الفصل السابع و الثلاثين :
( لو كنت مكانك لفكرت مرتين قبل الإقتراب منها .......... )
انطلق هذا الصوت من خلف الرجل ... صوتا عميقا قويا ... ليس عاليا , لكنه كان من الثقة بحيث أغمضت ملك عينيها و هي تدرك في لحظةٍ ... أن لا أحد سيكون قادرا على أن يمسها بسوء ... الآن على الأقل ...
فالغريب هنا .....
رفعت وجهها الشاحب .. فالتقت عيناها بعينيه مباشرة .. و كأنهما تطلبان النجدة و تستشعران موقعها دون الحاجة للبحث ...
كانت عيناه صلبتان قويتان وهما تدققان النظر بها و كأنهما تسألانها بصمت
" هل أنتِ بخير ؟.... "
هل تتوهم السؤال الصامت بعد أن تمكنت في اثارة ازدرائه منها ... و الآن اشعال الحرب ببيته ....
سواء كانت تتوهم أم لا ... فقد تأوهت براحة ممتنة لوجوده ....
هل كان ضخما .. تعلو قامته فوق قامة كل المتواجدين أم أن هذا كان وهما آخر ؟؟ .....
كان يقف بباب القصر دون أن تعرف القدر الذي سمعه من تلك المسرحية الهزلية .....
لكن وجهه ... ملامحه كانت .....
كان غاضبا .... و بشدة .... لكنه كان هنا رغم كل شيء ....وقف الرجل الضخم مترددا بعد أن سمع صوت رائف القوي من خلفه... فاستدار ينظر اليه منتظرا الأمر الجديد ...
حينها اندلع صوت أكرم قويا
( ما معنى ذلك يا رائف ؟!! ..... هل تعرف تلك القذرة ؟!! .... هل لك أي علاقةٍ بها ؟!! .... )
أغمضت ملك عينيها ... تنتظر انتفاضة كريم ... تنتظر أي أمل في يظهر من البعيد كي تحافظ على حياة ابنها ...
لكن حين تجرأت و فتحت عينيها ... وجدته يستند بتعب كرجلٍ مسن الى حاجز السلم ... لدرجة أنه انخفض حتى جلس على أولى درجاته وهو يحنى رأسه غارسا أصابعه في خصلات شعره .....
فغرت ملك شفتيها بتأوه صامت و هي تتسائل
" هل هذا هو من عشقته يوما ؟!! ..... هل هذا هو من كان يتحمل الحجز و الضرب و العقاب من أجل عينيها ؟!!! ...... هل كان رجلا في طفولته ... و أصبح سراب رجل في شبابه ؟!! ... "
نظرت الى رائف الذي نظر اليها بدوره و التقت عيناه بعينيها المعذبتين .... فقال بهدوء صلب
(أعرف أنها فتاة الورد التي حملت باقات كريم الى هنا .. و أعرف ذلك السلسال في عنقها حق المعرفة ... )
ثم صمت لحظةٍ ليتابع بصوتٍ أقوى نبرة
( أما الأهم فهو أنها مجرد فتاة صغيرة ......و لن يمسها أحد تحت سقف بيتي بسوء..... )
صرخ أكرم بقوة ...
( رائف ..... توقف عن تراهاتك تلك , .... أريد تلك المحتالة خارج البيت حالا و الإ رميتها بنفسي .... )
حينها رفعت ملك ذقنها عاليا و هي تقول بصوت مرتجف ... لكن ليست ارتجافة الخوف ... بل ارتجافة الصدمة
( لا داعي ..... أنا سأخرج وحدي , لكن اعذرني سيد أكرم ..... لو كان الأمر يخصني وحدي , لكنت دفنته و مضيت الى حال سبيلي دون النظر الى الوراء مجددا ..... )
رفع كريم رأسه ينظر اليها بعينين يائستين ... فأخذت نفسا عميقا ,و من نظرته المهزومة استمدت شجاعتها لتتابع بصوتٍ أكثر ثباتا ...
( لكنني و بكل أسف ..... أحمل طفله ...... )
عم الصمت المكان الا من شهقة مجددا من بين شفتي ميساء .... أما عيني أكرم فقد تحولتا في لحظةٍ واحدة من القسوة ... الى شيء يفوقها خطورة ... نارا شرسة .... مرعبة ....
بينما تمكنت من رؤية الصدمة و ...... التخاذل بعيني كريم ...
حينها استدارت على تلك النظرة بآخر آمالها و هو يسقط متهشما عميقا في هوة سوداء لا قرار لها ....
لكنها أجبرت ساقيها على الهرب بآخر من ذرات الكرامة قبل أن تسقط أمامهم .... وحين مرت برائف لامس كتفها أعلى مرفقه .... فأخفض رأسه ينظر اليها بنظرةٍ غريبة حزينة ... و كأنها قد .... خذلته !! .....
نفس النظرة التي رمقها بها حين أخبرته بزواجها في المرة الأولى .... و كأنه يملك السلطة على حياتها , و أقوى ....
بل و كأنه ..... ولي أمرها الذي خذلته على الرغم من أنها لم تعرفه يوما .....
شعرت بعينيها تتوسلانه أن يفهم .... كل ذلك في لحظةٍ خاطفة من الزمن ... قبل أن تخفض رأسها و تبتعد خارجة .... لمرحلة أخرى من حربها .... لا تعرف عنها أي شي ...
ضمت معطفها اليها و هي تسير على غير هدى ... حتى خرجت من بوابة القصر ... و الرياح تبعثر خصلات شعرها القصيرة حول وجهها ... و تجذب ضفيرتها الطويلة ....
ابتلعت ريقها و هي تشعر بالبرد .... و الفراغ .... فراغ كبير أسود بداخلها , فراغ يجعلها غير قادرة حتى على البكاء ....
شعرت بقطرة ندية لامست وجنتها فجأة .... فرفعت يدها المرتجفة و هي تلامس وجهها بصمت متسائلة
" هل بدأت في البكاء بالفعل ؟!! .... "
لكن القطرة تبعتها أخرى .... ثم أخرى .....
فرفعت ملك عينيها الى السماء الرمادية .... ثم مدت راحة يدها المفرودة و هي تستقبل قطرات المطر عليها .. بينما يدها الأخرى تضم معطفها الخفيف الى صدرها ...
لطالما اقترن المطر عندها بشادي .... و كأنه يغسل روحها كل مرةٍ بعد أن تقابله بها ....
شعرت بالدوار و المطر يزداد انهماره بالتدريج .... لكنها رفعت وجهها اليه تستقبله ... تحتاجه .... عله يطهرها و يعيدها لبرائتها من جديد .....
لكن هيهات .... فهمست بعذاب و هي رافعة رأسها , مغمضة العينين
( ماذا سنفعل الآن ؟!! ...... لا فكرة لدي ..... )
ازداد انطباق جفنيها بألم .... بينما كانت أسنانها تعض على شفتها حتى أدمتها عقابا و ندما ....
لم تشعر بالسيارة التي كانت تقترب منها ... الى أن وقفت بجوارها و جعل بوقها ملك تنتفض و تفتح عينيها لتراه .... ينظر اليها بصمت قبل أن يقول بصوتٍ عالٍ فوق صوت المطر
( تعالي يا ملك ...... سأقلك ....... )
كانت الكرامة أو المتبقي منها تجبرها الا تقبل أي مساعدة من أي منهم .... خاصة و أن المتفضل بعرض المساعدة ليس زوجها ..... لكنها كانت من الضعف و الإرتجاف بحيث قبلت ...
و لولاه هو ..... لما كانت قبلت ...
فتحت الباب و جلست بصمت ثم أغلقت بابها لينطلق بها ...... أخفضت رأسها و هي تشعر بالتضاؤل أمامه ....
حالة غريبة من حالات انعدام الوزن ... و كأنها تطفو غير قادرة على الثبات فوق أرض محددة ....
الغريب في الأمر أنها تمنت لو يتكلم .... كم تمنت أن تسمع من يطمئنها .... من يخبرها بأنه هنا و أنه بجوارها ...
لكنها تعرف استحالة ذلك .... فلقد ارتكبت الخطأ الذي يتوجب عليها معه أن تتحمل عواقبه وحدها ... دون حتى أن تجرؤ على طلب المساعدة من أقرب الناس اليها ...
انه مجرد رجل طيب أجبرته شهامته على أن يقلها الى بيتها ..... و هذا أكثر ما يستطيعه ...
لم ينظر اليها مرة واحدة ... مما جعلها تشعر باحتقار الذات أكثر ... و بدا لها أن الطريق يطول الى مالا نهاية .... لونه يزداد قتامة و كأن المساء قد حل سريعا .... و كأنه مساء لها وحدها يزداد كثافة فوق صدرها و يمنع عنها النفس ... لتشعر بعدها بأن روحها تبلغ حلقها ببطىء و وجع ....
حينها همست قبل أن تستطيع منع نفسها
( أشعر بالغثيان .............. )
نظر اليها بسرعة .. ثم لم يلبث أن همس بصوتٍ أجش
( ياللهي !! ....... انتظري لحظة .... )
ثم انحرف الى طريق جانبي ... شبه خالٍ لحسن الحظ ... و أوقف السيارة ليفتح نافذتها الاوتوماتيكية .... وهو يقول
( هل هذا أفضل ؟؟ ......... )
هزت رأسها نفيا و هي تهمس بذعر ....
( أعتقد أنني سأتقيا .......... )
شعر رائف بالعجز وهو ينظر اليها ... ثم لم يلبث أن قال بخفوت
( حسنا لا بأس ...... لا تخافي حتى و إن فعلتِ .... )
فتح باب مقعده و دار حول السيارة ... ثم فتح بابها و لحسن الحظ كانت قد استطاعت التماسك لآخر لحظةٍ و هي تستدير في اللحظة التي فتح بها الباب .... فمالت للأمام و تقيأت بشدة ٍ و بصوتٍ بائس ...
شعر بشيء غريب يتحرك بداخله .... وهو يرى مدى بؤسها , خاصة و أن التقلصات لم تنتهي بانتهاء تقيؤها بل ظلت تتشنج و كأنها تتقيء كل مرة على الرغم من معدتها الخاوية .....
شعرت ملك بالذعر و هي غير قادرة على ايقاف تقلصات جهازها الهضمي ... فانسابت دموعها بألم و عجز ...
بينما كان رائف يقف أمامها بوجهٍ شاحب .... يمد يده و كأنه يريد أن يلمس ظهرها المحني أمامه ... لكنه يعاود و يسحبها ... لكن بعد عدة لحظات شعر بأنه غير قادر على المقاومة ...
فانحنى اليها و مد يدا مترددة ... لامست ظهرها .. و سرعان ما ضغط عليه وهو يتناسى حرجه ليهمس لنفسه بحنق
" إنها مجرد طفلة بائسة ..... "
فانحنى جالسا القرفصاء أمامها و يده تدلك ظهرها بقوة .... الى أن هدأت قليلا ... فقال لها بخفوت
( خذي نفس عميق ...... )
أطاعت أمره الهادىء ... فأخذت نفسا مرتجفا باردا من النسيم المتخلف بعد المطر ....
قال رائف بخفوت أجش
( أفضل ؟؟ ......... )
أومأت برأسها دون أن تجد الجرأة على رفع وجهها الشاحب اليه ..... كانت تشعر بحرج بالغ من وجوده و تشعر بالخزي مما يجول في تفكيره عنها ....
لكن في نفس الوقت كانت ممتنة لوجوده .... رأته يستقيم و يدور حول السيارة مبتعدا عنها , فشعرت بالبرد و ارتعشت ... لكنه لم يلبث أن عاد و في يده زجاجة ماء بلاستيكية يحتفظ بها في سيارته ....
و انحنى جاثيا أمامها مجددا وهو يبلل منديلا ورقيا ... ثم دون مقدمات مد يده يمسح وجهها و فمها به ...
كانت ملك مذهولة مما يفعله ... لكنها كانت مستسلمة له ... لوجوده الرائع .....
سألها وهو يعاود تبليل منديلا آخر
( هل تناولتِ شيئا اليوم ؟؟ ............ )
أومأت برأسها نفيا بضعف .... فزفر بحنق ... ثم قال بصوتٍ أجش خافت وهو يتجنب النظر لعينيها
( سنمر الآن على أي محل صغير و أشتري لكِ بعض البسكويت الجاف .... سيجعلك أفضل حالا .... )
تابع مسح وجهها بصمت ... و ما أن انتهى حتى همست بإعياء
( شكرا لك....... تبدو خبيرا في ..... التعامل مع تلك الحالات ..... المخزية .... )
ابتسم ببطىء .. رغما عنه ... فتغضنت زوايا عينيه مما جعله اكثر جاذبية ووقارا .... فقال بهدوء
( بل على العكس ....... لم يتسنى لي الوقت لأصبح أبا من قبل ........ )
عضت شفتها و همست بأسى
( أنا آسفة ......... لم .......... )
الا أنه قاطعها ليسألها مباشرة و دون مقدمات
( في أي شهرٍ أنتِ من حملك ؟؟ .......... )
أحمر وجهها بشدة .... و اخفضت عينيها , و شعرت مجددا بذلك الشعور الغريب و كأنها أمام ولي أمرها الذي خذلته .... دون أن تدرك تفسيرا مقنعا لذلك الشعور .. لكنها همست بصوتٍ ميت يكاد لا يسمع
( في الأسبوع الأول من الشهر الثاني ............ )
انعقد حاجبيه بشدةٍ وهو يتنهد مبعدا وجهه عنها ..... ثم استقام واقفا وهو يقول بجفاء غريب
( تبدين متأكدة .... هل زرتِ طبيب ؟؟ ..... )
هزت رأسها نفيا ببطىء .... لكنها وجدته يرفض النظر اليها , فهمست بيأس
( لا ............ )
نظر اليها وهو يضع يديه في جيبي بنطاله , ثم قال بجفاء
( كيف اذن تبدين بمثل هذه الثقة ؟؟ ........ )
احمر وجهها اكثر و نظرت أرضا .... هل تخبره أنها كانت مرة وحيدة ... و رغما عنها كذلك .....
لكن حين بقت صامتة يائسة ... أدرك رائف بذعر هول ما يفعله و ما يقوله .....
انه يقف هنا في الخلاء مع شابة صغيرة لم يلتقيها سوى مراتٍ معدودة .... ألقتها الحياة بطريقه بالصدفة ... يسألها عن أدق أسرارها الشخصية ....
زفر بعمق وهو ينظر للبعيد ثم قال بخشونة
( اذن ..... هل هو زواج رسمي , ام ......... )
رفعت عينيها اليه .... هذه المرة رفعت عينيها الحزينتين اليه دون أن تشعر بنفس القدر من الخزي و هي تهمس بخفوت ميت .... لا روح به
( عرفي ............ )
استدار رأسه اليها بسرعةٍ و ملامحه مكفهرة .... عيناه فقدتا القدرة على مداراة حنقه .... ذلك الغضب الغير مفسر ... و قال بصوتٍ هادر على الرغم من خفوته
( عرفي !! ..... بهذه البساطة تنطقين بها !! , بالله عليكِ لماذا ؟!!! ..... أخبريني فقط لماذا ؟ّ!! .... )
كانت تنظر اليه بوجهٍ أبيض .... شديد البياض ... و الهدوء ...نظراتها فقدت الحياة , ... صامتة ... الى أن همست في النهاية
( لماذا ماذا ؟!! ....... لماذا أحببته هو ؟؟ ...... أم لماذا تزوجته بتلك الطريقة ؟؟ ...... )
نظر اليها بصمتٍ قاتم ... شبه قتامة ملامحه الناضجة , ثم قال أخيرا بصوتٍ أجش غاضب و بشدة
( لو كنتِ ابنتي ...... لكنت ....... )
لم تدرك أن شبه ابتسامة حزينة ... رسمت زاوية شفتيها و هي تهمس
( ليتك كنت والدي ......... )
أجفل فجأة من عبارتها الخافتة ... فنظر اليها عاقدا حاجبيه , لكنها ابتسمت و همست
( أتعلم ...... أظنك تشبهه , على الرغم من أنني أمتلك ذاكرة حديدية للوجوه .... لكنني لا أتذكر وجهه تماما , كنت صغيرة جدا حين توفي ..... لا أملك حتى صورة له , لكنه كان رجلا طيب جدا ...ووسيم ... هكذا كانت تقول وعد دائما ... على الرغم من أنها لم تكن ابنته ..... لكنها كانت تخبرني أن أسعد أيام تلك التي قضتها في بيته ......)
كان ينظر اليها بصمت .... صوتها الناعم الهامس كان كموجةٍ حانية حزينة تتسلل بنغم غريب الى كيانه لتبعثره .....
صمتت قليلا ثم همست
( لو كان موجودا الآن لكنت خذلته ..... اليس كذلك ؟؟ ..... )
كان الغضب يتأرجح به كرياحٍ هوجاء ... لكن سؤالها الخافت جعله يقول بجفاء خافت
( ربما لو كان موجودا ,.... لما كان حدث ما حدث ........ )
فغرت شفتيها قليلا , ثم همست
( لما كنت دخلت الدار .... و لما كنت قابلت شادي , اليس كذلك ؟؟ ...... )
كانت ترتجف رغما عنها ..... و النسيم البارد يتلاعب بملابسها الندية الخفيفة ... فعبس رائف وهو يقول بخفوت أجش
( من الأفضل أن تغلقي الباب ... ستبردين , و ملابسك مبللة ..... )
أدركت فجأة أنها فعلا تشعر بالبرد ... فضمت معطفها الخفيف الى صدرها .... الا أنه رائف اقترب منها يقول بهدوء
(اخلعي معطفك ............. )
و قبل أن تسأله لماذا , كانت تراه يتلوى خارجا من معطفه الصوفي الثقيل .... ليبقى مكتفيا بالكنزة الصوفية الداكنة التي يرتديها تحته , فوجدته أكثر ضخامة مما ظنته .... لماذا تشعر به يزداد طولا و علوا كلما رأته ؟!! ....
كرر رائف بنبرةٍ مرتبكة و هو يلاحظ تحديقها اليائس به كطفلة ينتظر المساعدة ....
( أخلعي معطفك الرقيق و ارتدي هذا بدلا منه ....... )
أطرقت ملك برأسها ... و هي تتحرك بيدين مرتجفتين ... لتخلع معطفها بتعثر , فنظر اليها رائف بعينين كئيبتين ... كانت تبدو كالعصفورة .... صغيرة للغاية و بعظامٍ لينة
حين كان يدلك ظهرها , هالة مدى هشاشة تلك العظام و رقتها تحت كف يده ....... قدها الصغير يجعله لا يصدق الوضع الذي هي فيه حاليا .... مظهرها يجعله لا يصدق أنها أكبر من طفلة .... لا أن تحمل طفلا !!!! ....
مدت ملك يدا مرتجفة .... فتناولت منه المعطف الثقيل , ما أن لامست يدها الباردة كفه , حتى شعر بصدمةٍ تسري بداخله فجأة ... فسحب يده سريعا وهو ينظر اليها عاقدا حاجبيه بشدة و هي تلتف بالمعطف الذي ابتلعها تماما .... تلامسه بيديها بينما كان في عينيها شرود حزين و كأنها تراقب مشهد مماثل في ذاكرتها ...
حينها قال بجمود
( أدخلي ذراعيك ......... )
نظرت ملك اليه ... ثم نفذت أمره و هي تدخل ذراعيها ... لتحاول مع تزريره ....
و بالفعل شعرت بدفىء قوي يحيط بها و يحميها ..... عندئذ دار رائف حول السيارة ليجلس مكانه ممسكا بالمقود بكلتا يديه ... يتنفس بخشونةٍ و غضب .... لكنه تفاجىء بها تتكلم بخفوت دون أن تنظر اليه
( لم أعرف بأنه زواج عرفي الا بالأمس فقط ........ )
انتفض وهو ينظر اليها بقوة عاقدا حاجبيه بشدة .... ثم قال باهتمام
( كيف ؟؟ ....... ماذا تقصدين ؟؟ ...... )
نظر اليها و هي تحرك شفتيها و كأنها تريد الكلام ... لكن الكلمات تموت على طرفهما ... الى أن تمكنت في النهاية من النطق بخفوت ميت
( لقد أخذني ..... الى مكتب مأذون , و وقعت على وثيقة بدت لي رسمية .... و كان هناك شهود .... و أنا ... لم يكن لدي أي أقارب باستثناء أختى و التي كانت مسافرة في ذلك الوقت .... وهو أيضا .... لذا لم أتخيل أن ما أفعله كان خطأ لتلك الدرجة .... نحن اثنان , ناضجان ... وجدا في الحياة بمفردهما .... )
كانت عينا رائف تتسعان بذهول بينما حاجباه ينعقدان أكثر من هول ما كان يحاول استيعابه على الرغم من لهجتها الحزينة الخافتة ... و كأنها تحكي قصة قصيرة حزينة لا تخصها ....
صمتت قليلا ... تنظر أمامها دون أن تبصر تماما , ثم تابعت بهدوء خافت
( الا أنه ..... اتضح لي فيما بعد .... أنه لا مأذون ... و لا وثيقة رسمية ..... مجرد ورقة ,.... و يجب أن أكون ممتنة بكل جوارحي لأنه كان من الضمير بحيث تكرم بهذه الورقة .... كأفضل من لا شيء ... )
انخفض صوتها .. حتى صمتت تماما و هي تنظر من نافذتها الجانبية تحاول التقاط أنفاسها المختنقة ... بينما هتف رائف بقوةٍ جعلتها تنتفض
( ياللهي !! .......... هل ما فهمته صحيحا ؟!!! ..... هل أوهمك أنه زواجا رسميا ؟!! .... )
أومأت برأسها دون أن تجد القدرة على النظر اليه .... لكنها سمعته يهتف بغضب شاتما ......
فأغمضت عينيها على دمعتين حبيستين وهي ترفع قبضنها المضمومة الى فمها المرتجف .... لكن رائف هتف بغضب هادرا وهو يضرب المقود بقبضته
( أقسم أنني لو كنت والدك يا فتاة .... لكنت ضربتك حتى تهتز الرؤية أمام عينيكِ .... كيف تقعين في هذا الفخ بهذه السذاجة ؟!!! ......... )
لم تستطع الرد ... أو حتى النظر اليه , فنظر اليها غاضبا يتنفس بسرعة و تهور .... ما يجيش في صدره كان مهولا .... شعور اي رجل يمتلك بعض النخوة , حين يرى فتاة صغيرة تم التغرير بها .... لكن هذا ليس كل شيء ... كان الغضب بداخله يتشعب و يتزايد و كأنه يأخذ منحنى أكثر خصوصية ... منحنى أكثر خطورة ..... شعور بالرفض أن تكون تلك الفتاة قد سلمت برائتها بالفعل لمن لا يستحق ....
شعور هائج بالرغبة في إرجاع xxxxب الساعة الى الوراء .... لكن هل تعود !! ......
قبضة تقبض على صدره منذ أن أخبرته بزواجها .... تجعله يشعر بالرغبة في تحطيم أي شيء , تماما كما حطمت برائتها بهذه البساطة .....
حين تكلم أخيرا ... قال بصوتٍ جاف خشن و خافت
( لقد تهورتِ يا صغيرة ........ تهورتِ دون تفكير )
لم تنظر اليه و هي تفقد السيطرة على دمعة كانت تحبسها بشدة , فانسابت على وجنتها بنعومة ... و رآها هو فعبس بشدة ليقول بخفوت
( لا تبكي ...... كنتِ غاية في الشجاعة حتى الآن , على الرغم من تهورك اللعين )
ابتلعت غصة في حلقها و هي غير قادرة ايقاف دمعة أخرى ... و ثالثة .....
حينها تنهد رائف وهو ينظر أمامه ..... و الرغبة في القتل بداخله تتزايد و بقسوة ....
و ساد الصمت مجددا .... لا يقطعه سوى صوت تنفسها المختنق , .... بينما هو ينظر أمامه بملامح قاتمة ... شديدة البأس ..... و بعد فترة طويلة قال بجفاء
( هل لا تزال أختك معك بالبيت .؟؟؟ ........ )
رفعت وجهها الشاحب اليه ... ثم همست بخفوت
( لا ...... لقد أخذها زوجها ليلة أمس ... )
عقد حاجبيه بشدة و هو ينظر اليها .... ثم قال بخشونة
( ربما ليس من الحكمة أن تبقين بمفردك منذ الآن......... )
تاهت عيناه على نظرة عينيها للحظات .... على الرغم من شجاعتها التي لا تناسب فتاة في مثل عمرها , الا أن نظرة خوف بانت بهما ... جعلت حدقتيها تهتزان للحظة و هي تشرد قليلا ...
فقال لها فجأة دون مقدمات وهو يضيق عينيه
( هل تخافينه ؟؟ ...... هل كان عنيفا معك بأي صورةٍ من الصور ؟؟ ..... )
اتسعت عيناها قليلا ... لكنها سرعان ما أخفضتهما أمام عينيه الحادتين و النافذتين الى أعماقها , ....
فقال بقوة
( أنا أعرفه .........لأنني خاله , فلا تحاولي الإنكار ... )
رفعت وجها مصدوما اليه و هي تسمع لفظ " خاله " منه .... لا تعلم ما الذي دهاها و جعلها تقول فجأة بقوة مماثلة
( أنت لست خاله ......... )
بهت قليلا و اتسعت عيناه وهو ينظر الي هجومها المفاجىء ... لكنه ظل صامتا ..... ينظر اليها بجدية ...
فقالت بشجاعة و اندفاع مشددة على كل حرف على الرغم من عينيها المبللتين بالدموع
( أنت لست خاله ......... )
لم يرد .... و كان بصمته يقتلها فصرخت بحدة و كأنها تحارب في فضاءٍ واسع
( لو كنت خاله لكنت أنا تلك الساعية خلف اسمكم الغالي ..... لكنني لست كذلك , لقد ملكت كريم قبل أن تملكوه أنتم .... مع الفارق , لقد ملكته قلبا .... لكنكم ملكتموه جسدا و وروحا ....و عبدا ...... )
ظل صامتا , عاقدا حاجبيه ..... فنظرت اليه بعجز و غضب ..... و هياج داخلي ... و هتفت مجددا من بين أسنانها و هي ترتجف بدموعها الشرسة
( أنت لست خاله ........ و أنا لم أتزوج كريم القاضي , .... أنا تزوجت من شادي عبد الله ... )
و قبل أن يفتح فمه ... كانت تهتف بحدة و شراسة
( و الهوية التي تزوجته بها هي هويته الحقيقية ........ )
عند هذه النقطة .... رفع رائف وجهه اليها بقوة , و اتسعت عيناه و هو يقول بلهجة حذرة خافتة ...تقارب الذهول
( تزوجته بماذا ؟!!! ............. )
منظر وجهه جعلها تصمت .... كان صوت تنفسهما السريع يقطع الصمت القاتم بينهما بحدة , فكرر رائف بقوةٍ أكبر جعلتها تنتفض في مكانها
( ما هو اسم زوجك على تلك الورقة ؟؟ ........ )
فغرت شفتيها قليلا أمام ملامحه التي توحشت فجأة .... لكنها همست بصوتٍ لا يكاد يسمع
( شادي .... عبد .... )
لم تكمل ..... فقد ضاعت همستها الخافتة في صيحته المتوحشة وهو يضرب المقود بقبضته ضربة جعلت السيارة تهتز بعنف
( تبا لغبائك !! .......... )
فغرت شفتيها أمام الوحشية المفاجئة التي ظهرت عليه .... فارتجفت بشدة و هي تضم ذراعيها تحتمي بمعطفه الذي يضمها بحنان تحتاج اليه بشدة في تلك اللحظة ....
ثم همست أخيرا بخفوت
( هو شادي ....... انه ..... )
صرخ بقوةٍ وهو يضرب المقود بغضب
( لماذا لا تفهمين أيتها الغبية ؟!! ....... لا وجود لاسم شادي عبد الله في أي مكان ... لا وجود لمثل تلك الهوية المزيفة ...... )
كانت تتنفس من شفتيها الفاغرتين ... بصعوبةٍ بالغة .... فأغمضت عينيها و هي تهمس
( ياللهي !! ........... )
حين التفت اليها وجد أنها تشحب بشدة , و قد عاد وجهها لبياض بشرة الأموات مجددا ... فمال عليها يمسك بوجهها وهو يقول بقوة
( ملك ....... ملك خذي نفسا و الا سيغشى عليكِ ...... )
امتدت يده الأخرى لتتخلل أصابعه خصلات شعرها ممسكة بمؤخرة رأسها وهو يربت على وجنتها بقوة ... ثم دفع رأسها الى بين ركبتيها وهو يقول بلهجةٍ آمرة
( خذي نفس ....... )
فعلت ما طلبه منها ...... مرة بعد مرة .... الى أن تمكنت من الهمس أخيرا بصوتٍ ذاهب الأنفاس
( أنا بخير الآن ,.,......... )
أدار وجهها الشاحب اليه كي يتأكد من أنها بخير .... و حينها تسمر مكانه ....
تسمر بقوة العينين العسليتين الضائعتين و الناظرتين اليه و كأنه ...... و كأنه الأمل الوحيد لها في الحياة ....
أصابعه كانت لاتزال منغرسة في خصلات شعرها بقوةٍ .... يثبت بها رأسها ... رافعا بها وجهها الناظر اليه ....
شعر بصدره يعصف فجأة .... بمشاعر غريبة , هائجة لم يعرف مثلها منذ ..... منذ متى !! .....
و في لحظة واحد نزع يده بقوةٍ عنها و نظر أمامه و هو يتنفس بسرعةٍ و كأنه عائد من سبقٍ مجهد ....
همست ملك بصعوبة
( انت تصدقني ....... أليس كذلك ؟؟ ..... )
نظر اليها بطرف عينيه , بملامح غامضة .... و مشاعر عنيفةٍ تهدر فوق صفحة ملامحه ...
فهمست برجاء معذب
( لا تتخلى عني ...... أرجوك ...... )
أغمضت ملك عينيها بعد هذا الرجاء المثير للشفقة , ....لم تكن قد استعادت وعيها الكامل بعد و هي تنطقه ... تتوسل الغريب ليبقى معها و لا يتخلى عنها ...
على الرغم من كل شجاعتها .... و مبلغ تهورها , الا أنها كانت في حاجةٍ ماسة لمن يبقى بجوارها و يمسك يدها في تلك المواجهة ....
كانت من الخزي بحيث لم ترغب في أن تدمر حياة وعد مع زوجها و تقحمهما في الأمر للدفاع عنها ....
لكنها الآن أدركت أي ضعيفة هي ... و هي ترى تلك القصة تزداد دموية مع كل فصل من فصولها ....
و كأنه عشق مريض .... عبث بها و جردها من كل كرامتها و آدميتها ... في لحظة خطأ واحدة ....
حين تكلم أخيرا بدا و كأنه يكلم نفسه بحنق و خفوت شرس
( أين أذهب بكِ ؟!! ....... تبا لا يمكنني تركك بمفردك ....... )
نظرت اليه وهي تريح رأسها للخلف ... و فكرت بإنها اشارة من القدر ....
شعرت بدفء غريب يسري في قلبها و هي تشعر أنه الله قد سخر لها من سيدافع عنها ... و عن حقها ....
همست و هي تراه يزداد غضبا ... و تنفسه يزداد سرعة و كأنه مرجل مشتعل ... أصابعه تنقر على المقود بعصبية ....
( هلا أعدتني الى بيتي رجاءا ....... لا تخشى شيئا , أنا قادرة على حماية نفسي .... )
نظر اليها بغضب وهو يهتف من بين أسنانه
( قادرة على ماذا بالله عليكِ !! ... لقد ألقيتِ نفسك للتو في عش للدبابير دون أن سلاح تملكينه في يدك .... )
صمت يهدر نفسا هائجا من بين أسنانه ... ثم قال بقوة
( أنتِ الغباء بعينه......... )
أطرقت برأسها ...... و هي تغمض عينيها بصمت , تتمنى الموت .... ذلك الصديق الذي لم تتمناه الا منذ أن عاد شادي الى حياتها .....
نظر رائف اليها بأسى .... ثم همس متابعا
( و الشجاعة نفسها يا صغيرة ........ )
لم تنظر اليه ... بل ظلت مطرقة برأسها و هي تبكي بصمت , لكنها ابتسمت بأسى من بين دموعها ... يالتلك السخرية السوداء .... و ماذا تملك سوى الشجاعة في محاربة قصة ردئية قديمة قدم الأزل ....
قال رائف متابعا بعد فترة صمت طويلة
( لا يمكنك البقاء وحيدة ....... أين هو بيت أختك و أنا سأوصلك اليها ... )
همست ملك من بين دموعها
( إنها ..... مسافرة , و أنا لن أقحمها في الأمر ...... ليس الآن على الأقل ... )
قال رائف بغضب
( لا أستطيع تركك بمفردك ........ )
رفعت وجهها اليه .... و ابتسمت ... فاختل توازنه ....
كانت تبتسم على الرغم الدموع التي أغرقت وجهها كحبات المطر .... ثم همست بنغمةٍ لا يظن أنه سينساها أبدا
( أنت شهم للغاية ....... )
نظر اليها بوجوم و كبت ... ثم نظر أمامه مستندا الى ظهر مقعده بعجز وهو يقول بجفاء
( لقد أخطأتِ خطأ كبير يا صغيرة ..... لكن هناك من شاركك نفس الخطأ إن لم يكن أفظع ... بخداعه لكِ ... لذا ليس من العدل ترك فتاة مثلك تتحمل الذنب وحدها .... ذنب لن يتجرعه سوى الجنين الصغير بأحشائك و الذي لم يبصر النور بعد ..... ليس من العدل أن يخرج الى تلك الخيانة منذ يومه الأول .... )
ساد صمت طويل كئيب بينهما ...
الى أن قال رائف بصوتٍ لا حياة فيه ... صوتٍ أجوف بشكل غريب
( سأفعل ما بوسعي ...... كي يصحح زواجكما في أسرع وقت ..... )
شعرت ملك بشيء غريب يقبض صدرها بشدة .... وهي تسمع صوته الرخيم القوي ... الحزين ...
فلامست يدها بطنها دون وعي ......
التصحيح الوحيد لذلك الخطأ هو أن تكون لشادي مجددا .... عليها أن تدفع ثمن غبائها , دفاعا عن طفلها
ازداد انقباض صدرها و هاج غثيانها .....
و عادت تتسائل ... أين هذا العشق الذي كان ... و الآن لا يتبقى منه بداخلها سوى ... نوبة غثيان ....
دون أي كلام آخر .... قام بتحريك السيارة و كأنه فقد الرغبة في الحديث فجأة ....
فانطلق بالسيارة سريعا ..... و الصمت الكئيب بينهما يرسم قصة غير مقروءة ......
و ما أن وصل الى بيتها .... حتى أوقف السيارة , ثم التفت اليها بملامح جامدة وقورة و قال بلهجةٍ آمرة
( لا أريدك أن تفتحي الباب لمخلوق هذه الأيام ...... فهمتِ ؟ .... )
نظرت اليه ملك بصمت .. ثم همست
( هل تظن أنهم قد يقومون بأذيتي ؟ ............ لا أظن أننا نحيا في وكر عصابة لتلك الدرجة ... )
زفر رائف بحنق ... ثم قال بصرامة
( على الأقل سيحاول أكرم جديا ارسال وسطاء اليكِ كي يراضوكِ بمبلغ مناسب لنسيان الأمر ... و هذا ما أنا متأكد منه .... هو لن ييأس و لن يستسلم , أكرم لا يقبل بلي ذراعه ووضعه أمام الأمر الواقع ... و أنتِ قلبت الطاولة عليهم و انصرفتِ بهدوء يا صغيرة .... خاصة أنه كان يعد جديا لزواج كريم من ابنة مسؤول كبير في البلد .... )
شحبت ملامح ملك بشدة و هي تنظر الى ملامح رائف الغاضبة ....
الغريب في الأمر أنها لم تهتم لذرة .... لم تهتم سوى بارجاع حقها المهدور .. أما مشاعرها تجاه شادي , فهي تكاد تجزم أنها رأتها تسقط .. لحظة رؤيته يسقط جالسا على أولى درجات السلم ...
ظل ينظر اليها طويلا .... و كانت تبادله النظر بحزن ... الى أن قال بخشونة
( هيا اذهبي ..... و اهتمي بنفسك )
أومأت برأسها بصمت , لكن قبل أن تخرج مدت يديها خلف عنقها تبعد ضفيرتها الطويلة الى إحدى كتفيها و سرعان ما سقط السلسال من عنقها الى حجرها ... فالتقطته بأطراف أصابعها و مدته له و هي تهمس بخفوت
( خذ هذا من فضلك ..... أعتقد أنه الآن بات يخصك أكثر مني .... )
نظر الى السلسال بغضب و قسوة ... قبل أن يمد كفه المفرودة لها .. فتركته ينساب الى كفه , فأغلق رائف كفه على يدها قبل أن تبعدها .... حينها رفعت ملك عينيها المتسعتين اليه , لكنه نظر الى عينيها قائلا بقوة وهو يشد على يدها الصغيرة الممسكة بالسلسال داخل قبضته القوية
( عديني الا تتهوري حتى أتصرف .......... )
فغرت شفتيها قليلا .... لكنها لم تلبث أن أغلقتهما و عيناها تتغضنان ألما , فقال بخشونةٍ خافتة ملحة
( عديني .......... )
همست ملك و عيناها سابحتان في عينيه القويتين
( أعدك ........... )
حينها ترك يدها ببطء شديد ... و كأنه لا يرغب في تركها تخرج من السيارة , كان قلبه يخبره بحدسٍ سيء ..... و شعر بأنه سيكون مسؤول عن أي شيء يصيبها ... لأنه يعرف .....
لأنه يعرف أنها تنطق الحق .....
أبعد وجهه وهو يتنهد بقوة محاولا إزاحة ذلك الثقل عن صدره .... الى أن سمعها تقول بخفوت
( سيد رائف .... هل لي أن أطلب منك خدمة ؟؟ ...... لا تخبر السيد عاطف عما فعلته ..و ما حدث لي , دعه يراني بالصورة التي رسمها لي ..... أرجوك ..... )
لم يرد رائف .... و لم يدير رأسه اليها , لكن رجائها الأخير عصف بصدره مجددا ... و كأنه قبضة من الجليد الموجع ... ذكره بمدى برائتها و صغر سنها .... و سمع صوت بابها يفتح لتخرج من السيارة ثم أغلقته لتبتعد بسرعة .... بينما بقى هو جالسا في السيارة يدور بباله السؤال الأسود
" هل تعود xxxxب الساعة للوراء ؟!! ....هل تعود لها البراءة التي لا يتخيل أنها فقدت ذرة منها !! . "
حرك سيارته و انطلق بسيارته بسرعة و غضب و هو يفكر بأنه نسي أن يشتري لها البسكويت الجاف ...
و على الأرجح ستظل الصغيرة مصابة بالغثيان طويلا ....
حينها شعر للمرة الأولى في حياته بأنه يكره ذلك الصبي الذي حضر الى بيتهم ذات يوم و أحبه كأخيه الصغير .... و كم تمنى في تلك اللحظة لو لم يكن دخل حياتهم مطلقا .....
.................................................. .................................................. ..................
كانت تصدر شخيرا صغيرا من شدة الإجهاد ... فمجهودها هذه الأيام خاصة بعد وعكتها الأخيرة أصبح ضئيلا و نومها بات ثقيلا مقلقلا ....
فتحت عينيها بصعوبة و هي تشعر بقوةٍ هائلة تنتزعها انتزاعا من سباتها العميق ... فتأوهت و هي تتململ قائلة
( أريد أن أنام ....... )
لكن اللمسات تجولت على وجنتيها المرتفعتين .... مرت على حاجبها الرفيع , ثم الآخر .... لتتجول على جفنيها المغمضين .... اصبع واحد مر على أنفها المرتفع .. فجعدته و هي تشعر به يحكها ....
لينتقل ذلك الإصبع الى فمها ..... كان يرسم شفتيها و كأنه يلونهما بنعومة ... مرة بعد مرة .....
حينها بدأت تشعر بأنه استبدل سبابته بإبهامه الذي كان يدلك لها شفتها السفلى و كأنه يصر على ايقاظها بتلك الطريقة ...
فمدت يدا طائشة ضربت ذلك الإصبع المغتصب و هي تصرخ من بين نعاسها المجهد
( ابتعد عني ........ )
ابتعد عنها للحظات , فظنته تركها و ابتعد ... و ما كادت أن تغفو مجددا .... حتى شعرت بيده تنحدر أكثر و تتجرأ بدرجةٍ جعلتها تشهق عاليا و هي تنتفض جالسة في الفراش تنظر اليه بعينين منتفختين ... بينما يديها المرتجفتين تعدلان من وضع ملابسها .... فطالعها وجهه و هو ينظر اليها مبتسما بقسوة .... يتأملها بسخرية ... ثم قال بخفوت
( آآه ..... تذكرت الآن أنكِ لا تفضلين أن أتمادى أثناء نومك ..... أعذريني )
نظرت اليه بوجهٍ شاحب ... قاتم الملامح ....
كانت تعرف كيف تبدو حين تستيقظ من النوم بسبب فقر الدم ... لذا من المؤكد أنها تبدو الآن أكثر نفورا له منها ليلة أمس ....
بينما هو .. كان يجلس على حافة سريرها ... ضخما , قويا ... رائع التفاصيل , ممتلىء بالحيوية ....
شعره المبلل يرسل لها رائحة عطره القوي و التي تتعرف عليه رئتيها من على بعد أميال ....
رفعت يدا مرتجفة تبعد خصلات شعرها الشعثاء المجنونة عن وجهها .... و هي تقول ببرود ...
( و طالما أنك تتذكر ذلك ... فلن تتوانى عن تكراره كل صباح ..... )
نظر الى عينيها بقوة ... ثم تعمد اخفاض عينيه ببطىء الى عنقها الطويل و أعلى صدرها الظاهر من فتحة القميص ..... فقد نزعت كنزتها بالأمس و نامت في بنطالها الجينز و القميص الضيق ....
لكنها الآن شعرت بأنها لم تكن فكرة جيدة و هي تراه يتعمد النظر اليها بطريقة شهوانية تفتقر الى العاطفة و الغزل .... و بالفعل قال بصوتٍ ساخر عابث
( لا أراها فكرة سيئة .... بل على العكس , الأمر يبدو لي ممتعا , خاصة و أن زوجتي تحرمني من حقوقي الشرعية ...... )
رفعت وعد عينيها الجليديتين اليه و هي تقول ببرود
( أنا لست جارية لتلبية طلباتك يا سيف .... و لا تتخيل للحظةٍ واحدة أنني سأدعك تعاملني كتلك الليلة حين رحلت صباحا دون حتى كلمة ترضية واحدة و كأنني عا..... )
رفع يده ليطبق بها على شفتيها يمنعها عن نطق الكلمة البذيئة التي كانت تنوي النطق بها ....
فرفعت عينيها تنظر الى عينيه من تحت كفه الضاغطة على فمها بقوة ... و لم تكن ملامحه مقروءة وهو ينظر الى وجهها طويلا ... ثم قال أخيرا بهدوء
( لقد آلمك رحيلي بتلك الطريقة اليس كذلك ؟؟ ..... لقد ذكرتِ الأمر أكثر من مرة .... )
أبعدت يده عن فمها بالقوة و هي تقول بغضب شرس
( نعم آلمني .... و أشعرني بمقداري البخس لديك ..و أنا واثقة من أنك شديد الرضا باعترافي ... )
ابتسم وهو يراقب غضبها ليقول بهدوء
( الحقيقة ..... نعم , أنا شديد الرضا أنكِ تألمتِ , ..... )
بهتت ملامحها و هي تنظر اليه بصدمة .... من أين له بمثل تلك القسوة !! .... لم يكن كذلك ...
حتى في أسوأ ما أقترفه معها , لم يكن بمثل تلك القسوة من قبل ....
و حين لاح الألم في عينيها بوضوح ... اختفى القليل من بروده وهو يقول بقسوة
( ربما حينها تدركين مبلغ ما يشعر به غيرك بالألم بكل كلمةٍ تلقين بها جزافا ... و أنتِ تظنين أن ذلك هو حق لكِ بينما هو محرما على الباقين ..... كيوم أخبرتني بكل شاعرية عن مدى تقززك ما أن تستسلمين لزوجك ..... )
فغرت وعد شفتيها و همست بألم
( هذا ليس عدلا يا سيف ..... لقد أعتذرت لك ..... )
نظر اليها بحزن على الرغم من قساوة ملامحه .... ثم قال أخيرا
( قائمة اعتذاراتك طويلة جدا يا وعد ........ )
ظلت تنظر اليه بحزن ... الا أنه نهض من مكانه بقوةٍ مندفعا وهو يقول آمرا
( هيا ...... انهضي لتعدي الإفطار .... )
قالت بخفوت ....
( و إن قلت لا !! ................ )
كان قد استدار ليخرج ... لكن ما أن سمع كلمتها الخافتة , حتى عاد ليلتفت اليها و دون أن يكلف نفسه عناء الرد ... وجدت ذراعاه تمتدان لتنتزعانها بقوةٍ من تحت الغطاء فشهقت عاليا و هي تراه يوقفها على قدميها و يدفعها الى الجدار حتى اصطدمت به و امتدت يديه تقبضان على ياقة قميصها ليفتح أولى ازراره بقوةٍ بينما ملامحه هادئة بشكل مقيت ....
فقبضت وعد على مقدمة قميصها و هي تشعر بالإهانة صارخة ...
( توقف عن ذلك يا سيف ........ )
ترك قميصها ليمسك بخصر بنطالها الجينز وهو يقول بهدوء غريب
( سأبدل لكِ ثيابك بنفسي لو لم ترغبي في التحرك بمفردك ..... )
الا أن يديها انخفضتا الى كفيه تقبض عليهما بقوةٍ و هي تصرخ غاضبة بعنف
( توقف عن تلك الحقارة يا سيف ....... )
الا أن قوتها لم تكن لتعادل قوته ... فصرخت في اللحظة الأخيرة
( حسنا .... حسنا .... سأبدل ثيابي ..... )
للحظةٍ ظنت أنه لن يسمعها , لكنه لم يلبث أن تركها دافعا إياها قليلا , ليقول بثقة مبتسما ببرود
( لو تعطفتِ و القيتِ نظرة على الدولاب هناك ... ستجدين ملابسك به , .... ثم تتجهين الى المطبخ و تعدين الافطار ... و الا سأعود اليكِ ..... )
تركها و خرج ... بينما بقت مكانها تلهث بجنون .... تنظر الى الباب الذي أغلقه و هي لا تزال تقبض على ملابسها المشعثة بشعور مقيت من الإهانة ....
حين خرجت من الغرفة .... كانت قد حملت ملابسها على ذراعها و اتجهت الى الحمام الصغير ... لتصفق بابه بعنف ... و هي تحتاج الى حمام ساخن كي يهدىء أعصابها المرهقة ...
و ما أن خلعت ملابسها و اندفعت الى المغطس مديرة مقبض المياه الى الساخنة ...
الا أن السيل الذي اندفع فوق رأسها كان باردا كالثلج مما جعلها تصرخ عاليا و هي تحاول اغلاقه بكلتا يديها ... تتزحلق على أرض المغطس بغباء الى أن تمكنت من إغلاقها في النهاية ...
ثم خرجت و هي تكاد أن تجمدت الى أن لفت نفسها بمنشفة عريضة و أسنانها تصطك بعنف ... ثم اقتربت من الباب و فتحت جزء منه و هي تصرخ بجنون
( سيف ..... سيف ..... سيييييييييييييييف )
مر وقت طويل الى أن سمعت خطواته الهادئة تقترب فصفقت الباب بعنف ... لكنه قال بهدوء من خلف الباب
( ماذا تريدين ؟؟؟ ........ )
صرخت بعنف و هي ترتعش
( لماذا لا يوجد ماء ساخن ؟؟......... )
قال بهدوء مستفز
( لم أجد الوقت لتركيب سخان ........ )
اتسعت عيناها و هي تهمس بكل كلمةٍ بذيئة ... ثم لم تلبث أن عضت على أسنانها و هي تصرخ بجنون
( لم تجد الوقت !!! ..... اذن هل يمكنك أن تخبرني كيف سأستحم الآن ؟!! ..... )
قال ببساطة
( استخدمي الماء البارد ...... أنا أستحم بماء بارد .. )
صرخت بجنون و هي تركل الباب المغلق بقدمها العارية فتأوهت ألما
( أنسيت أنني مريضة القلب يا متحجر الشعور .... حمام مثل هذا من الممكن أن يودي بحياتي ... )
قال سيف متشدقا بهدوء
( آآآه لا تكوني دراماتيكية الى هذا الحد ..... أنتِ بأفضل حال , ...... )
كانت تلهث بفعل الغضب مما دفئها قليلا ... لكن ساهم في غليان دمها في عروقها ...
فصرخت بغضب
( بالله عليك أنا أموت من البرد ........... )
قال متمهلا بهدوء
( كيف يمكنني مساعدتك ؟!! ..... ربما لو أدخلتني قد أجد طريقةٍ ما ..... خاصة و أنني رجل محروم كما تعلمين لذا يمكنني أن أكون مفيدا ..... )
صرخت و هي تضرب الأرض بقدمها .
( لقد طالت تلك المهزلة يا سيف ...... أنت تبالغ بغباء .... )
قال سيف ببساطة
( اذن حظا سعيدا مع حمامك البارد .... فهو يناسبك ....)
صرخت وعد بعنف
( سيف .... انتظر .... سيف ....)
مرت لحظة قبل أن يقول بهدوء
( ماذا تريدين ؟!! .........)
رفعت عينيها الي السماء و هي تضرب الأرض بقدميها دون صوت .... ثم لم تلبث أن قالت بهدوء مفتعل
( لا يمكنني أن أتحمل الماء البارد يا سيف .....أحضر لي ماء ساخن من المطبخ ..... )
قال بهدوء
( قد أفكر في الأمر لو طلبتِ بأدب ........ )
صرخت وعد بلؤم من بين أسنانها
( تبا لك ..... أنت تذكرني بأيام الدار المأساوية ........ هات الماء الساخن , .... )
قال لها ببساطة
( انسي أيام الدار و تعاملي كزوجة محترمة ...... تلك الألفاظ لا تليق بكِ يا وعد .... اين ذهب تهذيبك ؟؟ ... كنتِ شديدة الأدب حين كنتِ تعملين لدي .... )
قست عيناها و عصفتا كرياحِ عاتية داكنة .... لكن و قبل أن تنفجر غضبا , كان سيف يقول ببساطة و هدوء متابعا
( أول ما تبادر الى ذهني و انتِ تدخلين مكتبي ..... كان مدى حلاوة تهذيبك و رقتك .... كنتِ تقريبا تلامسين البساط و أنتِ تخطين فوقه ...... )
تجمدت ملامح وعد و هي تسمع صوته الهادىء ... بينما تابع سيف ببساطة
( كل يوم كنتِ تدخلين به مكتبي حاملة قهوتك .... كان يشرق الصباح بوداعتك ... بنبرة صوتك التي لا تعلو عن الهمس ..... بملابسك الوردية و الرمادية .... بذيل الحصان المهذب و الذي أمرتك الا تحليه أبدا فعصيتِ أمري ..... متجاهلة حبي للنظر اليه .... الى خصلات شعرك الناعمة و المنفلتة منه بترتيب الى خلف أذنك الصغيرة ....... )
تراجعت وعد خطوة و هي تستند بظهرها الى باب الحمام المغلق بوجهٍ شاحب و هي تستمع الى صوته الدافىء و الذي تدفق الى عروقها كعسلٍ ذائب
وتابع هادئا
( كنتِ تبدين كطالبة تعمل في العطلات ...... طالبة مهذبة وديعة , عيناها كبئرين عميقين من ماء المطر .... غرقت بهما ما أن نظرت اليهما أول مرة ......و عرفت يومها أنني كنت أنتظرهما طوال حياتي )
رفعت يدها تتحسس عظام صدرها برفق ... بينما عيناها متسعتان ... شاخصتان للبعيد ..... و أذنها تعزف لحن رائع لكلماته الهادئة ....
فقال متابعا ببساطة
( كنتِ كقطعة سكر تزيدين من حلاوة قهوتك ....و كنت أحب النظر اليكِ كل صباح .... )
صمت قليلا .... و كانت هي مستندة برأسها الى الباب , ... فطال الصمت بينهما , الى أن قالت وعد بخفوت
( أخبرتني أنني أبدو أكبر من عمري ...... و سخرت من ملابسي .... )
ضحك بعمق وهو يرفع يده الى أعلى أنفه متذكرا ........ فابتسمت وعد بحزن ....
فقال سيف وهو يستند بظهره الى الباب المغلق
( آآآه صحيح ....... اسمعي , لقد قررت التنازل و سأحضر لكِ بعض الماء الساخن قبل أن تبردين )
لم ترد وعد و هي ترفع وجهها ..... شاردة بصوته الذي لا يزال يعزف على أوتار أعصابها ....
تبا لك يا سيف و لما تفعله !! .......
ظلت واقفة مكانها دقائق طويلة .... قبل أن تنتفض على صوت طرقاتٍ على باب الحمام ... فتراجعت وهو يقول بجدية
( افتحي الباب ......... )
أمسكت يدها حافة المنشفة جيدا , ثم لم تلبث أن فتحت الباب بتردد .... لتجده واقفا , يمسك بين يديه وعاء ضخم يتصاعد منه بخار ماء ساخن ... نظرت اليه بصمت من بين فتحة الباب الضيقة , قبل أن تهمس بوجوم
( راااااائع !!! .........سأستحم بقدر من الماء !!! ...... )
عبس سيف وهو يقول بخشونة
( أتريدينها أم أذهب لأعيده !!! ............ )
فتحت الباب بحذر .... فدخل سيف وهو يضع الوعاء بحرص داخل المغسلة ... ثم لم يلبث أن استدار اليها , ليتسمر مكانه قليلا و هو يتأملها بحرية .....
احمر وجهها بشدة و يدها تشد على حافة منشفتها بينما نظرت بعيدا تنتظر انتهاء تقييمه البطيء لها ....
بينما بدا هو غير متعجلا .... يراقب نحافتها الزائدة و ساقيها الطويلتين .... و شعرها الأسود الرطب و المنهمر على كتفيها و ظهرها
بينما بدت عيناها رماديتان صافيتان ... و كبيرتان للغاية و هي تنظر اليه خلسة ... الى أن لم تستطع المقاومة , فثبتتا على عينيه تتأمل تأمله لها بشفتين فاغرتين ... حينها اقترب منها ببطىء و هي تتنفس بسرعة الى أن وقف أمامها ... ليرفع يده أمام عينيها المشدوهتين ... ليلامس وجنتها اللاهبة .... و عنقها الطويل ... حلقها و التجويف الرقيق أسفله متمهلا ... فأغمضت عينيها بشدة و هي تبتلع ريقها تحت أصابعه الحارة ....
و انتفضت بقوة وهي تشعر بيده على خصرها تجذبها اليه .... فارتفعت يديها تلقائيا الى صدره و هي لا تزال مغمضة عينيها ... رافعة وجهها , بينما وجهه يقترب منها الى أن لامست شفتيه فكها ببطء وهو يهمس بخفوت
( وعد !!! ........... أنتِ جمييييلة ... )
همست بإختناق دون أن تفتح عينيها ...
( لااا ............. )
الا أنه كان له رأي آخر و شفتيه تتجولان على وجهها البارد و المحترق في آنٍ واحد ... فهمس في أذنها
( عيناكِ ..... لا أجمل منهما ....... )
همست وعد تئن
( توقف أرجوك ......... )
رفع وجهه قليلا ينظر اليها طويلا .... الى تشتتها الواضح .. ثم لم يلبث أن قال بهدوء ....
( حسنا .......... كما تشائين ... )
ثم خرج بينما فتحت هي عينيها و هي تتأكد من ذهابه ... فتأوهت بغضب و أنين و هي تضرب سطح الحائط الأملس بقبضتها ... ثم أخفضت رأسها حتى لامست جبهتها الحائط و هي تهمس
( ما سر هذا اللذي يسري بيننا .... و لا سبيل للشفاء منه !! ....... )
خرجت بعد فترة طويلة ... مترددة بوجهٍ شاحب تبحث عنه بعينيها .... الى أن وجدته في المطبخ , جالسا أمام الطاولة ... يطالع جريدة بكل هدوء !!!
وقفت بالباب تنظر اليه بذهول ..... وهو يبدو ثابت الأعصاب , بعكس من بعثر أعصابها للتو ...
و ما أن طال صمتها .. ووقوفها , حتى شعر بها فرفع اليها وجهه الهادىء ... ليقول ببساطة
( لماذا تقفين عندك هكذا ؟!! ...... أنا أنتظر الإفطار منذ أكثر من ساعتين يا وعد ..... )
كانت قد ارتدت حلة رياضية قطنية .... بينما مشطت شعرها و لفته في ربطة مستديرة في مؤخرة رأسها ... و بدت مرتبة و جذابة ... لكن بالتأكيد ما شعرت به في هذه اللحظة كان بعيدا كل البعد عن الترتيب ....
لذا ما أن سمعت لهجته الباردة الهادئة ... حتى عصفت بداخلها نيران الغضب بجموح و أوشكت أن تصب عليه كل لعناتها و غضبها ... الا أنها تماسكت في اللحظة الأخيرة .... و رفضت أن تظهر له ضعفها و تأثرها به ...
لذا رفعت ذقنها و هي ترمقه بنظرة استعلاء .... ثم دخلت الى المطبخ لتفتح باب الثلاجة بقوةٍ ناظرة الى ما بداخلها ... و سرعان ما أخرجت اول ما طالته يديها دون تفكير ....
و بدأت في العمل تحت نظراته المراقبة لها ... بينما الغضب بداخلها يفترسها ... مع كل حركةٍ تتحركها أمامه وهو يجلس هادئا واثقا .... الى أن انتهت من تحضير طبق مجهول المعالم و المكونات ... عشوائي المظهر ...
وضعته بعنف أمام سيف على الطاولة .... ثم قالت بهدوء جليدي
( هل تريد شيئا آخر ؟!! ........... )
نظر سيف الى الطبق الغريب بهدوء ... قبل ان يتناول بعضا منه ببساطة وهو يقول
( قهوة من فضلك ........ )
وقفت مكانها ..... تنظر اليه بصمت , و بملامح صلبة قاسية ..... فرفع عينيه اليها متسائلا , لكنها ابتسمت له ببرود و هي تقول
( حاضر ........... )
ابتعدت عنه قبل أن ترتكب جريمة , خاصة و أن السكين كان موضوعا تحت استخدامها في أي لحظة ... بينما قال سيف في أثرها وهو يتناول المزيد من الطبق المعقد
( شكرا ............ )
توقفت لحظة و هي تعض على أسنانها ...... لكنها تابعت اعداد القهوة , و لم تراه و هو ينظر الى رشاقة حركاتها ... و هي تبدو ذات جسد شبيه بأجساد عارضات الأزياء .... تدفع النساء من أجل الحصول على مثله الكثير ... بينما وهبته الطبيعة لها مترافقا مع المرض و الشقاء .....
شردت وعد و تنهدت رغما عنها .... بينما كان هو ينظر اليها من خلفها بملامح كئيبة .....
و ما أن استدارت اليه و هي تحمل قدح القهوة ..... وجدته ينهي طبقه بتلذذ واضح ... فوضعت القهوة أمامه بهدوء هذه المرة و هي تنظر اليه بصمت ... فقال ببساطة مجددا
( شكرا لكِ .......... )
سحبت وعد كرسيا و جلست أمامه و هي تراقب شربه المتلذذ لقهوتها ... ثم قالت بهدوء
( هل تظن أنك بالفعل تحتجزني هنا ؟!!! ....... هل تظنني بمثل هذا الضعف و قلة الحيلة !!! بحيث لا أستطيع العودة الى بيتي بدونك !! ...... )
لم ينظر اليها وهو يرتشف رشفة أخرى متمهلا ... ثم قال بهدوء
( الباب مفتوح , تفضلي ......... القرار لكِ , لكن لا تغضبي من العواقب ....... )
قالت وعد بهدوء
( يمكنني الخروج الآن يا سيف ...... أنا فقط أمنحك الإحترام اللائق كي تعيدني بنفسك )
ابتسم وهو يرتشف رشفة أخرى .... ثم قال بهدوء ضاحكا
( كرم أخلاقك لا حدود له يا وعدي و نصيبي ........ )
قالت وعد بجدية ضاغطة على أسنانها
( أنا لا أمزح ....... بإمكاني الخروج من هنا و استقلال أي وسيلة مواصلات الي بيتي ..... )
قال بهدوء
( تفضلي ...... بما أنك لا تستطيعين القيادة , لذا سيارتي في الخارج في أمان ... لكن أحذرك أولا أنه لا وسائل مواصلات عامة هنا .... فلقد ابتعدنا بما يكفي لأن تكون السيارات الوحيدة القابلة لنقلك هي شاحنات النقل .... و قد تكونين سعيد الحظ في الوصول لبيتك دون التعرض للإغتصاب بنسبة خمسة بالمئة .... )
لم تتغير ملامحها من الجمود الظاهري و هي تنظر اليه ... فقط شفتها السفلى كانت تتكور أسفل أسنانها الشرسة و الغير ظاهرة ....
ثم قالت أخيرا بهدوء
( الأمر ليس بتلك الصعوبة يا سيف ..... بإمكاني العودة وحدي , لكن حينها ستكون حربي أشد شراسة ... )
رفع عينيه اليها . ليقول مصححا بهدوء
( تقصدين ... أكثر دناءة .... )
نهضت وعد من مكانها و هي تقول ببرود
( لا بأس .... سمها كما تشاء , .... أنا راحلة ... )
لكن و قبل أن تخرج من باب المطبخ , سمعته يقول بهدوء
( المعرض الخاص بكِ ........ سأطعن في عقد بيعه .... )
استدارت اليه بقوة و هي تنظر عاقدة حاجبيها بتوجس و هي تقول بحذر
( و ما دخلك بعقد معرضي ؟!! ............. )
قال مبتسما بهدوء
( الشقتين كانتا ملكي في الأساس .... و لقد اشتريتهما أنتِ من و سيط ... بتوكيلٍ مني ... )
فغرت شفتيها بطىء ..... ثم همست بخفوت خطير
( الشقتين كانتا ملك لك ؟؟ ....... و السائق يعمل لديك !!! ..... هل هناك شيئا آخر يجب أن أعرفه ؟؟ .... )
رد مبتسما بهدوء
( الشقة التي تسكنين بها حاليا ..... هي ملكي و أنتِ قمتِ بتأجيرها من موكل ... لذا يمكنك البحث عن مكان آخر للسكن ...... )
ظلت واقفة مكانها تنظر اليه بلا تعبير .... ثم قالت أخيرا بخفوت
( أنت تكذب ........ لا يمكن أن تكون قد وصلت الى هذه الدرجة من الهوس !! ..... )
عقد حاجبيه وهو يقول متظاهرا بالألم
( هوس !! ....... بعد كل ما فعلته من أجلك !!! , أتعرفين كم وفرت لكِ؟!! .........)
لم ترد وعد .... بل ظلت صامتة تتنفس بسرعة , ثم لم تلبث أن قالت
( العقود سليمة .... حتى لو كانت بتوكيل , المهم أنه المعرض ملكي الآن ......... )
رد بهدوء
( نعم ....... لكنني سأطعن به , و سيتم اتخاذ عدة أجراءات طويلة ... و قد يتم وقف العمل فيه الى أن يتم البت في الأمر ....... )
صمت قليلا .... ثم قال بهدوء
( ليست تلك هي البداية السليمة .....لذا من الأفضل أن تجدي لكِ مكانا آخر ...... )
لم تتغير ملامحها و هي تنظر اليه , ثم قالت بخفوت
( إنها حرب قذرة يا سيف .......... )
رد سيف بهدوء وهو ينظر الى جريدته مجددا
( أنتِ بدئتها بارسال دعوى الخلع الى شركتي .......... )
ظلت تنظر اليه طويلا .... بينما تجاهلها هو تماما .. , فاندفعت لتجلس أمامه مجددا و هي تطرق بيدها فوق الجريدة الموضوعة على سطح الطاولة .فرفع وجهه اليها بملامح جامدة التعابير ....
حينها هتفت بقوة
( أنت تبتزني لأبقى معك !! ....... لماذا ؟!! ..... ما سر اصرارك على البقاء مع زوجة تحتقرها ؟!! ... )
قال بهدوء وهو ينظر الى عينيها مباشرة
( أنا أحبك ................ )
فغرت شفتيها و هي ترفع رأسها للسماء مصدرة ضحكة ما بين السخرية و بين الغضب ... بينما لوحت بيديها عاليا .... ثم لم تلبث أن حطت بهما بقوةٍ على سطح الطاولة مجددا لتنظر اليه بشراسة ... لكنها تكلمت بأكبر قدر من الهدوء
( ماذا تريد ؟!!! ...... أن نبقى متزوجين ؟؟ ..... لكن أنا تغيرت , هل يمكنك أن تتقبلني حاليا ؟؟!! .... هل يمكنك البقاء معي بشروطي لا بشروطك هذه المرة ؟؟!! .... )
ارتفع حاجبيه وهو ينظر اليها مبتسما , ثم قال ببساطة هازئا
( شروطك ؟!! ......... حسنا و ما هي شروطك يا سيدة وعد !! أحب أن آخذ فكرة .... )
ظلت وعد تنظر اليه بصمت طويلا ... ثم تكلمت أخيرا بهدوء
( أتعرف معنى أن تبدأ بتحقيق شيء للمرة الأولى في حياتك ؟؟ ..... أن يكون لك كيان خاص و هدف تسعى لتحقيقه بعد أن كنت فاشلا طوال عمرك لأن ظروفك لم تسمح بالأفضل ......
هل تتخيل معنى أن تعمل أي شيء و كل شيء ... باستثناء ما يناسب مؤهلك ....
هل يمكنك أن تتدرك مدى الإهانات و سحق الكرامة لفتاة مثلي عملت بكل وظيفة دونية ممكنة !!
هل تعرف معنى أن تكون على أبواب تحقيق الذات بعد أن ذقت الذل و الشقاء أشكالا و ألوانا ... من الأغراب و حتى من أقرب الناس اليك ؟!! ........
هل يمكنك أن تتخيل احساسي الآن و أنا أتقدم بسرعة لم أعرفها من قبل ... لأنني أفعل ما أحب .. و بامكانيات متوفرة .....
أتستطيع أن تدرك مدى احتياجي لأن أصبح ......... )
صمتت قليلا و هي تنظر اليه .... بينما كان يبادلها النظر بملامح جامدة , بينما عيناه كانتا أعمق و هو يسمع كل كلمة حارقة تتفوه بها ... و حين سكتت , قال يحثها بهدوء
( تابعي ..... لأن تصبحي ماذا ؟؟ ........ )
نظرت اليه طويلا ثم قالت بقوة
( لأن اصبح انسانة ..... انسانة محترمة , ناجحة و ذات كيان ........ )
صمتت للحظة ثم أغمضت عينيها و هي تلوح بيديها هامسة بحرارةٍ و قوة من قلبها
( هل يمكنك فقط أن تتخيل مقدار نهمي لهذا الشعور ؟؟ ........ )
قال سيف بهدوء
(أولم تكوني انسانة محترمة و ذات كيان و أنتِ زوجتي ؟؟ ...... )
فتحت عينيها ببطىء تنظر اليه , ثم هزت رأسها بالنفي بدون تردد .... و قالت بكل قوة
( لا ..... لأنه لم يكن زواجا متكافئا , .... لقد تزوجتك لأنني احتجت الى مساعدتك ...... )
لم تتغير ملامحه .... فقط عينه اليمنى رمشت و كأنها طرفت بشيء أوجعه ... لكنه قال بصوتٍ عميق
( أنتِ تكررين هذه العبارة كثيرا حتى باتت ظاهرة صحية تطمئنني عليكِ .....)
صمت للحظة , ثم قال بهدوء جليدي
( تابعي ...... أنتِ لم تذكري شروطك بعد ......... )
بللت وعد شفتيها قليلا ... ثم قالت بهدوء
( أن أكمل طريقي دون أن تعترضني ...... أن أكون مستقلة عنك ماديا و عمليا .... أن يكون تحقيق هدفي هو الأساس .... بداية عملي ستكون شاقة للغاية , أكثر حتى من عملي السابق .... سأصمم و أنفذ ما أصممه بنفسي .... بالإضافة الى السفر للخارج عدة مرات بالعام ..... سأكون معظم ساعات يومي خارج البيت ... سيكون عملي هو كل حياتي خلال الفترة المقبلة .... )
صمتت قليلا ثم نظرت الى عينيه لتقول بهدوء
( لن أستطيع الإنجاب حتى فترة طويلة مقبلة ..... هذا إن سمحت صحتي بالإنجاب من الأساس .... هل يمكنك أن تتحمل كل هذا ؟!! ....... هل يمكنك أن تكون مجرد ضيف في حياتي ؟!!! ...... )
صمتت و نظرت اليه ..... و تلاقت أعينهما طويلا ..... ثم قال أخيرا بصوته الرجولي العميق
( اخبريني أنكِ تحبيني .......... )
بهتت و أجفلت و هي تسمع طلبه البسيط ..... ففغرت شفتيها قليلا , ثم لم تلبث أن ضحكت بعصبية و هي تقول
( ماذا ؟!! ............. )
رد سيف وهو يشير بيده قائلا ببساطة
( قولي أحبك ...... ما مدى صعوبة ذلك ؟؟ ....... )
نظرت بعيدا و هي تضحك بسخرية عصبية ... ثم عضت على شفتها بقوة ... لتعود و تنظر اليه بقوة و قالت بهدوء
( سيف ...... أنا ...... صدقني .... أنا لست بمثل هذا السوء , لكن الحب .... و تلك المشاعر التي تتناقلها القصص و الروايات هي بالنسبة لي مجرد رفاهية .... لم أعرفها من قبل ....أنا حتى لا أتذكر أن كنت مراهقة يوما .... )
ظل ينظر اليها بكل بساطة وهدوء .... ثم قال
( لا أطلب منكِ سوى الكلمة ...... فقط انطقيها , قولي " أحبك يا سيف " ... )
عادت لتضحك بعصبية ... ثم عقدت حاجبيها و هي تقول بحدة
( توقف يا سيف .......... )
هز رأسه نفيا وهو يقول
( لا ليست تلك هي الجملة ..... قولي " احبك يا سيف " )
زفرت بقوة و هي تنظر بعيدا ... ثم عادت تنظر اليه لتقول بخفوت هامس ... ناعم و رقيق
( سأكون صادقة معك اذن ..... أنا ... سأكون سعيدة إن وافقت على البقاء معي بشروطي ..... فعلى الرغم من كل ما كان بيننا من قبل ... الا أنك تشعرني بالسعادة في كثير من الأحيان .... أنت تشعرني بأنني .... )
صمتت قليلا ... ثم همست
( بأنني أمرأة ...... جدا ...... )
صمتت لحظة و هي تطرق برأسها هامسة بابتسامة جميلة ... و همست مجددا
( جدا ........... )
لم ترى ظل ابتسامة زينت شفتيه وهو ينظر الى وجهها المحنى .... تتناقض به القسوة مع الخجل .. أما العينين الشتويتين فتسرحان مع ذكريات لا يعرفها سواه ......
لكنه حين تكلم قال بهدوء
( ليس هذا هو طلبي ....... قولي أحبك يا سيف ..... )
رفعت وجهها اليه و قد ظهر التخلف على ملامحها و هي تنظر الى ملامح وجهه الهادئة ... ثم قالت بحدة
( أنه خطأي .... أن كنت صريحة و صادقة معك , أنت ككل الرجال ... يمكن التلاعب بكم بمجرد كلمة ... يمكنني تكرارها ليل نهار لنيل ما أريد .......كيف ستعرف أنني لا أكذب عليك ؟!! )
ابتسم وهو يقول
( ستكررينها كثيرا منذ تلك اللحظة ..... حتى ترف عينيك مع إحداها ...... )
نظرت اليه و كأنها تخاطب مسكينا عقليا , ثم قالت بعدم تصديق
( أنت مراهق ......... )
ضحك قليلا وهو يقول بصوتٍ عميق للغاية
( كل هذا جدال يا وعد ؟!!! .... ما مدى صعوبة النطق بعبارة بسيطة !! .... )
نهض من مكانه و جذبها من كفيها حتى وقفت أمامه .. فقال آمرا بهدوء
( قوليها .......... )
رفعت وجهها تنظر الى نقطةٍ خلف كتفه ... و هي تتنهد بقوة , ثم قالت بوجوم
( أحبك يا سيف ......... )
خرجت من شفتيها كقرص دواء وقف في الحلق مستعرضا رافضا البلع ......
ضحك قليلا وهو يقربها منه ثم قال بصوت أكثر خفوتا
( كرريها ........ )
تنهدت بقوة و هي تقول مجددا بجمود و غضب
( أحبك يا سيف ........ )
ضمها الى صدره وهو يلامس لفة شعرها في مؤخرة رأسها و عيناه تسرحان عليه هامسا
( كرريها ......... )
رفعت وجهها اليه و همست برقة تكاد تكون توسلا
( أرجوك لا تحرمني من حفل الإفتتاح ..... لقد تعبت من أجله كثيرا ...)
أخفض نظره اليها ينظر الى عينيها وهو يقول بجدية
( أظنني طلبت منكِ سماع جملة محددة !! ....... )
أجفلت قليلا ... ثم قالت تلقائيا و هي تنظر الى عينيه
( أحبك يا سيف ........ )
طالت بهما النظر الى أن رمشت بعينيها و هي تنظر خلف كتفه ....
حينها التقطها بقوةٍ و شفتاه تهاجمان كل مقاومةٍ لها .... كانت قوة تكاد تكون عنيفة لدرجة آلمتها .... لكنه كان عنفا مختلفا ....
عنف بقوة محمومة ....في مسمى سطحي كالقبلة .... مسمى لا يليق لذلك الإجتياح الهادر ....
نيرانٍ سائلة اندفعت في أوردتهما ... منه اليها .... و يديه تعتصرانها بقوةٍ و شفتيه تأخذان المبادرة بجنون ...
و مرت لحظات طويلة من جنون لا يمكن وصفه .....
الى أن شعرت بالدوار ..مما جعلها تشهق طالبة للتنفس .... و ما أن تركها أخيرا حتى تراجعت وهي تلهث ناظرة اليه بذهول حتى استندت بكفيها الى سطح الطاولة خلفها ....
و كان هو يلهث كذلك بعنف اكبر ... ناظرا اليها بعينين تشتعلان .. ثم قال أخيرا بصوته اللاهث
( إجابة على شروطك ....... لا يا وعد .... إجابتي هي لا .... لن أكون مجرد ضيف في حياتك , فأنا أستحق أفضل من ذلك ...... أستحق المجموعة كاملة .... بيت و أسرة وأطفال .... زوجة تكون في انتظاري و أكون أنا كل حياتها ..... لأنها ..... )
صمت وهو ينظر الي عينيها المذهولتين المتسعتين و تابع بغضب
( لأنها كل حياتي كذلك .......... )
ابتعد خطوتين وهو يقول غاضبا بصوتٍ مكبوت
( من الأفضل أن تبدأي بتحضير الغذاء من الآن .....و المباشرة بالتنظيف ... .. )
كانت في حالة من الذهول .... و الإنفعال , مما جعلها تصرخ دون تفكير
( و الا ماذا ؟!! ...... تضربني بحزامك مثلما فعل بك والدي !!! ....... )
استدار ينظر اليها بصمت ... فبهت وجهها بشدة و هي تلعن لسانها الشيطاني و روحها القاسية التي بدأت تقارب الفساد ..... لم تقصد أن تكون بمثل هذه القسوة ..... و التي تفوق قسوة تهديده لها بحزامه ليلة أمس ... لأنها ببساطة قهرت رجولته بعبارتها .... قهرا أسوأ من الضرب ......
حاولت أن تعتذر له , الا أنه أستدار غير راغبا في النظر الى وجهها في تلك اللحظة
ثم تركها و خرج ..... فجلست على اقرب كرسي لها بعد أن شعرت أن ساقيها غير قادرتين على حملها من بسترة المشاعر التي تتعرض لها منذ أن وطأت قدميها هذا المكان ....
.................................................. .................................................. ......................
خرج سيف بعنف الى الهواء الطلق عله يهدىء قليلا من النار المشتعلة بداخله ... فلو ترك نفسه بالداخل للحظة واحدة أخرى فسوف .....
ركل حصوة قريبة من قدمه بغضب وهو يهتف عاليا
( تبا لذلك ............. )
ثم أخرج علبة سجائره و التي عاد اليها مجددا بسببها .... الغبية المتحجرة .....
ووقف مواجها للهواء البارد .... ينفث دخان واحدة أشعلها بغضب قبل أن يدخل اليها مجددا و يشعلها هي بذات نفسها ....
لا يعتقد أنه خاض حربا أطول و لا أصعب من تلك التي يخوضها حاليا .... حتى أنه بدأ يتسائل إن كان الأمر يستحق كل هذا العناء !! ....
أخرج هاتفه من جيبه و طلب رقم والدته ... و التي ما أن ردت عليه متلهفة حتى قال بهدوء
( أشتقت اليكِ يا أمي ..... اشتقت اليكِ جدا )
ذهلت منيرة من صوته الملهوف عليها , فهتفت بحرارة
( و انا اشتقت اليك يا حبيبي ..... أكاد أجن بدونك يا سيف , لقد غبت عني كثيرا في الآونة الأخيرة يا حبيبي , هل هنت عليك يا سيف ؟!! ..... )
نظر سيف الى السماء الزرقاء البعيدة و الصافية .. بعد المطر ... ثم قال بصوتٍ عميق
( لقد جرحتك كثيرا ..... اليس كذلك ؟؟, حملت ذنب ألم والدي .... و موته .... )
صمتت منيرة بصدمة , ثم لم تلبث أن قالت بقلق حقيقي
( لماذا تقول ذلك يا سيف ؟؟ ...... ماذا بك يا حبيبي ؟؟ ....... )
تكلم سيف بصوتٍ خافت حزين
( لقد ظلمتك يا أمي .... و حاكمتك لسنواتٍ طويلة .... حتى في صمتى كنت أحاكمك , لكنني لم أفكر أنني قد أفعل مثلك لو كنت في مثل موقفك ..... لم أفكر بكِ من قبل .... )
صمت قليلا .... ثم تابع ضاحكا بحزن
( أمي .... أنا مشتاق اليك , و اشعر بالرغبة في قتل وعد و المجىء اليكِ للإرتماء بحضنك .... )
ضحكت منيرة بإختناق من بين دموعها الغزيرة .... ثم همست برقة
( لا يمكنك قتلها مهما فعلت ..... فأنت ابن أبيك و رجل لإمراءة واحدة ...... )
ضحك قليلا وهو يحك جبهته قائلا بصوتٍ أجش
( أشعر في تلك اللحظة أنها لا تستحق ........ )
قالت منيرة رغم بكائها مبتسمة
( تلك التي سرقت قلب ابني و نجحت في الاحتفاظ به رغم مرارة الماضي ... من المؤكد أنها تستحق , ربما فقط تحتاج لأن تمحو بعض الغبار من عليها .... و حينها قد تجد ضالتك .... )
رفع سيف وجهه عاليا ... ثم قال بخفوت
( و ماذا عن الغبار بداخلي أنا يا أمي ؟؟ ......... )
همست منيرة برقة
( لو ستؤذيها ..... فاتركها الآن يا سيف , كي لا تكره نفسك يا حبيبي .لكنني لا أظن ذلك ..... لقد أحببتها بالفعل , لذا تعلم فقط كيف تحبها بما تستحقه ...... )
ابتسم سيف .... كان يعلم أن صوت أمه هو الشيء الوحيد الذي سيمنعه من أذية وعد في تلك اللحظة ...
و قد نجح بالفعل .... قال سيف أخيرا بهدوء ,
( أمي ..... هل ورد بجوارك , أم أكلمها على هاتفها ؟؟ ...... )
ردت بهدوء و هي تمسح دموعها
( إنها هنا تتنصت على مكالمتنا كالعادة .... تنتظر خبر وضعك لوعد في الموقد .... )
ضحك سيف بخفوت وهو يقول بهدوء
( هاتها .... كي أكمل عليها ....... )
خلال دقيقة كان صوت ورد ينطلق كالرصاصة في منتصف رأسه ... و هي تقول بشراسة
( لا أصدق أنك تركتنا لتذهب الى زوجتك المبجلة .... الا ترى أننا افترقنا ... لقد أخذتك منا يا سيف ... )
قال سيف بهدوء يقاطعها
( اذن خذي منها أحدا بالمقابل ........ )
ظلت ورد تسمع قليلا و حاجباها يرتفعان بذهول حتى قاربا لأن يصلا الى مقدمة شعرها ثم لم تلبث أن هتفت بجنون
( من ملك تلك التي أحضرها الي بيتنا يا سيف !!! ..... الا تكفي المبجلة وعد حتى آتي أختها !!! .... انسى ... قسما الله !! ,.... انسى .... والله لو .... انسى ...... )
كان وجهها أحمر بغيظ ., الا أن سيف قال بهدوء ما أن سكتت و هي تحاول التقاط أنفاسها
( أرجوكِ يا ورد ...... لقد احتجزت وعد رغما عنها , و ليس من العدل أن أترك ملك وحدها كل هذا الوقت ..... ثم أنها ليسست ابنة عبد الحميد .... )
كانت ورد تلهث بغضب و جنون ... فقال سيف متملقا ببراءة
( هل يفيد لو أخبرتك أن وعد تعيش حاليا أسوأ أيام حياتها ؟؟ ...... أنا أذيقها مرار العلقم و أريها سواد الفحم ..... )
قالت ورد بقنوط
( حقا ؟!! ........... )
قال سيف بأمانة
( صدقيني .... يتبقى لها يومين فقط و يقف شعرها كالمصعوقين من شدة الغيظ و الجنون ..... )
تنهدت ورد بغضب ... فقال سيف بجدية
( ليس لها ذنب في كل ذلك يا ورد ..... اعتبريه فعل خير ..... )
قالت ورد بعد فترة طويلة من بين أسنانها
( حسنا ...... سأرى ........ )
قال سيف مؤكدا
( اليوم يا ورد .... اذهبي اليها اليوم و صري عليها .... لا تتركيها الا و هي في يدك ....... أرجوكِ يا ورد ..... أعرف أنكِ لن تخذليني ...... )
مطت شفتيها و هي تشير لأمها اشارة الذبح ... ثم ترفع اصبعها الى السماء تحتسب عند الله ....
ثم قات بفتور
( حسنا ...... حسنا ..... فقط إن وعدتني أن تعلق وعد من رموش عينيها ..... )
قال سيف بأمانة وهو يشر بكل الرغبة في ذلك
( سأفعل ما بوسعي .......... )
بعد أن أغلق هاتفه أخرج سجارة أخرى .... محاولا التخلص من كل طاقة سلبية أشعلتها بداخله , قبل الدخول اليها .... لقد آلمته هذه المرة ... و بشدة .... لكن منذ متى ادخرت وعد جهدا كي لا تؤلمه !! ....
عاد لينفث دخان سيجارته بقوة .......
سمع فجأة صوت رنين هاتفها .... في جيبه الآخر , فأخرجه ينظر اليه بصمت وهو ينفث دخان سيجارته .. ثم فتحه ليضعه على أذنه .... حينها سمع الصوت الرجولي الذي يعرفه جيدا يهتف بقوة
( أين أنتِ يا وعد ؟!! ....... لقد أثرتِ جنوني و أنا أحاول الإتصال بكِ ... بالله عليكِ لما كل هذا الذعر ... و لماذا هربتِ ؟؟ ..... ألهذه الدرجة كان عرض الزواج بي مرفوضا ؟!! .... )
.................................................. .................................................. ......................
دخل كريم المكتب خلف أكرم .... و أغلق الباب خلفه بصمت .... ليجده واقفا ينظر من النافذة يويله ظهره ...
و ما أن تقدم عدة خطوات حتى قال أكرم دون مقدمات .... بصوتٍ خافت لكنه خطير ...
( هل تدرك ..... مدى جنون ما ارتكبته !! ...... )
رفع كريم وجهه ليقول بخفوت و أسى
( أعطني فرصة لأشرح لك يا أبي ....... )
الا أن أكرم كان قد استدار اليه بعنف و قد بان الشر على ملامحه وهو يصرخ و قد فقد السيطرة على شياطينه
( هل أصابك مس من الجنون كي ترتكب ما فعلته !!! ....... لقد حذرتك .... حذرتك من الماضي !! ... اتدرك خطورة تلك الفضيحة لو انتشرت !!! ..... )
اقترب كريم منه بسرعةٍ وهو يقول متوسلا
( اسمعني يا أبي أرجوك ...... دعني أتزوجها .... و تدخل بيتنا ... و تكون واحدة منا , هي لا تريد سوى ذلك ..... صدقني ..... لا مصلحة لها في ضرري .... )
صرخ أكرم بوحشية
( لماذا أرضى بلي ذراعي ..... بسبب نزواتك ؟!!! ... )
هتف كريم بعذاب
( إنها ليست نزوة ..... إنها المخلوقة الوحيدة التي عشقتها من كل قلبي , لا أستطيع العيش بدونها .... )
لمعت عينا أكرم بشراسة .... ثم لم يلبث أن قال مشددا على كل حرف
( اذن اذهب اليها و لا تعد الى هنا ....... )
اتسعت عينا كريم بارتياع وهو يقول
( لا ..... لا يا أبي .... أنت لا تقصد ذلك .... )
ظل أكرم ينظر اليه بنظراتٍ باردة ... لا تحمل أثرا للأبوة .... فقال كريم متوسلا
( دعها تصبح زوجتي ..... أرجوك ...... )
ظلت نظرات أكرم باردة كالجليد ... ثم قال أخيرا
( قبل أن أصدر أي أمر ....... يجب التخلص من ذلك الجنين ..... و الورقة التي تحمل اسم شادي عبد الله , بعدها قد أفكر في الأمر ..... )
اتسعت عينا كريم بذهول و صدمة .... و همس باختناق
( لكن يا أبي , ارجوك ........ ليس الجنين ..... )
قال أكرم بلهجةٍ لا تقبل الجدل
( هل تريدها أم تريد ذلك الجنين الذي لم تدب به الروح بعد ؟؟ ...... اختار و الآن ..... )
صمت كريم قليلا ... و العالم يدور من حوله , بماضيه و مستقبله ..... ثم لم يلبث أن قال بصوتٍ ميت
( هي ...... اختارها هي ........ )
.................................................. .................................................. ......................
وصل رائف الى البيت ... و لأول مرة يشعر بالنفور من الدخول اليه .....
هذا البيت لم يعد بيه بعد الآن ..... اصبح يبغضه , و سيرحل منه ما أن ينهي موضوع كريم .... و..... ملك ....
تنهد بوجوم قاتل وهو يدخل القصر بتثاقل .... حينها وجد كريم خارجا من مكتب أكرم بكتفين منحنيتين ... ووجه شاحب .... فشعر بالقلق ,من النتائج التي قرأها على وجهه المتهدل ...
أسرع رائف اليه و ما أن وصل له حتى جذبه من ذراعه بعنف ورماه الى أقرب جدار .... ليمسك بعنقه بقبضةٍ واحدة ... جعلت عينا كريم تتسعان باختناق وهو يقول مذهولا
( ما الأمر يا خالي ؟!!! ........ )
همس رائف من بين اسنانه و هو يشعر بأنه يود لو يسحق عظامه كلها لخسته و دنائته
( لا تنطق كلمة خالي تلك مجددا أيها القذر ..... )
اتسعت عينا كريم أكثر .. و حاول التلوي لضرب رائف , الا أن رائف كان أسرع منه , ففعل ما تمناه منذ ساعة .... رفع ركبته ليضربه في معدته ...... ثم ترك عنقه ....
سقط كريم متأوها وهو يمسك بمعدته بكلتا ذراعيه ... بينما كان رائف ينظر اليه بغضبٍ و هياج عنيف ....
لكنه تنهد أخيرا .... و انحنى اليه ليساعده في الوقوف ... ثم أمسك بذقنه يرفع وجهه اليه ... و ربت على وجنته بقوةٍ وهو يقول بلهجة الأمر و المساندة رغما عنه
( ستتزوجها ...... أيا كان ما أمرك به والدك , فسوف تتزوجها ..... رسميا و عند مأذون حقيقي أيها القذر ..... و سيولد الطفل و وهو يحمل اسمك .... اتفهمني .... )
رفع كريم وجهه الباهت ينظر الى ملامح رائف المتوحشة الغاضبة ..... بتخاذل واضح , فشعر رائف بالقلق و أدرك أنه قد يتسبب في أذية ملك لو لجأ الى العنف معه ... لذا قال بعنف مكبوت بعد فترة طويلة , رغم التقزز الذي يشعربه من السؤال
( اسمع ...... أتحبها ؟؟ ........ )
نظر كريم الى رائف بعينين ميتتين كالسمك ..... ثم قال بحزن
( بل أعشقها ..... إنها مليكتي .... ملكي أنا وحدي ..... )
شعر رائف بقبضة جليديةٍ تضرب منتصف صدره برفض غير مبرر ..... و كأنه .....
ابتلع ريقه ليقول بصرامةٍ و جفاء
( اذن لا تكن أكثر نذالة معها ..... فهي لم تعد .... مجرد حبيبتك , بل هي أم طفلك كذلك ....)
تركه رائف بعنف ... و كأن ملمسه سيدنسه . ثم تابع بازدراء
( كن رجلا ...... و الا والله أنا من سيقف للحصول على حق تلك الصغيرة التي انتهكتها أيها القذر )
ابتعد رائف مستديرا عنه ببطىء ..... ثم قال بجفاء و احتقار دون أن ينظر اليه
( أمامك حتى الغد كي تعلمني بقرارك ..... و الا أنا من سيتصرف ..... )
ثم ابتعد سريعا .... وهو يشعر بالقبضة الجليدية تزداد ضغطا على صدره ..........
.................................................. .................................................. ......................
جالسة بجواره في سيارته الفارهة السوداء بأكملها ... نظرت بمنتهى البرود الى يده التي لامست ركبتها برفق ... فرفعت وجهها اليه و هي تقول بثبات مغري
( علوان ........ سر جمالي , أنني لا أقبل اللمس الا بعد الزواج )
و بمنتهى الهدوء مدت يدها تبعد يده التي تطاولت الى فخذها .... فنظر اليها بصدرٍ لاهث ....
وقال بخفوت متنهد في سكون الليل المحيط بهما
( آآآآه يا شيراز ..... كم ساعة متبقية !! ..... )
ابتسمت ببرود و هي تنظر أمامها هامسة تتلاعب بخصلة ملتفة بعناية حول أذنها
( لقد انتظرت كثيرا يا علوان أشهد لك بذلك ..... و أنت تنظر الى رحيلي كل ليلة مع زوجي , منتظرا أن تكون مكانه .... قدرة فائقة تثير الإعجاب .... )
مد يده يتلمس ذقنها حتى أدار وجهها الجميل اليه ... ثم همس بصوتٍ جائع خافت
( تستحقين الإنتظار ...... الوغد نال منك الكثير , حتى ازداد تورده يوما بعد يوما و بات كالثور .... )
ضحكت بخفوت على الرغم من نوبة القرف التي أثارها كلامه بداخلها ... و بهدوء مدت يدها تسحب كفه بعيدا عن ذقنها ..... لتنظر من نافذتها التي تساقط عليها المطر الأسود الليلى في أنها قصيرة ....شديدة البرودة ...... و أظلمت عينيها و هي تهمس بداخلها
" ولت أيام البحر ونسيم الشروق ........ "
دخلت تتأبط ذراعه ... فاستدارت اليهما كل الرؤوس بفضول ...
فهما طبعا مشروع الإقتران الجديد في نفس المجموعة التي تعرفهم فردا فردا ..... فقد كانت زوجة احدهم ذات يوم ... و بمعنى أصح كانت زوجة أكثرهم قذارة و اختلالا ...
هي دائرة عفنة تدور دون توقف .... ليست الوحيدة بينهم التي تم طلاقها من أحدهم لتتزوج الآخر ...
و بمنتهى الروح الرياضية يحضر الجميع في الحفل التالي ... و يسلم الطليق على الزوج الجديد متمنيا له السعادة ....
كانت دائرة قذرة لمتعة سادية .... مشروعة ظاهريا ... و الزوجات بها هن مجرد بضاعة أثرية ... كلما استهلكت زاد ثمنها ... على حسبِ علو مقام المالك السابق ... و المالك التالي .....
نظرت بطرفِ عينيها الى شريكها الجديد و الذي ستتزوج منه خلال أيامٍ لم تحددها بعد ...
فهي حتى الآن تماطله و تتركه يتحرق على نارٍ هادئة .... بصوتها المغري الذي تتفنن في استخدامه كل ليلةٍ لساعات طويلة ... على الهاتف ليلا و هي تتحدث معه بدلالٍ مثير ... و تسمع منه كلاما قذر يحب أن يتفوه به بصوتٍ خافت ... و هي تسمعه مجبرة , و مقاومة شعورها بالنفور ...
تقسم بداخلها أنها ستنال منه كل تعويض ممكن على انتقامه الخسيس ....
هل كانت غبية حين ظنت بأن علوان سيقبل بأن يوضع على الرف الى أن تنتهي من مغامرتها العاطفية الساذجة !! ....
لقد كان يراقب كل حركةٍ لها ... و يستمتع من بعيد وهو يسمح لها بحرية اللهو من خلف ظهره قليلا ... الى أن ضرب ضربته أخيرا و نجح في اصطيادها .....
و الآن اللعبة تشوقه أكثر .... بصوتها الهامس كل ليلة حتى الصباح , كطالب مراهق لا يملك سوى الخيال عنها حتى ترضى عنه .....
لذا قررت أنه لا حاجة للمزيد من تعذيبه ... يكفيه هذا فلتتزوجه و تنتهي من تلك القصة البغيضة ... حاملة معها ربح العمر ....
على الأقل ستكون ممتنة له مدى العمر أنه علمها الدرس الأصعب .... أنه لا وجود للحب الا في القصص و الحكايات ...
انها المتعة الخالصة و ما يستلزمها من مصالح متبادلة ... و هي ما ينمقها الجميع في اسم الحب المزيف ....
أما هي ...... فقد مات قلبها ... و ترك مكانه جثة باردة .... تراقب الجميع بابتسامة خاوية , تثير من غرائزهم .....
الليلة هي الحفل الأخير الذي سيحضرانه قبل أن يكونا زوج و زوجة ....
و بات الجميع يعلمون الخبر الآن , لذا حرصت على أن تتأنق بأروع صورها ..... فارتدت فستان أسود ناعم , يتطاير فوق فخذيها ... مكشوف الظهر , مظهرا جمال تشريحه الدقيق مع كل حركةٍ و كل عضلة هشة رقيقة ....
ساقاها الجميلتان لفتت نظر الجميع بلا استثناء .... كانت تجمع بين الأنوثة و الطفولة بشكل فطري غريب .,
خاصة مع شعرها الأشقر المجموع خلف عنقها بأناقة ... تاركة بعض الخصلات الملتفة بعناية ... تتأرجح على جانبي وجهها ....
عيناها الخضراوان مكحلتان بمهارة ... بنظرةٍ ميتة , تتحدى أشد الرجال أن يحيها لتهبه ما يتمنى ....
شفتاها المكتنزتان حمراوان بلون الدم .... و كأن الأحمر قد خلق ليزينهما دون غيرهما ....
جلست على الكرسي الذي أزاحه علوان لها واضعة ساقا فوق أخرى ... بينما الجميع ينظرون اليه بحسد على تلك الصغيرة التي تزداد بهاءا مع زيادة الصرف عليها ....
الطلاق قد يكون اتهام في المجتمع كله ..... الا في هذا المجتمع تحديدا ... مجتمع يقوم على التبادل , و المرأة التي اقترنت بأكبر عدد من الأسماء الكبرى , يزداد ثمنها ....
كانت تنظر للجميع باستعلاء ...... باحتقار .... تراقب ازدراء البعض .. و نهم البعض الآخر وهو يتمنى النيل من طفولتها ....
ثم حانت منها نظرة الى علوان الذي بدأ على الفور في حديث تجاري مع شخصية من أكبر الشخصيات ....
بهت تعاليها قليلا وهي تراقب ملامحه و حركات يديه جيدا ....
و أظلمت عيناها قليلا و هي تتسائل
" ترى .... هل يكون بنفس سادية رابح و ميوله المختلة !! .... "
ظلت تراقبه و هي ترتشف من كأس العصير الموضوع أمامها .... هي شخصيا لا تظن ذلك , لكن من يعلم ... ربما كان يخبىء تحت الواجهة الراقية نفسا مختلة تشبه ما خبرته من زوجها الأخير ....
لقد كان لديها بعض الطاقة و القوة لتحمل رابح ..... لكنها الآن فقدت تلك الطاقة , و لا حمل لها لتحمل المزيد من الذل و الألم و لو دفع لها كنوز العالم .....
انبعث صوت لحن شرقي حزين من الفرقة العازفة بآخر القاعة .... فتمايلت رأسها مع اللحن و هي تتعرف تلك الأغنية جيدا .... و شردت عيناها معها بعيدا , بينما ابتسمت شفتيها الحمراوين السخيتين ....
ثم و بتجاهل شديد لمن يجالسونها .... أنزلت ساقها و اتجهت بخيلاء تحت أنظار علوان الذي كان يراقبها دون أن يتوقف عن كلامه ... الى أن وصلت للفرقة العازفة , فابتسمت لعازف الكمان و ابتسم لها ....
فانحنت اليه و همست في أذنه مبتسمة ... فسحرته ابتسامتها , و سرعان ما ناولها مكبر الصوت و بدأ اللحن عزفه من جديد ... فتقدمت بكعبيها الرفيعين الى المنتصف و بدأت في التمايل بخصرها على اللحن و هي تغني تلك الكلمات التي لطالما كانت صعبة على مستواها ... لكن من كثرة سماعها لها أتقنتها بتمايل ساحر
لما بدا يتثنى.. حِبِي جَمَالُه فَتنّا
أمرٌ ما بلحظة أسرنا
غُصنٌ ثنا حينَ مِال
وعدِي ويا حِيرَتي
مَن لِي رَحيمُ شَكوَتِي.. فِى الحُبِ مِن لَوعَتِي
الا مَالِكُ الجَمَالِ
أنت تقرأ
بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Randomوأقف أمامك بأعين متضرعة الأرنو اليك بنظرة تلتقطها عيناك من فورها توقف فقط توقف وخذ عينيك بعيدا نظراتك تقتلني وأيامي تضنيني والأمل بعيد بعينيك بحر متلاطم الأسرار ...