الفصل الرابع و الخمسين :( افتحي الباب .............. )
رافقت ضربة قوية من قبضته المتصلبة على الباب .. صوته الذي زلزل جنبات الغرفة ...منذ ما يقرب من الساعة و هي في الحمام الذي فرت اليه ... بجنونٍ زادها سرعة كالغزال المرتعب ما أن حصلت على النتيجة ..... محكمة غلق الباب خلفها خوفا من بطشه ...
وهو من جانبه لم يحاول منعها أو حتى الإمساك بها ... غير واثقا في درجة سيطرته على نفسه في تلك اللحظة ... فقد بدا كالمجرمين و السفاحين فقط من نظرة عينيه الحمراوين , على الرغم من تصلب جسده و قبضتيه العنيفتين المغلقتين بشدة الى جانبيه ... لذلك جزءا منه كان ممتنا لإختفائها من أمامه في تلك اللحظة ..
و من وقتها وهو يدور الغرفة كأسدٍ حبيس هائج الروح و الكيان ... متصلب الجسد و العضلات حد الألم ...
كان يشعر بالعالم يدور من حوله في دوائر مجنونةٍ صاخبة ... ذات صراخٍ عالٍ مؤذي ....
و ما أن بدأت أنفاسه تهدأ قليلا من ثورتها العارمة ... حتى استدار ينظر بنظراتٍ سوداء الى الباب المغلق منذ أكثر من ساعة دون أي صوت ....حينها اتجه اليه ببطىء و ضربه ضربة قوية .. هادرا بها أن تفتح ... الا ان الصمت لم يكون هو الرد الحكيم المناسب الذي يود سماعه في تلك اللحظة ...
خليط غريب من الغضب و الشعور بالإستفزاز بداخله امتزج ب ....... رعب مفاجىء !! ....
هل جعلها خوفها منه تؤذي نفسها !! .....
ربما لم يكن ليخاف على أي مرأة مثلها.. أمرأة تسعى لمصلحتها الخاصة و بيع نفسها ...
لكن بشرى مختلفة !! .... بشرى تعيش كي تؤذي نفسها ....
لذا لم يفكر مرتين وهو يضرب الباب مرة اخرى بقوةٍ أكبر بدت مخيفة في رجتها .... هادرا بعنف و توتر
( بشرى .... افتحي الباب حالا ...)
أقترب بوجهه من خشب الباب يرهف السمع .. عله يسمع صوت بكائها على الأقل فيرتاح , الا أن الصمت زاد من خوفه ... فضرب الباب صارخا
( افتحي الباب ............. )
ساد الصمت مجددا عدة لحظات ... قبل أن يسمع بالكاد صوتها المتراخي المرتعش من خلف الحاجز بينهما و هي تنتحب هاتفة بضعف
( لن أفتح .......... )
أغمض عينيه للحظة وهو يتنفس بعمق ... مريحا جبهته على السطح الأملس البارد .... و صدره يلهث قليلا بشعورٍ غريب ....
لكنه لم يستغرق أكثر من لحظتين .. قبل أن يرفع وجهه و قال بصوتٍ قصف بقوة
( افتحي الباب أو سأكسره ..... و حينها لن تعجبك ردة فعلي .... )
اقترب أكثر من الباب بوجهه ... فاستطاع سماع صوت نحيبٍ خافت , جعله يغمض عينيه مجددا ... ثم نادى بغضب
( بشرى ....... افتحي الباب ... )
صمتت للحظة قبل ان تهتف باختناق بائس
( لن أفتح لتقتلني .......... )
زم شفتيه بشعورٍ عارم من غضبٍ أسود و خوفٍ مجهول .. فقال بقوةٍ ترج الجسد
( وإن لم تفتحي فسأقتلك أيضا .... لكن بطريقةٍ أكثر ألما .... )
اقترب وجهه من الباب مجددا حين سمع شهقة نحيب خافتة ... ابتلع غصة متحشرجة بحلقه ... ثم هدر قائلا
( الا تمتلكين الشجاعة لتقفين أمامي .... )
هتفت من بين شهقاتها المختنقة بكل وضوح و ايجاز
( لا ........... )
صرخ و قد أعماه الغضب طارقا الباب بعنف
( افتحي الباب يا بشرى ..... و كوني قدر تحمل مسؤولية أفعالك التي لا تنظف أبدا .... )
هنا أصبح صوت نحيبها عاليا كالعويل .. و هي تصرخ
( لن أفتح ........ )
حينها لم يتمالك نفسه وهو يتراجع خطوة للخلف , ثم رفع ساقه ليركل الباب بقدمه بكل قوته ضربة لم يتحملها قفلٍ بسيط غير مصمما للغلق بإحكام أصلا ... فخلع من مكانه و انفتح الباب بقوة ...
أحيانا لا يستطيع السيطرة على الغضب حين يتمكن منه ... و كل من يعرفه يدرك أنه ليس من الحكمة الإقتراب منه في تلك الحالة ... و كان عليها أن تدرك ذلك ...
شهقت بشرى بقوة و تراجعت متسعة العينين و هي تراه يقف لاهثا في اطار الباب ... ضخم للغاية ...
يعتبر أضخم رجل رأته في حياتها ... شبابا و قوة ... و غضبه لا يرحم ...
كلما نظرت اليه شعرت بالرهبة من ذلك النبض المحيط به ... و الذي يختلف كليا عن القوة المتراخية المحيطة بكل من عرفتهم قبله من رجال ...
وقف مكانه ينظر اليها و قبضتاه الى جانبيه مشتدتان حتى ابيضت مفاصل أصابعه ...
و لعدة لحظات لم يستطع التقدم أكثر وهو يراها جالسة أرضا ... ترفع ركبتيها الى صدرها و قد أغرق وجهها بالدموع .. بينما انتفخت عيناها المتسعتان المحمرتان وهي تنظر اليه بهلع ...
كان البؤس يحيط بها بكل أشكاله ... و هي جالسة أرضا متجمعة حول نفسها حتى بدا حجمها كحجم مراهقة صغيرة ... بينما عيناها القططية متسعة و متورمة و مرتعبة !!
تبا لذلك ...... إنها لا تدعي الرعب منه ... أنها فعلا مذعورة ....
لقد كان قاسيا عديم الرحمة معها من قبل .... لكن ما فعله لا يقارن بالقذر الذي كانت متزوجة منه قبله ... و الذي أذاقها من فنون الذل و الألم بحجة المتعة المتبادلة ... بينما المتعة المريضة كانت تخصه وحده ...
أما هي فلم تتمتع سوى بايذاء نفسها ... بل و تتلذذ بذلك .... فلماذا تشعر بالذعر منه الآن ؟!!....
بداخله بركان لا يهدأ و لا يرحم .....
بينما جسده يحاول الرضوخ لأوامر عقله بالسيطرة ... بمنتهى الصعوبة ...
كانت هي أول من تكلم ... هذا ان كان عويلها يسمى كلاما .. فقد انتحبت هاتفة و هي تتراجع ملتصقة بحوض الإستحمام
( لم أكذب عليك ......لا تضربني .. )
ظل واقفا مكانه ينظر اليها بصمت ..نظرة جعلتها تتراجع مجددا دون أن تجد مكانا تتراجع اليه أكثر ... بينما هي تنتحب بصوتٍ خافت ... الى أن قال وليد أخيرا بصوت غريب دون أن يتحرك من مكانه
( كنت أعلم أن عدم ثقتي بكِ حتى الآن له سبب وجيه ..... الخداع يسري بدمك يا بشرى و هذا ما لن تستطيعين التخلص منه أبدا ....)
هتفت بقوة و هي تشهق باكية
( أقسم بالله أنني لم .........)
قاطعها بصوتٍ جمدها ...
( لا تقسمي هنا ..............)
نظرت حولها بعينين متورمتين يائستين .... الا انها كانت تعلم أنه لن يصدق قسمها في كل الأحوال , فنظرت اليه بصوت و الدموع لا تنضب من عينيها .... بينما حالتها الصحية كانت في أسوأ مراحلها ....
فأفخفضت وجهها لتدفنه بين ركبتيها و اهتزت كتفاها بنحيبٍ صامت مختنق ....
التوى فك وليد قليلا وهو يراقبها ... ثم قال أخيرا بلا تعبير... سوى نبرةٍ قاسية جليدية
( تعالي لترتاحي .......)
لكنها لم تتحرك من مكانها ... بل ظلت مطرقة و هي تبكي , الى أن قالت بصوتٍ مختنق
( لا أظن أنك تهتم براحتي .... بل أظنك تتمنى موتي ... )
قال وليد بجفاء جليدي ...
( لن أنكر ذلك .... و الآن تعالي ... )
شهقت شهقة كبيرة باكية بسبب كلامه ... و ظلت تدفن وجهها بين ركبتيها و هي تتشبث بهما بذراعيها , فشعر بالندم للحظة من هول ما نطق به للتو ..
لا ... هو لم يتمنى موتها يوما .... هذا ليس صحيحا ...
زفر بقوةٍ كبيرة مثقلة بالهموم و الحمم البركانية الموجعة ... قبل أن يتجه اليها و في لحظةٍ كان ينحني اليها , ليحملها بين ذراعيه , ثم نهض واقفا بها رغم مقاومتها المرهقة الواهية ... و التي سرعان ما انتهت بأن أحاطت عنقه بذراعيها و هي تدفن وجهها بعنقه باكية بخفوت ...
فخرج بها من الحمام ... الى الغرفة , ثم انحنى ليضعها على السرير , لكنها لم تفك ذراعيها من حول عنقه و كأنها تترجاه ... لكنه رفع يديه ليبعد بهما ذراعيها بفظاظة قليلا ... قبل ان يستقيم و يبتعد عنها ... عائدا الى النافذة من جديد ... ينظر الى البحر الأسود أمامه ...
بينما هي تنظر اليه بحزن و أسى ....
كانت مدمرة نفسيا بكل معنى الكلمة ... فمع صدمتها بخبر الحمل و ذعرها مما قد يفعله بها ... كانت تشعر بالخزي من تصرفه معها منذ قليل , ... كانت تود الموت وهو يذيقها الهوان بتلك الطريقة ...
ليس الآن .... ليس بعد كل ما عاشته معه , يعود ليذيقها ذلا جديدا ... لقد أهانها و حقر منها بأسوأ الطرق ...
و ها هي الآن لا تجرؤ على النطق اعتراضا ...
قال وليد اخيرا بصوتٍ غريب جعلها تنتفض مكانها
( ماذا سنفعل الآن ؟؟ ....... )
سرت رعدة باردة كالجليد على امتداد عمودها الفقري ... و هي تنظر اليه بهلع , ثم همست باختناق متوسل
( لم أخدعك أقسم لك ..... لقد نطقت بالحقيقة , أنا لم أتخيل أن أحمل ... و لم ....... )
صمتت فجأة و هي تطرق برأسها تبتلع ريقها باختناق ..
فعقد وليد حاجبيه وهو يستدير اليها ببطىء ... ناظرا الى ملامحها البائسة قليلا ... ثم قال بصوتٍ خطير خافت .. متصلب
( لماذا توقفتِ ؟ ..... تابعي ..... )
لم ترفع وجهها اليه ... و لم ترد .... فصرخ وليد بقوةٍ وهو يضرب الحائط بقبضته بكل عنف
( تكلمي أو أنتزع الكلام من حلقك الكاذب هذا ..... )
انتفضت مكانها قفزا و هي تطبق جفنيها برعب ... بينما شفتيها ترتجفان بشدة ...
ظل مكانه ينظر اليها وهو على وشكِ قتلها بالفعل ... بينما تمكنت هي بمعجزةٍ ما .. من النطق بصعوبةٍ من بين نحيبها المختنق ...
( حملت مرة واحدة ..... من قبل ... )
تسمر وليد مكانه و عيناه تتسعان بذهول ... بينما ارتجفت شفتاه قليلا , قبل أن يعقد حاجبيه مذهولا ... مصدوما ... و كل ما استطاع الهمس به هو كلمة واحدة
( لا ....... لا تقولي ...... )
ابتلعت بشرى غصة بحلقها و هي تبكي بشدة .. ثم همست باختناق
( كنت صغيرة ....... كنت في الثامنة عشر .... )
شحب وجهه حتى بات رماديا .. ميت الملامح ... وحدها عيناه كانت تلتهب بلهيب غضبٍ أسود حالك مشتعل ...
فقال بصوتٍ ميت لا يعرف الرحمة ..
( ابن حرام !! ...... مثلك .... )
انتفضت مجددا ... لكن هذه المرة رافعة رأسها تنظر اليه بعينين حمراوين تقدحانِ بشرر كرهٍ قديم ... و فغرت شفتيها ببطىء .. بينما عيناه تتابعان شفتيها تتشكلان مرة تلو الأخرى و هي تحاول اخراج اللفظ القذر الذي تريده ...
أخذت شفتيها تحاولان الصراخ بأقذر ما تمتلكه ذاكرتها .. لكن شيئا ما أعاق اللفظ في حلقها ..
تحاول و تحاول ... و عيناها تصرخان بالحقد و الكره له ... و كأن عفريت الكراهية قد تلبسها رغما عنها و حول عينيها الى تلك النظرات المشتعلة بالشر ..
و ما أن يئست من المحاولة ... أقفلت شفتيها ببطىء و هي تتابع النظر اليه ... وطال النظر بينهما جدا الى أن قالت أخيرا بصوتٍ ميت ..
( لم أرتكب الحرام أبدا ....... )
و دون كلمة اخرى أبعدت وجهها عنه و نظرت أمامها بكبرياء .... و رقي !!! ...
على الرغم من جنون الموقف بأسره ... الا أنه ذهل من الرقي الذي تصرفت به ازاء نعته لها .... فجعلت منه كائنا دونيا قذر التصرف ... بينما بدت هي .... ياللعجب أكثر رقيا , حين امتنعت عن مواجهة لفظه بما هو أشد ....
و الأكثر غرابة أن أطرق برأسه خزيا أمامها !!! ......
هل تدرك أن كرهه لها قد ازداد ازاء موقفه الحالي ؟!! ....
لكنه قال بصوت آمر ... يريد الحقيقة الصادمة كلها دفعة واحدة .... على الرغم مما ستفعله به تلك الحقيقة , و كيف ستجعل منه أخرقا مهدر الرجولة هذه المرة
( طفل من كان ؟!! .......... )
لم ترد على الفور .. بل لعقت شفتيها بصمت و عيناها لا تبصران من غلالة الدموع المتجمعة أمام حدقتيها ... الى أن همست أخيرا باختناق
( طفل زوجي الأول .......... )
كان وليد يعض على فكه السفلي بقسوة ... وهو ينظر اليها غير قادرا على السماح ... و ما ان رآها صامتة حتى قال بصعوبةٍ
( لا تخبريني ان لكِ ابن و قد تخليتِ عنه منذ زمن !! ........ لن تصلي الى تلك الحقارة ابدا ...مستحيل .. )
انسابت الدموع المتجمعة من عينيها المتقرحتين على وجنتيها بصمت .. الى ان همست اخيرا بفتور ناظرة الى البعيد
( لقد .... أجهضته ........ )
انعقد حاجبي وليد بذهول .... وهو ينظر اليها , لا يعلم الى متى سيتحمل المزيد من الصدمات و الجرائم منها .. فقال بخفوت أجوف
( بهذه البساطة !! .......... )
ابتلعت ريقها و هي تلعق شفتيها مجددا ... ثم همست بخفوت ...
( تزوجت أول من عرفته .... و كان هذا أكبر انجازل لدي حينها , بعد أن نجحت في اجتياز سنوات مراهقتي و أنا لا أزال شريفة الجسد .... كان هذا في حد ذاته نجاح كبير و أنا أحارب وحدي ... معروف أنني بلا اسم أو عائلة .... لذا أعتبر صيدا سهلا لكل من يعرفني .... و ما أن بدأت أدرك امكانياتي حتى ... تمكنت من ايقاع اول زوج .... و كنت غير مصدقة للسهولة التي تم بها الأمر ... و أنني أخيرا سأكون مسؤولة من زوج و لي بيت محترم ... و لن يدوس أحد لي على طرف .... الا أنني عرفت فيما بعد أن تلك المهارة ما كانت الا منتهى الغباء و السذاجة ... فبعد ستة أشهر بالعدد و اليوم ... كان قد هجرني ... تاركا رسالة من سطرين , لا ازال أحتفظ بها حتى الآن .... و في ذلك الوقت , صدمت بمعرفة أنني حامل .... و أنا وحدي و لا يعلم أحد بأنني كنت متزوجة من الأساس ... لذا ذهبت اليه و افتعلت له الفضائح ... فما كان منه الا أن رضخ مؤقتا ... و اصطحبني الى الطبيب ليتأكد من الحمل .... لكن كل ما أعلمه هو أنني نمت و استيقظت .... و لم أجد الطفل .... كان قد اختفى ... )
صمتت قليلا و شفتاها ترتجفان بشدة ... و هي تعض عليهما بقوة و عنف ... ثم رفعت عينيها المتورمتين اليه و همست باختناق
( هكذا .... بمنتهى البساطة كما ذكرت ...... )
التوى فك وليد بصعوبة ... و ضاقت عيناه ألما ... بينما أطبقت شفتيها و هي تعض عليهما شاردة بعينيها الى البعيد ... ثم همست متابعة دون تركيز
( و كي أمنحك الفرصة حتى تحتقرني أكثر .... أخبرك أنني لم أفعل له شيئا .... بل تقبلت التعويض الذي عرضه .... و شعرت أنه أفضل حل , خاصة أن مستقبل هذا الطفل كان ليصبح مأساويا .... أنا وهو دون أي موارد أو مساعدة ..... لم أشعر وقتها أنني خسرت الكثير بصراحة ... )
نظرت اليه بصمت .... نظرة واحدة جعلتها تدرك كيف ينظر اليها الآن ... و كيف يشعر حيالها ....
و هذا ما آلمها بشدة ... لذا همست بخفوت
( لم أخبرك هذا من قبل كي لا تحتقرني أكثر ...... )
التوت شفتيه في ابتسامة مؤذية .... موجعة و متوجعة .... ثم لم يبلث أن ضحك ضحكة ساخرة مريرة و هو يقول
( و كيف تتخيلين شعوري نحوك الآن ؟!! ....... )
أغمضت عينيها بتعب فانسابت دمعتين أخرتين من تحت جفنيها المغمضين ... الا أن وليد لم يرحمها بل قال بقسوة
( و طالما أن الحمل بالنسبة لكِ صفقة خاسرة .... أي سوء حظٍ جعلك تغيري رأيك و تقرري الحمل مني ؟!! .... )
فتحت عينيها المتحرستين و هتفت بتعبٍ و لوعة
( لم اغير رأيي و لم أخدعك صدقني ..... أقسم لك , لم أتخيل للحظة ان أحمل .... حملي السابق مر عليه أكثر من تسع سنوات .... نسيت خلالها كل شيء عن هذا الأمر .... )
صرخ وليد بعنفٍ وهو يضرب الحائط مجددا بعنف
( اذن كيف حدث الحمل تبا لكِ ؟!!! ..... كيف تملكين القدرة على النظر الى عيني و خداعي ؟!! ... )
صمت قليلا يلهث ... ثم قال بصوتٍ مشدود كالوتر ... جاف و خافت و مصدوم
( اتدرين أنني وثقت بكِ دون أن أعي .... و ثقت بكلمتك لمرةٍ واحدةٍ و أخيرة ...... و ماذا كان نصيبي سوى الخذلان مجددا ... )
اسقط ذراعيه و هو يضرب فخذيه بكفيه يأسا .... ينظر اليها و هي تبكي بصمت ...
ثم قال بصوتٍ باهت ميت
( الآن أخبريني ماذا سنفعل ؟!! ........ )
اخذت تلعق شفتيها كالقطط البائسة ... و عيناها لا تجفان للحظة ثم همست بصوتٍ خافت شاحب
( اتصور ما تشعر به الآن .... طالما أنك لم تقرر ولو للحظةٍ واحدة بأنك ستبقيني زوجتك ... )
ضحك بسخرية قاسية وهو يدور في الغرفة هائجا ... مظلم الملامح ثم قال
( و هل تلومينني ؟!! ....... )
عضت على شفتها السفلى بألم و هي شاردة بعيدا ... ثم همست اخيرا
( لا ...... لا ألومك ..... )
عاد ليضحك بسخريةٍ دون اي مرح وهو يستمر في دورانه
( ها ...... أرحتني بهذا ...... )
ظلت بشرى تنظر اليه قليلا بصمت بعيد .. بعيد جدا ... ثم قالت أخيرا بصوتٍ لا معالم له
( سأجهضه ....... )
توقف الزمن فجأة ... و تسمر وليد مكانه وهو ينظر اليها غير مستوعبا لما نطقت به للتو ... و كانت تبادله النظر بنظراتٍ فارغة كشخص ميت .. الى أن قال أخيرا بخفوت
( ماذا قلتِ للتو ؟!! ...... )
بادلته النظر لعدة لحظات قبل أن تهمس بخفوت
( سأجهضه ..... هذا السبيل الوحيد كي أثبت لك أنني لا أخدعك ..... )
ظل ينظر اليها طويلا بصمت الى أن قال أخيرا
( كي تثبتين لي بأنك لم تخدعينني ... تقتلين طفلك ؟!! ....)
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تنظر اليه بنظراتٍ فارغة قبل أن ترفع يديها في حركةٍ لا تكاد أن تكون ملحوظة من شدة اعيائها ثم همست بفتور تسقطهما على الغطاء
( أي مصير ينتظره ؟!! ..... و أي تربية أستطيع أن أمنحها له ؟!! ..... و ماذا عن نسبي المجهول ؟!! ... كلها ليست ميراثٍ يفخر به فيما بعد .....)
أومأ برأسه استهجانا وهو يقول
( هذا العذر مجددا ... اليس كذلك ؟!! ..... )
ابتلعت ريقها و هي تهمس ناظرة بعيدا عنه ..
( ربما كان بالنسبةٍ لك عذرا تافها ... الا أنك لا تعرف مدى صعوبة الحياة حين يكون المرء مجهول النسب ... مرفوضا من الجميع ....)
صرخ فجأة بقوة
( طفلي ليس مجهول النسب ..... أنا والده ....)
انتفضت تنظر اليه متسعة العينين ... بينما تسمر هو مكانه مصدوما من نفسه ...
ماذا يفعل ؟!!! .... كيف انقلبت الأدوار و بات هو من يقنعها بالحمل الآن ؟!!!!
استدار بعيدا عن مرآها وهو شاحب الوجه .... ماذا يفعل ؟!!! ... ماذا يفعل ؟!!! .... و ماذا فعلت به كلمة الإجهاض ؟!!! ....
لقد ادعى الصلابة وهو يسمع قصتها الحزينة..... و تظاهر بالإحتقار ... لكن و ما أن عادت و نطقت كلمة الإجهاض مقترنة بطفله هذه المرة .. شعر و كأن الأرض تميد به وهو يتخيل نفسه محل الحيوان الأول الذي تزوجت به .... يأمرها بالإجهاض ثم يهرب سريعا , متخلصا من كلِ أثرٍ لها !! ..
حين طال الصمت بينهما ... قالت بشرى اخيرا تخاطب ظهره الصلب بخفوت شديد .. متردد
( ماذا تريد اذن ؟!! .... أخبرني بما تريده و أنا سأنفذه ..... )
ماذا أريد ؟!! .... و هل اعرف ماذا أريد حقا ؟!! .... و حتى إن عرفته , فهل أقدر على السير في طريقه للنهاية ؟!!! ...
عاد الصمت مجددا .... الى ان قال أخيرا بصوتٍ جاف ... قاسٍ لا يرق و لا يلين
( لقد وضعتني في محلٍ لا اعرف معه حلا ...... )
همست بشرى بخفوت بائس
( وضعتك ؟!! ...... تجعلني أبدو كمن غررت بك !! .... )
لربما ضحك في وضعٍ آخر من كلامها الساذج ... الا ان عبارتها زادته غضبا .. منها و من نفسه قبلها ....
فقالت مجددا بفتور متألم ...
( لقد أخذت حذري دوما بطريقةٍ دائمة أكثر أمانا من الأقراص...... ماذا كان بإمكاني أن أفعل افضل من ذلك ؟!! ..... طريقة واحدة عرضت علي من قبل و رفضتها تماما , و هي أن أجعل نفسي عاقرا للأبد .... فهل تلومني على ذلك ؟!! ..... )
ابتلع غصة مؤلمة في حلقه وهو يغمض عينيه بأسى .... الا حدود لما تحتويه جعبتها ذات الصديد المتقرح ؟!! ...
فقال بصوتٍ باهت غريب
( لا داعي لأن أسألك من عرضها عليك ....... )
أطرقت برأسها و هي تقول بخفوت
( نعم ..... لا داعي حقا .......... )
الا أن وليد لم يصمت , بل قال بجفاء مشتد
( رابح ؟!! ........... )
أومأت شيراز برأسها دون صوت ... لكنها تذكرت بأنه لا يراها , لذت همست بخفوت
( نعم ............ )
فقال وليد بعد فترة يتابع تحقيقا قديما كان عليه أن يجريه معها من قبل ...
( من المؤكد أنه عرض عليكِ تعويضا سخيا يوازي تضحيتك ........ )
قالت بشرى بخفوت مقررة أمرا واقعا
( نعم ................)
قال وليد بقوة و نفاذ صبر يستنطقها
( اذن لماذا رفضتِ ؟!! ....... )
رفعت اليه وجها , شاحبا حزينا ... ضربه في مقتل بالعينين الخضراوين الميتتين , قبل أن تهمس بخفوت مستسلم
( كان ليوفر علينا الموقف الذي نعيشه الآن ..... اليس كذلك ؟!! ... )
انعقد حاجبيه قليلا بألم ...... و شعر بشيء يطبق على صدره فلم يجد ردا مناسبا لينطق به ... الا لو صرخ بها ان تخرس عما تنطق به ... و حينها سيعود لفضح تناقض مشاعره العنيف في تلك اللحظة ...
لكن بشرى هي من تابعت الكلام فقالت بخفوت غير واثق
( علمت أنه بهذه الطريقة ينتوى زواجا طويل الأمد .... و كان بيننا اتفاقا ..... لذا رفضت عرضه بإجراء عمليةٍ بسيطة تجعلني عاقرا .... )
شعر وليد أنه على وشك الإختناق , الا أنه تماسك و قال بصوتٍ متحشرج
( هل هذا هو السبب الوحيد لرفضك ؟!! ...... )
ظلت مطرقة الوجه ..... لا تملك الجرأة على رفع نظرها اليه ... ثم همست بعد فترة طويلة
( لا اعلم ... لم يكن هذا منطقيا , صحيح أنني لم أتخيل أن أكون أما يوما ما أطلاقا .... لكن بدا هذا .... انتهاكا لي .... كقطة يقومون باخصائها .... ليس عدلا ..... كان مجرد زواج مؤقت , و لماذا علي أن أفعل ذلك بنفسي !!.... )
أغمض عينيه وهو يشعر بالجدارن تطبق على صدره فجأة .... هدير فظيع اندلع بأعماقه و تعالى ضغطه حتى بدا كالمطارق في أذنيه ...
لم يعلم الى متى ظل واقفا مكانه مسمرا .... مغمض العينين يجد صعوبةٍ في التنفس حتى بصورةٍ طبيعية ...
الى أن سمع صوت حفيف الأغطية الخافت ... مرافقا لصوت تأوهها ففتح عينيه ليجدها تندس مستلقية قليلا على بطنها و هي تغمض عينيها ألما ...
عقد حاجبيه بألم ... ثم اقترب منها ببطىء الى أن وقف بجوار السرير ... لكنها لم تشعر به و هي تهمس بعذاب
( أنا أتألم ...... أحتاج المسكن أرجوك .... أين ذهب الطبيب ؟!! .... )
ابتلع وليد الغصة في حلقه وهو ينظر اليها غير قادرا على اشاحة نظره عنها .. الى أن قال أخيرا بجفاء خافت و كأنه صوت صدى من بعيد ...
( أنسيت أنكِ حامل بهذه السرعة ؟!! ..... لا يمكنك أخذ أي مسكنات ... )
فغرت شفتيها على الوسادة الباردة ... و تأوهت أكثر و هي تبكي بخفوت و نعاس شديد
( وليد أرجوك أنا أتألم .... أفعل شيئا ..... لا تعاقبني الآن ... انتظر صباحا أرجوك ... )
شعر بأنفاسه تتحشرج في صدره ... لدرجة أن رفع يده الى صدره يمسد هذا الألم المقبض ... ثم قال أخيرا بخفوت
( ليس بإمكاني فعل شيء الآن ....... )
أطبقت جفنيها بشدة و بكت بصمت حتى ارتج جسدها كله ... بينما رفع وليد كفيه الى شعره بيأس .... وهو ينظر حوله كوحشِ محتجزٍ في زنزانة ... ثم تحرك الى الهاتف الداخلي و سرعان ما طلب الطبيب أن يأتيه مجددا .... حالا ..... بينما عيناه لا تفارقان المها ...
.................................................. .................................................. ...................
كان يجلس على أحد مقاعد الغرفة مائلا الى الأمام ... مستندا الى ركبتيه بذراعيه وهو ينظر اليها بعينين تحترقان وجعا ... وصوت تأوهات ألمها يمزقه ...
بينما الطبيب يخرج المسكن ليقول
( هذا المسكن خفيف .... لن يضر الحمل , لكن مفعوله بسيط .... لذا يمكنك ان تدلك لها هذا الاحمرار بهذا الدهان ... سيهدىء من الوجع قليلا .... )
انتهى من حقنها بالمسكن , فصرخت الما مما جعل وليد يشيح بوجه شاعرا بنصل المحقن قد غرز في جسده بعنف خنجرٍ حاد ...
حيث ان جسدها كان مقشعرا ... حساسا .. يرتج و كأنها محمومة ... و لم تكن قادرة على تحمل اي الم ضعيف ...
ضاقت عيناه وهو يراها لا تزال نائمة على بطنها بينما شعرها يغطى وجهها تماما ... و يخفي عينيها عنه ...
تكلم الطبيب أخيرا وهو يقول
( الآن سترتاح قليلا .... لكن علينا التكلم في الأهم .... )
انتبه وليد وهو يرفع رأسه اليه قائلا بقلق
( ما هو الأهم ؟!! ......... )
رد عليه الطبيب
( لم يكن من المفترض أن يحدث حمل الآن و في تلك الحالة .... لكن أغلب الوقت تظهر أعراض هذا المرض بحدوث الحمل , لذا ليس في وسعنا فعل شيء الآن سوى توخى الحذر في كل خطوة مقبلة ... سيكون عليها أن تخضع لرعاية قوية هي و جنينها خلال الاشهر المقبلة ... و بالرعاية سيمر الأمر على خير ان شاء الله ... المهم أنها الآن عليها بالراحة , و الا تتعرض للشمس ... )
قال وليد بخفوت متوتر
( اذن علينا ان نعود ...... فالمكان هنا مشمس بدرجةٍ لن تتحملها .. )
قال الطبيب بهدوء
( لن تتحمل الطريق عودة ... لقد ارهقت تماما خلال المجيء ... )
قال وليد بحزم
( سنعود جوا ......... )
رد عليه الطبيب قائلا
(رأيي أن تمنحها يومين فقط على الأقل كي تسترد قوتها قليلا , على الا تخرج من الغرفة الى الشمس ... ثم بعدها تعود حيث تبدا في الخضوع للعلاج المكثف الذي ستتلقاه ... كما أن عليها ازالة وسيلة منع الحمل فور عودتكما .... هذا أيضا مضر بها و بالجنين ..... )
قال وليد بخفوت
( كنت أظن أنها من المستحيل أن تحمل بها ...... )
رد الطبيب قائلا
( لا وسيلة منع حمل مضمونة بنسبة نهائية ... دائما هناك احتمال طرد الجسم لها ... كما أن زوجتك كما علمت منها لم تخضع لأي فحص منذ وقت طويل .... المهم عليكما الإسراع بمتابعة الأمر دون تهاون .... )
نظر وليد الى بشرى بصمت ... و قد كانت لا تزال تتأوه , الا أن صوتها خفت قليلا من شدة التعب ...
حينها نهض الطبيب قائلا
( سأغادر الآن .... و يمكنك الإتصال بي في أي وقت , حاول فقط أن تجعلها تنام قدر المستطاع ... كي لا تشعر بالألم .... )
أومأ وليد بصمت ... دون أن يجد القدرة على الكلام فغادر الطبيب تاركا اياه ينظر اليها بصمت كئيب طويل
كان من المفترض الآن ان تكون في اسعد لحظات حياتها ... فقد كانت سعادتها تبدو كألوان قوس قزح حين بدآ الرحلة ... لا أن تكون منكبة على بطنها و هي تبكي من شدة الألم , بينما هو يفكر في الصدمة التي تلقياها منذ قليل ....
بشرى ستكون أم طفله !!! .... ماذا فعل بنفسه حين استسلم لنزوة ادخالها حياته ... كان عليه أن يدرك أن اللعب بها خطرا ... و عواقبه وخيمة ...
و هل هناك عواقب أفظع من أن تكون أم طفله لها ماضٍ كالذي عاشته بشرى ؟!!! ...
أما الأفظع .... فأنها هي و الجنين قد يتضررا من مرضها ....
تحشرج نفسه عند هذه النقطة فاندفع واقفا وهو غير قادرا على التعامل مع هذا التناقض الذي قد يقضي عليه ... لذا أوصد رأسه من التفكير حاليا وهو يتناول انبوب الدهان ... ثم جلس بجوارها بحرص شديد و بحذر أخذ يخفض الفستان عن ظهرها فتأوهت فجأة بشدة ... مما جعل يده تتسمر مكانها ... لكن حين هدأت قليلا .. تابع انزال الفستان ... حتى بانت له تلك البقعة مجددا و قد بدت أكثر احمرارا و تشققا ...
وضع بعض الدهان على يده ثم بدأ في تدليك ظهرها برفق ...
كان صوت تأوهها يمزقه ... و يجعل أنفاسه كسكين يقطع صدره مع كل تأوه ....
رفع ساقيه وهو يستلقي بجوارها ببطىء متابعا ما يفعل .. بينما عيناه المتألمتان تراقبانها بصمت ... و حين شعر أنه غير قادر على تحمل تأوهاتها أكثر ... فتكلم بخفوت كي يشغلها عن الإحساس بالوجع
( بشرى ..... أنتِ لم تأكلي شيئا منذ الصباح ... و قد طلبت لكِ الطعام هنا في الغرفة ... )
همست ببكاء خافت اعتادت عليه اذنه
( لا أستطيع ..... أنا أتألم بشدة ..... )
انعقد حاجبيه اكثر .. و تابع تدليك ظهرها برفق أكبر .. بينما اقترب منها الى ان احتضن خصرها بذراعه الأخرى المنسلة تحت بطنها ...
تأوهت اكثر الا أنه همس لها بخفوت
( لا بأس ..... الآن سترتاحين , حاولي أغماض عينيكِ ... )
اغمضت عينيها بالفعل لكنها استمرت في البكاء .. مما جعله يمسح يده في منديل ثم تخلل شعرها بأصابعه يمشطه لها برفق كي يساعدها على النوم ... حتى انه أخذ يدعو الله أن تنجح في النوم كي ترتاح من الألم قليلا ..
و ساد الصمت بينهما لفترة طويلة ... حتى ظن انها نامت .... فتنفس الصعداء قليلا ... لكن ظنه قد خاب حين سمع صوتها يهمس فجأة ...
( تلك الليلة .... بعد ان عدت .... لقد بكيت كثيرا ... كثيرا جدا لدرجة الصراخ ... )
اقترب منها قليلا حتى لامست شفتاه شعرها وهو يهمس بقلق
( أي ليلة ؟!!! ........ )
همست بصوت متحشرج مختنق بالكاد يسع
( ليلة اجهضت طفلي ....... )
و دون أن تستطيع أن تمنع نفسها عادت للبكاء من جديد و هي تدفن وجهها في الوسادة هامسة بصوت مختنق
( لم أظن أنني قد أبكي على هذا الأمر مجددا بعد كل تلك السنوات ..... ظننت أنني نسيته .. )
أغمض عينيه وهو يدفن وجهه في شعرها بينما التفت ساقه فوق ساقها و شدد من ضمها الى صدره بكل قوته .. و على الرغم من أنها تأوهت مجددا ... الا أنه همس لها بخفوت متحشرج كصوتها تماما
( نامي ..... أرجوكِ نامي .... )
.................................................. .................................................. ...................
وقفت مكانها و امامها عربة التسوق في القسم الخاص بمستحضرات البشرة و الأغراض النسائية ..
ينتابها ملل كئيب و هي تنظر للمرة العاشرة بين علبة كريم لإزالة الشعر و بين علبة أخرى من الشمع ...
تضاهي بين هذه و تلك في يديها بملل و دون أي هدف ...
بينما كان ذهنها شاردا تماما ... الى أن سمعت صوتا رجوليا متسليا من خلفها يقول بنبرته الرخيمة
( قد يكون الشمع أفضل ... الا أنه مؤلم ... )
شهقت ورد بقوة و هي تنتفض مكانها بذعر .. تعيد العلبتين مكانهما بقوةٍ مما جعل المزيد من عشرات العلب تتساقط أرضا ... فوقفت تنظر اليه بعجز وهو يقف خلفها مبتسما ببساطة و يديه في جيبي بنطاله ...
رفعت يدها الى صدرها اللاهث قليلا , لمدة لحظة واحدة ... ثم لم تلبث شرارات الغضب أن برقت بعينيها كالنمور و هي تهتف ملوحة بأحد العلب
( ماذا تفعل هنا ؟!! ..... كيف تجرؤ على المجيء الى هنا ؟!! .... هل أنت منعدم الحياء تماما ؟!! ... )
ارتفع حاجبي يوسف وهو ينظر مليا الى أرجاء المتجر الكبير .. ثم أعاد نظره اليها وهو يقول بارتياب
( هل يلقون القبض على من يدخل المتاجر العامة ؟!! ...... آخر مرة استعلمت بها , كان الدخول اليه مباحا ... )
لوحت بالعلبة هاتفة بحنق
( قصدت ال ....... )
الا أنها صمتت و هي تلحظ العلبة التي لا تزال بيدها ... فاحمر وجهها بشدة و سارعت تعيدها مكانها , ثم استدارت اليه منتفخة الصدر عالية الذقن .... مشتعلة العينين و هي تصرخ
( قصدت قسم مستحضرات النساء ........... )
عاد لينظر حوله ... يمينا و يسارا وهو يقول متظاهرا بالبحث
( لم أرى أي علامة تشير الى انه قسم نسائي ..... أنظري ها هو معجون أسنان ... و آخر للحلاقة , لذا و بناء عليه أستطيع أن أخبرك بكل قلب شجاع ... )
صمت للحظة و هو ينظر الى عينيها المرهقتين ... ثم فرد ذراعه مشيرا بسبابته قائلا بثقة
( أخرجي من قسمنا ........... )
مطت ورد شفتيها بسماجة و هي تقول
( لست طريفا بالمناسبة ......... )
ثم تركته متعمدة و هي تجر عربتها بعيدا عنه ... لكنه أسرع ليلحق بها وهو يقول متعجبا
( لطالما رأتني النساء طريفا ...... )
قالت ورد و هي تتجاهله عمدا متوجهة الى قسم آخر ...
( هذا يدل على ذوقك المتدني في الإختيار ....... )
كان يلحق بها واضعا كفيه في جيبي بنطاله وهو يقول عابسا مدعيا الجرح
( لاحظي أنك آخر اختياراتي ...... فأنتِ خطيبتي .... )
مطت ورد شفتيها بامتعاض و هي تقول بلهجةٍ باردة
( الازلت مصدقا لتلك الكذبة ؟! .......... )
عقد حاجبيه وهو يقول مستائا
( كيف تقولين عليها كذبة ؟! ..... أمك تعد لحفل الخطبة من الآن .... و بالمناسبة , لا تخضعي لإختيار اللون البرتقالي في فستان الخطبة ... فأنا لا أطيقه .... )
توقفت و استدارت اليه مدعية الخيبة و الذهول هاتفة بنفسٍ مكسورة
( ياللهي !!! .... و أنا التي كنت أمني نفسي بأن اراك في ربطة عنق برتقالية تناسب فستاني ... لقد كسرت بخاطري حقا .... )
ثم لم تلبث أن رمت ملامح البراءة عنها و هي تشتم بخفوت متابعة سيرها بعيدا عنه ... فلحق بها قائلا بخشونة
( لماذا لا تبصقين علي أيضا ؟!!... بما يناسب انطباعك الحالي عني ؟!! .... )
قالت ببرود
( تربيتي لا تسمح لي بذلك ....... )
قال يوسف مستاءا
( أنتِ فعلا قليلة الأدب ......... )
توقفت و هي تنظر اليه بشراراتٍ تكاد أن تحرق المكان من حولهما ثم قالت بثورة ... حاولت جاهدة ان تخفض صوتها معها
( هذه رابع مرة ....... مما يعني أنك أنت من تخطى الوقاحة ووصل الى مرحلة قلة الأدب )
عبس يوسف وهو يقول
( لا تشتمي زوج المستقبل يا فتاة .... ماذا ستقول والدتك عن ذلك لو أخبرتها ؟!! ... )
زمت ورد شفتيها و هي تتخيله فعلا يخبر والدتها بما لا يعجبه من الفاظها ... على الارجح ان والدتها قد تصاب بنوبةٍ قلبية ... خوفا على زيجة المستقبل و التي لن يستطيعا تعويضها أبدا أو إيجاد عريس مثله !!
عريسا مثله !! ....
رغما عنها طالت عيناها ترمقه بصمت ... كان يبدو متفجر الرجولة صباحا ... بقميصه الأبيض و بنطاله الرمادي ... بينما شعره حالك السواد ... تتخلله بعض الشعرات البيضاء ..
لكن الأغلب منه أسود كجناح الغراب ..براق بشدة ...
و مما زاد من رجولته تلك النظارة بسيطة الإطار التي يضعها أحيانا فوق أنفه .. مما تجعل منه شخصا مميزا ببساطة ...
لاحظت فجأة أنها قد أطالت النظر اليه وهي واقفة مكانها ... و ما أن رفعت عينيها الى عينيه ... حتى وجدته ينظر اليها صامتا ... مبتسما بتسلية و تشفي وهو يقف مدركا لتأملها له .. فاغرة الشفتين قليلا بشرود مستاء ..
عندئذ احمر وجهها بشدة ... و انقبضت اصابعها على ذراع العربة و سارعت لتبتعد عنه مرتبكة .. بينما شعر بالقليل من تأنيب الضمير لإحراجها بتلك الصورة ...
لكن شيئا ما بداخله كان يستلذ استفزازها بشدة ... شيئ يجعله حي و يتنفس .... و هذا هو ما كان يحتاجه اليوم خصيصا ,..... بعد زواج وعد .......
سار خلفها متسليا .... رغم عنه تطول عينيه بضعة مرات الى قامتها الهيفاء و هي تسير أمامه مستندة الى العربة ... و على الرغم من ملابسها البسيطة من قميص طويل الكمين ... و بنطالٍ فضفاض ...
الا انه اعترف في قرارة نفسه انها تمتلك قواما متناسقا دون لفت مبهرج للنظر .....
اسرع في خطاه للحظة وهو يوازيها في السير قائلا
( لما لا نبدأ الصباح مجددا بشكلٍ ألطف ؟!! .... صباح الخير وردات ... )
زفرت بصوتٍ مسموعٍ غير آبهٍ لمن التفت اليها , الا أنها نظرت اليه بغضب و هي تقول من بين اسنانها
( توقف عن مناداتي بذلك الأسم .... أشعر و كأنني غطاء منقوش من الزمن البائد .... أو مظلة شاطىء قديمة ...... )
لم يتمالك نفسه من الابتسام عريضا وهو يقول متخيلا
( مظلة برتقالية بورداتٍ حمراء ....... انها الصورة المثالية لك ... )
عادت ورد لتزفر بقوةٍ و هي تتابع سيرها قائلة بغضب
( أنت على ما يبدو تتمتع بفراغ كبير اليوم .... لذا اعذرني ... لا أملك المزيد من الوقت كي أضيعه معك .. )
مدت يدها تلتقط علبة نجوم تلتصق بالحائط ... ثم وضعتها بلا هدف في العربة ... تبعتها ببعض ملصقات الجدار ... فقال يوسف مهتما
( هذا يبدو واضحا ......... لما لا تأخذين صورة الدرفيل , انها تناسبك ..... )
قالت ورد غير متمالكة لنفسها
( لما لا آخذ صورة الدب سميك الإحساس .... فهو يناسبك أكثر و سيذكرني بك .... )
رفع يوسف حاجبيه وهو يقول
( و لماذا تأخذين ما يذكرك بي ؟!! ...... حين نعقد قراننا سأتمكن من دخول غرفتك بأريحية .... )
توقفت و هي تنظر اليه بوجهٍ أحمر بشدة ثم قالت بغضب
( هل تظن نفسط ظريفا الآن !!! ........ )
قال ببساطة وهو يواجهها النظر
( اعتقد ذلك ...... لكن خذي راحتك في ابداء رأيك عني ..... )
تأففت بصوتٍ واضح و هي تستدير مجددا مسرعة الى قسم المخبوزات ... وهو يسير خلفها ... تشعر بوجوده بقوة و مع ذلك تحاول جاهدة السيطرة على نفسها ... فالتقطتت أحد العلب تنظر الى الكتابة الدقيقة عليها ... لدرجة ان قربت عينيها منها عابسة ... فقال يوسف
( خذي نظارتي ...... على الأغلب أنتِ تعانين قصر النظر مثلي ... )
رفعت عينيها اليه وهي تجده يرفع نظارته من عينيه و يناولها لها .... فارتبكت قليلا و هي تشعر بشيء حميمي غريب , و أوشكت على الرفض ... الا ان الدافع بداخلها حثها على رفع يدها , و تناولها منه ..
فوضعتها على عينيها و أعادت القراءة ... فقال يوسف مهتما
( أفضل ؟!! ........ )
ارتبكت اكثر و هي تومىء برأسها دون رد ... ثم التقطتت علبة أخرى .... ثم قالت رغما عنها بقنوط دون أن ترفع عينيها اليه
( كيف عرفت مكاني بأي حال ؟!! ........... )
ابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول ببساطة
( مررت ببيتكم صباحا ..... فأخبرتني أمك أنك في المتجر القريب .... انها سيدة لطيفة جدا ... )
ابتسمت ورد بسخرية و هي تقول
( نعم ..... أراهن انها كذلك مع الزوج المستقبلي المغسول بالصابون ..... )
رفع يوسف حاجبيه وهو يقول مهتما
( ألم يكن خطيبك الأول مغسولا بالصابون كذلك ؟!! ........ )
مطت شفتيها بنفاذ صبر و هي تقول
( هذا تعبير لوصف شخص براق ......... )
اتسعت ابتسامته أكثر وهو يقول
( أترينني براقا وردات ؟!! .......... )
ارتبكت و تعثرت فسارع الى امساك مرفقها ... الا انها أبعدت ذراعها سريعا و هي تشعر بالحماقة اللامتناهية ... فقال يوسف بهدوء و جدية
( أعتقد ان خطيبك السابق لم يكن لطيفا معك ......... )
لم تنظر اليه .... بل قالت بعد فترة صمت و هي تتابع تفحص ما هو معروض
( لنقل أنه لم يكن مهتما بي من الأساس .... كان مهتما بسيف أكثر ... )
لم تحاول الشرح .. لكنه فهم بسهولة , فقال بعد فترة بهدوء
( هو أحمق اذن ..... فلقد أضاع من بين يديه شعلة ممتعة من المرح ......)
رفعت وجهها ببطىء دون أن تنظر اليه ... بينما كان هو واقفا خلفها ينظر اليها عاقدا حاجبيه ... شاردا قليلا , فلم ترى نظرته تلك ... و لم يرى نظرتها ...
تابعا سريهما بصمت ... الى أن مرا بشابتين صغرتين تتضاحكان بقوة وهما تنتقيان بعض الحلوى ... فأوقعت أحدهما بعضا منها .... بجوار قدمي يوسف , فانحنى تلقائيا يجمع من الأرض ما تناثر منها من حلوى ... ثم استقام ليفرغها في سلتها التي تحملها على ذراعها ... مبتسما بأناقة و لطف ....
حينها بدت الشابة و التي لم تتعدى سن المراهقة منذ وقت بعيد ... كمن شاهدت نجما سينيمائيا ... فتضاحكت هي و صديقتها خلسة ...
وحدها ورد هي من كانت تراقبهما بامتعاض ... بينما يوسف يقول لهما مبتسما برقة
( حافظي على حلواكِ يا حلوة ...... طاب صباحك .... )
و ما أن استدار عنهما ... حتى شادت ورد احداهما تتنهد بطريقة مسرحية ... بينما انفجرت الأخرى ضاحكة بوله ..
فانتظرت ورد الى أن أصبح بجوارها فقالت ببرود
( هل التقطت للحلوة الصغيرة حلواها ؟!! .........)
توقف مكانه ناظرا اليها بابتسامة عابسة متعجبة ... ثم قال مهتما
( هل تغارين ؟؟ ...... لان هذا ما شعرت به للتو !! .... )
نظرت اليه باستياء و هي تقول بجنون
( من يغار ؟؟ ..... على من ؟؟ .... و هل أعرفك أصلا ؟!! ..... أنت تعيش في مسرحية مسكينة تقوم بها بدور الممثل و المخرج .... )
ابتعدت عنه و هي تهز رأيها متمتمة بغضب
( شفاك الله ..........)
بينما كان ينظر الى ذيل حصانها المهتز مع اهتزاز رأسها مبتسما ابتسامة عريضة ....
كانت ورد قد وصلت الى ماكينة الدفع ... فأخرجت محفظتها بصمت .... الا أن قبضة رجولية أطبقت على يدها و حينها سمعت صوته يقول بخفوت رخيم
( الا ترين بأنك تهينينني بما تفعلين ؟؟!! .............)
ألجمتها الصدمة من ملمس يده على كفيها مما جعلها ترتجف بشدة ... حينها رفع عيناه الى عينيها فتسائلت بجنون إن كان قد شعر برجفتها ازاء لمسته ؟!!! ...
و أثناء اللحظة التي تسمرت بها مجفلة ... كان هو قد دفع ببطاقته ... ثم التقط الأكياس بيد واحدة و التفت ينظر اليها قائلا ببساطة
( ألن تأتين ؟!! ........... )
ثم خرج أمام عينيها الذاهلتين !! ....
انتفضت ورد من مكانها و هي تسرع الخطا خلفه ... الى أن اقتربت منه هاتفة بغضب
( أنت ....... أنت .... انتظر هنا ...... )
وقف يوسف مكانه ثم استدار ينظر اليها و الهواء البارد قليلا يداعب خصلات شعره السوداء الناعمة كما يطير ذيل حصانها ...
فقال بهدوء
( اسمي يوسف ..... من المؤكد انكِ تستطيعين مناداة خطيبك باسمه .... )
هتفت و هي تضرب الأرض بقدمها
( أنت لست خطيبي ...... و انت بالتأكيد لن تدفع لي ثمن المشتروات , ستأخذ ما دفعته حالا .... )
قال يوسف بهدوء
( لن يحدث .... و لو تكلمتِ في الأمر مجددا فسوف أضربك ..... )
تسمرت مكانها للحظة .. و اتسعت عيناها , فابتسم يوسف و قال برقة
( هذا أجمل منظر رأيته منذ وصلت الى هنا ...... إنها صورة للذكرى .... )
تداركت ورد نفسها و هي تزفر بقوة ... بينما قال يوسف متابعا
( تعالي لأقلك الى البيت .... هيا ....... )
هتفت ورد بقوة
( مستحيل ........... سأذهب وحدي )
الا أن يوسف لم يتحرك من مكانه وهو ينظر اليها ... ثم قال أخيرا بتصميم
( اسمعي ..... لم يتسنى لنا الحديث ليلة أمس .... فقد قاطعنا حوالي سبع أفراد خلال عشر دقائق ... )
صمتت ورد و هي تنظر اليه ....
نعم ... ليلة أمس حين أشار اليها بالخروج .. فلحقت به صامتة و شيء بها مجفل مرتبك ... لتجده يقف في الحديقة يقطع أوراق شجرة قريبة منه بشرود ...
حينها شعرت بكآبة غريبة و غير مفهومة ... و كأن منظره قد أحدث بها أثرا غير مرغوبا به ....
فوقفت تنظر اليه عدة لحظات قبل أن يستدير و ينظر اليها بصمت ....
نعم لقد قاطعهما حوالي سبع أو ثمان أشخاص فلم يستطيعا تبادل أي حوار .... الا أنها التقطتت الجملة الأولى منه بوضوح ... حين قال لها دون مقدمات
( تبدين جميلة للغاية ! ....... )
لا تدري كم استمر تحديقها به بعد هذه العبارة التي بدت صادقة مندهشة أكثر منها مجاملة .... لكن الأكيد أنهما لم يستطيعا تبادل كلمة واحدة بعدها ...
أفاقت ورد من شرودها فأبعدت خصلة شعر متطايرة على وجهها البارد ثم قالت بفتور
( ماذا تريد يا يوسف ..... و لماذا أنت هنا الآن ؟!! .... )
ظل ينظر اليها قليلا ... ثم قال ببساطة
( علينا التحدث في وقتٍ ما .... و أنتِ تتهربين حتى الآن , بالإضافة الى ...... )
صمت قليلا وهو ينظر اليها متأملا ... ثم قال بصوته الغريب
( انا أحتاج لرفقة أنثوية بشدة .... أفتقر اليها منذ مجيئي الى هنا .... و أظن بما أن الظروف قد جمعتنا معا , فأنت لن تبخلين علي بمثل هذه الرفقة .... )
صدمت ورد بشدة و هي تنظر اليه مجفلة ... ثم هتفت بقوة
( أنا لن أوفر لكِ رفقة انثوية ..........اسمع , لا حديث بيننا , عد من حيث أتيت و أنا سأتكفل بحل تلك الخطبة أمام أهلي ..... )
قال يوسف بهدوء لا يحمل رنين المرح
( فكرتك عني متدنية جدا ..........)
بادلها النظر قليلا بينما قال بخفوت
( رجاءا يا ورد ...... رافقيني قليلا ... سنتكلم وأعدك ان أعيدك ما ان تطلبي ... )
قالت ورد بصلابة على الرغم من أن جسدها ارتجف قليلا من نبرة صوته الناطقة باسمها ..
( ها أنا أطلب أن تعيدني ....... )
ابتسم ببطىء الى أن شملت ابتسامته وجهه كله قبل أن يقول بهدوء آمر
( حسنا اذن ....... تعالي الى سيارتي ... )
و دون أن ينتظر منها أي رد ... سبقها الى سيارته و فتح حقيبتها الخلفية ليضع بها الأكياس ... ثم نظر الى ورد التي كانت لا تزال واقفة مكانها فقال بصلف
( هيا تعالي ........ )
تحركت مترددة الى السيارة ... ثم فتحت الباب الأمامي و استقرت جالسة بحذر و هي لا تعرف ما هذا الذي تفعله ... بينما جلس يوسف مكانه و تحرك بالسيارة .....
ساد صمت قليل بينهما ... الى أن قرر هو أن يقطعه فقال ببساطة
( أين تحبين ان تتناولي فطورك ؟!! ........ )
ارتفع حاجبيها و ظهر شرر متوهج في عينيها و هي تقول بحدة متخاذلة قليلا
( ألم تسمع شيئا مما قلته لك ؟!! .... لن اكون رفيقة ... ما تسميها " أنثوية " ... )
ضحك بخفوت قبل أن يقول ببساطة
( تجعلين الأمر يبدو دنيئا ..... حسنا لنقل أنني أشتاق الى رفقة نسائية ... بكل احترام ... لكن اشتاق لموعد رقيق و أحاديث مطولة ..... )
قالت ورد بتشنج
( أشك في أن يكون هذا هو ما تحتاجه من صحبتك ال ... نسائية .... )
ارتفع حاجبيه وهو يختلس اليها نظرة براقة .. ثم لم يلبث أن ضحك بخفوت مثير وهو يقول
( حذاري يا ورداتي ... فأنتِ توحين الى معانٍ غير محتشمة ..... )
احمر وجهها بشدة و أبعدت وجهها عنه بسرعة تنظر من نافذتها و هي تلعن غباء لسانها المتسرع ... ماذا سيظن الآن .... او كيف سيتخيلها يائسة و هي تدعوه الى شيء غير محتشم في كلامها ... تبا لذلك ..
ظلت مسمرة في مكانها تشعر بالرغبة في فتح الباب و القفز من السيارة المسرعة ....
بينما كان هو ينظر اليها بين الحين و الآخر بخبث ... يعلم جيدا كيف استطاع احراجها ... و كان هذا يسليه بشدة و سادية محببة .....
قال أخيرا يرحمها من تشنج أعصابها الملحوظ ...
( الى أين تودين الذهاب ؟!! ...... )
نظرت اليه بيأس وهو لا يمل و لا يتعب ... فقالت بفتور زائف , مختلسة النظر اليه بطرف عينيه ..
( أنت تتعامل مع الأمر بشكلٍ جيد ...... أقصد عودة وعد الى سيف !! ... بالله عليك لقد حضرت زفافهما ليلة أمس !! ... و اليوم تريد الخروج و تناول الفطور ؟!! ..... )
ظل صامتا قليلا ... وهو يدور بالسيارة ... ثم قال أخيرا مبددا الصمت الثقيل
( لدي فكرة أفضل ...... )
اتسعت عينا ورد قليلا .... و هي غير متفهمة ما يقصده , لكن خلال دقائق كانا يقفان بالسيارة أمام البحر ...
نافذتيهما مفتوحتين و الهواء يداعب وجهيهما ...
بين يديها كوب ورقي من القهوة ... و على ركبتيها بعض من المخبوزات الساخنة ... بينما كان هو يرتشف قهوته الساخنة بقوة لا تفي بسخونتها متأملا البحر بابتسامة متزنة .. رزينة .... لكن رغما عنها شعرت بنفس الشيء الكئيب يلامس اعماقها ...
فقالت بخفوت مع صوت امواج البحر ..
( هل أحببتها على الإطلاق ؟!! ...... )
استدار ينظر اليها بصمت .... و دون ان تزول الإبتسامة عن وجهه قال بعد فترة طويلة
( نعم ..... يمكنك قول هذا بطريقة ما ...... )
شعرت بحجرٍ يجثم في أعماق معدتها و يثقلها .... فقالت بخفوت
( آسفة لأن خطتنا لم تنجح .......... )
ظل ينظر الي عينيها قليلا ثم قال بهدوء
( أكيد أنكِ آسفة لذلك ......... ألم تصفحي عنها بعد ؟!! .... )
تنهدت ورد و هي تنظر من نافذتها قائلة
( لم ترتكب في حقي شيء كي أسامحها ..... جينات والدها هي من تجعلني ارفضها , لكن في النهاية أنا أحب سيف ... و أريد رؤيته سعيدا ..... كنت أظنها نزوة بحياته و سرعان ما سيدرك خطؤه ... لكن مر الوقت بسرعة و أثبت لنا أنه لا يتنفس الا بكونها بخيرٍ أمامه ..... )
قال يوسف بهدوء بعد فترة صمت
( ماذا فعل بك والدها .... بخلاف الكثير من مشاكل الميراث و غيرها .... )
تنهدت ورد بقوة .... و هي تنظر الى البحر أمامها .. ثم قالت أخيرا بصوتٍ فاتر
( فعل الكثير .... أكثر مما يمكنني أن تناساه بسهولة و يجعلني أتقبل ابنته في غرفة مجاورة لغرفتي ... الأمر فقط صعب .... و أشعر انه ليس عادلا .... )
صمتت قليلا تنظر الى البخار المتصاعد من كوب قهوتها ... ثم قالت بخفوت
( الحقيقة أن سيف كان هو أكثر المتضررين ..... و هذا ما يقتلني و يشعل ناري ... لقد اهدر عبد الحميد العمري رجولته المبكرة في اخطر سنوات شبابه بكل طريقة تخيلها .... خرب بيتنا و أجبر أمي على الزواج من رجل قذر بعد أن تركت أبي خوفا عليه .... و قد رآها سيف في موقف ...!!! ... لا يستطيع الكلام عنه حتى الآن .... و في النهاية تسبب في دخوله الإصلاحية لمدة ثلاث سنوات .... بعد أن قيده و ضربه بسادية و ظلم ....... )
صمت صوتها المختنق ... ثم تنهدت بقوة و هي تعاود النظر الى البحر ... فقال يوسف بهدوء
( و ماذا عنكِ ............ )
نظرت اليه مبتسمة بزيف واضح .. فقالت ببساطة
( تقصد بخلاف خراب بيتنا و زواج أمي من آخر و دخول اخي الإصلاحية ... و سرقة ميراثنا ؟!!! .... لا كنت انا الأهون في الألم .... أقتصر الأمر على هذه ... )
أدارت له وجهها لتريه سماعة أذنها و هي تلامسها برقة ...
توتر وجه يوسف قليلا و شحبت ملامحه وهو يقول بخفوت
( ضربك ؟!! .......... )
لم ترد بل اكتفت بابتسامة لا تحمل روح ... فقال يوسف يسألها بخفوت اكبر
( كم كان عمرك حينها ؟!! ..... كنتِ مجرد طفلة على ما أعتقد .... )
ردت ببساطة و هي ترتشف من قهوتها
( نعم ......... تقريبا .... )
لم يشعر يوسف بأن أصابعه تنقبض بتوتر ... الى أن قال أخيرا بهدوء
( كان يجب أن يسجن ...... لا يحق لرجلٍ أي كان أن يفعل هذا بأي مرأة , و بالأخص طفلة .... )
ضحكت قليلا و هي تنظر اليه قائلة
( اعتقد أنه لو كان فعل ذلك عندكم .... لكان تم تظبيطه ... )
ضحك هو الآخر ثم قال بخفوت
( نعم كان ليتم تظبيطه ليسير معتدلا غير قادرا على النظر الى أي امرأة لفترة طويلة ...... )
صمت للحظة وهو يتأملها ثم قال بهدوء
( لكنك مخطئة في شيء واحد ....... ليس عندنا , فأنا من هنا ..... )
رمشت ورد بعينيها قليلا ... ثم قالت
( لا يبدو عليك ذلك ........ أنت مختلف .... )
ابتسم بطريقة رجولية جعلت منه أكثر جاذبية وهو يقول بعفوية
( مختلف كيف ؟!! ..... ارجو الا تتحفيني بالمزيد من قذائف لسانك , حاولي تجربة اللطف كنوع من التغيير ... )
ابتسمت بصدق هذه المرة و هي تنظر اليه ... ثم قالت أخيرا
( أنت هادىء تماما في حصولك على المرأة التي تريد ... متزن جدا حين يتم رفضك .... يبدو الألم و كأنه لم يعرف طريقا اليك يوما ..... )
اتسعت ابتسامته قليلا اكثر .... و التوت بسخرية محببة لطيفة .. مما جعله اكثر شقاوة على الرغم من سنوات عمره التي تقارب الأربعين ... الى أن قال في النهاية
( أنتِ تبهرينني ..... تابعي رجاءا .... )
عادت لتضحك قليلا ... ثم قالت
( بخلاف أنك لا تستطيع نطق حرف العين ...... و بصراحة كان يجب أن تعرف مسبقا أن أي علاقة بينك و بين وعد سيحكم عليها بالفشل لهذا السبب تحديدا ...... طريقة شجارك معها ستكون مهذلة و غير مهيبة ... )
ضحك عاليا ... فتشنج حلقها و هي تراقب رأسه المتراجع للخلف وهو يضحك بطريقة بدت رخيمة مسرحية على الرغم من أنه لم يتعمد ذلك ....
و ما أن انتهى أخيرا حتى عاد رأسه ينظر اليها باستمتاع واضح ... قبل أن يقول بهدوء غريب
( أنت ممتعة حقا يا وردات ... و رفقتك الفظة مثيرة للإهتمام ... )
مطت شفتيها بامتعاض لم تشعر به حقا ... بينما مد أصابعه فجأة و هو يتلمس خصلة شعر من ذيل حصانها قائلا بتأمل
( شعرك لا يزال مصففا بعد ليلة أمس ...... )
ارتجفت بشدة و هي تشعر بنار ذائبة تسري في أوردتها فجأة ... بينما رأته يضيق عينيه و يقترب منها بوجهه مما جعلها تموت انهيارا بطريقة غير محسوبة ... الا أن الأصابع التي كانت تلامس خصلة من ذيل حصانها ارتفعت لتشد شعرة من قمة رأسها بطريقة خاطفة ... جعلتها تنتفض مكانها و هي تصرخ بقوة ما أن وقعت القهوة على قميصها اثر انتفاضتها ...
( ياللهي انظر ماذا فعلت ؟!! ..... ماذا كنت تفعل بشعري ؟!!! .... )
كان ينظر اليها مذهولا وهو يقول
( لقد نزعت شعرة بيضاء من شعرك ..... هل أحرقتك القهوة ؟!!! .... )
صرخت به بجنون و هي تستدير اليه بشراسة
( ماذا ؟!!!!! .... جذبت شعرة بيضاء ؟!!! .... ايها الأحمق الا تعرف أنها ستنمو متضاعفة العدد الآن بسبب فعلتك تلك .... )
كان يهز رأسه مذهولا وهو ينظر الي قميصها الذي تغرق بلونٍ بني داكن ... بينما هي مهتمة بعدد الشعريات البيضاء برأسها ... الا أنه تمالك نفسه و هتف بقوة
( هل أحرقتكِ القهوة ؟!!! ....... )
زفرت بيأس و هي تنفض قميصها قائلة بقنوط
( لا .... لقد بردت قليلا ...... )
زفر براحةٍ قليلا .... ثم نظر اليها قائلا بخفوت
( أنا آسف وردات .......... لم أقصد أن يحدث ذلك ... )
في الحقيقة كان كيانها منقلبا رأسا على عقب ... متأثرة بقربه بطريقة لا يمكن انكارها و تقرباته منها تبهجها و تجعلها تشعر بأشياء غريبة ...
زمت شفتيها ثم قالت بخفوت
( هلا أعدتني الآن ........... )
ظل ينظر اليها قليلا بصمت ... ثم قال أخيرا بهدوء مبتسم
( أتدركين أنكِ لا تزالين ترتدين نظارتي ؟!! ......... )
اتسعت عيناها فجأة بصدمة ... و رفعت أصابعها تتحسس النظارة فوق أنفها ... فسارعت بخلعها و هي تقول متلعثمة
( أنا .... أملك واحدة بالفعل لذا نسيت أنني ... أنك ..... )
لم تجد الرد المناسب فمدت النظارة اليه بصمت ... بينما قال لها بهدوء وهو يلتقط النظارة من بين أصابعها
( عيناك تشبهان عيني النمور ...... )
عقدت حاجبيها بشدة و ارتبكت ملامحها أكثر .. الا أنها قالت بتوتر
( هل هذا مدح أم سخرية ؟!! ......)
رفع يده الى صدره ليقول متأوها
( اعذري قلة تهذيبي ..... عيناك غاية في الروعة و الجمال سيدتي ... )
شلتها الصدمة الآن ... و بدت في منتهى الغباء و هي تنظر اليه فاغرة شفتيها و هي تعلم بأنها تبدو كذلك ...
أخذت نفسا مرتجفا قبل أن تقول بهدوء
( حسنا .... لقد سخرت مني بما يكفي .... تسببت في انسكاب القهوة على قميصي ... جذبت شعرة بيضاء من رأسي .... ماذا ينقص بعد ؟!!! .... لما لا تقذفني بحجرٍ و تردمني بالرمال بعدها .... )
عاد ليضحك بخفوت ... الا أنها قالت يائسة برجاء مرتجف
( هلا أعدتني الآن .... رجاءا ...... )
قال يوسف بصوتٍ متوتر مثلها
( لم نناقش بعد أمر خطبتنا ........... )
قالت ورد تزفر بيأس
( سبق و قلت لك .......... )
الا انه قاطعها بحزمٍ يقول
( ماذا لديكِ هنا ؟؟!! ..............)
عقدت حاجبيها قليلا و هي تقول بحيرة
( ماذا تقصد ؟!! ...... لم أفهم ؟!! ..........)
رد عليها يوسف مباشرة و دون مقدمات ...
( أنا مسافر خلال أيام ..... تعالي معي ....... )
فغرت شفتيها بذهول غير قادرة على استيعاب ما ينطق به .... فقالت هامسة بجنون
( ماذا ؟!! ........ كيف ؟؟ ........ )
مد يده ليلامس خصلات ذيل حصانها وهو يقول بتأمل
( تعجبني رفقتك جدا يا ورداتي .... حتى بت أبحث عنكِ مؤخرا في العديد من المناسبات .... لذا لست أراه اقتراحا سيئا أبدا ....... )
كانت لا تزال مذهولة .... لا تصدق ما تسمعه , الى أن قالت أخيرا بصوت مهووس
( أي اقتراح هذا ؟!! .......... )
قال مباشرة ناظرا لعينيها
( نعقد قراننا .... و آخذك معي ......)
فغرت شفتيها بذهول حقيقي هذه المرة ..... بينما كانت عيناه صريحتان ... واضحتين .... و على ما يبدو أن ما يعرضه حقيقي و يقصده تماما ....
أوقف سيارته أمام باب البيت قبل أن يدخل .... و الهاتف على أذنه منتظرا الى أن سمع صوتها أخيرا ...
فقال بتلذذ واضح مشبع بالرضا .. و آخر بالغيظ
( اشتقت اليك ..........)
ضحكت وعد بخفوت و هي تقول همسا
( حسنا لقد أصبحت غير منطقيا الآن ..... لقد تركتك منذ دقائق يا سيف , فكف عن العبث كي أتمكن من العودة مبكرا ......)
قال سيف و يده على المقود و صوته يشتعل بجد ... و دون هزل
( و إن يكن .... اشتقت اليكِ و أشعر بالغضب من نفسي لأنني سمحت لكِ بالخروج .... )
سمع زفرتها التي يعرفها جيدا ... تصل بحرارتها عبر الأثير اليه ...ما بين اليأس من التصرف .. و بين انفعالها العاطفي القوي ....
كانت كزهرة تتفتح على يديه هو ...
من يصدق أنها نفس الشابة الباردة الشعور التي تميل الى قسوة الإحساس في معظم أوقاتها ؟!! ...
و كان ما يراه منها الآن يعجبه ... بل يشعله اشتعالا , اكثر من بداية زواجهما تماما ....
قالت وعد أخيرا بخفوت هامس
( و أنا اشتقت اليك ........... جدا ......لما لا تسلم على عمتي سريعا ثم تأتي و تجلس معي في المعرض قليلا ..... )
قال سيف بهدوء أرسل رجفة الى جسدها
( تعلمين أن هذا مستحيل ..... فلن أستطيع أن امنع يدي عنكِ , الا اذا كنتِ تريدين فضيحة علنية .... )
همست وعد بطريقة اذابت قلبه
( آآآآه ..... لكن لما الفضائح و عندي غرفة مغلقة .... ذات أريكة واسعة .... )
عبس سيف وهو يقول بفظاظة
( تلك التي تظاهرتِ بالإغماء عليها ؟!!! ........ )
قالت وعد متلعثمة
( آآآمممم .. ماذا ؟!! ... سيف الخط يتقطع .... لا أسمعك جيدا ... )
قال سيف بخشونة
( هل آتي اليكِ كي تسمعين بوضوح ؟!!! .......)
قالت وعد ببراءة
( الآن تحسن ..... شبكة الإتصال كانت تحوي بعض المشاكل على ما يبدو ..... )
قال سيف بخشونة
( وعد ....... اريد منكِ وعدا .......)
قالت مازحة برقة خجولة
( ألم تكتفي مني بعد سيدي ؟!! .........)
قال سيف بفظاظة
( خفظة ظلك تكاد أن تصيبني بالتيبس .... الآن اسمعيني .... أريدك ان تعديني بالا تتظاهري بالإغماء مجددا ... ابدا ..... مفهوم ؟!! ...)
ظلت صامتة قليلا ثم همست بخفوت
( أحيانا أخاف منك .......... )
شعر بشيء أوجع قلبه ... مما جعله يقول بصدمة خفية
( تخافين مني يا وعد ؟!! ........ )
قالت بخفوت و هي تتلاعب بشيء ما
( أخاف من ردات فعلك أحيانا ....تكون فظة و موجعة .... )
تنهد سيف بقوة وهو ينظر أمامه .. ثم قال بهدوء خافت
( و أنا أرتعب ..... حين تسقطين أمامي , حتى أعجز عن تصديق انكِ تدعين ذلك بمنتهى القسوة .... فلا تفعلي ذلك مجددا .... )
توقفت مكانها و هي تبتسم بخبث رقيق ... ثم قالت بتهذيب و دون جدال
( اعدك .......... )
تنهد سيف مرة أخرى ثم قال بخفوت أجش
( و ردا على سؤالك الأول .... لا أنا لم اكتفي منكِ بعد , و لا أظنني سأكتفي منكِ أبدا .... )
ضحكت وعد بصوت متحشرج مختنق .... و همست و هي ترفع يدها الى فمها ناظرة الى مرآة أمامها
( ليتك كنت تراني الآن ...... وجهي أحمر كالبنجر و ساخن للغاية .... )
تنفس سيف بخشونة وهو يقول مستفسرا بفظاظة
( ساخن للغاية ؟!! ................. )
أجابته برقةٍ و جنون خفي
( يشتعل ......... )
زفر سيف بقوة وهو يقول بخشونة ...
( لوكنتِ أمامي الآن ... لكنت .... )
همست وعد و هي تتلفت حولها خشية
( لماذا توقفت ؟!! ..... هل الرقابة قطعت ما كنت تنوي قوله ؟!! ...... )
قال سيف بجفاء
( المشاهد المحذوفة ستشاهدينها ليلا .... حين نكون وحدنا .... )
ضحكت وعد و هي تسعل من شدة الإرتباك ثم همست
( مفسد أخلاق ....... )
رد عليها بزمجرةٍ خشنة
( مفسدة متعة ....... )
ثم قال بجدية
( اسمعي يا حرمنا المصون .... أريدك أن تفتحي حقيبتك الآن و ليس فيما بعد .... ستجدين بها عدة شطائر ملفوفة .. أعددتها لكِ لأنك طبعا و كما هي العادة لم تتناولي فطورك ..... )
ذهلت وعد و فتحت حقيبتها لتجد اللفة بالفعل ... فقالت مذهولة
( هل أعددت لي الشطائر بنفسك ؟؟؟ ....... لا أصدق ذلك .... )
قال سيف بهدوء
( الم ترينها و أنت تخرجين هاتفك ؟!! ....... )
همست بنبرة تأثر واضحة
( لا ..... كان بجيبي ...... سيف أنا حقا تأثرت , إنها مشوهة جدا .... لكن لا أصدق أنك وقفت لتعدها بنفسك ... )
قال سيف بخفوت
( لقد نقص وزنك للغاية يا وعد ....... و هذا يقتلني .... )
همست وعد برقة تريد أن تخرجه من مزاج القلق ...
( هل لاحظت ذلك ؟!!! ..... كانت الملابس تخفي نقصان وزني ..... )
قال سيف بخشونة
( كلمة واحدة ..... ستعيدين ما نقصتهِ و تزيدين ..... و سترفعين مستوى كرياتك الحمراء بالغصب ... )
ضحكت عاليا هذه المرة .... غير آبهة لمن يسمعها ... ثم قالت بطاعة
( نرفعها سيدي ......... طالما أنك أمرت بذلك ..... )
كان على وشك الإطالة معها في الأحاديث ... لديه الكثير و الكثير مما يريد أن يقوله لها ... يحب السماع اليها و الكلام معها .... ما ان تغيب عن عينيه حتى يشعر بالشوق لها و أنه يريد أن يقص عليها المزيد ..و يحكي معها في أتفه الأمور ... و يتغازلان بحماقة ...
لكن منظر قادم من على بعد جعله يصمت فجأة ليرتفع ضغطه و ينفجر غضبه بقوة ... فقال بصرامة
( سأهاتفك فيما بعد ..... انتهى من عملك سريعا ... سلام ... )
عبست وعد بشدة من تغير نبرة صوته فنظرت الى الهاتف المغلق على الرقة المتبادلة و غزل شهر العسل .... فقالت متذمرة همسا ..
( كنت أعلم أنها حالة غزل طارئة و ستطير لحالها ..... اووووف ... كنت أريد أن أقبله كالأفلام على الأقل ... )
أما سيف فكان الغضب يتفاقم بداخله بعنف وهو يترجل من سيارته ... ليرى تلك السيارة المقبلة و التي وقفت أمام سيارته ...
لينزل منها يوسف .. بينما بقت ورد مكانها تنظر الى سيف بذهول و صدمة ... ثم نزلت أخيرا و هي تحدق الى الغضب المستعر في عينيه و تعلم بأنه سيفتعل فضيحة علنية ...
كان يوسف هو اول من تكلم قائلا بمرح ساخر
( مرحبا صهر .... ماذا تفعل هنا في هذا الوقت صباحا بدلا من التواجد مع عروسك ؟!! ...... )
ظل سيف صامتا عدة لحظات وهو ينظر الى ورد التي كانت تبادله النظر بارتباك واضح .... بينما صدرها كله مغطى ببقعٍ بنية ....
و دون أي تفكير كانت قبضته قد سبقت عقله ... فلكم يوسف بكل قوته لكمة حطت على فكه و ألقته للخلف على مقدمة سيارته ....
صرخت ورد بهلع
( سيف ما هذا الذي فعلته هل جننت ؟!!!! .... )
لكن و قبل أن تتجه الى يوسف ... كان قد نهض ببساطة وهو يمسح قطرة دم نزفت من جرحٍ بزاوية شفتيه ...
مبتسما ... هادئا .... رزينا .... ثم قال ببساطة
( مئة مرة نصحتك ..... حكم عقلك قبل أن تستخدم يدك .... )
و دون المزيد من الكلمات كان قد رد على سيف بلكمة مماثلة لم يتداركها من شدة سرعتها ... مما جعلته يترنح قليلا وهو يتأوه منحنيا الى الأمام دون أن يسقط ...
بينما نفض يوسف قبضته وهو يتابع بهدوء لاهث قليلا
( هدىء من أعصابك صهر .... انت عريس جديد و لا نريد أن نفقدك في نوبة ضغط .... على الأقل أنجب طفلا قبلا .... )
استقام سيف وهو يهجم عليه بقوة صارخا
( أيها الحقير أتظنني لا اعلم قصدك .... انت تستغل أختى لأغراضك الدنئية .... )
تشابكا بالأيدي بقوة و تعالى الغبار من حولهما ... بينما كانت ورد تصرخ بقوة أن يتوقفا ... الى أن أمسكت بهاتفها تتصل الى أن جائها الرد .... فصرخت بكل قوتها
( الحقيني يا أمي ....... أنزلي حالاااااااااااااا )
.................................................. .................................................. .....................
جلس أربعتهم أمام منيرة .... و التي كانت تلهث و هي تسير و هي تلهث و تهمس بصوتٍ غاضب غير مسموع ...
مضى وقت طويل قبل أن تستطيع فك العراك ... ثم اتصلت بوعد تأمرها بالقدوم الى البيت على وجه السرعة ...
و ها هم أربعتهم يجلسون أمامها ...
سيف كان يبدو كالمجنون وهو ممزق القميص ... يميل الى ركبتيه زافرا بعنف ساعد في زيادة تشعث مظهره ...
بينما وعد تجلس مذعورة على كرسي مقارب منه .. تنظر اليه بطرف عينيها .. و كلما حاولت ملامسته كان يقذف يدها بعيدا و يهدر بها
( ابتعدي في هذه اللحظة ...... أنا أحاول أن أتمالك نفسي ...)
بينما يوسف كان يجلس على مقعدٍ مقابل ...واضعا ساقا فوق الاخرى .... مضجعا بظهره الى الخلف وهو يسند ذقنه الى اصبعه باستعلاء واضح لا يناسب شفته المجروحة و جيب قميصه الممزق متهدلا على صدره ....
بينما كانت ورد تقدح شررا بعينيها و هي تهز ساقها بعصبية و جنون جعلها تشبه سيف ... بل تكاد أن تكون نسخة طبق الأصل منه ...
وقفت منيرة أخيرا ... ثم استدارت اليهم , ناظرة الى كلا منهم مطولا .. ثم همست أخيرا بخفوت
( هل أنا ممنوعة من الفرح بأطفالي ؟!! .... حقا أخبروني ... هل هذا قدري ؟!! .... أم أنها مجرد قسوة منكم ؟!! ... )
رفع سيف وجهه يقول بكآبة
( أمي ..... أنا .......... )
الا أنها رفعت يدها لتقول بهدوء خافت لكن حازم ...
( كفى ..... حقا كفى ..... أخبروني فقط لماذا انا ممنوعة من الفرح بأطفالي ؟!! ...... الا يكفي ما مررت به خلال زواجي .... الا يكفي لأحاول ايجاد السعادة بالفرح بأطفالي ؟!!! .... )
صمتت قليلا لتأخذ نفسا عميقا مرتجفا .. ثم قالت متابعة بهمس مختنق
( أنا أعترف أنني أستحق .... انا أعاقب الآن بسبب ما فعلته مع وعد في طفولتها ... لتصرفي الدنيء و تركي لها .... )
امتقع وجه وعد بشدة و شعرت انها على وشك السقوط تحت الكرسي من شدة الإحراج ...
تبا لذلك ... و هي التي خرجت اليوم مرتدية حلة تليق بعروس .. لتمثل دور العروس ....
بينما استقام سيف هادرا
( كفى يا أمي .... لا يليق هذا الكلام ...... )
الا أنها استدارت بقوة و هي تهتف بصوتٍ قوي رغم انكساره و خفوته
( اسكت يا ولد ..... و لا تخبرني بما يليق و ما لا يليق ...... أنا أحرة لأقول ما أريد ......
كنت انتظر زواجك بفروغ الصبر .... أنت وورد .... لتصدمني بطريقة زواجك الأول... وورد التي يتأخر بها عمر الزواج عاما بعد عام ... و أنا أكاد ان أموت قلقا عليها ... الى أن أصدم بفسخ خطبتها ....
الى أن جاءت ليلة امس ... وقفت فجأة و أنا أنظر اليكم .... لأجدك عريسا في أبهى حلة ... وورد مخطوبة لرجل يبهر العين .... و مهرة تحمل الطفل الأول لهذه العائلة ...... حينها شعرت أنه اليوم الأجمل بحياتي كلها .... و أنا لا أريد أي شيء آخر ... و أنني أستطيع مغادرتها راضية سعيدة ...لكن انظر اليكم الآن .... لم تنتظروا حتى ليوم أو يومين .... بل الصباح التالي مباشرة , و كأنكم تستكثرون فرحتي .. )
تنفس سيف بقوة و غضب و هو يهمس بعنف هادر
( امي .... توقفي عن دور الدلال الطفولي هذا ....... )
هتفت منيرة به
( أنت دائما قاس القلب ... متحجر الإحساس فيما يخصني .... حتى أنك توشك على قتل خطيب أختك , و الآن تتهمني بالدلال الطفولي .... بالله عليك يا سيف ضعني بدار للمسنين و ارتاح من همي ... )
نظر الجميع الى سيف نظرات لومٍ صامتة ... متهمة .... فبادلهم النظر باستياء قبل أن يصرخ قائلا
( من لا يتمنى أن أفقأ له عينه يتجنب النظر الي في تلك اللحظة ....... و انا جاد ... )
الا أن منيرة صرخت هي الاخرى ...
( من أين لك الحق كي تبادر بضربه ... و بالتالي تتسبب لنفسك في هذا الإهدار من الكرامة !! ... اتظن نفسك لا تزال فتى متمرد غاضب يحق له التصرف كيفما يشاء ؟!!! .... كنت أظنك تغيرت ... و نضجت ...)
صدرت عن وعد ضحكة استهجان أفلتت من بين شفتيها رغم عنها ... فهي لم ترى منه غير انعدام النضج منذ أن عرفته ...
لكنها ارتعدت حين سمع ضحكتها و نظر اليها نظرة جمدتها مكانها و جعلت وجهها يشحب أكثر ... فصمتت تماما , قولا و تعبيرا ...
بينما نظر سيف الى أمه طويلا ثم قال بصوت مهيب
( هل انتهيتِ الآن أمي ؟!!! .... هل قلتِ كل ما تحضرتِ لقوله ؟!!! ..... اذن اسمعيني أنا ....)
نهض من مكانه فجأة هادرا وهو يشير الى ورد التي انتفضت مذعورة
( انظري الى ابنتك الغالية .... انظري الى شكلها و أنا أفاجأ بها عائدة معه صباحا ..... بعد قضاء الوقت معه في سيارته .....)
رفعت وعد وجهها تنظر اليه بصمت ... و هي تذكر ملاحقته لها ... و أصراره على محاصرتها بسيارته التي كانت منبهرة بها .... تتذكر تلك النزهات وهو يقلها من مكان لآخر .... اذن الم يكن مخطئا يومها ؟!! ...
لكنها لم تخاطر بالكلام و هي تعرف جيدا انها ستكون خطوة لا تتسم بالعقل أو الحكمة و قد تتسبب في قتلها ...
لكن منيرة هي من تولت الرد هاتفة
( لقد جاء الى البيت يسأل عنها بأدب ... في زيارة عادية , و أنا من أخبرته أنها في المتجر القريب و طلبت منه أن يحضرها .... أليس خطيبها ؟!! ....)
صرخ سيف بجنون ..
( أنتم مخدوعين به ..... كلكم ... أنا وحدي من أعرف نواياه .... أنه ....)
أجبر نفسه على الصمت بقوة وهو يحارب ضغطا هائلا يشد على أذنيه من شدة الغضب ... بينما نار الغيرة تحرق أحشاؤه بقسوة ... كيف يتخيلون أنه قد يسمح بدخوله هذا اليوسف الى العائلة ليكون بالقرب من وعد ليل نهار .... سيموت قبل أن يحدث ذلك ....
خاصة بعد أن رآه اليوم مع ورد ... لقد تعمد ذلك ....
لقد أحرقته غيرته فسارع الى ورد كي ينفث بها حقده الأسود ...
الا أن يوسف هو من تكلم ليقول بهدوء
( أنني ماذا يا سيف ؟!! ..... أرجوك تابع .... فأنا مهتم ..... )
نظر اليه سيف من علو بنظراتٍ كانت لترديه قتيلا ... الا أن يوسف وقف ببطىء ليواجهه ... و يصبح على نفس مستواه ... ثم قال بهدوء
( أنت تغار على زوجتك ...... هذا حقك .... لكن ما ليس حقك أن تمنع أختك عن الزواج بسبب هذه الغيرة .... )
استدار اليه سيف بالكامل وهو يضع يديه في خصره ليقول بصوتٍ قد يجمد المكان
( أتخبرني مجددا ... و لمرة واحدة .... رجلا لرجل ... انك بالفعل تريد أختى .... )
ظل يوسف اليه قليلا .. قبل ان يميل بعينيه الى ورد التي أخفضت وجهها بخزي .... حينها عاد لينظر الى سيف قائلا بهدوء
( أنا لن أقول هذا فحسب ..... لقد كنت اليوم أريد رؤيتها لأعرض عليها الإسراع في عقد القران و السفر معي ....... لذا فالإجابة هي .... أنا أريد الزواج من أختك و الإبتعاد بها من هنا ..... )
ارتجفت ورد بشدة و هي تعض اصبعها بتوتر كاد أن يزهق أعصابها .... بينما ساد صمت طويل مشحون ...
فقالت منيرة بقوة
( وعد ......... )
انتفضت وعد مكانها كالمذنبين فرفعت وجهها و هي تقول
( نعم عمتي ......... )
قالت منيرة بكل قوة وصرامة
( هل قررتِ بأي يوم من الأيام ... و لو حتى فكرتِ مجرد تفكير في الزواج من يوسف و قبول عرضه القديم ..... )
عند هذه النقطة هدر سيف بكل قوته كالثور الهائج
( أمي كفى .......... )
الا أن وعد المذعورة من منظره سارعت للقول تهتف
( اطلاقا يا عمتي .... أنا أصلا معرفتي به تكاد أن تكون سطحية ... )
استدار وجه يوسف ينظر اليها بصمت رافعا حاجبيه باندهاش ... فارتبكت و أخفضت وجهها و هي تقول بخفوت مرتبك
( في حدود العمل أقصد .... لا شيء أكثر ..... )
فقال يوسف بانبهار
( أصيلة يا وعد ........ )
الا أن سيف نشب يده في ذراعه وهو يديره اليه صارخا
( لا دخل لك بوعد و خاطبني أنا ...... )
أبعد يوسف يد سيف عن ذراعه وهو يقول بهدوء جليدي
( و أنا أخبرتك بما أريد ..... لأبتعد عن هنا ..... )
قالت منيرة بهدوء متوتر
( اذن لم يبقى سوى رأي الشخص الوحيد المعني بالامر ..... ورد هي من تقرر ... )
ضحك سيف بسخرية قائلا
( اذن هذه طريقة لإخباري بأنني خارج الأمر ... و أن أي قرار مني هو غير مرحبا به .... )
رفعت ورد وجهها اليه ... ثم قالت بخفوت
( قرارك سيسري يا سيف ..... لكن لو أهتممت برأيي فأنا موافقة و أريد السفر .... و يوسف انسان مناسب لي جدا .... أريدك فقط أن تتذكر أن عند زواجك من وعد ... لم تسمع أي قرار سوى قرارك أنت ... فكن منصفا .... )
همست وعد تخاطب نفسها
( حسنا ... الإحراج التالي سأدفن نفسي عند أقرب شجرة .... )
بينما كان سيف ينظر اليهم جميعا بصمت .... ثم جلس مرتميا على أحد الكراسي وهو يقول بسخرية سوداء
( حسنا ..... بما أن الجميع قد اتخذ قراره ... فما حاجتكم لوجودي اذن ..... أنا مغادر ... )
نهض مجددا مندفعا وهو يهدر آمرا
( هيا يا وعد ........... )
نهضت وعد متخاذلة و مرتبكة ... بينما صرخت منيرة بغضب
( وعد لن تذهب لأي مكان .... أخرج أنت ..... )
تسمر سيف مكانه وهو يرفع حاجبيه ليقول مذهولا
( عفوا ..... ماذا ؟!!! ......... )
ضربت منيرة الأرض بقدمها و هي تصرخ
( ما سمعته ....... ... )
و بمنتهى الحزم التفتت الى وعد تقول بصرامة
( وعد أدخلي الى المطبخ و اعدي القهوة لخطيب أخت زوجك من فضلك الى أن أنهي هذه المهذلة .... )
نظرت وعد الى سيف بذهول بينما كانت عيناه مخيفتان ... تهتزان من شدة الغضب البادي بهما ...
فقال بصوتٍ يرتجف من شدة جنونه
( تعالي الى هنا يا وعد ...... الآن ...... )
تحركت وعد نحوه خطوة مرتجفة ... الا ان منيرة أمسكت معصمها بقوة و هي تقول بلهجةٍ أشد صرامة
( الى المطبخ يا وعد رجاءا ..... فقدمي لا تتحملني لآن .... )
أمسكت وعد بذراعها و هي تقول بصوت خافت
( لما لا تجلسين قليلا يا عمتي ...... أنتِ ترتجفين .... )
و ساعدتها بالفعل الى أن جلست ... فقالت منيرة و هي تنظر الى عينيها هامسة بصوت خافت
( لن يمارس تسلطه الآن ...... ابقي هنا يا وعد أرجوك ... )
زمت وعد شفتيها ... الا أنها أومأت براسها بصمت .... ثم استقامت قائلة و هي ترتجف بشدة
( سأذهب لأعد القهوة ...... )
حانت منها التفاتة الى سيف الذي كان ينظر اليها بنظرةٍ تحمل كل اشارات التهديد و الوعيد ... الا أن وعد سارعت بساقين ترتجفان الى المطبخ ... مرحبة بهذا الهرب حاليا ...
بينما تعالت همهمات غاضبة لم تستطع تفسيرها تماما ... و هي تقف في المطبخ رافعة يدها الى صدرها اللاهث ...
الى ان انتفضت فجأة على صوت سيف و هو يزلزل الجدران
( اذن أنا خارج ....... هنيئا لكم بها الليلة..... )
و لم تمر لحظتين حتى سمعت وعد صوت الباب الخارجي يصفق بكل عنف ... هز الجدران ...
تبعه صوت سيارة سيف مصدرة صريرا عاليا منفرا ...
حينها خرجت وعد من المطبخ مهرولة .... لتجد منيرة تقف بجوار يوسف لتقول له بخفوت متوتر
( متى يحين موعد سفرك ؟!! ....... )
قال يوسف بوجوم
( خلال أسبوع على الأكثر ..... لكن لو ساءت الأمور او ظلت كما هي أستطيع تأجيل السفر بصعوبةٍ لمدة أربعة ايام زائدة .....)
رفعت منيرة ذقنها و هي تقول بتصلب
( لا .... لا داعي لتؤجل سفرك ...... حدد موعد عقد القران بما يناسبكما و أنا موافقة ... )
نظر يوسف الى ورد المذهولة ... و رغم عنه تسللت ابتسامة الى شفتيه ... ابتسامة متسلية مرحة لم يستطع كبتها ... ثم قال بهدوء
( اذن ما رأيك بالخميس القادم ,,,,,...... )
أومأت منيرة و هي تقول بحزن
( الخميس مناسب جدا ...... )
هنا تقدمت وعد و هي تقول بخفوت غير مصدقة
( هل غادر سيف ؟!!! ........ و تركني !! ..... )
نظرت اليها منيرة بحزن و هي تهمس
( سيف ...... قال أنه لا مانع أن تبيتي ليلتك هنا اليوم يا وعد .... )
ارتفع حاجبي وعد و هي تدرك بأنها كانت المقصودة حين هدر قائلا
" هنيئا لكم بها الليلة ........ "
.................................................. .................................................. ............
أغلقت دولاب ملابسه ... بعد أن ارتدت احدى سترات مناماته الثقيلة و التي تغطي فخذييها براحة ....
و المناسبة للجو البارد قليلا ...
ثم استدارت تنظر الى الغرفة التي اشتاقت اليها رغما عنها ....
فاتجهت الى المرآة لتمشط شعرها الطويل الذي انساب مبللا على ظهرها مما جعلها براقة و ندية ....
تركت الفرشاة الخاصة به و هي تزفر بقنوط .... تدور حول نفسها لتستند الى طاولة الزينة ...
تتذكر كل ذكرى صغيرة بينهما داخل هذه الجدران .... سواء كانت سعيدة أم مؤلمة .... تظل غالية لديها و عملت على تقاربهما أكثر حتى وصلا الى علاقتهما المتينة اليوم ...
تسمرت مكانها و هي تضحك بسخرية ... هامسة بمرارة
" علاقتنا المتينة ....... "
سمعت فجأة صوت طرقة هادئة على الباب ... و قبل أن تسمح بالدخول كانت منيرة قد فتحت الباب و دخلت بهدوء حاملة كوبا من الكاكاو ... قائلة برفق
( حضرت لكِ كوب من الكاكاو الساخن يا وعد ..... )
احمر وجه وعد بشدة و هي تستقيم واقفة لا تدري أين تخفي ساقيها ....تبا للغباء الذي يجعلها ترتدي السترة فقط حتى الآن ...... انها احدى مساوىء الحياة المشتركة مع سيف ....
و هي تقول بخفوت متوتر
( لم يكن عليكِ أن تتعبي نفسك يا عمتي ....... )
قالت منيرة مبتسمة و هي تضعه برفق على المنضدة الجانبية للسرير
( هذا من دواعي سروري بعد ان ساندتني اليوم ...... )
استدارت تنظر اليها فلاحظت خجل وعد و هي تحاول اخفاء ساقا خلف الأخرى ...
فابتسمت خلسة و قالت مدعية القلق
( أنت ستبردين في وقفتك هذه ..... تعالي و ادخلي تحت الغطاء )
ثم استدارت عنها و هي تزيح جزءا منه ... فسارعت وعد تدخل الى الفراش بالفعل , لتدثرها منيرة بحنان ...
رفعت وعد عينيها الى منيرة التي ظلت منحنية اليها تتأملها مبتسمة ... ثم مدت يدها تملس على جانب شعرها ووجهها قائلة برقة
( أنتِ تزدادين جمالا يوما بعد يوم ....... )
شعرت وعد بدموع خائنة تطرف عينيها و هي تتذوق حنان أمومي لم تعرفه قبلا .... لكنها همست بخفوت
( شكرا عمتي ..... و أنتِ أيضا تزدادين جمالا و تصغرين شكلا كلما كبرتِ عاما ..... )
جلست منيرة على حافة السرير و هي تقول ضاحكة برقة
( و أصبحتِ معسولة اللسان أيضا ..... والله سلمت يدا ابني الحبيب .... )
احمر وجه وعد بشدة و هي تبتسم دون رد مطرقة قليلا .... فهمست منيرة بخفوت بعد فترة
( أنا آسفة جدا يا وعد أنني أقحمتك في هذه المشكلة .... و كنت السبب في ابعادك عن زوجك الليلة ... )
قالت وعد بوجوم خافت
( لا عليكِ يا عمتي .... ربما كان هذا أفضل , فحالة سيف تدل على أنه لو بقينا معا الليلة لتشاجرنا حتما ... )
تنهدت منيرة و هي تهمس
( إنه لا يسيطر على غضبه حين يصل الى مرحلةٍ معينة .... فتتحول الدنيا أمامه الى ساحة حرب كل العنف بها متاح .... انتظر عاما بعد عام أن تهدأ نفسه و ينضج عن تلك الطاقة السلبية التي تتلبسه ... لكن لا فائدة ... و ها هو أوشك الشيب على أن يغزو رأسه و لا يزال كما هو ..... ينفعل قبل أن يفكر ثم يندم بعد أن يؤذي من يحب ..... )
ضحكت وعد قليلا و هي تقول بخفوت
( أتخبرينني عن سيف يا عمتي ؟!! ..... أعرفه حق المعرفة و اختبرت غضبه مرارا .... )
نظرت اليها منيرة بحزن ثم قالت
( ما مر به ليس سهلا ..... و أظن أن شخصيته قد تكونت على هذا المنوال و انتهى الأمر .... لذا لن يتحمله الا من يحبه ..... )
همست وعد بقلب منقبض ... و هي تعلم بأن عمتها لم تقصد هذه المرة أن تتهمها بذنب والدها ... بل كانت تتكلم بعفوية ...
( أعلم يا عمتي ......... في الحقيقة أنه محتمل ..... ليس منفرا تماما ... )
قالت منيرة بحرج
( وعد ..... أعذريني أن تصرفت كأم و فضلت ابنتي ... فوافقت على زواجها من يوسف .... لم أقصد أن أجرحك أبدا .... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول
( و ما الجرح يا عمتي ؟!! .... لقد أقسمت لكِ أنه لا شيء كان بيني و بين يوسف مطلقا ... )
أمسكت منيرة بركبة وعد تشد عليها و هي تقول بحرارة
( أعرف حبيبتي و أثق بكِ تماما ..... لكن كان المنطق يقول أن نرفض هذا الشخص ادراءا للمشاكل ... كي لا تفسد حياتك .... لكني كأم لم أستطع أن ارفضه ...... ورد أيضا مرت بالكثير و أنا كنت اريد ان أراها سعيدة ولو مرة في حياتها .... )
مدت وعد يدها فوق يد منيرة و شدت عليها قائلة ...
( هذا هراء و لا يتبع أي منطق ..... لماذا ترفضين شخصا مثله ... يوسف رجلا رائعا ... حنونا و راقيا و متزنا جدا .... أي أنه أقدر من يتحمل ورد .... )
أطرقت منيرة برأسها و هي تقول بندم
( لكنني أغضبت ابني ... و أبخست من حقه أمام الجميع ..... )
رفعت وجهها الى وعد تقول
( لم يكن أمامي أي شيء آخر لأفعله ...... لن أسمح بأن يتسلط على أخته ...يجب أن يتربى ... . )
ربتت وعد على كفها و هي تقول
( سيناقش نفسه و يعود ....... صدقيني ..... )
ربتت منيرة على وجنتها و هي تهمس
( هذا ما سأدعو الله به طوال الليل ........ و الا سينفطر قلبي .... )
اخذت نفسا مرتجفا محاولة الا تبكي ... ثم قالت مبتسمة بمرح
( سأتركك الآن مع الكاكاو الخاص بكِ ...... لتنامي و ترتاحي ... )
أومأت وعد بصمت مبتسمة ... و ما أن خرجت منيرة حتى أرجعت رأسها للخلف مستندة الى الوسائد و هي تحدق بسقف الغرفة ...
ثم لم تلبث أن همست
" رائع يا سيف ...... من اليوم الأول و ها قد عدنا لما كنا عليه ... "
أغمضت عينيها متحسرة بتعب ... و قد نال ضغط اليوم منها .... فمدت يدها تطفيء المصباح الجانبي ...
شعرت بأنها تاهت لدقائق أو ربما لساعات .... لا تعلم تحديدا ... كما لم تحدد يوما متى تنام بالضبط ...
الا أن كل ما تعرفه هو استيقاظها على قوة قبلاتٍ نهمة تقتص منها ... و ذراعين كالحديد تعتصرانها عقابا ...
فشهقت من بين القبلات المجنونة ذات النفس الهادر
( سيف !!! ......... )
سمعت همسا أجشا في الظلام يقول
( هشششششش....... )
حاولت تفادي عاطفته المجنونة بالغضب و الإشتياق الا أن كل محاولاتها بائت بالفشل و هي تشعر به يخلع عنها سترة منامته .. فقالت بغضب متزعزع من شدة مشاعره الهوجاء
( ماذا تفعل ؟!! ...... )
همس بزمجرة خشنة في أذنها
( أعاقبك ......... كي لا تجرؤين على تحدي سيدك مجددا .... )
قالت بغضب مهترىء من عمق ضعفها و شوقها
( لا ..... عمتي تقول أنك متسلط و يجب أن تتربى .... )
فهمس لها بصوتٍ أجش وهو يسكت محاولاتها الفاشلة
( اذن ربيني ........... )
سكنت قليلا و هي تغمض عينيها تلتقط بعضا من ترياق حبه ... قبل أن تهمس بصوتٍ متخاذل
( ما الذي أتى بك الآن ؟!! ...... )
مضى وقت طويل قبل أن يهمس بصوتٍ أجش في أذنها
( اتظنين انني أستطيع الإبتعاد عنكِ مجددا ؟!! ...... مجنونة انتِ اذن ..... تعالي الى هنا يا رائحة صابوني المفضل ... أنعشيني )
.................................................. .................................................. ...................
( من المفترض أن تأكل .... لا أن تظل تراقبني بهذا الشكل ..)
همست بعبارتها بخجل .. و هي تطرق بوجهها .. تمضغ ببطىء و تعثر ... بينما ابتسامتها الخفية واضحة للأعمى ...
ترى الا تدرك مبلغ جمالها خلف ضوء تلك الشمعة الصغيرة في الكأس الكريستالي ؟!! .....
في الواقع لن يمل تأملها أبدا ... إن كان هذا هو ما تسأل عنه .... فقال بصوتٍ عميق
( أفعلي شيئا بجمالك اذن كي أتمكن من الأكل يوما .... )
ضحكت رغما عنها بوجهٍ أحمر يشتعل ... ثم همست دون ان تنظر اليه
( ربما كان الذنب ذنبك اليوم ... فأنت من مشطت لي شعري حتى بات يلمع كالذهب .... )
ابتسم حتى تغضنت زوايا عينيه وهو يتأمل وجهها المنخفض على طبقها ... ثم قال أخيرا
( لم أجد القدرة على تركه سريعا .... كان ينساب على ذراعي كوشاح جميل يخطف الأنظار ... )
كان كلامه كله يشعرها بالجنون ....
غزلا هادئا متزنا ... يجعله أقرب الى الحقيقة ... و قابلا للتصديق ..
ربما لو كان مهووسا ككريم ... لما صدقت غزله ... لكن رائف , يتحدث في الغزل بنفس الصدق الذي يتحدث به في كل ما يخصها ...
نفضت ذكرى كريم من رأسها بقوة و هي تبتلع تلك القصة الحزينة .. محاولة تناسي حزنها عليه حاليا و نسيان مشهد موته القريب ..
لذا ابتلعت ريقها و قررت ان تناغش رائف قليلا ... فقالت برقة دون أن ترفع وجهها اليه
( ربما استطعت أن أفعل به شيئا ليكون سهل الإعتناء به ..... سأقصه قليلا ... )
ترك سكينه فجأة وهو ينظر اليها نظرة جعلتها تكاد أن تسعل بطعامها من شدة رهبتها و نفاذها .. الا أنه حين تكلم قال بصوتٍ عميق متزن
( ما هو هذا اللذي ستقصينه ؟!! ....... )
ادعت الثبات .. فرفعت حاجبيها و هي تنظر اليه بعينين متسعتين قائلة ببراءة
( شعري ........ )
ظل ينظر اليها قليلا دون أن تتحرك عضلة بوجهه بينما هي تنتظر ... الى أن قال أخيرا بهدوء خطير
( لن أسمح لكِ بقص شيء يخصني ...... )
رمشت بعينيها قليلا و هي تهمس مستندة بذقنها الى كفها
( و ما هو هذا الذي يخصك ؟!! ....... لقد تكلمت عن شعري .... )
لم يستسلم لمحاولة استفزازه بل قال بهدوء
( كل أصبحتِ تخصينني ... بدئا من أصابع قدميك الصغيرة المستديرة كأصابع الأطفال .... و حتى أطراف شعرك العطرة و التي لامست قبلاتي صباحا ... )
احمر وجهها أكثر ... حتى بدت كوردة الجوري المتفتحة ... فقالت بصوت هامس يتناسب مع الموسيقى الحالمة خلفها ...
( لم أكن أعلم ذلك ....... )
قال رائف بهدوء و جدية
( اذن عليك البدء في المعرفة ... بل و التأكد من ذلك ... ألم أحذرك و أنا أعرض عليكِ الزواج ؟!! ... )
ابتسمت أكثر و تجرأت لترفع عينيها اليه و همست
( نعم حذرتني ...... و أنا قبلت ..... )
قال رائف بنفس الجدية و ان كان مبتسما
( جيد ..... هيا افتحي فمك ...... )
فتحت فمها تلقائيا وهو يطعمها بشوكته ... فهمست بحرج
( هل ستطعمني هنا أيضا ؟!! ....... الناس يراقبوننا .... )
قال ببساطة
( نحن في شهر العسل .... في الواقع بأول يومٍ منه .. لذا تستحقين الدلال .... )
مضغت طعامها ببطىء و هي تنظر الى عينيه الساحرتين في حنانهما ... ثم همست بخفوت و رقة
( و ماذا سيحدث بعد فترة من زواجنا .... لا أظن أنك ستستمر في تدليلي بهذا الشكل ؟!! ... )
قال رائف بهدوء وهو يتناول طعامه
( ان اردت الحق .... قد انشغل عنكِ قليلا ...... )
ارتفع حاجبيها و عضت على شفتها السفلى المكتنزة .... هامسة بوجوم
( حقا ؟!! ............. )
قال رائف مؤكدا ...
( للأسف .... انها سنة الكون ..... أن أشغل بطفلتنا ... أطعمها و أمشط لها شعرها , بينما انت تنامين قليلا ... )
ارتجفت ملك بخدر عميق اوهن مفاصلها ... فقالت بخفوت
( طفلتنا ؟!! ........ )
رفع عينيه اليها .. يقيم ردة فعلها بحذر , ليقول مؤكدا
( نعم طفلتنا ......... )
شعرت من نبرة صوته أنه لا يمازحها ... بل يسألها بطريق غير مباشر عن رغبتها في الحصول على اطفال !! ..
ربما كان مترددا بسبب تجربتها الماضية المؤلمة ... ربما ظنها متراجعة و متوترة ... او حتى رافضة
كخوفها من العلاقة بينهما !! ....
لذا أخذت نفسا عميقا و قالت مبتسمة ابتسامة سرقت قلبه
( لكن الا تظن نفسك متعصبا قليلا ... و أنت تقرر أن تكون فتاة ؟!! .... سيف قرر ان ينجب الذكور فقط ... فمابالكم ؟!! .... هل تفصلون الأطفال خياطة ؟!! .... )
ابتسم ابتسامة عريضة ... لم ترى أجمل منها في حياتها كلها ... لدرجة ان لامس فكه قليلا .. و بدا غير قادرا على الكلام لوهلة ...
و بعد فترة طويلة ... قال بهدوء
( دعينا اذن نتفق .... اما فتاة شقراء تشبهك .... و اما ولد )
قاطعته تقول بحرارة نبعت من قلبها بوضوح
( نسخة منك ...... ...... )
عبس رائف وهو يقول مداعبا
( سيعيش مظلوما طوال عمره .... و الجميع يقارنون بينه و بين جمال أخته الذي يخطف الأنظار .... )
ارتجفت شفتيها اكثر ... حتى عجزت عن الرد لفترة .. فعضت على شفتها السفلى لتوقف ارتجافتها ...
الا تدرك أن تلك الحركة التي تكررها كل حين تقتله شوقا لها .... يعد الدقائق حتى تصبح له من جديد ...
مد يده من فوق المائدة ليمسك بيدها .. و ابهامه يتحسس ظهر كفها الناعم ... ككل ما فيها ناعما ...
الى ان قال أخيرا بهدوء
( ألم أخبرك من قبل أنني كنت قد نسيت طعم السعادة مع الأحياء الى أن قابلتك ....... )
شعرت بقلبها يشفق عليه بشدة ... ترى ماذا قدمت له حتى يشعر بهذا الشعور ؟!!
لقد قلبت حياته رأسا على عقب .... و أعيته بمشاكلها .... و فرقت عائلته من حوله .... و تسببت في تورطه بقضية هو بريء منها .....
و ها هي حتى غير قادرة بمنحه علاقة مكتملة بعد سنوات من الجفاء العاطفي منذ وفاة زوجته ....
ابتلعت ريقها و هي تقول بخفوت
( رائف ........ ماذا سأافعل لو ؟؟ ....... )
لم تستطع النطق من شدة الهلع الذي بان على وجهها فعقد رائف حاجبيه قائلا
( لو ماذا يا وردتي الصغيرة ؟!! ....... )
شدت على يده و هي تقول بخوف واضح
( ماذا لو ...... حكم عليك في القضية ..... )
استمر يمسد ظاهر كفها في يده بقوة ... دون ان تهتز عضلة بملامحه ... الى ان قال أخيرا بهدوء وهو ينظر اليها
( اذن أنا من علي أن أسألك .......... هل ستنتظريني ؟!! ...... )
ابتلعت خوفها مع الغصة المؤلمة بحلقها و هي تهمس بصوتٍ مشتد ...
( و هل تسأل ؟!! ......... )
قال رائف بخفوت جدي وهو يداعب وجنتها بيده الأخرى
( ربما أكون قد ظلمتك معي و أنا مقبلا على قضية مثلها ....... )
أغمضت عينيها و مالت الى يده التي تداعب وجهها ثم قالت بخفوت
( أنت من ظلمتني ؟!! ....... آآآآه يا رائف !! .... )
ارتجفت شفتاه قليلا .. ثم قال بخفوت
( لما لا نتناسى هذا الأمر حاليا ؟!! ......... )
همست بخفوت مرتعش
( أحاول جاهدة ... الا انني لا أستطيع , إنه يسيطر علي ....... )
رغما عنها تساقطت دمعة ماسية ناعمة من تحت جفنها المغمض ... فالتوى حلق رائف وهو يرفع اصبعه ليمسحها برفق .... هامسا باسمها ... ففتحت عينيها تنظر بهما الى عينيه و هي تقول بخفوت دون أي ذرة من الخجل
( أحبك يا رائف ...... )
ضاقت حدقتاه وهو يقول هامسا
( حقا ؟!! ........ و لماذا اذن لا تدعين الذكريات تمر بحزنها بعيدا ؟!! .... )
لم يكن هذا هو الرد الذي تأملت سماعه .... كانت تريد تصريحا بحبه ... بل كانت تتمناه ... بقوة غزله و قوة حنانه .... لكنها تنهدت بقوة و هي تهمس بخفوت
( هذا خارج عن ارادتي ..... هلا منحتني فقط بعض الوقت ..... )
قال رائف بعد فترة صمت طويلة
( أتشعرين ....... بالإشتياق اليه .... من حين لآخر بعد ؟!! .... )
لم تتظاهر بعدم الفهم ... بل فهمته , بل و لمحت التردد الرجولي في صوته ... و القلق بعينيه ...
حينها قالت بخفوت
( تنتابني صورا من طفولتنا ..... أخشى أن أقصها عليك , فتحتقرني .... )
عبس رائف قليلا وهو يقول بخفوت يشد على كفها المرتجف
( أحتقرك ؟!! ...... لماذا ؟!! .... ماذا يمكن لطفلة صغيرة مثلك أن تفعل كي أحتقرها ؟!! ... )
أطرقت بوجهها و هي تتنهد بصمت ... نادمة على أنها فتحت هذا الحوار دون قصد منها ... ففقدت شهيتها ...
الا أن رائف لم يصر على أن يسمع صوتها ... بل اكتفى بالقول بصوتٍ جامد متصلب
( هل كان يتعدى عليك في صغركما ؟!! ....... )
ظلت صامتة قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( هو نفسه كان مجرد طفل ....... صبي على أحسن تقدير ... )
ضيق رائف عينيه قليلا وهو يقول و كأنه كان يقر حقيقة واقعة
( لكنه كان مضطربا ...... )
أومأت برأسها دون أن ترد أو أن تنظر اليه .... سمعته يزفر نفسا خشنا .. قويا ..... و كأنه يحمل حملا ثقيلا
فلعنت غبائها الذي جعلها تفسد هذه الأمسية الرائعة ... لذا رفعت وجهها تنظر اليه و هي تقول بعفوية مفتعلة
( هلا غيرنا الموضوع من فضلك ؟؟ ...... )
رفع وجهه القاتم اليها .. ينظر اليها نظرة جمدتها مكانها , الا أنه قال أخيرا بهدوء
( طبعا ......... لما لا تخبريني بكل ما تحبين ؟!! ..... و أعدك أن أحققه لك ... )
ابتسمت ببطىء و هي تقول بحذر
( حسنا ..... سألتزم بوعدك اذن ...... كنت امازحك بخصوص شعري , فأنا لن أقصه حاليا ,,,)
قال رائف مصححا وهو يرفع ذقنه
( أبدا ..........)
ضحكت برقة و هي تقول معدلة
( حسنا ,,,,, أبدا .... لكن لهذا سبب وجيه حاليا و أتمنى منك أن تتقبله ....)
عاد ليضيق عينيه وهو يقول بحذر
( وهو ............... )
عضت على شفتها قليلا ... ثم رفعت وجهها اليه قائلة
( أتعرف ..... أنا لم أكون حياة أبدا من قبل .... لقد اقتصر دوري في الحياة كلها كبائعة ورد لا غير .... أحادث الورود و أهمس لها .... و مساءا أعيش بين الروايات ....)
قال رائف مبتسما وهو يقرص وجنتها
( و تلك هي الحياة التي تليق بكِ يا سكر ......)
أسبلت جفنيها لتبتسم برقة كادت أن تفتك بالمتبقي من اعصابه ... الى أن قالت برقة
(لكني لم أفعل أي شيء آخر ... و لم أجرب أي عمل مختلف .... و بصراحة لم أهتم مسبقا ... لكن الآن بدأت أشعر أنني أريد الخروج من عالم الأحلام الذي أعيشه ...)
صمتت قليلا ثم رفعت وجهها تنظر الى رائف الذي بدأت ملامحه تشتد بحذر الى أن قالت متابعة بخفوت
( هذا العالم ليس ورديا تماما كما كنت اظن يا رائف ..... اريد الخروج للحياة و الإختلاط الحقيقي بالناس .... أريد العمل ....)
بهتت ملامحه قليلا وهو يردد بهدوء
( العمل ؟!!! ...... و ماذا بإمكانك أن تعملي ؟!! .....)
ارتبكت قليلا و هي تقول بحرج
( أعلم أنني لا أمتلك أي مؤهلات ..... لكن حاليا هناك عرضا واحدا عرض علي و سبق أن أخبرتك به ... أنا حقا أريد خوض التجربة ....)
شعرت بيده تتصلب على كفها بقوةٍ آلمتها ... مما جعلها تقول بقلق و هي تنظر اليه
( أن أكون وجها دعائيا .... هل تتذكر ؟!! .....)
كانت ملامحه ساكنة غير مطمئنة ... الى ان قال أخيرا بهدوء غير مريح
( مرت فترة ..... ما الذي جعلك أنت تتذكرين ؟!! ....)
قالت ملك بخفوت وتوتر
( كنت أمر بفترة العدة ..... لذا لم يكن مناسبا حتى التفكير في الأمر و صاحب العرض عرف بأنني في فترة عدة و أنني لن أستطيع التصوير وقتها لذا انتظرني وأعاد الطلب على وعد مجددا .....)
ساد الصمت قليلا بينما هي تقضم أظافر يدها الحرة تتسائل عن سبب موقفه الصامت الى أن قال أخيرا بصوتٍ قاطع
( لا يا ملك ........)
تسمرت مكانها فجأة و هي تقول بفتور
( مجرد لا !! ...... دون حتى أي مناقشة ؟!!! ....)
قال رائف بهدوء صارم
( لا أحتاج لمناقشة استعراض جمال زوجتي علنا ......)
قالت ملك عابسة بتوتر ...
( أنت تسمي الأمر بمسمى مختلف تماما ..... إنها مجرد تجربة .... )
قال رائف بهدوء
( لا ............. )
اتسعت عيناها قليلا و هي تراقب التصلب على ملامحه ... فهمست لنفسها
( لا أصدق هذا ....... )
قال رائف بمنتهى الهدوء
( صدقي اذن ............... هذا العرض مرفوض تماما , لو حاول صاحبه التواصل معكِ مجددا فأنا من سأتصرف معه حينها ... )
حاولت أن تبعد يدها عن يده الا أنه لم يسمح لها وهو يشدد عليها بقوة ... فقالت بخفوت
( هلا تركت يدي من فضلك ..... )
قال ببساطة وهو ينظر اليها
( لا ......... )
رفعت اليه عينين ثائرتين .... و هي تهمس غير مصدقة
( لا ثانية خلال دقيقة واحدة ..... و في أول يوم من زواجنا , هذا رائع .... )
ظل ينظر اليها قليلا ... ثم لم يلبث أن ضحك بقوة جعلت قلبها يختلج بين أضلعها ... مما جعلها تبتسم تلقائيا ... رغما عنها و رغم عن غضبها ....
فضحكت هي الأخرى و هي تسبل جفنيها قائلة
( حسنا أنت تعرف كيف تثبتني من مجرد نظرة ..... هذا لا يبشر بالخير أبدا ... )
تحولت ضحكته الى ابتسامة حارة ... ثم قال
( بل أنتِ من تقنين فن اغضاب الرجل في ساعة أكله ....... )
مطت شفتيها بخبث و هي تهمس بشقاوة رقيقة
( ألن استطيع أذن أفعل أي شيء أستطيع أقناعك به ؟!! ...... )
عاد ليعبس قائلا
( لا ....... و هذه الثالثة .....و الأخيرة ... . )
زفرت بقوة و هي تقول بخفوت
( حسنا ..... كانت هذه الفكرة الاولى و فشلت قبل حتى أن تبدأ ...... )
أطرقت بوجهها ... لكنه مد اليها المزيد من الطعام الذي لامس شفتيها بمداعبة ... ففتحت فمها له تلقائيا ...
و استمر بهما الصمت و هما يأكلان ... او بمعنى أصح .... هو يأكل و يطعمها معه .....
.................................................. .................................................. ...................
كانت الساعة قد قاربت التاسعة .... و السيارة تنطلق بهما بينما يجلس بجوارها في المقعد الخلفي محتجزا يدها في كفه القوية ... الى أن قطع الصمت أخيرا قائلا
( ملك ....... أنا ممتن جدا بعرضك هذا .... )
التفتت اليه مبتسمة لتقول برقة
( إنه ليس تضحية في الواقع ..... لقد اشتقت جدا للسيد عاطف و اريد رؤيته ... )
ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يقول بخفوت مرتبك
( على الرغم من أنه لم يحضر عقد قراننا بالأمس ؟!! ...... )
قالت ملك بصدق تام
( من يذهب الى من يا رائف ؟!! .......صحته لم تعد تحتمل , لكن هذا لن يكون سببا كي لا نشاركه مستجدات حياتنا كما وعدته ...... )
عادت لتنظر من نافذتها ... بينما رفع رائف يدها الى فمه , يقبل راحة يدها بطريقة جعلتها ترتعش بقوة ..
فقد كان كلا منهما يعرف أنه لم يملك الطاقة النفسية على رؤية عقد قران رائف .... بمراسمه ...
و فتاة أخرى غير ابنته هي من تجلس بجواره ....
قال رائف بهدوء
( ستجدين ميساء هناك على الأرجح .......... )
توترت ملك قليلا ... الا أنها قالت بخفوت بعد فترة
( نعم ...... و أنا أقدر عدم قدرتها على المجيء هي أيضا ... فما مررنا به أنا و هي جعل من طريقينا متعاكسين ...... )
كانت تحاول أن تقنع نفسها بذلك .... الا أنها فشلت و كانت تعرف في قرارة نفسها أنه من الصعب جدا أن تقوم بينها و بين ميساء علاقة ودية ... و هذا ما جعلها تذكر قائلة بخفوت
( بالمناسبة يا رائف ..... أنت تتذكر أن جلسة الميراث ستكون مع المحامي خلال أيام ...... )
انتفض مكانه بصورة داخلية غير ملحوظة وهو ينظر اليها ليقول بهدوء
( يمكنني أن أنهي لكِ كل الإجراءات في التنازل عنه .... لا تخافي .... )
رفعت عينيها الى عيني رائف لتقول بهدوء حذر
( أي تنازل ؟!! ....... أنا لن أتنازل عنه ....... )
شعر رائف فجأة بجسده يتصلب وهو ينظر الى وجهها الهادىء الذي ينظر اليه باستغراب ... فقال مستفهما بصوتٍ غريب
( لن تتنازلي ؟!! ...... هل ستستلمين الميراث ؟!! .......... )
رفعت حاجبيها و هي تقول بخفوت ناظرة الى عينيه
( بالطبع ..... ما الذي جعلك تعتقد العكس ؟!! .......... )
قال بصوت جامد خافت
( تعرفين لماذا حق المعرفة .......... )
هزت كتفها و هي تقول بخفوت
( لم يكن هذا ذنبي يا رائف ....... )
رمش بعينيه وهو يشعر بجسده يتشنج بطريقة غير مرغوبٍ بها .... لكنه التزم الهدوء وهو يقول بهدوء متصلب
( ملك .... أنت لن تحتاجي له أبدا .... أنا أملك كل ما سيجعلك مرفهة ...... و نصيبك من الميراث أقل مما سأمنحه لكِ ...... )
قالت ملك بمنتهى الهدوء و هي تنظر اليه
( حتى و إن كان نصيبي مجرد بضع قروش قليلة ..... لن أترك ميراثي من زوجي لأكرم القاضي .... )
ثم التفتت تنظر من نافذتها و هي تغلق باب الحوار ..... بينما كان ينظر اليها بعينين ضيقتين و غضب داخلي مسيطر عليه فلا يصعد الى سطح ملامحه القاتمة ...
لكن قلبه .... فقط قلبه كان يعلم أن خلف ذلك الوجه الهادىء البريء ... تكمن شرارات عنيفة رآها من قبل في عدة مناسبات .... و تلك الشرارات تحمل غضبا ... و ألما ....
أخذ نفسا عميقا قويا وهو يترك يدها ببطىء لينظر من نافذته .... و لم يدري أنها كانت تختلس النظر الى كفها الصغير حيث تركتها كفه !! .....
.................................................. .................................................. ......................
وقفت ملك أمام باب قصر القاضي بتشنج ... و هي تذكر كل ذكرى بائسة طالتها هنا ... في هذا المكان ...
انتفضت فجأة حين شعرت بذراع رائف تحيط بخصرها و تضمها الى جزعه القوي وهو يقول بخفوت
( ربما لم يكن من المناسب أن تأتي الى هنا ..... اليوم .... )
أخذت نفسا مرتجفا كي تهدىء من نفسها ... ثم رفعت اليه وجها مبتسما رغم شحوبه و قالت بهدوء
( بالعكس .... كنت أريد المجيء الى هنا ... و أنا ممتنة لعمي عاطف أنه منحني تلك الفرصة لأحارب المزيد من أشباحي ..... )
فتح الباب فجأة .... فتحته احدى الخادمات الأجنبيات ...فسألها رائف عن خاله , الا أنها أخبرته بنومه مبكرا بعد أن دخلا ...
وقفت ملك مع رائف يدا بيد في منتصف البهو ....
فقال لها بخفوت
( أنغادر ؟!! ........... )
هزت ملك كتفها و هي تهمس بخفوت
( كما تحب ............. )
لكن رائف سأل الخادمة عن السيدة ميساء ... فأخبرته بأنها تجلس مع الضيف في غرفة الجلوس
عقد رائف حاجبيه وهو يقول بخفوت
( أي ضيف ؟!! ........ )
لكن الخادمة لم تجد الوقت كي تجيبه وهو يسمع صوت ميساء تضحك برقة من خلفه يرافقها صوت ذكوري خافت لا مبالي ....
شيئ ما في هذا الصوت جعل برودة تسري عبر ظهره ... فاستدار اليهما ببطىء شديد ...
و كأن الزمن قد توقف بين ثلاثتهم ....
رائف و ميساء التي توقفت مكانها مصدومة من رؤيته .... متزينة بشكل جعل منها شابة في فستان قصير أسود و جوارب تماثله لونا ... و تناقض الأحمر القاتم على شفتيها الفاغرتين
.... و شاب آخر ... لم تعرفه ملك ....
كان شابا أصغر من رائف ... لكنه يكبرها .... و مع ذلك لم تستطع تحديد عمره بالضبط ....
لكن شيئا ما في الأجواء بينهم جعلها تتوتر مما يدور حولها ...
و كانت ميساء هي اول من تكلمت و الصدمة لا تزال ظاهرة على ملامحها
( رائف ؟!! ..... ماذا تفعلان هنا و في هذا الوقت دون موعد !! ........ )
الا أن رائف لم يسمعها ... بل بدا و كأنه لم يراها أصلا وهو يستدير بأكمله قائلا بصوتٍ جعل ملك ترتعد مكانها و هي لا تفهم شيء مما يحدث ....
( أنت ؟!!! ....... ماذا تفعل هنا ؟!! ........ )
ابتسم الشاب ابتسامة قاسية لا تحمل اي اثر للمودة وهو يقول بصوتٍ مزدري
( مر وقت طويل سيد رائف .... علمت من ميسا أنك قد تزوجت .... )
استدار قليلا ينظر الى ملك من رأسها و حتى أخمص قدميها بنظرةٍ وقحة و ان كانت لا تحمل شهوة ... بل غضب .. غضب محفور في ملامحه ...
( هل هذه هي عروسك ؟!! ...... أليست صغيرة قليلا ؟؟ ..... )
الا ان رائف صرخ
( ماذا تفعل هنا ؟!! .......... )
تدخلت ميساء و هي تقول بتوتر
( اهدأ يا رائف ..... أنت تعرف بأن معرفتي بسامر قديمة ....... )
استدار اليها هائجا وهو يقول
( و طالما أنها قديمة .... ماذا يفعل هنا ؟!! ...... )
كانت ملك مذهولة .... لا تفهم شيئا مما يحدث ..... لكن ما لم تتوقعه هو ان يبادل هذا الشاب رائف الكلام بآخر أقسى منه يقطر مرارة و كره حقود
( الآن تتزوج يا سيد رائف ؟!! ...... تتزوج فتاة صغيرة شقراء تعيد اليك الشباب .... بينما لم تترك لي الفتاة الوحيدة التي أحببتها ..... )
اتسعت عينا ملك بذهول بينما هدر رائف قائلا
( لا تنطق باسم رؤى ........ و اخرج من هنا حالا .... )
الا أن هذا الشاب الذي يدعى سامر .. وقف يواجه رائف بعينين تقدرحان ألما جبارا .... وهو يقول من بين أسنانه بصوتٍ بدا كالفحيح
( كيف تشعر الآن ؟!! .... سعيد بحياتك بعد موتها ..... تمضي لياليك مع شقرائك الصغيرة .... )
و دون أن يمنح رائف الفرصة كان قد اتجه الى ملك ليقول بلهجة مهينة
( مبارك لك يا عروس ..... مبارك عليك أبيض الشعر ..... )
أمسك رائف به من قميصه وهو يصرخ
( أبتعد عنها ........ )
بينما اختبئت ملك خلفه و هي تتشبث بظهره ... لكن رائف أخذ يدفعه خارجا بينما سامر ينفض يديه عن قميصه صارخا
( ابتعد عني ....... سأخرج وحدي ....... و أنت انعم بفتاتك الصغيرة .... قبل أن تموت .... أو أن تموت انت .... فالدنيا سلف و دين ... )
خرج من باب القصر , فصفقه رائف بعنف وهو يستند اليه بكفيه ... مطرق الوجه ... يلهث بطريقة لم تراها ملك من قبل !! ....
لحظتين فقط قبل أن يستقيم لينظر الى ميساء نظرة سوداء غريبة ... فتراجعت خطوة و هي تقول
( لا تنظر الي بتلك النظرة ....... لا شيء يجبرني على قطع صلتي بمعارفي القدامى ..... )
ظل ينظر اليها بملامح مطعونة ... جعلت قلب ملك ينفطر عند قدميها الى شظايا جارحة ... ثم قال بصوت غريب ليس كصوته
( لنرحل يا ملك ........ )
.................................................. .................................................. ...................
ساد الصمت التام طريق العودة ... و رائف يجلس بجوارها بينما هو في عالم آخر تماما ... لا يراها من الأساس ... بينما هي كانت تنظر اليه شاعرة ببداية حياتها تنهار بقوةٍ على صخرة أحلامها ..
لم تكن في حاجة للسؤال ... فكل شيء كان واضحا أمامها ... و أي معلومة زائدة ستكون كفيلة بنحر قلبها ...
لذا التزمت الصمت و هي تدعو الله الا تنفجر باكية أمامه ....
و ما ان دخلا البيت ... حتى ابتعد قليلا دون أن ينظر اليها ثم قال بخفوت غريب ... يكاد أن يكون أجوفا ذو صدى
( اذهبي للنوم يا ملك ....... )
و دون أي كلمة .... ابتعد وهو يعرج ليختفي داخل غرفة أخرى مغلقا الباب خلفه ... بينما وقفت ملك مكانها متسمرة مصدومة مما يحدث لها ....
و ما أن استطاعت التنفس ... حتى شهقت باكية بقوة و هي تجري الى غرفتها صافقة الباب خلفها ....
و مضى وقت طويل و هي تقف أمام نافذة غرفتها تراقب الأمطار و التي تماثل أمطار عينيها المنتحبتين على وجنتيها .....دخل رائف الى غرفتهما بعد فترة طويلة ...... تقريبا كالمغيب الذي لا يملك سيطرة على طريقه ....
ليقف مسحورا من هذه اللوحة التي لن تتوقف أبدا عن احداث الخلل بدقات قلبه ...
حيث كانت تقف على ضوء المصباح الصغير ... ظهرها اليه .... في قميص نومها الرقيق الشفاف و الذي يظهر أكثر مما يحتمل كيانه العاشق ...
بينما شعرها متموج على ظهرها و حتى تعدى خصرها .....
تقدم منها ببطىء وهو يعرج الى أن وصل اليها ... فوقف خلفها مباشرة وهو يمد يده وكأنه يريد ملامسة شعرها ... لكنه عاد و اخفض يده ليمسك بكتفيها فجأة و يديرها اليه ...
و هنا تسمر كلا منهما أمام الآخر ....
كانت ملامح رائف كملامح من خرج للتو من بئر سحيقة ... بينما وجه ملك الأبيض البريء كام مغرقا بالدموع الغزيرة مما جعلها اشبه بالنافذة المبللة من خلفها ....
مضت بينهما عدة لحظات قبل أن يندفع وهو يحيط خصرها بذراعيه و يرفعها من الأرض ...
بينما وجدت شفتاه طريقهما الى شفتيها اللتين انهارتا امام جدران قبلاته القوية
وهو يحيط ظهرها بذراعيه بقوةٍ حتى كادت أن تصبح جسدا ملاصقا لجسده ... وهو يطبعها بكل منحنياتها اليه ...
أنزلها أرضا دون أن يحرر شفتيها ... بينما كانت هي مشدوهة و مستسلمة .....
تجرب عنفوان المشاعر التي لا تجد سيطرة من قلبين ....
يداه تتحركان على ظهرها ارتفاعا و نزولا و كأنه فنان يتلمس تمثاله و ينحته بقوة .... و شفتيه تدمغانها باسمه فعلا ... و اسمها همسا ...
و دون أن تدري كيف سارت الى الفراش أو ربما هو من حملها .... كانت قد استلقت اليه وهو معها هامسا في أذنها بصوتٍ جعل دموعها تنهمر بقوةٍ أكبر
( لا تتركيني يا وردتي ..... )
أغمضت عينيها و هي تتخلل شعره بأصابعها ... تبكي بحب و ألم .... لتسمع صوتها يهمس بين هدير نبضاتها
( أنا لك ........ أنا لك ........ )
.................................................. .................................................. ................
أنت تقرأ
بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Randomوأقف أمامك بأعين متضرعة الأرنو اليك بنظرة تلتقطها عيناك من فورها توقف فقط توقف وخذ عينيك بعيدا نظراتك تقتلني وأيامي تضنيني والأمل بعيد بعينيك بحر متلاطم الأسرار ...