28

2.6K 81 2
                                    

الفصل الثامن و العشرين :
وضعت ملك باقة الورود الخوخية على الطاولة أمام السيد عاطف .... فانحنت الصورة في الإطار مجددا
فقال بخفوت
( عدلي من وضع الصورة من فضلك .......... )
نظرت ملك الى الصورة الجميلة ثم همست بسرعة و هي تعدلها
( آسفة جدا ............ )
ثم همست مبتسمة ....
( من تلك الجميلة ؟!! ............... )
نظر السيد عاطف الي الصورة بصمت ثم قال بهدوء مبتسما بفخر
( إنها ابنتي ........" رؤى " ... )
قالت ملك بود و اعجاب
( كم هي جميلة ..... كاسمها تماما ...... )
همس السيد عاطف و عيناه على الصورة بشرود
( نعم ........ جميلة ........ )
ثم رفع وجهه الى ملك مبتسما
( مثلك تماما ............ )
ضحكت و هي تقول برقة
( اشكرك من كل قلبي ....... لكن لا اعتقد انني بمثل جمالها , فعيناها تنبضان بالحياة ...... )
عاد السيد عاطف ليومىء برأسه بشرود ..... فقالت ملك بفضول
( هل هي تسكن هنا معك ....... أم إنها متزوجة ؟؟ ........... )
قال السيد عاطف مبتسما
( اتتذكرين ذاك الفظ الذي قابلتيه هنا أول مرة ........ انه يكون زوجها ..... )
ارتبكت ملامح ملك قليلا ..... ذكرى هذا الرجل تربكها دون سبب ... جديته و ملامح وجهه التي لا تقبل الهزل ....... و عيناه تبدوان و كأنهما تنفذان الى روح من ينظر اليه .....
لكنها قالت برقة
( فليسعدهما الله ............... انه محظوظ بها )
ضحك السيد عاطف دون ان يصل المرح الى عينيه وهو يقول بخفوت
( نعم ...... انه اكثر من محظوظ )
ثم لم يلبث ان قال بمرح
( هيا يا فتاة كفى عن الثرثرة ......و احضري طاولة الشطرنج من هناك ..... )
ابتسمت ملك و ذهبت لتنفذ الأمر مبتهجة .... الحقيقة أن العدة مرات التي حضرت فيها الى هنا من أجل كريم ... تحولت بالتدريج الى رغبة صادقة في مقابلة ذلك الرجل الطيب و تقبل صداقته ....
كانت تقرأ له .... و أحيانا أخرى يلعبان الشطرنج ..... دور واحد لم ينتهى حتى الآن .... و يبدو أنه سيطول ....
كان يضحكها ..... و كانت تضحكه ...... لا تتذكر أنها حظيت بمثل تلك الصداقة من قبل ......
و كم هي في حاجة اليه .... بعد سفر وعد ..... لا تعلم لماذا يصيبها غياب وعد كل مرة بنفس الصدمة !!!
على الرغم من انها أقنعت نفسها بكل قوة أنها لم تعد تهتم .... و أن لكلا منهما حياتها الخاصة .....
لكن لا فائدة ...... تستمر وعد في صدمها .... و تستمر هي في الشعور بالصدمة ......
تنهدت و هي تحرك قطعتها المفضلة ....... بينما كريم يشغل بالها الآن .......
ربما آن الأوان لكي تبدأ بناء بيتها الخاص ......
ابتسمت بشرود و هي تشاهد السيد عاطف يحرك قطعته ......
تذكرت المرة السابقة ..... حين خرجت من غرفة السيد عاطف و عيناها تبحثان عن شادي خلسة .... و فجأة جذبتها يد قوية الى أحد أركان الرواق المظلمة !! ...
و قبل أن تشهق كانت شهقتها قد ضاعت في قبلة قوية من شخص مظلم .....
للحظة ..... للحظة فقط أغمضت عينيها و مشاعرها تصرخ في طوفان جامح ....
لكنها مجرد لحظة ..... دفعته بعدها بكل قوتها و صرخت لكن همسا من بين اسنانها
( أيها القذر ..... كان يجب أن أعلم أن الثقة فيك خسارة ..... )
لكنه لم يبتعد .... و تألقت ابتسامته أكثر وهو يقترب منها ليهمس في اذنها
( أنتِ بخيلة جدا يا مليكة ...... جدا ... و هذا منتهى الظلم , لم أعرف عاشقا من قبل يعيش صائما مثلي ... )
هتفت حينها بغضب هامس
( أنا لا أتبع تلك المدرسة من العشق يا شادي ...... أنا لا أتبع سوى مدرسة واحدة , المأذون ..... )
ضحك قليلا بتوتر ثم همس
( كم أنتِ واقعية ....... )
ارتجفت شفتيها حينها ثم همست
( أشعر أنك لا تريد الزواج مني يا شادي ..... و أنا لا ألومك , لكن من فضلك ابتعد عني ... أنا فتاة بسيطة و أحلامي أبسط مما قد تتخيل ...... )
نظر اليها مليا وهو يتلمس وجهها بشرود ثم همس
( لا أريد الزواج منكِ !!!! ..... الزواج هو اسم بسيط جدا لما أريده منكِ ..... أريد أن أدخلك الى كياني كما هو مكانك الطبيعي ..... أريد أن أراكِ في كل لحظةٍ من حياتي ..... حتى بمنامي ... لأستيقظ و أراكِ بجواري ...... )
همست ملك بحب و قد ارتعش قلبها فرحا
( اذن هل فاتحت السيد أكرم القاضي في موضوع زواجنا ؟!! ........ )
أطرق برأسه بصمت ..... حينها شعرت بالإحباط باردا كالثلج بداخلها ... الى أن قال كريم
( امنحيني فقط عدة أيام يا ملك ...... فقط عدة أيام و سآتي عارضا عليكِ الزواج ..... )
ارتسمت ابتسامة على شفتيها .... و ها هي تنتظر ....
أجفلت فجأة على صوت السيد عاطف يقول بتأمل
( أنا أنتظر دورك منذ أكثر من دقيقتين ...... لكني كنت أتمتع فيهما بتأمل ملامحك الجميلة الشاردة )
ابتسمت ملك و هي تنظر الى وجهه الراقي ... ثم قالت بخجل
( أنت تغازلني يا سيد عاطف ..... احترس , فقد لا آتي الى هنا مجددا ...... )
ضحك قليلا ثم قال بخفوت
( وصف الجمال ليس مغازلة دنيئة ...... الإنسان يحيا ليتأمل كل جميل )
ضحكت ملك بمرح ثم قالت
( انها مغازلة ........ لكنها مغازلة قديمة جدا , كم مر من الوقت منذ أن غازلت فتاة .... )
تظاهر بالتأمل وهو يهمس مفكرا
( يااااااااه ......... )
ثم نظر اليها ليقول بهدوء
( حوالي ساعتين ....... قبلها كنت أتغزل بعيني الفتاة التي تحضر لي قهوتي ... فهي ذات عينين تشبه عيون الغزلان ...... )
ضحكت ملك و هي تهز رأسها يأسا ..... ثم همست بجدية
( ربما عليك أن تتزوج يا سيد عاطف ....... خاصة بعد زواج ابنتك .... )
ارجع عاطف رأسه للخلف و ضحك عاليا ....... ثم نظر اليها ليقول
( أنتِ عفوية جدا يا فتاة ....... لم أرى فتاة تكلمني بذلك التباسط من قبل ...... )
ابتسمت باشراق و هي تقول بصدق
( أنا اتكلم بجدية ........ الزواج هو اقدس علاقة بين اثنين ...... لا يهم العمر أو الفوارق ..... المهم الوحيد هو أن تجد الروح روحا تشاركها الأحلام و الابتسامة ...... الزواج هو النسخة البراقة من الصداقة )
نظر اليها عاطف مبتسما وهو يسند فكه الى اصبعه .... يستمع الى أحلامها البريئة و كأنها حمامة تشدو ... ثم قال أخيرا بهدوء
( أنتِ طائر جميل ...... لا يزال يعد جناحيه الصغيرين استعدادا للتحليق بعيد في السماوات الواسعة .... )
صمت قليلا ثم قال أخيرا
( اذن ما رأيك لو نفذت نصيحتك و تجاهلت فارق العمر و تزوجتك !! ....... )
احمر وجهها بشدة و هي تضحك عاليا ثم قالت
( أنتِ لا تأخذ الكلام بجدية أبدا يا سيد عاطف ...... لكن عامة انا كان ليشرفني جدا )
صمتت قليلا و هي تبتسم بخجل و وجنتيها تحمران في حمرة الورود التي جلبتها .... ثم همست
( لكن أنا مخطوبة ............ )
رفع عاطف حاجبيه ليقول
( حقا ........ لم أرى خاتما في أصابعك !! ...... )
همست ملك و هي تفرك أصابعها
( أنا في انتظار قدومه للتقدم لي رسميا ...... و حينها لن يتأخر في شراء الخاتم , حتى لو كان من الورق المعدني .... فأنا سأكون سعيدة وراضية ..... )
همس عاطف بتأمل مبتسما
( ياله من محظوظ !! ........... )
ابتسمت ملك بإشراق أكبر و أطرقت برأسها لتهمس برقة
( و أنا أيضا محظوظة ....... لم أتخيل أن يجدني بعد كل تلك السنوات , كنا كالأخوة في طفولتنا ..... و ما أن رأينا بعضنا في شبابنا حتى تعرفنا على ملامحنا من فورنا ....... )
همس عاطف مجددا برقة
(يالها من قصة !! .............. )
أومأت ووجهها يتألق ما بين احمراره الرائع و ابتسامتها العاشقة .... ثم همست
( نعم ....... إنها قصة صداقة تحولت الى عشق ..... )
قال عاطف مبتسما بخفوت
( لكن أرجو الا يمنعك من القدوم الى هنا فيما بعد ......... )
ضحكت بمرح سري .... ثم قالت بعفوية
( بل سأكون هنا كل يوم ........ أنا لا أتخلى عن أصدقائي أبدا ..... )
نظرت الى ساعة معصمها .... ثم نهضت لتقول بسرعة
( لقد تأخرت .... يجب أن أذهب الآن , حافظ على مكان القطع ...... لا أعلم متى سينتهي هذا الدور المعقد )
قال عاطف وهو يراها تحرك طاولة الشطرنج بحذر الى مكانها ...
( أود لو لا ينتهي ...... ففي نهاية كل لعبة , فراق )
نظرت اليه عاتبة ثم قالت
( لا تكن متشائما ........ سأظل على قلبك يا سيد عاطف )
عاد ليضحك عاليا و بقوة ...... وهو يقول من بين ضحكاته
( أنتِ حقا قطعة من أرض هذه البلد ...... من خبزه و ماؤه ..... )
قالت ملك ببساطة و هي تتجه الى الباب
( متوفرة لكن ذات رواسب !! .................. )
عاد ليضحك عاليا ..... حتى أنه لم يستطع الرد عليها فصرفها بيده وهو لا يزال يضحك بقوة ...
فلوحت له ضاحكة و خرجت بسرعة .... و كعادتها ظلت عيناها تبحث عن شادي , ألن تراه اليوم !! ....
لكن أثناء التفاتها الى الخلف علها تراه أثناء مشيها ..... ارتطمت بصدرٍ جبار قوي ...
فشهقت و هي تبتعد بسرعة ..... لتجده أمامها .....
الرجل الغامض .... ثابت الملامح ....... ذو العينين النافذتين .......
وقفا يتواجهان لفترة من الزمن ..... كانت تلهث بقوة .... و لا تعلم لماذا تسمرت ساقيها عن الحركة و لسانها عن الكلام !!! ......
بينما وقف هو أمامها يتأملها بصمت ..... كما فعل في المرة السابقة .....
عيناه تطوفان على ضفيرتها ذات اللا نهاية !! ........ و دون ارادة منها رمت ضفيرتها بقوة الى خلف ظهرها ....
و كانت تلك الحركة هي التي بثت الحياة في التمثال الحجري الضخم ......
فتحركت عضلاته قليلا ,, مما جعل ملك تتراجع خطوة للخلف بخوف ..... لكنه لم يتحرك من مكانه وهو يقول بصوته العميق اللذي لا يحمل تعبير معين
( هذا ثاني اصطدام ....... أتسائل عن مكان الثالث !! ..... )
عقدت حاجبيها و همست بلعثم و ارتباك واضح
( أنا لم ......... المرة السابقة ..... لم ...... اصطدم .... بحضرتك .... )
لم يرد عليها على الفور ....بل برقت عيناه للحظات , مما جعلها تتسائل عن قصده
ثم قال بصلابة خافتة
( باقة ورد جديدة ...... ألم اطلب منكِ الا تأتي الى هنا مجددا ؟؟ ..... )
اتسعت عيناها بصدمة من مدى تسلطه .... و ظلت تنظر اليه بذهول قليلا , ثم رفعت ذقنها لتقول بشجاعة
( ربما من الأفضل لو توقفتم عن طلب الورد من محلنا اذن ...... سيدي ... )
تجمدت عيناه .... و لا تعلم لماذا انتابها شعور غريب أنه على وشك ضربها ... فتراجعت خطوة أخرى ....
بينما قال بصوتٍ خافت لكنه غير مريح اطلاقا
( الا يوجد صبي ليوصل الباقات ؟؟ .......... )
أطرقت برأسها و قلبها ينبض بارتباك واضح ..... لكنها قالت بتوتر
( حاليا ........ لا ....... )
قال لها وهو يتقدم منها خطوة
( اذن هاتفي البيت هنا .... و أنا سأخصص من سيأتي ليحضرها .... )
ارتجفت ملك من قربه الضخم ... لكنها قالت بشجاعة رغم التوتر و الإرتباك
( عفوا سيدي ....... هل بدر مني ما يسيء الى سمعة المحل ؟؟ .... )
اقترب منها خطوة أخرى ... ثم قال بخفوت قاسٍ
( الأجدر بكِ الحفاظ على سمعتك أنتِ ............ )
اتسعت عيناها بذهول .... بينما هتفت بغضب
( سمعتي !!! ...... ماذا بها سمعتي يا سيد !! ...... )
اقترب خطوة أخرى حتى انقضت المسافات بينهما .... فهتفت برعب و هي تلتصق بالجدار
( من فضلك ابتعد ........ لو تصرف أي تصرف مشين سأصرخ و أجمع أهل البيت )
ارتسمت ابتسامة ساخرة قاسية على شفتيه , ثم قال بخفوت
( كان الأجدر بكِ التفكير جيدا قبل الدخول الى بيوت غريبة ...... فلو أراد اصحابها الإساءة اليكِ , فلن يعينك أهلها أبدا ........ )
أخذت تتراجع على الحائط حتى أصبحت واقفة على أطراف أصابعها .... فأدارت وجهها جانبها بخوف وهو يحاصرها .... و أخذت تهمس بيأس
" أين أنت يا شادي ........ أين أنت ..... "
ودت لو صرخت على السيد عاطف .... لكن اثارة الفضيحة في بيت القاضي لن يفيدها أبدا في الأيام المقبلة ....
فهمست و هي تلهث و صدرها ينخفض و يعلو برعب ....
( رجاءا يا سيدي ........ ابتعد , أنا مجرد عاملة بسيطة ..... و ما تفعله لا يليق بشخصك و مقامك .... )
لم تسمع منه ردا على الفور ... و ما أن طال بهما الصمت ... حتى تجرأت و أدارت وجهها اليه .... فوجدته على بعد خطوةٍ منها و لم يتحرك ..... ينظر اليها بصمت ..... و عيناه تتنقلان ما بين عنقها و ضفيرتها ...
و للغرابة .... شعرت بالغباء فجأة .....
لأنها شعرت شعور مؤكدا أنه لا ينوي بها أي ضرر .....و تساءلت عن السبب الذي جعلها تفتعل كل تلك الدراما المخزية .....
فعضت على شفيتها بتوتر ..... ذلك الرجل الغريب يثير بها كل أنوا المشاعر الخاطئة ..... و يخرجها عن طورها تماما ....
أخيرا تكلم بصوتٍ آمر ......
( اخرجي من هنا و لا تعودي مجددا........ هذا آخر ما قد أفعله من أجلك , ....... )
فغرت شفتيها و هي تنظر اليه ..... لماذا تشعر أن تلميحه يفوق مجرد الحديث العابر الى بائعة ورد !!!
هل يعرفها !!! ....... أيا كانت اجابة السؤال , الا أنها لم تجد سوى اطلاق ساقيها للريح و الهرب ما أن ابتعد عنها ........
بينما وقف ينظر بصمت الى ضفيرتها الذهبية المتطايرة من خلفها ...........
.................................................. .................................................. ......................
سمعت كرمة صوت رنين الباب ظهرا .... فنظرت الى المطبخ تنتظر أمينة أن تفتح , لكنها على ما يبدو كانت مشغولة ...
لذا اتجهت الى الباب كي تفتحه ...... لكنها ما أن فعلت حتى توقفت مكانها حين وجدت أمامها صبي صغير .... يلبس لبسا رياضيا و يحمل فوق ظهره حقيبة رياضية مناسبة ......
و دون الحاجة للسؤال عرفته ..... فابتسمت ....
ياللهي .... كم يشبه والده !!! ..... بل هو اشد وسامة منه ....
نفس العينين و نفس الشعر البراق الجميل المصفف بنعومةٍ للخلف ........
قال كرمة مبتسمة بخفوت
( مرحبا ........... )
الا أنها لم تتوقع أن يرتفع حاجبي الصبي بدهشة قوية و هو يتأملها ليقول فجأة بلهجة مصدومة
( الله !!! ...... الله !!! ...... ماذا لدينا هنا !!!! ..... )
اختفت ابتسامة كرمة بعدم فهم .... لكنها ارتبكت , فتجاوزها وهو يزيح الباب و يدخل بيته بأريحية ......
أغلقت كرمة الباب و استدارت اليه بتوتر ..... فالتفت اليها قائلا بلهجة مصدومة
( الآن عرفت لماذا تركنا بيتنا ........ هل يمكنك اخباري عما تفعله سيدة جميلة هنا بمفردها في بيت والدي !! )
اتسعت عينا كرمة بذهول و هي تنظر اليه !!! ..... ألم يخبره حاتم بزواجهما !!! .... ألم يخبره !!!
كيف لم تسأله سؤالا هاما كهذا ؟!!! ...... لكنها ظنته أمرا بديهيا لا يحتاج للسؤال ....
رفعت يدا مرتبكة الى صدرها و همست بتوتر تعرف عن نفسها
( أنا ....... كرمة .... زميلة والدك بالعمل )
لوح الولد بذراعيه بصورةٍ مسرحية وهو يلقي حقيبته أرضا ليقول
( و ماذا تفعل كرمة زميلة والدي في بيتنا بينما نحن خارجه !!! ........ )
ازداد ضغط يد كرمة على صدرها المتوتر .....
" تبا لك يا حاتم !!! ..... ماذا أفعل الآن ؟!! ...... هل أخبره أنا , و حينها ستسؤ علاقته بك تماما ؟؟ .... أم أنتظر الى أن تخبره بنفسك ...... لكن منظري غريب جدا هنا .... تبا لك يا حاتم !! "
أخذت تجلي حنجرتها قليلا .... و بدأت في الهمس
( احم .... أنا ....... ما اسمك بالمناسبة ؟؟ .... أعتقد أن والدك أخبرني ذات مرة لكنني نسيت على ما يبدو )
رد الصبي قائلا ببرود و بملامح لا تلين
( محمد .......... )
ما أن نطق الإسم حتى عادت اليها ذكرى حلم الأمس فجأة !!!
لم تكن قد تذكرته منذ أن أفاقت صباحا ...... لكن الإسم جعلها تتذكر كل تفاصيل الحلم , فارتجفت بقوة و همست بداخلها برعب
" استغفر الله العظيم !!! ......... "
ثم أظلمت عيناها بألم و هي تتسائل
" هل جاء اليوم الذي تستغفر فيه الله لحلمها بمحمد !!!!! ...... لو أخبرها أحد بذلك سابقا لضحكت بجنون .... الى أين سارت بها الأيام ؟!! "
أفاقت بقوة على صوت محمد وهو يهتف ملوحا بيده
( هاااااااي ....... أين ذهبتِ يا زميلة والدك !! ...... هل يمكنك تفسير وجودك هنا !! )
فغرت كرمة شفتيها و شعرت و كأنها تلميذة مذنبة أمام ناظر المدرسة .... فهمست بإرتباك
( أنا ........ أنا ....... ياللهي ماذا أفعل الآن !! ..... )
توقفت فجأة حين سمعت صوت ضحك أمينة من خلفها و الذي امتزج بضحك محمد اللذي أمسك بطنه
فعبست بشدة و هي تنقل نظراتها بينهما ....
كانا يضحكان بصوتٍ و سماجة .... ضحكات سمجة متقطعة !! .....
فوضعت يديها في خصرها و هي تقول بحنق
( ها ..... ها .... ها ...... كم هذا ظريف !! ... )
الا أن أمينة قالت و هي تضع صينية العصير من يدها
( والله أحمق مثل والدك .......... اشتقت الي شقاوتك يا قرد .... )
ذهب اليها ليحتضنها , ثم قال بلهجةٍ ذات مغزى
( منه لله من كان السبب و فرقنا .......... )
ارتبكت كرمة أكثر ..... لكنها قالت و هي تمد يدها
( حسنا ........ لنبدأ من جديد ,.... مرحبا يا .... محمد , أنا كرمة زوجة والدك )
تجاهل يدها الممتدة .... ثم أخذ يدور من حولها وهو يقيمها بنظراته .... فرفعت كرمة حاجبها مرتابة من نظراته البعيدة عن الطفولة .....
الى أن قال أخيرا
( امممممم ..... حسنا لقد أجاد الإختيار ...... لا بأس بكِ )
احمر وجهها قليلا , بينما تابع بهدوء
( لكن ماذا أعجبك به ؟!!! ......... )
عبست و هي تضيق عينيها , بينما قالت أمينة
( احترم نفسك يا ولد ....... و تعال لأعد لك بعض مما تأكله .... )
لكن محمد قال بهدوء
( حسنا اذهبي أنتِ و أنا سألحق بك ........ )
قالت أمينة
( اياك و مضايقة كرمة و الا سيغضب والدك ....... أوامره صارمة بخصوصها )
قال محمد بخفوت و عينيه على كرمة
( الله .. الله .... سيدي يا سيدي .... كرمة فوق رؤوسنا و في أعيننا ... و في بيتنا .... بينما نحن خارجه !! )
ارتبكت كرمة أكثر و عضت على شفتيها لتقول بخفوت
( هذا وضع مؤقت ...... أنت ووالدك ستأتيان الى هنا ..... خلال يومين ... )
هتف محمد قائلا
( شكرا للكرم الفائض يا كمرة ........... )
قالت كرمة بفتور مصححة
( " كرمة " ............. )
فقال محمد عفويا
( آه نعم ...... آسف , كرمة ...... الخاصة بالعنب أو شيئا كهذا .... )
قالت كرمة بنفس الفتور و حاجبها يرتفع بعدوانية
( نعم شيئا كهذا ............. )
جلس محمد بأريحية على الأريكة كجلسة ابيه تماما .... ثم قال بهدوء مربتا على المكان الخالي بجواره
( تعالي ..... اجلسي )
ابتسمت كرمة رغما عنها , فهذه الحركة هي حركة حاتم تماما حين يرغب في أن يحدثها بأمرٍ هام ....
كانت مقتنعة دائما أن الأطفال يرثون جينات ابائهم الشكلية .... لكن ما كان يذهلها
هو أن تكون لهم نفس الحركات و الإيماءات .... و غالبا ما تخيلت طفلا بحركات و ايماءات محمد ....
عادت ملامحها لتتصلب و هزت رأسها قليلا لتنفض ذلك المنحنى ...
ثم اتجهت طالبة الحماية الفكرية من محمد ..... الصغير ....
جلست بجواره بصمت و أناقة , تنظر اليه بطرفِ عينيها .... و هو ينظر اليها ببساطة متفحصا إياها و كأنها هي الصغيرة و ليس هو .....
قالت كرمة أخيرا قاطعة الصمت
( هل يعلم والدك أنك هنا ؟؟ ........... )
هز رأسه نفيا دون رد .....فقالت بدهشة
( اذن كيف أتيت الى هنا بمفردك ؟؟ ....... )
قال لها ببساطة
( النادي بقرب البيت تماما .... لهذا اختاره والدي .... )
أومأت كرمة برأسها ... ثم عادت الصمت بينهما , فقال محمد
( لم تجيبي عن سؤالي ...... ماذا أعجبك فيه ؟؟ ..... )
نظرت كرمة اليه متفاجئة .... آملة أن ينسى السؤال ... لكن من الواضح أنه لم يفعل , لذا قالت بحذر و خفوت
( والدك ..... شهم جدا , و مراعي لمشاعر غيره .... كما أنه ناجح في عمله جدا )
رفع حاجبيه بدهشة ..... ثم قال أخيرا
( الا تحبينه ؟!!! ............ )
صدمت من جرأته و نظرت اليه بتعجب بينما احمر وجهها بشدة .... فقالت باقتضاب
( كل من يعرف والدك يحبه ........ انه محبوب في العمل جدا )
قال محمد ببساطة
( لكن هذا ليس رأيي أمي .......... )
اتسعت عينا كرمة بصدمة و هي تنظر أمامها ...... لا تتجرأ حتى على الإلتفات اليه ..... و ظلت صامتة كي تمر تلك المنطقة الخطرة .... لكنه لم ييأس فقال بهدوء متابعا
( أمي تقول أنه أذاقها الويل ........ )
اتسعت عينا كرمة أكثر ... و ظلت جالسة على حافة الأريكة تنظر أمامها .....
" أذاقها الويل !!! ..... حاتم !!! ..... هل كان يضربها و يهينها !!! ... ياللهي !! .... و ما الذي تعرفه عنه سوى الظاهر فقط !! ...... "
كم ودت لو سألت محمد إن كان حاتم يضرب أمه !! ...... لكنها ضغطت على أسنانها بحزم ... و قوت نفسها و هي تفكر
" اجمدي يا كرمة ...... لا تدعيه يستدرجك فتقعين في أكبر خطأ !! ....... لو حاتم من هذا النوع فأنا خير كفيلة بأن أدافع عن نفسي ...... لقد تحملت محمد لأنني كنت أحبه و ما بيننا كان أكبرمن أي شيء
, أما الآن فلا شيء في الدنيا يجبرني على تحمل الإساءة مجددا ...... اطلاقا ..... "
كانت تتنفس بسرعة و هي تجلس مكانها ..... الى أن سمعت صوت المفتاح في الباب , فنهضت قافزة تتنفس الصعداء .... و ما أن رأت حاتم يدخل حتى شعرت بالإمتنان لتخليصها من تلك الورطة ...... و نسيت تماما خلافها معه بالأمس بخصوص موضوع المفتاح ......
توقف حاتم مكانه ما أن رآها واقفة كالبدر تنظر اليه و كأنها تنتظره ....
و يا الله !!! ...... اندفعت ذكرى ليلة أمس حية أمامه بكل تفاصيلها .......
حتى الآن لا يصدق أن تلك الفرس الجامحة كانت بين ذراعيه مروضة ..... تموء كقطةٍ راضية ......
رائحتها لا تزال تزكم أنفه .... رغم ثقته بأنه لم يكن عطرا , بل كانت رائحتها الخاصة و الشبيهة برائحة الأطفال ...... ممتزجة بأنوثة طاغية و كأنها أنثى الطاووس تنادي شريكها في موسم التزاوج !!
زفر بقوة بين شفتيه ..... ليقول هامسا بدلا من التحية
( ما أجملك كأول شيء في الصباح !! ......... )
اختفت ابتسامتها بذعر و اتسعت عيناها بتحذير و هي تشير بحدقتيها جانبا ....
عقد حاجبيه وهو ينظر الى ما تشير اليه ...... ثم لم يلبث أن رفع حاجبيه دهشة و هو يرى محمد جالسا على الأريكة براحة .... ينظر اليه مبتسما و هو مادا كلتا ذراعيه على ظهر الأريكة .....
هتف حاتم مقتربا
(ماذا تفعل هنا !!!! ..........هل هربت من السائق مجددا ؟!!! )
قال محمد ببساطة
( فضلت أن آتي لبيتي ...... أطمئن إن كانت أمينة أو كمرة تحتاجان الي شيء ما ..... )
ضغط حاتم شفتيه بغضب , لكنه سيطر على نفسه و هو ينظر الى كرمة قائلا
( هل فعل ما يغضبك ؟؟ ....... هل تجاوز حده معك ؟؟ ...... أنا أعرفه جيدا ... )
سارعت كرمة تقول
( على العكس ....... لقد أتى فعلا لرؤيتنا , .... كان تصرفا شهما جدا من قبله )
قال حاتم بصرامة وهو ينظر الى محمد مجددا
( ليس حين يهرب من السائق للمرة الثالثة هذا الأسبوع ......... )
أطرقت كرمة برأسها و تمنت لو لا يعنف محمد أمامها كي لا يكرهها ......
لكن حاتم قال بصوتٍ حازم
( حسنا أيها الشاب , ادخل الى الحمام و نظف نفسك قليلا ..... كي تأتي معنا أنا و كرمة للغذاء خارجا )
نهض محمد ببساطة .....لكن قبل ان يختفي لم ينسى أن يقول من خلف ظهره
( على الأقل مسموح لنا باستخدام الحمام ......... ربما سيكون غرفتي لاحقا )
استدار اليه حاتم غاضبا .... فجرى مسرعا ليدخل الحمام صافقا الباب خلفه بقوة
بينما وقفت كرمة مرتبكة تراقبهما ...... الحقيقة وجود صبي في البيت أمر غريب عليها تماما .....
لكن ياللعجب .... شعور غريب من الدفىء تسلل أعماقها بخبث ..... حتى جدالهما و خلافهما لذيذ .... و كأنهما نسختان طفوليتان .... مع اختلاف الأحجام فقط .....
نظر اليها حاتم بصمت ليقول بعدها بصوتٍ خافت
( آسف على ذلك ....... كان يجب أن احذرك منه )
قالت كرمة مسرعة
( إنه رائع ......... وهو يشبهك تماما )
برقت عيناه فجأة .... بريقٍ أخافها , و قبل أن تفلح في الهرب كان قد اقترب منها ليجذبها بين ذراعيه محيطا خصرها بقوة ...و هو يهمس ملامسا أذنها بشفتيه
( هل هو رائع لأنه يشبهني ؟!! ...... لأن هذا هو ما فهمته من كلامك )
فأخذت تتلوى منه بذعر و هي تهمس
( حاتم ابتعد ....... ابنك سيعود في اي لحظة )
الا أنه كان يستنشق رائحتها بمنتهى الراحة و الحرية .... يلامس عنقها بأنفه , ثم همس
( ابني قارب أن يصبح شابا ............ )
أغمضت كرمة عينيها و هي تقوي نفسها ..... تتنفس ببطىء و تعد حتى العشرة ....
لكن و ما أن تجرأت يدا حاتم لأماكن خاصة جدا حتى انتفضت شاهقة بعنف و هي تقفز مبتعدة عنه حتى وصلت لآخر جدار ... و هي تلهث بصدمة ....
بينما ظل حاتم ينظر اليها بصمت .... دون تعبير معين على وجهه .....
و استمر الصمت بينهما ...... وانخفضت عيناها أمام تحقيق عينيه الصارمتين .....
لكن دخول محمد في هذه اللحظة كان هو الراحة العظمى ....... فتنهدت بصوتٍ هامس , و سارعت للقول
( سأذهب لأبدل ملابسي ......... )
و جرت الى غرفتها تحت أنظار حاتم القاتمة .......
.................................................. .................................................. ..................
خلعت كرمة ملابسها ..... و أمسكت بفستان صوفي ذا لون أحمر قاتم للغاية ... بحزام خصر أسود جلدي .....
ووقفت تنظر الي نفسها في المرآة مجددا و هي ترتجف بعينين كبيرتين حزينتين و مصدومتين
.... ثم همست أخيرا و مجددا ...
( واجهي تصرفاتك يا كرمة و تحملي تبعاتها ........ إنه زوجك ..... إنه زوجك ..... )
تنهدت وهي تغمض عينيها و همست مجددا
( إنه ....... زوجك ........ )
سمعت طرقة على الباب أجفلتها ......ففتحت عينيها بسرعة و قالت بحذر
( من ؟؟ ........... )
سمعت بصدمة صوت حاتم وهو يقول بهدوء
( إنه أنا يا كرمة ....... اردت أخذ شيء من الغرفة ... )
استعت عينيها و هي ترى مقبض الباب يتحرك فصرخت
( انتظر ...... انتظر ...... لا تفتح الباب .... )
لكن كلامها ضاع في شهقة خجل مرعب و هي تراه يقف أمامها .... قبل أن يدخل مغلقا الباب خلفه بهدوء
ضمت كرمة الفستان الى صدرها و جرت الى خلف السرير الذي لم يخفي سوى ركبتيها !!!
و هتفت بينما وجنتيها تتلونان بلون الفستان الذي تتشبث به
( أخرج من هنا لو سمحت .......... )
لكن عيناه حدقتا بها دون خجل ..... كلها دون استثناء , معلنا رفضه لأي حاجز بينهما .....
بينما وقفت كرمة مغمضة عينيها بشدة لهذا الانتهاك السافر منه ...... فهتفت بقوة دون ان تفتح عينيها
( اخرج من هنا حالااااا ..... من فضلك )
الا أنها لم تسمع صوتا و ما ان فتحت عينيها حتى وجدت امامها في نفس الجهة من السرير .... و قبل أن تنطق كان قد امسك بوجهها بين كفيه .... ليقبلها بقوة هامسا بين شفتيها باصرار
( نسيت أن أقبلك قبلة اليوم ..... و أنا لن..... أتنازل .... عنها ...... ضعي ذلك .... ببالك )
" ببالك " الأخيرة كان لها مذاق آخر وهو يتوسع و ينتشر و هي تهمس بين أنفاسه الملتهبة
( ياللم....صيبة !!! ...... )
و ما أن تركها أخيرا حتى نظر الى عينيها يقول برقة من بين أنفاسه اللاهثة
( نسيت ساعة معصمي هنا ليلة أمس ...... سآخذها و أخرج )
انحدرت نظراته بقصدٍ عليها ..... دون أن تدرك أن الفستان قد وقع من بين يديها .... ثم همس بخفوت دون أن يبعد عينيه الثائرتين
( خذي راحتك ......... )
و بعد فترةٍ ظنتها دهرا ....... اتجه الى الجهة الأخرى , ليلتقط ساعة معصمه من خلف المصباح ثم خرج بهدوء مغلقا الباب خلفه .....
بينما سقطت كرمة جالسة على السرير و هي تبعد شعرها خلف أذنيها ..... واضعة كفيها على وجنتيها المشتعلتين .....
و بعد فترة ..... تساءلت بحيرة ....
" ما الذي أتى بساعة معصمه هنا ؟!!! ........ "
.................................................. .................................................. ....................
رفعت عينيها اليه ما أن دخل الى المحل .......
بدا مشعث الشعر بنعومته و جماله ..... حتى ذقنه الغير حليقة بدت جميلة عليه .....
كم اشتاقت اليه من كل قلبها ..... لقد مرت عدة أيام طويلة كالسنين منذ أن رأته آخر مرة .....
اقترب منها بصمت و عيناه عليها بشوقٍ سافر .... و قبل أن يتكلم بادرته تقول و هي تتلمس إحدى الوردات
( اشتقت اليك ............ )
اشتعلت عينا كريم وهو ينظر اليها .... و دون كلام اتجه اليها مسرعا , لينتزع الوردة من يدها و يرميها بعيدا ,, ثم أمسك بكفيها ليقول بقوة ناظرا في عينينها .....
( مليكة ........ تزوجيني , الآن .... )
اتسعت عيناها بذهول ثم هتفت
( هل أخبرت والدك ؟؟!!!! ...... ماذا قال ؟؟ ...... )
توترت كفاه فوق يديها بتشنج ملحوظ ..... ثم أخفض عيناه فهمست بهلع
( هل رفض ؟!!! ..........)
رفع عينيه اليها بصمت ..... و نظر اليها طويلا قبل أن يقول بخفوت لا روح فيه
( نعم رفض ............ )
بهتت ملامح ملك فجأة .... و ذبلت عيناها الجميلتان ,و همست باختناق هامس
( لكن ..... لماذا ؟!!! , أنا أحق الناس بك !!! ...... أنا أعرفك قبلهم .... لماذا يرفض ؟!! .... )
شدد كريم قبضتيه على كفيها ليقول بعنف
( سنتزوج .......... أليس هذا ما قلتيه سابقا ؟!! ..... سنضع الجميع أمام الأمر الواقع .... )
فغرت شفتيها برعب قليلا ... ثم همست
( و هل أنت على إستعداد لتتخلى عن كل حياتك الحالية من أجلي ؟!!! ........ )
لم يرد عليها ..... و بانت على وجهه , ملامح زادتها رعبا , فهمست بصوت جليدي
( تريد أن تتزوجني في السر ...... اليس كذلك ؟؟؟ ..... )
عقد حاجبيه و قال بغموض
( هل يشكل ذلك فارقا لكِ ؟؟؟ ...... قلتِ أنكِ غير مهتمة بعائلة القاضي !! )
همست ملك بتأكيد
( لا أهتم بهم ولو لذرة ...... لكن لنعلن زواجنا كشادي و ملك .... و ليعرف العالم كله و حينها سأبدأ معك من الصفر ..... فلتترك لهم كل ما يملكون إن كانت تلك هي وسيلة الضغط عليك )
هتف كريم بغيظ
( كفي عن الأحلام الوردية يا ملك و تعقلي ..... ما تنطقين به هو مجرد هراء .... )
الشعور بالصدمة غلف ملامحها و هي تهمس بوجوم
( هراء يا شادي ؟!!! ........... ظننت أنني عندك أهم من مالهم ؟!! )
رد بغضب و هو يشدد قبضتيه عليها
( المسألة ليست مسألة مال يا ملك ...... ليت الأمر كان بمثل تلك البساطة ...... أنا صرت معلقا بتلك العائلة للأبد ....... )
هتفت ملك بحيرة
( لماذا ؟؟!!! ...... ما هي سلطتهم كي منعوك عن الزواج من الفتاة التي تحبها ؟!!! .... )
هتف كريم مجددا بغضب و ثورة
( سلطتهم هي الإسم ....... والدي لن يستطيع أن يغامر بادخال احد من الماضي الى حياتي , الا انتهى الأمر بنا جميعا للسجن ...... كل الصفقات التي أنا شريك بها موقعة باسم كريم القاضي .... و تريدين أن أخرج للعالم بمنتهى السهولة معلنا أنه لا وجود لكريم القاضي .... و أنه مجرد شخصية وهمية ؟!!! .... )
صمتت ملك تماما و هي تستمع اليه برعب .... الموضوع فعلا أكبر مما كانت تظن ......
فتابع كريم بوضوح
( و حينها سأقضي الباقي من عمري خلف القضبان ..... بعيدا عنكِ ..... )
ترقرقت عيناها بالدموع و بغزارة .... ثم همست بإختناق و هي تهز كتفيها باستسلام
( اذن اذهب ......... لا أملك الكثير لأقوله ..... )
قال كريم بقوة وهو يضمها الى صدره
( لن أتركك بعد أن وجدتك ........ ترك روحي أهون )
بكت على صدره بألم و همست
( ماذا بيدي أن أفعله ....... أنت تطلب المستحيل , البقاء في السر الى آخر العمر , أمر مستحيل و أنا أريد بيت و اسرة و أطفال ..... الكثير من الأطفال )
همست الكلمة الأخيرة و هي تجش ببكاء عنيف .....
أخذت يده تربت على شعرها بحنان وهو يهمس لها كي تهدأ
( و أنا أيضا أتمنى هذا من كل قلبي ...... صدقيني مليكة )
همست على صدره بإختناق
( اذن ماذا سنفعل ؟!! ............. )
قال كريم بصوتٍ لا يقبل الجدل
( نتزوج و نضعهم أمام الأمر الواقع ..... لكننا سنخفي الأمر عن العالم الخارجي , و هم لن يستطيعو اثارة أي فضيحة ..... لأنها ستكون عليهم بالمثل ..... )
رفعت ملك وجهها اليه و همست بخوف
( لكن الى متى سأظل في الخفاء ...... أنا أيضا لدي حياتي و أناس محيطون بي .... و لن أستطيع إخفاء الأمر طويلا ....... )
قال كريم وهو يحيط وجهها بكفيه ناظرا الي عينيها
( لن يطول الأمر .... مجرد أشهر قليلة و سيقتنعون بعدها .... و ستنضمين الى عائلة القاضي رسميا )
شردت عينا ملك بعيدا باهتزاز واضح ...... ثم لم تلبث ان التفتت اليه تقول بلهفة
( لماذا لا تستعين بأمك يا شادي ...... النساء قلوبهن أضعف و قد تحنن قلب أبيك قبل أن نتهور )
اظلمت عينا كريم فجأة ... و تجمدت أصابعه على وجه ملك , ثم ضحك بقسوة , ليقول بعدها
( أمي !!! ..... هل هذا هو ما تظنينه , السيدة ميساء لم تهتم لوجودي بالبيت منذ اليوم الأول .... كان رفضها لي واضحا , و كان تجنبها لي أشد قسوة من الإساءة الجسدية ..... فهل تتخيلين الآن أن تساعدني ؟!! )
كانت ملك تستمع اليه بعطف .... و قلبها يئن لوعة على الصبي اليتيم المسكين .... فهمست بخفوت و هي تمسح وجهها
( هل تكرهها لذلك يا شادي ؟؟ ......... )
رد شادي بقسوةٍ بعد فترة
( أنا لا أكرهها ....... أنا فقط اشرح لكِ أنها آخر شخص قد يساعدني ..... )
همست ملك بخفوت
( أشعر أنك تعاقبها يا شادي ......... )
نظر الى عينيها بقوة , ثم لم يلبث أن ضحك وهو يقول بعشق
( ها أنتِ قد نسيتِ زواجنا و تحولتِ الى محاولة معالجتي نفسيا ........ )
ابتسمت ملك على الرغم من عينيها الحمراوين المنتفختين و همست برقة
( لن أعالجك نفسيا ....... الأمر أبسط من ذلك , ...... سأكون أنا أمك )
نظر الي عينيها بصدمة .... و بقلب ملتاع رأت عيناه تترقرقان بالدموع الحبيسة .......
فابتسمت له على الرغم من اعتصار قلبها ...... فهمس لها بأمل
( ستتزوجينني ؟؟ ............ )
ابتسمت و هي تهمس
( سأتزوجك ............. )
تنهد بقوةٍ و بصوتٍ عالٍ و هو يضمها الى قلبه .... و كأنه ارتاح بعد سباقٍ طويل .....
ثم همس فوق شعرها
( سنتزوج باسمي الحقيقي ..... شادي ..... بشهادة ميلاد قديمة مستصدرة من الدار ..... كنت أحتفظ بها )
و لم يرى ابتسامتها المرسومة على صدره بعد ما سمعته للتو !!!!!!!
.................................................. .................................................. ......................
جلست كرمة بجواره في صمت مطبق بعدما أنزل محمد الي شقتهما .....
و استمر الصمت بينهما طويلا وهو ينظر اليها بين الحين و الآخر .......
ثم قال بهدوء
( هل يمكن أن أعرف سبب غضبك مني ؟؟ ........ )
قالت كرمة و هي تنظر من نافذتها
( لست غاضبة ........... )
قال حاتم بسخرية
( حقا !!! ........ ليتك اذن ترين جانب وجهي من موقعي هذا )
ردت كرمة بهدوء بارد ....
( يؤسفني أن شكلي و انطبعاتي لا تعجبك ..... يمكنك الا تنظر )
نظر اليها بحدة .... ثم عاد لينظر الى الطريق من أمامه ... و قال بجفاء
( على الأقل من حقي أن أعرف السبب في تلك المعاملة الجافة ..... أما مشكلة الشكل فلا تحملي همي بسببها , فأنا وضحت لكِ أكثر من مرة و بطريقة عملية عن رأيي بشكلك و كل إنطباعاتك .... و ما أن نصل للبيت سأوضح لك المزيد ..... )
التفتت اليه كرمة لتقول بانفعال
( هلا توقفت رجاءا عن مثل هذا الكلام الصريح ..... أنا لست معتادة عليه ..... )
نظر اليها بطرف عينيها ثم قال بخفوت ذو مغزى
( الكلام الصريح لم يبدأ بعد يا كرمة ..... لكنني لم أظنك بمثل هذه البراءة )
نظرت أمامها دون تعبير .... بينما كان صدرها يضيق أكثر و أكثر ......
كانت تعاني بوضوح .... فرق قلبه لها , مد يده يمسك بيدها بقوة رغما عنها ... وهو يهمس برقة
( حبيبتي ........... )
هتفت كرمة بعذاب و يأس
( أرجووووك توقف عن تلك الكلمة .......... )
لم يرد على الفور ... و لم يترك يدها , لكنه قال بخفوت
( هل تؤلمك ؟؟ .......... عامة أم مني أنا تحديدا ؟؟ .... )
تنهدت بألم و هي تخفض رأسها ..... فقال حاتم بصلابة
( هل ترفضين حبي ؟؟ ....... تشعرين بأن ضميرك مثقلا بسببه ؟؟ .... )
صدرت عنها شهقة صغيرة ... فنظر اليها ليجدها تبكي بصمت .... فعاد لينظر الي الطريق أمامه بملامح قاتمة .... الى أن قال بجدية
( يؤسفني اذا أن أطلب منكِ محاولة التأقلم معه ..... و هذا أبسط ما أطلبه منكِ خاصة أنني لم أطلب منكِ مبادلتي الحب بالمثل ...... )
همست كرمة بعد فترة طويلة و دموعها منسابة على وجنتيها
( اعذرني يا حاتم ........ أنا فقط لست ..... أنت فاجئتني حين ....... )
قال حاتم يتابع بخفوت
( حين أخبرتك بأنني أحببتك قبل حتى طلاقك و انفصالك .... اليس كذلك ؟؟ .... ترينني مجرما ... )
ارتجفت قليلا ثم همست و هي تنظر من النافذة
( الأمر حساس جدا ........ و أنا ....... )
قاطعها حاتم يقول بصلابة
( اذن لماذا قبلتِ بالزواج بي بتلك السرعة ؟؟ ........ )
أغمضت عينيها و ابتلعت غصة في حلقها ثم همست بصوتٍ لا يكاد أن يسمع
( لقد ...... تسرعت ...... )
لم ترى ملامحه التى تحولت في تلك اللحظة الى قسوةٍ لم يعرفها هذا الوجه بهذه الدرجة من قبل .....
لكنه حين تكلم كان صوته باردا خافتا
( و ماذا ترين الحل المناسب الآن ؟؟ ...... الطلاق ربما ؟؟ ...... )
ارتجفت بشدة و هي تسمع الكلمة البشعة مجددا .... و فركت أصابعها بتوتر و عصبية .... كانت على شفا الانهيار بوضوح .... و كانت تقريبا تعاني من عدة صدمات متأخرة ....
لكن حاتم سهل عليها الأمر حين قال بجفاء
( وفري عنكِ عناء التفكير يا كرمة ...... لأنه رغم أسفي لشعورك بالتسرع , الا أنني أرفض الطلاق كحل ... نحن حتى لم نتزوج فعليا كي نفكر بالطلاق )
لم نتزوج فعليا !!! .... لو يعلم أن هذا تحديدا ما يوترها
كيف تسمح لرجل غريب بأن .........
انها لم تعرف سوى محمد منذ سن السادسة عشر ...... فكيف .......
تنهدت بارتجاف ..... ثم نظرت فجأة الى أصابعه التي تخللت أصابعها برقة .... فنظرت الى وجهه , لكنه كان ينظر أمامه .... فقال بخفوت
( هل أطلب الكثير لو طلبت منكِ الوثوق بي ؟؟ .........)
هزت رأسها نفيا ببطىء ..... و كأنها تحتاج لذلك ....... فقال دون أن ينظر اليها
( لم أسمع ............... )
همست كرمة بخفوت
( لا ليس كثيرا ........ سأحاول )
ضحك حاتم بقوة ..... ثم قال بهدوء
( يالهذا الكرم !!! ............ )
ابتسمت كرمة على الرغم من دموعها و همست
( أنت نسخة من ابنك ............ )
نظر اليها بتعبير جارف في مشاعره على الرغم من الحزن الواضح في عينيه .. ثم قال بثقة
( سنكون أسرة سعيدة يا كرمة .......أعدك بذلك )
صمت قليلا ..... ثم قال بهدوء
( هذا لو لم تطلبي الشرطة لمحمد بعد يومين من إقامته معك .......... )
ضحكت قليلا .... ثم قالت بمودة
( أنه لطيف للغاية...... أنت تظلمه ...... )
قال مبتسا دون أن يتخلى عن يدها
( أنتِ أدرى يا كمرة ......... )
ضحكت بخفوت و هي تطرق برأسها .... بينما نظر اليها حاتم بوجوم بطرف عينيه ليقول بداخله بغضب و ألم
" تبا لجمالك ........الرحمة يا رب "
.................................................. .................................................. ......................
حين عادا للبيت ..... فتحت لهما أمينة لتقول لكرمة بقلق
( هناك ضيف ينتظرك منذ فترة طويلة و أبى الرحيل الا بعد أن يراكِ ......... )
توترت كرمة ... و رغما عنها طارت عيناها حلما الى الداخل ..... هل يكون .....
بينما اشتدت قبضة حاتم على كفها بخشونة و توحشت ملامحه وهو يقول
( من يكون ؟؟؟ ........... )
قالت أمينة بهدوء
( اسمه السيد سيف دين فؤاد رضوان ......... )
قالت كرمة فجأة
( انه زوج وعد .............. )
فقال حاتم بخشونة
( و ماذا يريد ؟؟ ............... )
قالت كرمة بخفوت
( ربما لو تركت يدي قليلا يا حاتم لعرفت ما يريده بدلا من قبضة الهاربين من العدالة تلك ...... )
تركها حاتم على مضض وهو يقول بلهجة الامر
( سأقابله معك ............ )
سارت كرمة الى الداخل و هي تفكر بخوف
" ربما من الأفضل أن تقابله معي ........ فهو على وشكِ قتلي "
وصلت كرمة الى سيف الذي نهض من مقعده ما أن رآها ....فتنهدت بأسى من أن رأته
كان مشعث الملبس ..... غير حليق الذقن .... عيناه حمراوان و قاسيتان , تفيضان بالعذاب .......
" ياللهي يا وعد ..... ماذا فعلت؟؟ ..... و كيف طاوعك قلبك !! "
بادرها سيف قائلا بخفوت
( تعبت كثيرا حتى وصلت لعنوانك ..... و رقم هاتفك ليس معي )
اقتربت كرمة لتقول بخفوت
( مرحبا سيد سيف ....... كيف حالك ؟؟ .... )
شعرت بغباء السؤال ..... بينما ابتسم هو بسخريةٍ مريرة ليقول بخفوت
( كما ترين .......... )
انحنى حاجباها بألم , ثم لم تلبث أن قالت بخفوت و هي تمد يدها الى حاتم هامسة بتوتر
( ح ..... حاتم .... زو .... جي )
كانت تشعر بالخزي حيث أنها حضرت زفاف سيف ووعد منذ فترة ليست ببعيدة و كان معها محمد تراقصه
لذا وجود حاتم الآن بجوارها بدا منظر غريب منفر !!! .....
لكن سيف كان غافلا تماما وهو يصافح حاتم بشرود ..... فتنفست الصعداء أنه نسي زوجها السابق .... كي لا تظهر كمتعددة أزواج ....
التفت سيف يقول لكرمة بهدوء صلب
( أين وعد يا كرمة ؟؟ .............. )
ارتبكت كرمة .... لكنها همست بصدق
( صدقني لا أعرف أين هي ........... )
احتدت ملامح سيف وهو يقول بحدة
( لا يبدو عليكِ الإندهاش من غيابها و كأنكِ تتوقيع الأمر ....... أين وعد يا كرمة ؟؟ ..... )
لم ترد كرمة و هي تتنهد بقوة بينما كتفت ذراعيها كي تحمي نفسها بتوتر .... فقال سيف بصوتٍ أكثر خفوتا
( وعد ليس لها أحد سواي .......و هي لن تتحمل العالم الحقيقي بمفردها , حياتها سابقا كانت محدودة ..... و الآن لقد وسعت دائرة حياتها دون علمي و هي تظن أنها قد تنجح في الإستقلال بحياتها ....
وعد ليست أنتِ يا كرمة ..... في العمل و مع البشر ... و حتى مع صحتها ...... أرجوك يا كرمة أخبريني بمكانها ...... لو تهمك مصلحتها أخبريني أين هي ....... )
نظرت اليه كرمة تقول بكل صدق
( صدقني لا أعلم ...... كل ما أعرفه هو أنها سافرت , لكنها رفضت أن تخبرني الى أين كي لا يعثر عليها أحد ......... )
ذهل سيف وهو يهمس بضياع
( سافرت !! ...... كيف ؟؟ ..... إنها لا تملك حتى ثمن تذكرتي طائرة .... لقد رحلت بدون ملابسها ... )
كان يبدو كمن يكلم نفسه .....فقالت كرمة بألم و هي تشفق على حاله
( صدقني حاولت أن أعرف منها وجهتها أو أي معلومات عما تنتويه ... لكنها رفضت ...... )
قال سيف بفظاظة و عدم تصديق
( أتقسمين على ذلك ؟؟ ............... )
تقدم حاتم بوجهٍ مظلم وهو يقول
( الآن اسمع يا سيد لقد تجاوزت حدك .......... )
لكن كرمة أمسكت بذراعه و هي تقول بهدوء
( أقسم بالله العظيم أنني لا أعلم أين هي ............ )
صمتت قليلا تنظر الى ملامحه المجهدة و التي ينازعها الشك ... ثم همست
( لكن بمعرفتي بوعد ........ أستطيع أن أخبرك أنها بخير , من مجرد لهجتها ...... تبدو كمن رتبت أمورها مسبقا ...... وعد ليست بمثل تلك الهشاشة يا سيد سيف ...... إنها قوية و قد اعتنت بنفسها و بوالدها في ظروف من أصعب ما يكون ..... دون حتى أن تطلب المساعدة مني أنا شخصيا .... و نحن أكثر من أخوات ..... صحيح أنني لست راضية عن تصرفها مطلقا ......
لكن على الأقل أترك القلق جانبا مؤقتا ....... لهجة وعد حين هاتفتني آخر مرة كانت لهجة شخص مطمئن واثق .......... )
هتف سيف بغضب و عذاب
( أترك القلق !!! ...... اتعرفين ما يمكن أن يحدث لفتاة مثلها , و كم شخص حقير من الممكن أن يستغل ظروفها ؟!!!! ...... )
قالت كرمة بصدق
( وعد لن تسمح لأحد باستغلالها أو نيل ما لا تريده منها ......... )
قال سيف بلهجة باهتة متعبة و كأنه يحدث نفسه
( بل ستفعل ....... فقد فعلت من قبل ......... )
ثم ابتعد دون أن يضيف المزيد .... فتابعته كرمة بنظراتها الحزينة و هي تتسائل هل كانت بمثل قسوة وعد حين قابلت محمد للمرة الأخيرة ؟!!! ..... ربما كانت أشد قسوة ..... لكن لا مفر .... فلماذا تدين وعد الآن ؟!!
.................................................. .................................................. .....................
حين استلقت ملك على فراشها تلك الليلة تحدق الى السقف بصمت ..... تتنهد مع نفسها و هي تهمس
( ماذا الآن يا وعد !! ....... هل اتخذت القرار المناسب أم لا ؟!! ..... أشعر بأنني لم أعد أقوى على الإبتعاد عن شادي أكثر ..... و حياته لم تكن باختياره تماما , .... لذا الا يتوجب علي أن أخوض معه الحياة .... طالما أنني أحبه ..... اليس هذا هو الحب !!! )
الكلام الى وعد يريحها ..... وعد بصورتها و هي طفلة ..... و ليست وعد الكبيرة ......
سمعت رنين هاتفها فجأة .... و حين نظرت اليه وجدت رقما مخفيا فردت بحذر .... ليأتيها صوت وعد هادئا على غير توقع !!!
قفزت ملك من فراشها و هي تصرخ
( أين أنتِ يا وعد ..... تبا لكِ و لكل ما تفعلينه بمن حولك !!! )
ساد صمت مذهول ... فسألت وعد بدهشة و عدم ثقة
( ملك ؟!!!! ............. )
صرخت ملك بروح مشحونة
( والله لا علم لي .... هل طلبتِ ملك , أم البقال الذي هو تحت بيتك ؟!!!! ..... )
قالت وعد بقلق
( ماذا بكِ يا ملك ؟؟ ........ إنها المرة الأولى التي أسمعك تصرخين بها !!! ..... )
رفعت ملك رأسها للسماء و هي تهتف بغضب
( تبا للبرود ....... يا الله !!!! ..... برودك لم يوصف من قبل !! .... )
هتفت وعد بذهول
( اهدئي يا ملك بالله عليك !! ..... لا ينقص سوى أن تعطيني صفعتيني !!! .... )
هتفت ملك بقوة
( هذا ما تحتاجينه فعلا كي تعرفي المعنى الحقيقي للزواج ..... منذ الليلة الأولى و أنا و كرمة لاحظنا ميولك للهرب .... لكننا لم نصدق أن تفعليها ..... زوجك يدور بحثا عنكِ كالمجنون ...... )
ساد الصمت مجددا .... ثم قالت وعد بخفوت
( هل سألك عني ؟!!! ..... ماذا قال ؟؟ .... و كيف كان يبدو ؟؟ ..... )
هتفت ملك و هي تلوح بذراعيها
( كيف يبدو ؟!!! ..... معذبا ... ضائعا .... خائفا حد الموت تبا لك و لقسوة قلبك ...... )
قالت وعد بخفوت باهت
( أنتِ تجرحيني و بشدة يا ملك .......... )
هتفت ملك بشدة
( و أنتِ ؟!! ....... ألم تجرحي كل من حولك ؟!! ....... )
سمعت صوت تنهد وعد بارتجاف .... لكنها رفضت ان تضعف أمامها .... فصمتت بجفاء الى أن قالت وعد أخيرا بخفوت لكن به نبرة الحزم
( اسمعيني جيدا يا ملك ......... سأرسل لكِ شخص معين , ستوقعين له توكيل ...... )
عقدت ملك حاجبيها بقوة و هي تقول
( توكيل لأي شيء بالضبط ؟!! ...... أين أنتِ ؟؟ ...... )
عادت وعد لتتنهد ... ثم قالت بخفوت
( لقد سافرت لإستلام ميراثنا أنا و أنتِ لأمنا رحمها الله ........ )
سكنت ملك تماما .... و بهتت ملامحها , ثم همست بشرود
( هل ماتت أمي ؟!! .......... )
ردت وعد بصوت رقيق خافت
( نعم يا ملك ....... منذ فترة طويلة , منذ عامين تقريبا , أما أنا فلم أعرف الا مؤخرا ...... )
انعقد حاجبي ملك بألم ..... بينما انحنت عيناها حزنا دون أن تعرف السبب , فهي لا تتذكرها تماما .....
فقالت وعد برقة
( ملك ...... اسمعيني حبيبتي , لا وقت للحزن حاليا , ..... هذا حقك و يجب أن تناليه .... )
ردت ملك بصوتٍ لا روح فيه
( لا أريد شيئا يا وعد ...... خذيه أنتِ إن أردتِ ........ )
هتفت وعد بقوة
( كفي عن تلك السذاجة ...... أنا لا أريدك أن تحتاجي لأحد , حتى لي أنا ..... ميراثك من حقك و ستأخذينه )
قالت ملك بعتاب و ألم
( و لماذا لم تخبريني من قبل !!! ...... أنا بالنسبة ِ لكِ ما أنا سوى ورقة أوقعها ثم ترتاحين منها .... )
هتفت وعد من الجهة المقابلة
( لم أخبرك لأنني كنت أقامر ..... لقد سافرت أنا و أبي الى المجهول , لا أملك سوى مكالمة من رجل غريب .... و أنا كنت قد وصلت الى نهاية حياتي هنا ..... لذا قررت أنني لن أخسر الكثير مهما حدث .....أما الآن فلقد اطمأنيت الى كل شيء ... بالأوراق كاملة .... و ميراث كلا منا معقول جدا , سيغنينا عن احتياج الآخرين .... )
هتفت ملك بقسوة
( و هل زوجك من هؤلاء الآخرين !!!! ....... هل يسري عليه حلم استقلالك ؟!! .... )
قالت وعد بصوت باهت
( اتركي سيف خارج الأمر يا ملك ..... بيننا الكثير مما لا تعرفينه فلا تجرحيني دون معرفة .... )
فتحت ملك فمها لتصرخ بها ..... لكنها صمتت أخيرا , متى كانت بمثل تلك القسوة !!!
انها بالفعل لا تعلم طبيعة العلاقة بين سيف ووعد ..... فهل تعاقبها على خذلانها لها كل مرة ؟!!! .....
قالت وعد أخيرا ......
( ملك ....... ربما قد لا أحتاج الى توكيل , سأرسل لكِ ثمن تذاكر الطيارة و أجهز لكِ الإقامة هنا ... فقط جهزي أوراق سفرك ..... )
عقدت ملك حاجبيها .... ثم قالت
( من قال أنني أريد أن أسافر ؟!!! ...... أنا حياتي هنا و أنا راضية عنها تماما ..... )
قالت وعد بحدة
( راضية عن حياتك أم راضية عن ذلك الشاب الذي تخرجين معه ؟!! ....... )
اتسعت عينا ملك بدهشة ... ثم قالت بتردد
( أي شاب ؟!! ......... )
قالت وعد بقسوة و حدة
( لا تكذبي علي يا ملك ...... قبل أن أسافر أتيت اليكِ كي أودعك , لكن و أنا لا أزال في سيارة الأجرة وجدتك تركبين سيارة فارهة بجوار شاب كان يضحك لكِ و تنظرين اليه بوله ....... )
صمتت ملك طويلا ...... ثم لم تلبث أن قالت بهدوء
( أنا لست مضطرة للكذب يا وعد ....... أنا فعلا مرتبطة بشخص أنا أحبه و هو يحبني و أنا لن أتركه لأي سببٍ كان ...... )
هتفت وعد بحدة
( من سيارته أستطيع أن أخبرك أنه يتلاعب بكِ ...... أفيقي قبل أن تجرحي مثلي ...... )
قالت ملك بهدوء
( هل عرفتِ أنه يتلاعب بي من مجرد سيارته !!! ...... أنتِ مكشوف عنك الحجاب اذن ... )
أخذت وعد نفسا حادا ثم قالت بهدوء
( ملك ...... لن يفلح الكلام في الهاتف , أرجوكِ تعالي الي ....... منذ أن رأيت ذلك الشاب و أنا لا أنام من القلق )
قالت ملك بخفوت
( لا تقلقي يا وعد ...... أنا لن أضر نفسي أبدا و الأمر ليس كما تظنينه ..... فكما هي علاقتك بسيف لها أبعاد أنا لا أعرفها ..... أنا وهو أيضا علاقتنا لها أبعاد لا معرفة لكِ بها ..... )
قالت وعد بقلق
( الن تحكي لي على الأقل كي يطمئن قلبي ؟!! ....... )
ترددت ملك قليلا ... ثم قالت بخفوت
( لو كنتِ هنا .... لكنت حكوت لكِ , فأنا أحتاجك الآن أكثر من أى وقتٍ مضى ..... )
تنفست وعد بحدة .... ثم قالت بقلق
( حسنا ....... هل تعديني أنكِ لن تتهوري بأي تصرف قبل عودتي ؟؟؟ ..... )
ردت عليها ملك بتردد
( و متى ستعودين ؟؟............... )
قالت وعد بقوة
( خلال ستة أشهر على الأكثر يا ملك ..... عديني .... )
فغرت ملك شفتيها بصدمة
" ستة أشهر كاملة !!! ...... لن أتمكن من انتظار كل هذا الوقت !! "
قالت وعد مجددا ....
( عديني يا ملك ........... )
قالت ملك بهدوء
( لا تقلقي يا وعد ..... و لا تشغلي بالك بموضوع الميراث .... سأوقع التوكيل و تصرفي أنتِ )
هتفت وعد
( عديني يا ملك الا تسيئي لنفسك ...... عديني ..... )
قالت ملك بعد فترة
( أعدك يا وعد ............ )
سمعت وعد وهي تتنهد براحة .... ثم قالت أخيرا .....
( يجب أن أذهب الآن لأمرٍ هام ...... ملك , هذه المكالمة سر بيني و بينك .... اتفقنا ؟؟ .... )
أومأت ملك برأسها ببطىء ..... ثم قالت بفتور
( لا تقلقي ......... )
ثم أغلقت الهاتف ..... لتعود و تستلقي و تنظر الي السقف .... و همست برقة و شرود
( أن أبحث عن سعادتي ..... ليس معناه كسري للوعد ..... لأنه ليس تصرفا يسيء لي ... بل العكس )
ثم دون تردد أمسكت هاتفها و ضغطت على رقم معين و هي تهمس
( اعذريني يا وعد ............. )
.................................................. .................................................. ...............
دخل سيف الى غرفته في ساعات الصباح الأولى ..... متعبا ... مرهقا .... مهزوما ....
لم يترك مكانا محتمل الا وبحث عنها فيه .... حتى بعد أن أخبرته كرمة بسفرها .... استمر بالبحث ....
و كلف فريق معين بالبحث عن اسمها في المطارات لمعرفة وجهة سفرها ......
ارتمى على سريره بملابسه ..... قبل أن يستدير بوجهه لينظر الى قميص نومها الحريري الذي وضعه على وسادتها منذ أن رحلت .....
فالتقطه ليتشممه برقة و عذوبة .... و كم كانت رائحته مسكرة .........
انه القميص الذي ارتدته في الليلة التي أفضى فيها اليها بحبه .......
فرفع يده على صدره قوي العضلات ... جهة القلب وهمس يخاطبه بصوتٍ مبحوح
( أين هي !!! ....... لماذا تعطلت اشاراتك ؟!! ..... اين الحب الذي ادعيته ؟؟ .... اليس من المفترض أن ترشدني الى مكانها دون الحاجة الى السؤال !! ...... )
أغمض عينيه وهو يتخيلها مصابة بالإغماء في أحد الأزقة !! ....
فاستقام يصرخ بغضب و عذاب
( ياللهي ..... أين أنتِ بالله عليك !! ....... )
فجأة سمع رنين هاتفه .... فاندفع اليه ليرد مسرعا علها تكون هي .... تستغيث به كعادتها ....
لكنه سمع صوت ملك بدلا منها ..... و بعد حوار قصير .....
كانت ملامحه تتلون ما بين وهج الإنتصار ..... و بريق الأمل ..... و ..... ملامح الخوف ... ميراث!!!! ... وعد !!! ....
أنهت ملك مكالمتها قائلة بخفوت
( لكنها لم تخبرني اي معلومات !! ......... هذا هو كل ما عرفته و أحببت أن أطمئنك عليها )
قال سيف بصوتٍ يلهث من فرض انفعاله
( لا بأس يا ملك ....... ما قلته أكثر من كافٍ حاليا .... )
أغلق الهاتف بقوة ..... و أخفضه ليدور في الغرفة كالمجنون .....
ميراث !! ...... كل ذلك دون علمه !!! .....
أي أن المسألة ليست جرح كرامة منها ..... بل النية كانت مبيتة لديها منذ وقتٍ طويل
عاد ليصرخ بقوة
( تبا لكِ يا وعد ........ تبا لكِ ......... )
توقف مكانه وهو يلهث ..... ناظرا الى السرير الفارغ البارد ......
ليراها عليه فجأة ..... تجلس على ركبتيها .... لا ترتدي شيء سوى سترة بيجامته الحريرية .... و هي تلعب بهاتفه ببراءة و انبهار ....
و رغما عنه .... و رغم كل جنون الغضب الظاهر على وجهه ..... ابتسم .....
ابتسم لمجرد ذكراها جاثية على سريره ........
فرفع هاتفه مجددا .... يقلب في الصور .... الى أن وجد الصور التي صورتها لنفسها بهاتفه ....
فسقط جالسا على أقرب كرسي .... و هو يقلبها بوجهٍ يصرخ ما بين الغضب ... و الجرح .... و الإشتياق ...... بينما الابتسامة الحزينة تزين شفتيه ....
" كم هي جميلة .... و هي تضحك .... و هي تتصنع الحماقة .... و هي تعقد حاجبيها .... "
همس فجأة وهو يتلمس صورتها الضاحكة الناظرة جانبا ..... كانت تنظر اليه هو , لأنه كان يناديها في تلك اللحظة
( هل آلمتك ؟!! ...... هل آذيتك ؟!! ..... و ربما أكون قد أسأت معاملتك ..... و أنتِ كذلك .... لكن على الأقل أنا هنا .... باقٍ هنا .... لا أخرج الا لأبحث عنكِ , كي أعيدك الى أحضاني .... و بعدها لنقتل بعضنا .... لا يهمني ...... المهم هو انني هنا ....هل فقدتِ احتياجك لي الآن !!! ..... لم أعد ذلك المنقذ الذي تستغيثين به كلما احتجتِ اليه !!! ....
لكن الأمور ليست بمثل تلك البساطة يا سيدة وعد ..... العالم لا يدور في فلك ......
أن تخرجيني ما أن تقرري ذلك !! ..... لا والله لن يكون ..... انتِ ملكي و لو ملكتِ كنوز الأرض ... ستظلين ملكي .... في حاجةٍ لي ..... لا ملجأ لكِ سوى صدري ..... )
أغلق صورتها الضاحكة بقوة ..... ثم طلب رقما معينا ... و ما ان رد عليه صوتا ناعسا
حتى قال سيف بقوةٍ آمرا ....
( حسين ..... أفق معي و اسمعني جيدا ..... أريد بيت ..... نعم بيت لظروف طارئة و في اسرع وقت ممكن ... بيت صغير ... على أطراف المدينة .... ذو أسوارٍ عالية ... يصعب الفرار منه أو اليه ..... لا .... لا ...... لا وقت للبناء ..... أبحث عن بيت معروض للبيع بتلك المواصفات ..... و أريد اقتراحات موفقة خلال يومين على الأكثر ....... نعم أريده كمصيدة بالمعنى الأصح ...... )
قال الكلمة الأخيرة و عيناه تبرقان بشراسة ........

بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن