
ماذا يفعل هنا ؟!!! ..... و ماذا لو كان علوان يراقبها الآن !!
رفعت ذقنها بغضب و هي تفكر
" فليذهب الى الجحيم ...... إن كان لديه ادنى اعتراض فليذهب الى الجحيم .... و ستكون هي الرابحة "
نظر اليها وليد بطرف عينيه مبتسما ثم قال
( الحقيقة أنكِ تعبت معي جدا في تحضير الطعام ....... عامة خذي راحتك و كأنك ببيتك )
ابتسمت مسحورة .... ثم همست
( لا أجيد تحضير الكثير ...... )
ضحك وليد ليقول
( لا بأس سيدتي ..... انتِ ارتاحي و أنا سأقوم بكل شيء حبيبتي )
فغرت شفتيها و اتسعت عينيها .... بينما نظر الى ذهولها برضا و أعاد نظره الى ما يفعله
رن جرس الباب فجأة .... فالتفت الى الخلف عاقدا حاجبيه ليقول
( هل تنتظرين أحد ؟؟ ............. )
ردت بخفوت
( إنا ملك ........ لقد اتصلت بها و طلبت منها بعض الأغراض للعشاء )
ابتسم وهو يقول
( آآه ملك اسمي الأول ........... ها قد أتت اذن )
ضحكت برقة ثم نهضت الى الباب تفتحه .... و بالفعل دخلت ملك تقول بحيوية
( احضرت لكِ طعاما يكفي جيشا بأكمله .....طبعا الست الخادمة للسيدة شيراز المص...... )
صمتت ملك فجأة و هي تفغر شفتيها و تفتح عينيها بذهول ناظرة خلف شيراز ..... فاستدارت شيراز ببطىء تنظر الى وليد بكل ضخامته ووسامته وهو يطل من المطبخ .... ثم قال مبتسما
( ملك المنقذة ........ تشرفنا , " الشيف " الخاص بالسيدة كان يحتاج الى مشترواتك .... كلنا في خدمتها )
تناول الأكياس من بين يديها وهي لا تزال فاغرة شفتيها .... ثم اتجه عائدا الى المطبخ تحت أنظار شيراز الغاضبة و التي عضت على شفتها و قد احمر وجهها بشدة ....
رمشت ملك بجفنيها عدة مرات ..... ثم همست وقد احمر وجهها بشدة
( يبدو أنني قد جئت في وقت غير مناسب ........آسفة جدا )
ثم استدارت تنوي الهرب .... الا أنها لم تلبث أن عقدت حاجبيها لتلتفت الى شيراز قائلة بغضب
( الست انت من طلبت من احضار المشتروات !!! ...... علام أعتذر اذن !!! )
اقتربت منها بسرعة لتهمس بذهول
( من كتلة العضلات الوسيمة تلك !!!! ........ )
قالت شيراز بغضب
( لا تسيئي فهم الأمر ....... انه ..... انه ....... )
رفعت ملك حاجبيها منتظرة.... و هي تميل برأسها مع كل " إنه " ... علها تأتي بتفسير مقنع , ثم لم تلبث أن هتف
( هيا اخرجي من هنا ....... لست مضطرة للتبرير )
ظلت ملك واقفة مكانها تنظر الي شيراز بوجوم ..... ثم لم تلبث أن همست
( بشرى .......... )
رفعت شيراز وجهها المرتبك الى ملك بصمت .... فقالت ملك بثقة
( أنا واثقة أنكِ لا ترتكبين خطأ ............ )
ارتجفت شفتي شيراز قليلا .... و انحنت عيناها بغباء .... لكن بقلبها قبعت ضحت مريرة كالعلقم
خرج وليد الى شيراز بعد أن رحلت ملك قائلا بهدوء
( انها قطعة من الجمال نفسه .............. )
استدارت اليه شيراز بذهول و بعينين مجنونتين ثم همست بتهديد
( من هي تلك !! ............ )
نظر اليها بهدوء ليقول مبتسما بقصد
( الصغيرة ملك ................ )
اتسعت عينا شيراز أكثر ... ثم صرخت بغضب
( إياك أن تقترب منها و الا اقتلعت عينيك من جذورهما ....... )
برقت عينا وليد برضا و هو يرى شراستها ..... لكنها صرخت بغضب و هي تدفعه بقوة
( اخرج من هنا ........ هي اخرج ..... لكن لو علمت أنك اقتربت منها فسوف ...... )
أمسك بقبضتيها بكل قوته و هزها قليلا بصرامة كي ينظر الي عينيها ...... ثم لم يلبث أن قال بخفوت و ادراك
( أنتِ خائفة عليها مني حقا !!! ..... للحظة ظننت .... أو تمنيت ..... أن تكون غيرة )
اتسعت عيناها .... و هتفت باستنكار
( غيرة !!! ............ أنا أغار من ملك !! ...... أنا ....... )
جذبها الى صدره ليهمس بخفوت ناظرا الى عينيها الخضراوين
( غيرة علي أنا ........ ....... )
صمتت تنظر اليه برهبة ...... ثم لم تلبث أن تنهدت بكبت و قهر لتدمع عينيها فجأة ....
عبس وليد وهو يضمها اليه هامسا
( لماذا الدموع الآن ؟!!! ................. )
همست شيراز باختناق و هي تبكي
( نعم أنا أغار منها ............و بشدة ... )
ازداد عبوسه .... ليقول باهتمام
( لماذا ....... ماذا تمتلك و لا تملكينه أنتِ ؟؟ ........ )
أخذت تنشج بضعف وهو يشدد من ضمها اليه عله يخفف من جرحها المجهول و نفسها المكسورة , الى أن همست من بين شهقاتها
( إنها ....... إنها ....... تمتلك ضفيرة طويلة .......... )
اتسعت عينا وليد بذهول للحظة ...... ثم لم يلبث أن أرجع رأسه للخلف ضاحكا بقوة .... بينما هي لا تزال تبكي على صدره ......
و ما أن هدأت ضحكاته قليلا ..... حتى مد كلتا يديه ليطير خصلات شعرها الخفيفة الهفهافة وهو يقول باعجاب و رقة
( أنا شخصيا أحب تلك الخصلات المتطايرة و التي تشبه شعر طفل ..... و بعد العشاء سأضفرها لكِ.... هل أنت راضية الآن ؟؟؟ .......... )
لكن شيراز همست و هي تبكي بمرارةٍ على صدره تتشبث بقميصه
( ضفيرة لم تحل بعد ............. )
.................................................. .................................................. .................
استمرت مكالمة يوسف الخاصة بالعمل طويلا وهو يدور في مكتبه الخاص بداخل بيته ....
يتكلم بلغة البلد الأجنبية ..بحدةٍ أحيانا و شرحٍ يطول أحيانا أخرى .... و أثناء كلامه المستفيض كانا مارا بجانب نافذة مكتبه المطلة على الحديقة ... فألقى عليها نظرة عفوية ... ثم أكمل طريقه متحدثا ...
لكنه فجأة توقف مكانه و رفع حاجبيه ارتيابا ... ثم عاد بظهره لينظر من النافذة مجددا ... و حينها اتسعت عيناه وهو يراقب الفتاة الجليدية التي حلت ضيفة على بيته و هي تجري و تلعب مع كلبه الألماني الضخم ....
ارتفع حاجباه وهو يراها تركض خلفه وهو يجري مستغيثا منها !!! ....
كانت تضحك للمرة الأولى ... حتى أن صوت ضحكاتها و هتافها له كان يصله واضحا من زجاج نافذته !!
انتبه فجأة الى أن توقف عن الكلام .... فاعتذر قائلا
( أعتذر أعتذر ..... نتابع لاحقا من فضلك )
ثم أغلق هاتفه و كتف ذراعيه يتأملها بصمت , من كان ليظن أن فتاة الجليد من الممكن أن تصدر عنها مثل تلك التصرفات ... تلك الشابة المحملة بوالد مقعد سليط اللسان ضائع التركيز و الذاكرة ....
عيناها الزجاجيتان تنظران بلا تعبير لكل شيء ... الا من بعض الإنبهار أحيانا .....
لكن بخلاف ذلك فهي تبدو و كأنها شخص فقد بهجة الحياة ..... و ليست أبدا كشابة على وشكِ نيل ميراثها المتأخر !!
لكن في تلك اللحظة وهو يراقبها ... و قد عقد صداقة بالقوة الجبرية مع كلبه المسكين ....
تبدو كمراهقة نوعا ما ...... ارتفع حاجبيه أكثر وهو يراها تعتليه !!! .....
حينها عقد حاجبيه وهو يقول بهدوء
( اثبت مكانك يا صديقي .... سآتي لأنقذك ... )
ثم استدار خارجا من مكتبه بعزم .....
.................................................. .................................................. ....................
شعره ناعم .... لكنه مقزز , دائما ما كانت تكره الكلاب بشدة ....
لكنها رغم عنها أحبت اللعب معه .... حركاته مضحكة بشدة .... أو ربما هي التي تستجدي الضحك كي ينقذها من المشاعر الداخلية التي تفترسها ....
جثت على ركبتيها بجواره فوق عشب الحديقة ... و هي تتلاعب بشعره الناعم شاردة ....
و عيناها سارحتان في البعيد .... ثم همست أخيرا زافرة بغضب
( توقف عن الإلحاح على ذاكرتي و ابتعد ..... أوووووووووف )
كانت أصابعها تلاعب شعر الكلب بنعومة و شرود بينما تقول بغضب و كبت
(؛ الا يوجد رجل غيرك يجيد التقبيل ... و الملامسة ... و ..... أوووووووف )
فجأة طرحها الكلب أرضا بقوة و جثا فوقها يلعق وجهها فصرخت بتقزز و هي تضحك محاولة إبعاد وجهها عنه ...
( ابتعد يا مقرف ..... مقزز ..... أنت حتما لا تجيد التقبيل .... )
هتف صوت صارم من بعيد
( روكس ........ أجلس .... )
ابتعد الكلب فجأة بتهذيب و جلس مكانه يلهث .... فقامت وعد من مكانها و هي تنفض بنطالها الجينز بيديها مرتبكة ناظرة الى وجه المدعو يوسف ....
ثم اقتربت منه بحرج .... فقال لها بصوتٍ رخيم
( وعد ........ أريدك قليلا .......)
أومأت برأسها بصمت .... فاستدارتاركا لها أن تلحقه ......
كانت تريد أن تستحم أولا ... و ترتب شعرها ... لكنها وجدت أنه اتجه الى باب مكتبه ليقول بهدوء
( تفضلي .......... )
تبعته صامتة ...... ثم جلست دون تفكير على مقعد أبيض أنيق أمام مكتبه ... و لم تره وهو يرفع يده الى جبهته ناظرا الى مؤخرة بنطالها الجينز المتسخة و التي حطت فوق الكرسي بمنتهى البساطة و العفوية !!
أغمض عينيه للحظات وهو يهمس بغيظ
( ياللهي !! ......... )
ثم لم يلبث أن اتجه اليها ليجلس أمامها على الكرسي المواجه لها متحسرا على بياض كرسيه ....
و دون مقدمات تناول ملفا على سطح المكتب و مده اليها ليقول بهدوء
( من فضلك راجعي ذلك يا وعد ......)
ابتسمت لطريقة نطقه لاسمها .... على الرغم من أنه يصر على تحدث العربية معها ... الا أن السنوات الطويلة له في الغربة ... جعلت حرف العين لديه مخفيا
لذا فاسمها يخرج من بين شفتيه جذابا للغاية ..... بعكس طريقة نطق سيف لأسمها ...
فحروف سيف كانت واضحة مؤكدة .... متلذذة بنطق اسمها ... حتى أن شبه ابتسامة كانت ترتسم تلقائيا على زاوية شفتيه كلما نطق اسمها .....
أما عن أوقاتهما الخاصة فكان يهمس ب .....
زفرت بحنق و هي تفتح الملف بعنف
( أووووووووف ............ )
فأجفل يوسف وهو ينظر اليها ليقول بحيرة
( عفوا !!! ...... هل هناك شيئا خاطىء !! .... )
همست بغضب من بين أسنانها و هي تقتلع صفحات الملف
( فقط ابتعد ......... )
ارتفع حاجباه بصدمة ليقول فجأة بقوة
( لماذا ؟!!! ................ )
رفعت وجهها اليه تقول بحيرة
( لماذا ماذا !! ........... )
رد يوسف مادا يده بتعجب
( لقد قلتِ للتو .... ابتعد !! )
قالت وعد بخفوت مدركة
( آآآه ..... عذرا , لست أقصدك ..... )
نظر يوسف يمينا و يسارا قليلا بتوجس .... ثم تنهد بنفاذ صبر ...
" حسنا .... العامل الوراثي عليه عامل , لذا لا يجب أن أتحامل عليها بقوة "
نظر اليها و هي ترفع نظارتها السوداء المعلقة بسلسال أنيق في عنقها فوق عينيها ..... ثم انحنت تقرأ الورق
الموضوع على الطاولة الصغيرة أمامها ....
كان شعرها هائجا و كأن الريح قد عبثت به للتو ..... ممتلىء بالعشب و الأوراق الخضراء التي تتنافر مع سواده !!! .....
كانت باردة بعينين جليديتين رماديتين ..... بينما البرية تفوح منها برائحة العشب الندي !!!
ابتلع ريقه بتوتر من ذلك المزيج الجبار ..... و تأفف رغما عنه !!
نظر اليها طويلا و هي تقرأ كل صفحةٍ على أقل من مهلها ...... أصابعها تتلاعب بطرف خصلةٍ على صدرها .... مسقطة ورقة عشب صغيرةٍ على الملف .... فتبعدها بيدها الأخرى لتسقط أرضا دون اكتراث لبساطه الفاتح !! ....
لكن هذه المرة لم يهتم للبساط ...... بل كان يتأمل حركاتها و عينيها المتظاهرتان بالفهم ....
فقال بهدوء
( أنتِ لم تفهمي أي شيء مطلقا ....... )
رفعت وجهها اليه بدهشة .... ثم لم تلبث أن أحمرت وجنتيها ارتباكا ... و قالت بحرج
( لا ...... في الواقع ليس تماما .... )
ابتسم بهدوء .... ثم لم يلبث أن مال الى الطاولة بينهما يقول بأدب
( اقتربي ...... سأشرح لكِ ... تلك أوراق خاصة بميراثك أنتِ و أختك ... يجب أن تفهميها كلمة كلمة )
مالت اليه بشرود و اقترب رأسها منه .... و تاهت ذكراها رغما عنها بسيف اللذي كان يجلس معها كل ليلة على سريرهما يشرح لها ما تلقته بالتدريب ... و في الآخر يعلن يأسه , ليبدا بعدها نجاحه في مجالٍ آخر أكثر حميمية .... تنهدت مغمضة عينيها للحظة ...
بينما تنهد يوسف مستنشقا رائحة الأرض البرية من شعرها العطر !! .........
بعد أن انتهى أخيرا ..... بصعوبةٍ شديدة لكليهما , رفعت وعد رأسها فقال يوسف بهدوء
( هل هناك أي شيء تودين الإستفسار عنه ؟؟ ...... اسألي دون حرج ..... )
هزت وعد رأسها نفيا بصمت ...... فقال لها مؤكدا
( هل فهمتِ ؟؟ ..... كيف تمت حساب نسبتك و نسبة أختك .... و كيفية تحويلها الى سيولة مالية ... )
أومأت برأسها بصمت مجددا ......
فقال يوسف يتأملها
( لا تبدو عليكِ الفرحة ..... أو على الأقل الحماس ....... )
ابتسمت بحزن رغم عنها ..... ثم قالت بخفوت
( يوما ما ظننت أن المال هو تذكرة السفر الى الراحة ......... لكن الآن أشعر بأنه شيء عادي )
ضحكت قليلا لتهمس بحزن
( لست منبهرة كما تخيلت ............. )
قال يوسف بخفوت بعد فترة
( لكنه عامل مساعد بلا شك ..... ربما ليس هو الأساس في الراحة .... لكنه يساعد .... سيساعدك و يساعد والدك كما فهمت ...... )
أومأت برأسها بصمت .... ثم قالت فجأة
( كيف كانت أمي ؟؟ .......... )
ارتفع حاحبيه قليلا ..... ثم قال بدهشة
( لماذا تذكرتها الآن ؟!! ......... )
ابتسمت وهي تقول بخفوت
( لماذا تذكرتها ؟!! ....... غرفتها التي أمكث بها تكاد تتحدث عنها في كل ركن ..... أستطيع أن أقول أنها كانت استعراضية قليلا ..... رغم أنني أتذكر القليل عنها , الا أنها لم تكن تملك البيئة المناسبة لتغذية ميولها الإستعراضية ...... )
ابتسم يوسف هو الآخر ..... ثم قال بهدوء
( حسنا يجب علي أن أعترف أن العلاقة بيننا لم تكن جيدة تماما منذ أن تزوجها والدي رحمه الله ..... لكنها كانت محبة للحياة ..... لا ليس تماما , بل كانت تميل لأن تنهل منها ما تستطيعه و كأنها قد أضاعت الكثير من حياتها ...... رغم عدم توافقي معها .... الا أنني كنت أستطيع أن أرى أن بها عطب تحاول التغلب عليه ... و أرجعت ذلك لزواجها الأول ...... و اعذريني .... لكن نوعا ما كانت نظرتي صحيحة )
عبد الحميد العمري ....... تستطيع أن تدرك ما يقصده تماما , و على الرغم من كل هوسه بصفا ......
أطرقت برأسها قليلا .... فقال يوسف بهدوء
( أنتِ تشبهينها الى حدٍ كبير ........ )
رفعت وجهها اليه تتحقق من كلامه ... ثم ضحكت بمرارةٍ لتقول
( حتى وقتٍ قريب كنت أعتبر تلك الجملة إهانة لي ......... رحمها الله على كل حال )
قال يوسف باتزان
( لم أكن أقصد شخصها ......... بل أظن أنكِ أبعد ما يكون عن شخصها )
اطرقت برأسها مجددا .... فقال يوسف بلهجته الأجنبية قليلا
( وعد ......... )
رفعت وجهها اليه بتساؤل , فقال بهدوء
( دعيها تذهب ......... لقد انتهى الأمر , فلا تشغلي بالك طويلا بالأموات .... فكري في أختك مثلا ..... والدك ... )
ظلت تنظر اليه طويلا ..... ثم تظاهرت بالمرح الزائف و هي تقول
( نعم أبي ......... لقد أثار فوضى عارمة ببيتك الرائع النظام خلال الفترة السابقة .... )
نظر يوسف الى الكرسي الأبيض تحت جينزها المتسخ بوحل الحديقة ..... ثم الى البساط حيث تقبع الأعشاب و الأوحال من حذائها الخفيف ... و منه الى شعرها البري الجمال ذو الأغصان الخضراء المتشابكة معه ...
فقال بهدوء
( لا تقلقي ....... طالما أن الخادمات لا يفهمن لغة شتائمه , فالباقي مقدور عليه ..... )
ضحكت وعد بخجل ..... ثم رفعت يدها تدفع شعرها للخلف .... فقال يوسف
( هل هناك ما تحتاجينه أثناء اقامتك هنا و لم تجديه ؟؟ ....... )
رفعت وعد اليه وجها متفائلا بسؤاله .... ثم قالت بامتنان
( نعم .... من فضلك ....... أريد شراء ماكينة خياطة ......و معرفة مكان لبيع أقمشة متميزة )
و كان رده الوحيد هو ...... ارتفاع حاجبيه
.................................................. .................................................. ......................
وقفت أمام المرآة تنظر الي نفسها بوجهٍ باهت و عينين غائرتين ......
كانت ترتدي قميص نوم فاضح .... هذا أقل ما يقال عنه ..... وهو أنه فاضح !! .....
لكن و ما المشكلة ؟!! ..... لطالما عشقت قمصان النوم الفاضحة ......
و بعضها كان يفوق ذلك القميص الأبيض الطويل الذي ترتديه ..... من الحرير الأبيض بصدر من الدانتيل و شقين طويلين يكادا أن يصلا الى خصرها بلا حياء أو مراعاةٍ لشعور البشر .....
رفعت أصابعها تتخلل بها خصلات شعرها الجامح .... و همست بخفوت بائس
( لا بأس يا كرمة ....... إنه ليس شخص غريب .... إنه زوجك .... إنه زوجك .... )
لكنها انتفضت شاهقة بصوتٍ عالٍ حين سمعت طرقة على الباب و صوت حاتم يأتي هادئا بشكل مخيف
( كرمة ....... هل أدخل الآن ؟؟ ...... )
أغمضت عينيها و هي ترفع يدها الى صدرها الخافق بجنون ....
اليوم انتقل حاتم الي البيت ... أو بمعنى أصح عاد الى بيته ... و طبعا من البديهي أن تكون الليلة هي ليلة زفافهما .... و ليلة الزفاف ليس لها سوى معنى واحد !
و الدليل الذي لا يقبل الشكل أنه سرعان ما اتخذ اجراءاته بارسال أمينة الى بيتها في أجازة لعدة أيام ... و ارسال محمد الى أمه لنفس المدة !
كانت كرمة تدور حول نفسها دون رد .... لكنه لم ينتظر الحصول على رد ... بل فتح الباب مجددا ....
و دخل ...... نظرت اليه كرمة وهي واقفة في منتصف الغرفة بملامح باهتة مصدومة قليلا ... وهو يدخل لا يرتدي شيئا سوى مرتديا بيجاما من الحرير الأسود ....
يبدو كرجل عابث يريد بها شرا و ليس المدير اللطيف الذي عرفته في عملها ......
كان يبدو كذئب بشري بمنتهى الإختصار ....
ابتلعت كرمة ريقها بصعوبة وعيناها تنظران بذهول الى عضلات صدره القوية ..... و ذراعيه المفتولتين ....
بينما كان حاتم في نفس الوقت ينظر اليها مبهورا ......
كل جمالها المرة السابقة لا يعادل ذرة من جمالها الآن و هي تقف أمامه بكل ذلك البهاء .... و ذلك الجسد اليانع بثماره دون حرج ....
تاهت عيناه على صدرها و خصرها و ساقيها برهبة .... لا يصدق أنها أصبحت ملكه أخيرا .....
من كان ليصدق !!
من كان ليصدق !!
كانت اليه حلما مستحيلا .... و تحقق قبل حتى أن يرمش بعينيه .....
في هذه اللحظة شعر أن كل عذابه السابق قد اختفى .... شعر و كأنه لم يعرفها سوى ليوم واحد ... يوم واحد ليعشقها بكل عشق المحبين جميعا .....
اقترب منها خطوة .... ليهمس بصوته الذي باتت تعرف نبرته المثارة جيدا
( ما أجملك !! ...... )
أطرقت كرمة برأسها و هي تغمض عينيها تنتظر انتهاء الأمر بأي طريقةٍ كانت ..... و ما أن وصل اليها حتى انتفضت من مجرد نفسه الساخن اللافح لوجهها مطيرا خصلتين على جانبيه وجنتيها ....
و ما أن رفع يده ليلحق شريط قميص نومها المعلق على كتفها حتى همست دون أن تستطيع أن تمنع نفسها
( ياللهي !! ........ )
نطقتها من بين أسنانها و هي تطبق جفنيها بقوة .... و لم ترى نظرة الحزن في عينيه ....
شعرت بشريط قميص نومها يهبط عن كتفها ببطىء ..... فأخذت نفسا عميقا و هي تشعر بالهواء البارد
يلامس بشرتها ....... فهمست بسرعة دون أن تفتح عينيها
( أشعر بالدوار ..... لا أستطيع الوقوف أكثر .... )
شعرت به ينحني الي أسفل لتجد نفسها مرفوعة الى أعلى في لمح البصر ..... و كأنها في وزن ريشة ....
و رغما عنها و لإحساسها بالدوار تعلقت يداها بعنقه ... الى أن شعرت بجسدها المرتجف يحط فوق السرير الواسع بأغطيته الحريرية الباردة على جسدها بدرجة زادتها ارتجافا .....
ابتعدت كرمة الى حافة السرير ما أن تركها .... و شعرت به يندس الى جوارها ......
كل هذا و هي مغمضة عينيها لا تجرؤ على فتحهما .... ظلت تهدىء نفسها داخليا و تستدعي كل قواها الإيجابية في اقناع نفسها بأن الأمر طبيعي و أن ذلك الرجل بجوارها ما هو الا زوجها ....
لكن و ما أن شعرت بيده تلمسها و بحميمية لم تتوقعها حتى شهقت عاليا و هتفت بقوة و هي تفتح عينيها لتقول ما لم تقرره سابقا ..
( حاتم ........... )
نظرت اليه للمرة الأولى و هالها أن يكون وجهه قريبا منها الى تلك الدرجة .... كان مبتسما ووجهه متلون بلونٍ داكن من شدة ما يشعر به ... و كانت الإثارة بادية عليه بوضوح ....
لكنه همس في أذنها بلهجةٍ خاتفة أرسلت قشعريرةٍ الى أطرافها
( عيني حاتم ........ )
ابتلعت ريقها و همست بارتجاف
( هل يمكنني أن أطلب منك ....... طلب ؟؟ ..... )
كان الطلب واضحا في عينيها دون الحاجة للكلام .... بل كان رجاءا ..... و كانت عينا حاتم تريان قسوة ما تعانيه ...... و جسده يستشعر نفورها بوضوح ......
فقال بهدوء و بلا تعبير
( طلباتك أوامر يا كرمة .......... )
ارتجفت و رمشت بعينيها عدة مرات و هي تنظر اليه ..... و عقلها يصرخ
" و ما فائدة التأجيل ؟!!! ..... اليس من الأفضل إنهاء الأمر بسرعة , ربما كانت المرة الأولى هي الأكثر حرجا و بعدها يصبح الأمر منطقيا أكثر !! ... "
طال صمتها فأخذ حاتم المبادرة ليقول بجفاء
( ماذا يا كرمة ؟؟ ...... هل تفضلين أن يكون زواجنا صوريا ؟؟ ....هل هذا هو طلبك ؟؟ )
اتسعت عيناها و فغرت شفتيها قليلا .... الا أنها لم تلبث أن ابتسمت ابتسامةٍ مائلةٍ بمرارة ... لتقول ساخرة
( لا اطمئن ..... أعرف أن لا وجود لمثل هذا الإقتراح في عالمكم .... قد تستطيع الصبر يوم .... اثنين على الأكثر ...... لكن في النهاية ستنال حقوقك ولو رغما عني ..... )
أظلمت عيناه بشدة .... و انتشر لون قاتم على وجنتيه .... و طافت عيناه بتعمد على جسدها المكشوف ...
في لحظاتٍ بدت دهرا ....
ثم رفع الغطاء فوقها فجأة .... ليقول ببرود
( تصبحين على خير يا كرمة ....... استمتعي بليلتك كما تفضلينها ..... )
صمت قليلا ازاء ذهولها ... ثم تابع بصرامة
( لكن ملحوظة واحدة قبل أن أتركك هانئة بسريرك البارد .......
كلمة واحدة مثل كلمة " عالمكم " تلك ... تجمعين فيها بيني و بين رجل آخر مرة أخرى .... صدقيني حينها لن تعجبك ردة فعلي .... إن أردتِ أن يراعي من حولك شعورك فتعلمي أن تقدمي المثل أولا ....... )
نظرت اليه بذهول و هي تراه يبتعد عنها .... لكن كل ذلك مرة أمامها في لحظةٍ واحدة
حيث أمسكت بذراعه قبل أن ينهض تماما تجذبه كي يعود الى السرير .... فنظر اليها بجفاء دون كلام , حينها هتفت بصدق
( لن أقوى على الإنتظار ....... التوتر يقتلني كعذراء مجنونة ...... أريد أن أنهي الأمر ... )
أغمض عينيه بجنون و هو يغرس اصابعه في خصلات شعره بغضب أهوج وهو يهمس
( ياللهي !! ......... )
كل كلماتها كانت كنصال خناجرٍ مسممة موجهة الى صدره دون رحمةٍ منها .....
و كانت همجية الرجل الشرقي المدفونة بداخله توشك على أن تنفجر في أي لحظةٍ ..... لكنها تابعت بإنهيار تتشبث به
( أرجوك ساعدني ...... و لا تجعلني أترقب الأمر أكثر من هذا ..... أنا ....أنا ....... لطالما كنت أنا المبادرة بكل شيء ... بكل خطوة .... حتى في أكثر الأمور حميمية ... و كانت النتيجة كارثية .... أما الآن فأنا ...... )
صرخ فجأة بغضب أرعبها ....
( أخرسي ........ اخرسي يا كرمة ......... )
و قبل أن تنطق بكلمةٍ أخرى كان قد انكب عليها بجنون يخرس كل كلمة قاتلة منها .... يفهمها هوية زوجها الحالي .... غضبه تقريبا خارج كل سيطرة و عنفه كان واضحا .....
فأغمضت عينيها و أرغمت نفسها على تقبل الوضع المألوف لديها ...... هكذا أسهل .... نعم هكذا أسهل ....
صوت تمزق بضع انشات من قماش قميص نومها الحريري كان في أذنها واضحا كناقوس خطر ....
لكنها أرغمت نفسها على الهدوء ....
لكنه لم يستمر بجنون شوقه الممتزج بغضبه أكثر من عدة دقائق ليبتعد عنها بعدها بقوة قاهرة ... ناظرا اليها وهو يلهث بجنون ..... و عيناه تنظران الى استسلامها بحزن ... ثم لم يلبث أن قال بلهاث ٍ خافت كئيب
( لن أكون في نفس الصورة مهما حاولتِ أن تضعيني في اطارها يا كرمة ........ )
الا إنها عادت لتتشبث بذراعه شبه باكية بهمس
( لن أقوى على الإنتظار ...... أعصابي تنهار ببطىء ..... أرجوك ... )
نظر اليها باكتئاب .... عيناه تضمان مشاعر ثائرة متناقضة ..... و جسده يتصارع في حربٍ مضنية مع عقله و قلبه ..... ثم لم يلبث أن انحنى اليها ببطىء .....
مستخدما كل رقته و نعومته ..... كل هدية أقسم على أن يهديها بها .....
كل لمسة و كل همسةٍ ناعمة في أذنها ...... كان يعذبها بلا رحمة ..... برقةٍ كادت أن تذيب عظامها ...
فشعرت بالرعب و اخذت تلوي رأسها يمينا و يسارا بجنون و هي تهمس لنفسها
( لا ..... ليس هكذا ..... ليس هكذا ........ لا .... )
لكنه أصمت أفكارها مع نفسها بقبلاتٍ عذبتها في نعومتها و رقتها ..... حتى بات ارتجافها جنونا .... بينما قلبها يصرخ بأن ما تعيشه حاليا خيانة لا تغتفر ..... لكن عقلها غير مدرك تماما خيانة لمن ؟؟؟!!!
سمعا فجأة صوت رنين الباب ..... فبدا كقصف المدافع بينهما ....
تشنج جسد حاتم فوقها قليلا.... لكنه لم يلبث أن استسلم لأشواقه من جديد .... الا أنها كانت ممتنة للفرصة الذهبية فأخذت تبعد وجهه و هي تهتف بامتنان
( الباب ....... الباب يا حاتم ...... أمينة ليست هنا )
همس حاتم في أذنها وهو يغيبها معه في عالمه من جديد
( تجاهليه ...... كل القوى الدنيوية لن تبعدني عنك حاليا ...... )
تاهت قليلا بذهول و عيناها تتسعان بغباء أمام ما يفعله .... لكنها استجمعت كل قواها و صرخت أمام رنين الباب المستمر
( حاتم ...... من المؤكد أنه أمر هام ...... أرجوك أنظر من بالباب ..... )
تسمر حاتم قليلا و صدره يضرب صدرها بعنف وجنون .... ثم لم يلبث أن رمى نفسه صارخا بهياج
( أقسم أن ...... أن .... بل س .... اقسم أن ي...... تبا تبا تبا ... )
بينما كانت كرمة تسحب الغطاء عليها و هي تراقبه يندفع خارجا كالمجنون من الغرفة ...
ثم شهقت بعنف عدة مرات .... لقد استسلمت .... لقد استسلمت تماما لرقته الخائنة ....
.................................................. .................................................. ......................
كان حاتم لا يزال يقسك بأغلظ الأيمان وهو يندفع الى الباب مصمما على قتل زائره أيا كان ......
لكن و ما أن فتح الباب بعنف حتى تسمر مكانه وهو ينظر الي تلك الشقراء الواقفة أمامه بصلف و عنجهية
و منها الى محمد الذي يقف أمامها بوجوم مطرقا برأسه ...
قال حاتم بذهول
( داليا !! ........ ما الأمر ؟!! ........ )
ابتسمت داليا بسخرية و قالت بترفع
( هل هذا استقبال يليق بأم ابنك !!! ...... لازلت بنفس الذوق القديم .... )
لكن حاتم لم يحاول حتى تجميل لهجته و هتف وهو يمسك برأس محمد ....
( ماذا هناك يا داليا كي تأتي في هذه الساعة !! ...... هل محمد مريض ؟!!! .... ماذا بك يا محمد !! )
لم يرد الصبي الصغير ... و لم يرفع رأسه .....
لكن داليا قالت بصلف
( محمد بخير ....... لكن عماد أتته سفرة عمل مفاجئة .... وهو لا يسافر بدوني .... و لم أجد الوقت كي أتدبر مكان لمحمد ... لذا يمكنه أن يبقى معك ..... )
صرخ حاتم بجنون
( ماذا !!! ........ أمينة ليست هنا ...... )
ابتسمت داليا و هي تقول برقة
( هل تترفع زوجتك عن تحضير عشاء أو كوب حليب ؟!!! ..... كم هذا رائع !!! ..... لتدرك الآن الفرق بينها و بين عماد زوجي الذي يكاد يحمل محمد من شدة دلاله له ..... )
نظر حاتم اليها بذهول وهو يوشك على أن يطيح برأسها .... بينما محمد صامت و مطرق الرأس ........
كان واقفا مكانه ينظر الي نفسها الخبيثة و الظاهرة في نظرات عينيها المبتسمة .... الا أن نظرت الخبث خبت ما أن تطلعت الى شيء ما خلفه ....
فاستدار حاتم بتساؤل ليجد كرمة واقفة عند الرواق .... مرتدية روب أبيض حريري فضفاض زادها جمالا فوق جمال هيئتها الفوضوية .....
كانت كرمة تنظر الى الموقف و هي تشعر بأنها عاشت موقفا شبيها به من قبل .......
حين نظرت الى محمد ... و رأت علياء من خلفه .....
كم انقلبت الأدوار !!..... و أصبحت هي الواقفة بجانب الرواق ....
لكن الجديد على المشهد .... هو ذلك الصبي المطرق الرأس و الواقف في المنتصف .......
هو وحده من هزم المشهدين بداخلها ....
فتقدمت رافعة رأسها مشعث الشعر ...... حتى وصلت الى حاتم ووقفت بجانبه لتقول مبتسمة بخفوت
( مساء الخير ......... أنتِ أم محمد اليس كذلك ؟؟؟ ... تفضلي بالدخول , لماذا تقفين بالباب ؟!! ... )
كانت نظرة داليا اليها متعالية بوضوح تكاد تصل الى احتقار واضح و هي ترمقها من أعلاها الى أسفلها
فارتجفت كرمة من تلك النظرات التي تدرك معناها جيدا .... فقد اعتادتها منذ صغرها ....
قالت داليا أخيرا بترفع .... و هي ترمقهما باحتقار
( يبدو أنني قد جئت في وقت غير مناسب ...... )
توتر حاتم و ياللعجب كان هو من احمر وجهه .... بينما قالت كرمة تشد صدرها بثقة
( أنتِ دائما مرحب بكِ ....... )
ثم مدت ذراعها تقول بهدوء
( تعال يا محمد لأجهز لك غرفتك .......... )
ثم نظرت الى داليا تقول بابتسامة خجولة
( أمينة ليست هنا ....... لكن لا تقلقي .... فمحمد في أيدٍ أمينة ..أي نفس النتيجة . )
ثم ضحكت لدعابتها بسماجة ..... فرفع محمد رأسه يضحك بصوت ضحكته السمجة ما أن سمع طرفتها
بينما كان حاتم في حالٍ مأسوي بائس ...... وهو يرى محمد يدخل ببساطة ملقيا حقيبته على كتفه ....
.................................................. .................................................. .....................
كان ينتفض في نومه ... و جسده الحار يلمع بقطرات العرق ...
بينما صدره يلهث بقوة من تلك اللحظات التي يعيشها معها ........ فهمس لها مبهورا و يداه تتحققان من نعومتها
( اشتقت اليكِ ......اين كنتِ ...... )
ضحكت عيناها الشتويتان مع صوتِ ضحكةٍ كالأنغام من بينِ شفتيها ......
عيناها و كم اشتاق لعينيها و كما وعد نفسه , لم يترك شيئا بقلبه الا و سيهمس به لأذنها ما أن يراها
فهمس يقربها منه
( اشتقت لعينيكِ حبيبتٍي ....... اشتقت لغيامات المطر بهما )
تعلقت بعنقه تمنحه الفرصة كي يمسك بخصرها و كأنها آلة موسيقية سيعزف عليها أشواقه ... فهمست له
( اشتقت اليك يا سيف ...... لماذا لم تبحث خلفي ؟؟ ..... )
أغمض عينيه يتأوه وهو يستنشق عطر شعرها .... ثم همس
( أين أبحث عنكِ ...... فقط أخبريني ....... )
عادت لتضحك مجددا فاشتعلت ناره أكثر ... و ضمها الي قلبه يود لو يأسرها بداخله للأبد ......
شعر بالإختناق أخذ يلهث من شدة اشواقه بها ...... و صوت ضحكاتها يعلو و يعلو ... و ناره تشتعل أكثر و أكثر .... حتى انتفض فجأة هاتفا بقوة
( وعد ........... )
وجد نفسه مستلقيا على سريرهما ... في غرفتهما ..... بينما العرق يتصبب منه و جسده يؤلمه بوضوح ....
نظر حوله بصدمة .... ليدرك أنه كان يحلم و أنها ليست هنا .....
ارتمى رأسه للخلف محدقا بالسقف وهو يهمس
( لا ..... لا ..... كان حقيقيا ..... كان جسدها حقيقيا بين يدي ...... )
أغمض عينيه و انعقد حاجبيه بألم .. كم مر على غيابها حتى الآن .... شهر كامل , ثلاثين يوما دون أن يعرف أين هي .... كل ما يعرفه هو أنها في بلدٍ غير بلده ... و أرض غير الأرض التي يعيش تائها عليها الآن .....
كيف هي ..... و كيف حال صحتها بدونه ؟؟ .....
هل تحتاج الى رعاية ؟؟ ...... أم أنها ببساطةٍ بخيرٍ أكثر مما كانت معه .....
أصابه هذا التفكير بوجوم خانق .....
رفع يده الى صدره العاري و همس يقول بخشونة
( إياكِ أن تكوني بخير بعيدا عني ........ فقط كوني بصحة جيدة , لكن لا أكثر من ذلك ..... )
رفع هاتفه من أسفل وسادته لينظر الى صورها التي يقلب بها كل ليلة
فهمس اليها
( اشتقت لقهوتك ...........لم أعد أستسيغ مذاقها من يدٍ غير يدك , القهوة عندي تلازمت مع مرآى عينيكِ الشتويتين ....... أتذكرين كل صباح حين كنتِ تخطين بصمتٍ باتجاه مكتبي ! ..... حاملة قهوة مذاقها كمذاق قبلتك التي خبرتها لاحقا .....
كنت أنظر اليكِ في الخفاء ..... أراقبك ..... أراقب سكون عينيكِ الموشكتين على عاصفة .....
أحببت تهذيبك و رقتك ..... حتى برودك أحببته , لأنني تحديت أن أحوله نارا .....
اما قسوتك ......
اما قسوتك .......
فأنا من غذيتها كمن يغذي نارا موقدة .......... )
صمت قليلا ينظر الى عينيها الضاحكتين ....و قال بخفوت
( احببت انبهارك الذي كنت ارويه قطرة قطرة ....... كنتِ كرضيع بالنسبةِ لي , ظننت بكل صلف و غرور انني استطيع تشكيله من جديد بعيدا عن الماضي و كل علوم الوراثة .....
لكنني اغفلت انكِ امرأة ....... امرأة عاشت وحيدة لفترة طويلة ....و حيدة بداخلها أكثر من وحدتها الخارجية .... تجاهلت وحدتك ..... فكانت أن طعنتني على حين غفلة .... )
عاد ليصمت مجددا ثم همس بخفوت
( تعالي يا وعد ........... )
انتفض وهو يرى مقبض الباب يتحرك ببطىء دون طرق للباب ..... و من يملك الحق ليفعلها غيرها !!!
استقام جالسا وهو يرى الهيئة الأنوثية المظلمة من شق الباب المضيء .....
فهتف دون تركيز
( وعد ............ )
تسمرت مكانها ثم همست بفتور
( أنا ورد يا سيف ............. )
صمت سيف ... ثم قال بصوت أجوف
( تعالي يا ورد ........... )
ثم أضاء المصباح المجاور و عاد ليخفي هاتفه تحت وسادته .... بينما اقتربت ورد منه بصمت و هي تدس كفيها في جيبي سترتها الرياضية .... مطرقة الرأس ,ثم قالت
( اعتذر أنني دخلت دون أن أطرق الباب ...... أردت الإطمئنان عليك دون أن أوقظك , فأنت لم تنام مؤخرا الا نادرا ..... )
تنهد دون رد .... بينما فركت أصابعه ذقنه الغير حليقة , ليقول بعدها بصوت لا حياة به
( كيف أنام يا ورد و أنا لا أعلم مكان زوجتي ..... أو ما يمكن أن يصيبها في أي وقت )
ازداد اطراقها برأسها .... لكنها اقتربت منه لتجلس بجواره على حافة السرير .... ثم همست دون أن ترفع رأسها اليه
( أنا آسفة ............ )
قال سيف بخفوت
( علام ؟!! ........... )
قالت ورد بجفاء ( لأنني كنت السبب في رحيلها .......أكره أن أكون سببا في ألمك و لم أتخيل يوما أن تعيش تلك الحالة بسببي ..... لكني لست آسفة لها هي بوجهٍ خاص .....)
تنهد سيف بقوة و كبت .... ثم قال أخيرا بخفوت
( وعد لم ترحل بسببك يا ورد ...... أنا من آذيتها .... و مع ذلك لم يكن من حقها الرحيل بكل هذا القدر من القسوة ....... )
رفعت وجهها اليه بصمت ثم قالت دون أي مقدمات
؛( أنا سأتزوج يا سيف ....... )
عقد حاجبيه بشدة ..... و استقام أكثر ليقول بحدة
( ماذا ؟!! ...... ما هذا القرار المفاجىء ؟!! ... و هل أنا آخر من يعلم !! )
عادت لتطرق براسها ثم قالت
( لم يمر على فتح الأمر يومين ..... لقد تقدم لي رجل بمواصفات معقولة ... و قررت القبول )
هتف سيف بغضب
( من تقدم لمن ؟؟ .... و أين ؟؟ ..... أليس الكِ أهل يطلبك منهم ؟!!! )
قالت ورد بخفوت
( وضع البيت لم يكن مناسبا .... و أنت أيضا ..... هو جار احدى زميلاتي في عملي السابق .... )
رد سيف بغضب
( و أين رأيته ؟؟!!!! ........ )
قالت ورد بجمود
( لم أره بعد .......... )
اتسعت عينا سيف بقوة ..... ثم قال بهياج
( لم تريه بعد و تخبرينني الآن أنكِ قد قررتِ الزواج منه !! ....... )
تنهدت ورد لتقول
( هو موافق على أي عروس مناسبة من سني ......... )
هتف سيف بغضب
( لماذا يا ورد ....... لماذا هذا الإستسلام المفاجىء!!! .... لقد خرج بعض الخاطبين شبه مطرودين تصحبهم اللعنات منك ...... )
رفعت وجهها اليه .... ثم قالت بصوت ميت
( وعد ستعود يا سيف ......... لأنك تحبها , .... و أنا لن أكون السبب في رحيلها مجددا , لأني سأفعل إن بقيت ....... الماضي متمكن مني أكثر مما يفرضه المنطق , صورة أبي في أواخر حياته لا تبارح نظري منذ أن أتت وعد الى هذا البيت ...... و سرقتها لقلبك تزيد من قهري ..... هذا شيء لا أستطيع السيطرة عليه يا سيف ...... سامحني ..... )
هتف سيف بغضب
( ووجدتِ الحل في قبول شخصٍ دون حتى أن تريه !!! ....... ما تلك السطحية بالله عليكِ ! )
تنهد بقوة .... ثم قال وهو يرجع شعره للخلف بقسوة
( زواجك هو أكثر ما أتمناه يا ورد ...... لكن فقط في حالٍ واحد , وهو أن تكوني متألقة بالسعادة .... ليس أقل من ذلك لأنني لن أقبل ..... أما بالنسبة لوعد ... فهي لن تعود الى هذا البيت مجددا ....
كان احضارها الى هنا أكبر خطأ ارتكبته ..... لقد جرحتها و جرحت أمي و جرحتك أنت و مهرة ....
ظننت بكل حماقة أننا نستطيع طي الماضي ...... لكنني أغفلت حقيقة أنني لم أطوه بداخلي قبلا ..... )
نظرت اليه ورد بصمت ثم قالت بكبت
( أمك تبدو و كأنها قد طوته ...... منذ زيارتها لعبد الحميد ...... التي حتى لم يتعرف عليها فيها , مجرد دقائق وصلت الى ساعة ..... جعلت منها انسانة راضية .... بل و حزينة على زوجة ابنها التي هربت )
هتف سيف بصرامة
( لا تذكري تلك الكلمة مجددا يا ورد ........... )
قالت بهدوء
( هل تخدع نفسك ؟!! ........ لقد هربت ...... )
صرخ سيف بغضب
( كفى .......... )
فقالت بهدوء ( هربت ......... )
صرخ سيف
( اخرجي من هنا ....... اخرجي .... )
ثم تناول وسادة ضربها في رأسها بقوة وهو يصرخ ( اخرجي من هنا تبا لك ............ )
خرجت بسرعة صافقة الباب خلفها بينما قال سيف بجنون
( أما أنت يا وعد ....... فصبرك الى أن تقعي في قبضتي ..... )

بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن