50

3.3K 86 3
                                    

الفصل الخمسين :
كانت تعلم أنها تبدو غريبة المنظر و هي تعبر طرقات المشفى بثوبها الذهبي المتطاير خلفها كستار شعرها ..
ترتدي سترة قطنية سوداء قصيرة فوق الفستان ....
تبحث يمينا و يسارا الى أن وجدتها جالسة أرضا في أحد الزوايا بآخر الممر...
توقفت وعد مكانها بصدمة و هي ترى ملك جالسة أرضا ... تضم ركبتيها الى صدرها و هي ترتجف بشدة
عيناها متسعتان بذهول لا ترى أمامها ...
لعدة لحظات بقت وعد متسمرة مكانها و كأن ساقيها قد فقدتا القدرة على تنفيذ أوامر عقلها بالتحرك الى ملك ..
لكنها أستجمعت كل قواها الى أن تحركت اليها ببطىء أولا ... ثم أخذت تسرع خطاها و التي تحولت الى ركض حتى وصلت اليها ... فسقطت بجوارها أرضا و الفستان يتطاير من حولهما معا ليضمهما في هالة ذهبية ....
ضمتها الى صدرها و هي تغمض عينيها غير قادرة على الكلام .... بينما استكانت ملك اليها بنفس العينين المتسعتين .. و صدمت وعد بالرجفة التي تعبر جسدها و تجعلها تنتفض من شدة قوتها ....
همست وعد بصوت حازم .. خافت .. و هي تربت على وجنة ملك بقوة
( ملك .... ملك .... أجيبيني ..... )
لم ترد عليها ... بل زادت من انكماشها و ضم ساقيها الى صدرها بقوة ... فأعادت وعد بصرامة أكبر
( ملك ...... ملك ..... أجيبيني ..... لا تفقدي قوتك الآن , أمامك يوم عصيب )
للحظات بدت ملك و كأنها لم تسمعها .... لكنها بعد لحظة رمشت بعينيها المتسعتين .... ثم همست دون أن تنظر الى وعد
( يوم عصيب ؟!! ....... هل حقا مات ؟!! ..... لقد مات شادي !! ..... )
تنهدت وعد و ابتلعت غصة في حلقها ... ثم قالت بخفوت
( نعم لقد مات يا ملك ..... لقد تأكدت من الإستعلامات بالطابق الأرضي ....... اجمدي أرجوك و انهضي معي ..... )
نظرت ملك الى وعد بذهول و صدمة ... ثم قالت بصوت يرتجف
( نعم .... نعم ..... هذا ما أخبروني به أنا أيضا في الهاتف و طلبوا مني الحضور !! ...... لقد مات حقا ... )
ضمتها وعد بقوة اكبر و هي تشعر بأنها على وشكِ أن تنتكس و تصل الى تلك الحالة التي مرت بها و هي طفلة صغيرة ....
لكن شفتي ملك لم تلبثا أن ارتجفتا بشدة و هي تنشج بصوت مختنق
( ياللهي لقد مات حقا !! ............ لم أظن أن هذا قد يحدث بالفعل !! .... لقد تمنيت موته ذات يوم لكنني لم أظن أن يتحقق رجائي بتلك السرعة !! ....... )
قالت وعد بصرامة و هي تشد على كتفيها تهزها قليلا
( ليس لك أي ذنب بموته ...... كان حادث دفاع عن النفس ...... و أنتِ لا دخل لكِ ...... )
نظرت ملك الى عيني وعد القاسيتين ..... ثم همست بارتجاف و عدم تركيز
( رائف ..... أخبروني أنني لن أستطيع أن أراه !! ...... لماذا لا أستطيع رؤيته ؟!! ..... لماذا!!!!!!! ؟؟؟ ........ )
زمت وعد شفتيها و هي تنظر حولها .. قبل أن تقول بتوتر ووجه شاحب
( لا علم لي بأي شيء حاليا ..... المهم أن تنهضي و تقفي على قدميك ..... فمن المؤكد أن اليوم سيكون طويلا جدا .....)
أمسكت بوجهها بين كفيها و نظرت في عينيها المتسعتين و قالت بحزم
( و في نهايته يمكنك الراحة ......... لن يمسك شيء بعد الآن .... )
ارتجفت شفتي ملك و تشوشت الرؤية أمام عينيها .... بينما رفعت أصابعها الى شفتيها المرتجفتين و هي تهمس بعدم تصديق
( لقد مات شادي !! ...... لقد كان صديقي !! ..... كان صديق العمر ..... )
ظلت وعد تنظر اليها طويلا ... و هي تدلك ذراعيها .... ثم قالت بخفوت و هي تهز رأسها
( لا .... ليس هو يا ملك .... صديقك مات وهو طفل ..... أما من مات اليوم فهو الرجل الذي خذلك ......)
أخذت ملك ترتجف بشدة و هي تنظر الى عيني وعد الحازمتين .... و مر وقت طويل , ....
قبل أن تومىء برأسها بسرعة و عدم تركيز ... ثم لم تلبث أن قالت بخفوت
( أريد الوقوف يا وعد ....... ساعديني أرجوكِ ...... )
ساعدتها وعد كي تنهض بينما تشعر بارتجافها واضحا ... الى أن استقرت على قدميها الرخوتين .. ثم سكنت تستجمع قواها عدة لحظات قبل أن تقول و هي تلتفت الى وعد
( أنا أحتاج لرؤية رائف الآن يا وعد .... إنه لا يزال مصابا و يحتاج للراحة ... ماذا يريدون منه ؟!! ..... و لماذا لا أستطيع أن أراه ؟!! ...... )
أمسكت وعد بيدها و هي تقول
( على الأغلب أنهم قد طلبوه مجددا .... فمن المؤكد أن سير التحقيق قد تغير بعد الوفاة .... و تحولت الى قضية كبيرة ..... )
فغرت ملك شفتيها المرتجفتين قليلا ... و هي تهز رأسها بينما الصدمة تشل أطرافها
" وفاة !! ....... وفاة !! .......... شادي مات بالفعل ..... "
أخذت ترمش بعينيها و هي تتراجع الى أن استندت بظهرها الى الجدار من خلفها غير قادرة على الوقوف ...
فأطرقت بوجهها و هي تغمض عينيها ..... و يدها على فمها .... تحاول جاهدة البكاء , لكنها لا تستطيع ... و كأنها فاقدة السيطرة على كل أعضائها .... تراقب نفسها من الخارج , غير قادرة على ذرف الدموع ....
كانت تنتفض بنحيب بلا دموع ..... نحيب صدمة يشل أطرافها ... و يجعلها كانسانة تلفظ أنفاسها الأخيرة ...
بقت وعد بجوارها ... ممسكة بذارعها .... تشد على يدها , ثم قالت بعد فترة طويلة بحزم
( ملك يجب أن تتماسكي الآن ........ لأنهم سيطلبونك للتحقيق مجددا .... بعد أن تحول الأمر الى جناية ... لا تنسي أن رائف اعترف بضربه سابقا ..... )
تسمرت ملك مكانها ... و تشنجت كل أوصالها و هي ترفع وجهها الساحب المتورم العينين و الشفتين الى وعد ... تحدق بها و كأنها لا تسمعها ... بينما بداخلها نشب خوف آخر و قد بدأت تستعيد وعيها الضائع تدريجيا ....
ثم لم تلبث أن همست و هي تحدق في البعيد ..
( لكن رائف ليس هو من .................. ياللهي !!!!!! .... )
.................................................. .................................................. .................

بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن