12

3.2K 85 2
                                    

الفصل الثاني عشر :
أسوأ احساس قد يمر به الإنسان ... هو أن يقف في تلك المنطقة المعلقة ما بين أن يكون ظالما أو مظلوما ...
أن يشعر بالقهر و الإنتهاك ... دون أن يجرؤ على الدفاع عن نفسه أو محاولة نيل حقه , ممن انتهك كرامته و روحه ...
أن يكون هو السبب في هذا الإنتهاك .... بتنازله و استسلامه ... أو باقترافه خطأ لا يغتفر....
و هذا هو ما كانت تشعر به حاليا و هي تخطو الى عملها بساقين ترتعشان و بوجهٍ لا يزال شاحبا مما حدث بينهما في الأمس ....
كيف ستواجهه بعد ما كان .... كيف ستتمكن من رفع الخزي عنها و قتل الخجل ... و منع نفسها من محاولة اقتلاع عينيه على انتهاكه لها بتلك الصورة السافرة ,
خاصة و أن رعبها منه و خوفها من الفضائح ساهم في كبت صرخاتها فانزلقت مرة أخرى الى بئر الاستسلام الخادع ....
و الآن ها هي تخطو لوكره الخادع .... فإن لم تأتي اليه فسيعود اليها ... و هي تحتاج لفترةٍ للتفكير قبل عودته التي ستكون أقوى و أعنف ...
خطت البوابة ... و منها الى عدة ممرات .. تظن أن الجميع ينظرون اليها و يعرفون ما حدث .... فارتجفت و تعثرت , لكنها ابقت وجهها ثبتا و هي تتوجه الى غرفة السعاة ببطىء خطواتها في اليوم الأول ... نفس الإرتباك و القلق ... لكنٍ بنفسٍ أكثر انهيارا .... لقد عبثت بصاحب المكان و هذا لن يمر مرور الكرام ...
حتى و ان كان هو الآخر قد عبث بها , لكن القانون مع الأقوى .... وهو الأقوى ... لذا لن يحاسبه أحد , ... أما هي ....
دخلت وعد الى الغرفة ... و تلقائيا ابتسمت شفاهها في وجهها الشاحب لرؤية علي و كأنها في حاجةٍ لأن تبتسم لوجهٍ ودود كي يمنحها الطمئنينة .... وهو لم يتأخر في رد ابتسامةٍ متشوقةٍ لها ... و عيناه تتألقان , الا انها أخذت منه الأمان الذي تحتاجه و هي تهمس متجاهلة تألق عيناه
( صباح الخير يا علي ..... )
رد مبتهجا
( صباح الخير يا سندريلا ..... )
ابتسمت باهتزاز و هي تهمس عاقدة حاجبيها ...
( سندريلا ؟!! ........ )
فرد علي بثقة
( نعم ..... انتِ هي سندريلا ..... تلائمينها شكلا و شخصا .... )
أخفضت رأسها واجمة من نظرته المتفائلة لها ..... و ما أبعدها عن تلك الجميلة الرقيقة المظلومة .... قد تكون مظلومة مثلها , الا أن الواقع يجعل الظلم يدق عظامها فيجعلها قاسية القلب و الروح ....
لكنها لم ترد و هي تبتسم ابتسامة جافة ... ثم جلست على حافة الأريكة الصغرة مرتبكة ... شاحبة .... تتلاعب بأصابع يديها ... تنتظر أن يطلبها كما يفعل .... و حينها كيف ستواجهه ... و كيف سيكون تصرفه معها و هما بمفردهما ...
هل سينزل بها المزيد من العقاب ؟ .... و كيف ستدافع عن نفسها ,... إن لم يكن الحل الأخير بالصراخ ....
عضت وعد على شفتيها و هي تفكر أنه ربما من الأفضل لو غادرت بهدوء و أختفت .... لكن تعود الى نفس الدائرة المغلقة .. سيأتي اليها ....
تنهدت وعد بتوتر و هي تشعر بنبضات قلبها تتقافز و القلق يتزايد .... انه انتظار بطي لحكمٍ بالإعدام ....
دوى صوت رنين الهاتف الداخلي فجأة فجعلها تنتفض في مكانها .... إنه موعد طلبه بالدقيقة ..... ها قد حانت المواجهة .... الا أنها تسمرت مكانها غير قادرة على الرد , فاتجه علي الى الهاتف الداخلي ليرد بكلمات مقتضبة ...
( نعم ..... حاضر .... أنا ؟!! .... حاضر .... حالا )
وضع السماعة ... فنظرت وعد اليه بتوجس , لكنه كان مبتسما وهو يلتفت اليها قائلا
( يبدو أن السيد سيف قد قرر اعتاقك من تعنته ... و على ما يبدو أنه قد قرر تركك الى عملك بعد فترة الإختبار الطويلة , إنه يطلب القهوة مني أنا شخصيا كما كنت أقدمها له سابقا .... )
ظلت وعد تنظر الي علي بملامح فاترة ... غير مستوعبة قليلا ... ثم همست بكلمة واحدة
( حقا ؟!! ........ )
رد علي وهو يبدأ في تحضير القهوة مبتسما
( نعم سيدتي .... أبشري ....أعتقد أنك سترتاحين منه أخيرا ..... )
أومأت وعد برأسها قليلا بعدم تفكير .... لكنها لم ترد ... الى أن انتهى علي حاملا الصينية و هو يقول مبتسما بشوق
( سأعود اليكِ سريعا ....... )
عادت وعد لتومىء برأسها بلا تفكير .... الى أن خرج ... و تركها تفكر بذلك العذاب البطيء من الإنتظار ... ترى الى ماذا يرمي بالضبط ؟!! ....
نهضت وعد من مكانها ببطىء و هي تتلقى طلبا آخر ... فبدأت بتحضيره تلقائيا و هي تشعر بأن العمل أفضل لها في الساعات المقبلة ... الى أن يتحدد موقعها هنا ...
و مرت الساعات و هي تتنقل فاترة الملامح بين المكاتب ... عيناها تدوران رغما عنها في المكان ...شاعرة بالخطر ... لكن على ما يبدو أنه قرر تجاهلها , خاصة و أنه طلب قهوتين خلال اليوم من علي مجددا ....
هزت وعد رأسها و هي تبعد عنها تلك الأفكار .... مقتربة من مكتب موظفة شابة , لتضع قهوتها على سطح المكتب ... فقالت الموظفة بإبتسامة ودودة
( وعد ...... لقد رأيت الثوب الذي قمتِ بتفصيله لعلا , .... و بصراحة لم أصدق ... عملك رائع )
رفعت وعد وجهها الشاحب و هي تهمس بلا حماس
( شكرا لكِ ...... هذا من ذوقك )
ردت الموظفة مبتسمة
( هل تمتلكين معرض ..... أو مشغل خاص ؟؟ ... )
ابتسمت وعد دون أن ترد ... فتابعت الموظفة بحرج بعد فترة
( عذرا .... بالتأكيد لا تمتلكين مادمتِ تعملين كساعية ..... )
لم ترد وعد .... لم تجد القدرة على الرد رغم معرفتها أن تلك الشابة لم تقصد ضررا .... الا أنها تابعت بود
( أريدك أن تفصلي لي بعض الأشياء .... و إن أعجبتني سأطلب المزيد )
رفعت وعد وجهها تقول بخفوت و تهذيب
( تحت أمرك ..... بما أنها المرة الأولى فلن تدفعي شيئا قبل أن يعجبك , و إن لم يعجبك سأتحمل أنا كل التكلفة )
أومأت الموظفة برأسها مبتسمة و هي تقول برقة
( اتفقنا ....... أنا معجبة بكِ جدا بالمناسبة )
همست وعد و شفتيها تبتسمان شبه ابتسامة لكن الإبتسامة لم تستطع الصمود أمام فتور مشاعرها و تبلد روحها فاختفت سريعا ... الى أن ألح عليها هاتفا يأمرها أن ترفع وجهها ....
يخبرها أنها مراقبة .... من مكانٍ ما بنظراتٍ تكاد تكون قاتلة , فنظرت أمامها مباشرة لتجده واقفا من بعيد .... يتحدث مع أحد المدراء , ...
الا أن عينيه عليها .... تثبتانها مكانها بملامح كالحجر ....
نظرت اليه وعد و قد بهتت ملامحها فجأة بشدة .... و تسمرت مكانها .... دون حتى أن تجد القدرة على أن تحيد بوجهها عنه .... و عن عيناه ....
عيناه اللتان على الرغم من تحجر وجهه الا أنهما تنظران اليها بنظرةٍ غريبة ... غريبة جدا ....
هل بها عتاب و ألم ؟!! ..... هل يجرؤ على أن يعاتبها ؟!!
ربما هي تعاتب نفسها منذ الأمس حتى أوشكت على أن تتهالك من شدة العذاب ... لكن أيجرؤ هو على أن يعاتبها ؟!!
أم أنها ببساطةٍ تتوهم !! .....
أبعد سيف وجهه عنها و هو ينظر الى محدثه .... و لم تدرك و عد أنها واقفة مكانها ممسكة بالصينية كالدرع الواقى أمام صدرها خوفا من أن تصيبها سهام عينيه في مقتل ....
الى أن قالت الموظفة بقلق
( هل أنتِ بخير يا وعد ؟!! ...... تبدين شاحبة للغاية !! , هل تريدين الجلوس قليلا ؟؟ ,,,,)
نظرت وعد اليها مجفلة , الا أنها اسرعت تهز رأسها نفيا و هي تهمس بقلق
( لا شكرا لكِ ..... أنا بخير , ..... عن اذنك ,, ..آآآ .. غدا سآخذ مقاساتك و تخبريني بما تريدين )
أومأت الموظفة اليها بينما استدارت وعد تنصرف ... و شيئا ما يخبرها بأن النظرات اللائمة القاتلة عادت لتحرق ظهرها ... لكنها قاومت الرغبة العنيفة في الإلتفات ...
فأكملت طريقها مطرقة الرأس ....
و استمر اليوم على هذا الموال .... و هي لا تعرف هل تستمر أم لا .... تعاود عملها بصورة طبيعية معتبرة أن ما حدث لم يحدث .... أتعتبره مجرد كابوس.... خاصة و أنه على ما يبدو قد قرر أن يتركها لحالها
جلست وعد على الأريكة ... أو بمعنى أصح ارتمت بكآبة تقضم أظافرها .... تراقب علي يجهز القهوة الرابعة للمدير ..... يدندن و كأن لا شيء يشغله .... فقالت وعد بتلجلج
( علي ..... ألم .... ألم يسأل السيد .... احم .... سيف عني ؟؟ .... )
التفت اليها علي رافعا إحدى حاجبيه ... ثم مط شفتيه ليقول بعفوية
( لا ..... لم يسأل عنكِ , لماذا يسأل ؟!! ..... أي مصيبة ارتكبتِ مجددا ؟!! )
لم ترد و هي تقضم أظافرها مجددا .... و التوتر و الخوف ينهشان منها .... نعم الخوف .... كيف تعتبر أن ماكان لم يكن .... كيف ..... الذكرى تسيطر عليها و تشل حياتها منذ أقل من أربعٍ و عشرين ساعة ....
لقد عرض عليها الزواج !!! ..... لا لم يعرضه في الواقع ... بل فرضه فرضا !!!
هل نسي ؟!! .... أم أنه مجرد تهديد كي يرعبها و ينزل بها المزيد من العقاب !! .....
حمل علي الصينية ..... و خرج غامزا لها قائلا بمرح
( اطمئني و لا تقلقي بهذا الشكل ........ لقد أخرجك من رأسه أخيرا ... )
خرج علي و تركها تفكر برهبة في العبارة .... لقد أخرجك من رأسه أخيرا ......
مر أسبوعان على هذا المنوال
.... تتجه يوميا الى عملها , دون أن تجد الجرأة على تركه .... خاصة أن الفواتير تتراكم عليها , و الراتب السابق انتهى في نصف الشهر مع مرض والدها ... و حتى الآن لا يزال في حاجةٍ الى عدة اشياء تطلبها المشفى بالإضافة الى ما دفعه سيف .... و بالأمس جاءها ايصال الكهرباء الذي ازداد في الآونة الأخيرة على الرغم من اقتصادها في استخدامها لأقصى الحدود .... و عينيها .... عينيها تقتلانها وجعا مع الخياطة على ضوء المصباح الكهربي الصغير .... الجديد .... بعد أن تحطم القديم بيد أسود القلب ....
في عدة أيام كانت أحوالها تزداد سوءا بسرعةٍ غريبة ... و كأنه أطلق عليها لعنة ما تجعلها تتخاذل عن قرار ترك العمل و الذهاب اليه صاغرة بعد ما فعله ... خاصة بعد أن تلقت طلبا بخياطة عدة أشياء من تلك الموظفة الودودة ...
كل ليلة تعكف على خياطة عدة أثواب دفعة واحدة على أمل أن يسد ثمنهم القليل من الأعباء الملقاة على عاتقها ... لكن الثمن كان كنقطةٍ تُرتشف أولا بأول ....
حتى ملك أهملتها مؤخرا منذ أن دخل والدها المشفى .... فأصبحت لا تقوى على الحديث معها طويلا كي لا تنفجر بالبكاء ..... مجرد محادثة مهذبة لا تشعرها بأن ملك في توقٍ حقيقي لرؤيتها ...
و في العمل الضغط النفسي جراء انتظار عمل أهوج من جانبه يوترها .... سكونه يوترها .... و نبذه لها يثير خزيها .....
لقد أصبحت تدور من أول اليوم لآخره ما بين المكاتب .... أما مكتبه فأصبح منطقة محظورة لها بأمرٍ ملكي غير منطوق ....
الى أن جاء اليوم الذي اضطر علي فيه الى المغادرة بعد أن هاتفته أحدى الجارات تخبره أن والدته متعبة قليلا ...
لذا أصرت وعد أن يغادر و هي ستحل محله .....
أصرت .... و بشدة ....
و في النهاية بقت وحدها تنتظر المواجهة .... جلست على احدى مقاعد غرفة السعاة بتوتر ... يدها دون وعي على شفتيها و عينيها شاردتين ...
ربما لم تكن المواجهة في صالحها , لكنها لم تعتد تحتمل ذلك الانتظار البارد ... و جاء الطلب من علا شخصيا ... أن المدير يطلب من علي قهوته و كوب عصير ...
وضعت وعد سماعة الهاتف الداخلي بقنوط و هي تدرك أنه ليس وحيدا .... لكن هذا أفضل من لا شيء ... لذا أعدت القهوة و العصير و اتجهت الى مكتبه ....
وقفت عند الباب بعد أن ابتسمت لعلا بإهتزاز ... ثم طرقت طرقة واحدة قبل أن تأخذ نفسا و تفتح الباب ...
و مع أول خطوة لم تستطع منع عينيها من النظر اليه مباشرة ...
و تسمرت مكانها حين رأته ينظر اليها .. عينيه القاتمتين آسرتي عينيها ......بينما تقف بجواره تلك الدمية الشقراء التي اسمها ميرال منحنية اليه تشير الى شاشة حاسوبه و تشرح له شيئا ما ... لقد استلمت العمل بالأمس
و قد حملت اليها قهوتها صباحا بنفسها ... لها مكتب خاص رائع شديد الفخامة ....
لكن تلك ميرال لم تنظر اليها نظرة واحدة و هي تشكرها برسمية .... ترى هل ستكون نفس الصلافة حين تعلم أن رئيسها المباشر قد عرض الزواج على تلك التي تجاهلتها !! ....
لم يعرض عليكِ الزواج ....كان مجرد عقاب ليخيفك و حتى وإن فعل , لم تكوني لتقبلي به , تعطيه الفرصة السهلة كي يتحكم بكِ ... يذلك كلما مل من شحناته العاطفية معك ...
أجبرت وعد نفسها على التقدم بخطواتٍ ثابتة ... مهتزة ... و هي تقول بفتور
( صباح الخير ...... )
جاءها الرد جافا فظا
( أين علي ؟ ........ )
وقفت أمام المكتب بشعور بالدونية و هي تقول بخفوت متجنبة النظر الي عينيه المتغلغلتين الى أعماقها
( أمه مريضة ..... ذهب ليطمئن عليها )
سكتت و هي تنظر الى البساط الراقي تحت قدميها , بينما هي موقنة كل اليقين أنه يتفحصها كعادته ذرة ذرة ... الى أن قال أخيرا بجفاء
( ضعي القهوة و تفضلي الي عملك ...... )
رفعت عينيها الي عينيه ببطء شديد .... تمتلك الجرأة الكافية كي تنقل له احساسها في نظرةٍ واحدة ... صلبة لكن ميتة ... و ربما لم تدرك أن القلم الذي كان يتلاعب به قد توقف على سطح المكتب بفعل نظرتها اليه ...
لكن ملامحه كانت قاسية , متحجرة .... لا تعرف معنى اللين ....
كانت ميرال قد استقامت تراقب الموقف .... إنها تقف في الجانب الذي اعتادت وعد أن تتجه الي كي تضع قهوته , و انحدرت عينيها الى سطح المكتب ... و توقفت عند وردتها المختفية ....
على الأرجح لقد ألقاها في سلة المهملات .... لا بأس ... و فيما يهمها ذلك !! .... لقد كسرت كعبي الحذاء الأحمر ....
اتجهت الى الجانب الآخر ... الغير معتاد اليها و كأنها تتجه الى منطقة غريبة , فوضعت فنجان القهوة ... ثم كوب الماء و تبعتهما أخيرا بكوب عصير المذكورة ....
مد سيف يده و يدها لا تزال على كوب العصير ليلتقطه ... فمست أصابعه أصابعها في لحظةٍ خاطفة أرسلت رجفة الى جسدها فرفعت عينيها لتجده ينظر اليها ....
الا أن النظرة لم تطل و هو ينقل كوب العصير الى المذكورة على الجانب الآخر قائلا بابتسامة مهذبة
( تفضلي ........ )
هل تنوي البقاء في ذلك الحيز الضيق طويلا ؟!!! .... حتى انه نقل لها كوب العصير !!! .... لما لا يجلب لها كرسي في تلك الزاوية ....
تداركت وعد عينيها الصلبتين فأخفضتهما و ابتعدت ببطء .... خافضة صينيتها التي تدلت الى جانبها و هي تجر ساقيها ....
قالت ميرال بصوتها الموسيقي
( سيف ..... لقد ذكرتها مرتين و أنت لم تسمعني )
رفع سيف عينيه عن الباب المغلق خلف وعد .... ناظرا بتبلد الى ميرال التي بدأت بالفعل في مناداته باسمه مجردا ,
تذمر سيف بداخله , انها بالفعل مميزة للغاية و شديدة الذكاء و الطموح و الخبرة ....
لكنه لا يحب التساهل في التعامل ......
حقا !!! .........هتف صوت غادر بداخله بتلك الكلمة الخبيثة ....
تنهد سيف بكبت ثم قال بصوتٍ جاف
( عذرا يا ميرال ..... كنت شاردا بشيءٍ ما )
ابتسمت له بنعومة و هي تهمس
( لا بأس ........... هل أنت بكامل تركيزك معي الآن ؟؟..... )
أومأ سيف شاردا .... و إصبعه يدور على دائرة حافة الفنجان ......
.................................................. .................................................. ..............................
اتصل علي بها بعد فترة يخبرها أنه لن يتمكن من العودة اليوم , فأخبرته واثقة ألا يقلق ... ستكون مكانه ...
أغلقت وعد هاتفها .... ثم نظرت اليه قليلا بوجهٍ باهت ....أرادت مكالمة كرمة , أرادت الصراخ .... أرادت لقوةٍ جبرية تأمرها أن تخرج من هذا المكان بكرامتها و لا تسمح لسلطة المال أن تتحكم بها الي تلك الدرجة ....
لقد استمرت هنا أسبوعين .... و لو استطاعت الصمود لاسبوعٍ آخر ستتقاضى حينها راتبها الشهري ....
اعادت الطلب و أغلقت اسم كرمة ....
ثم طلبت رقم ملك ..... نفسيتها المدمرة تحتاج لسماع صوت ملك ...
انتظرت قليلا قبل أن تسمع صوت ملك الخافت الرقيق ترد عليها فقالت وعد بلهفة
( ملك ...... كيف حالك حبيبتي , لقد اشتقت اليكِ )
سمعت صوتها الخافت يقول بهدوء ودود
( و أنا أكثر ........ )
قالت وعد بشك ( حقا ؟؟ ........ )
ردت ملك همسا ( طبعا ........ )
صمتت وعد قليلا مبتئسة بحزن ... ثم قالت بصوتٍ مكتوم
( لقد انشغلت كثيرا منذ أن دخل والدي المشفى ...... و .... ممرت بالكثير )
ردت ملك بخفوت
( شفاه الله .... أتمنى أن يعود اليكِ سريعا )
انقبض قلب وعد من شدة تهذيب ملك , حتى و هي تتحدث عن الرجل الذي جاء ذات يوم ليأخذ أختها الوحيدة منها ...
لا تزال بعيدة ..... بعيدة جدا ....
قالت وعد أخيرا و هي تهتف تعبا
( تعالي و ابقي معي بالبيت يا ملك ..... اكتشفت .... اكتشفت أنني أخاف الوحدة )
ساد صمت قليل ثم همست ملك بارتباك
( تعلمين أن ذلك مستحيل يا وعد .......... )
قالت وعد بلهفة
( ليس مستحيلا أبدا ...... أنا وحدي حاليا )
ردت ملك بنبرة أكثر حزما قليلا
( عملي هنا .... و بيتي هنا .... هذا بالإضافة أن بيت والدك لن يكون بيتي أبدا .... )
صمتت وعد و قد أجفلت قليلا .... لكنها همست بعد فترة صمت
( حسنا يا ملك ...... لا بأس )
همست ملك بأسف
( لم أقصد إيلامك ............ )
ردت وعد بخفوت
( لا .... لا عليكِ , أنا فقط ..... اشتقت اليكِ )
ساد الصمت مجددا قبل أن ترد ملك بخفوت
( و أنا أيضا ........ )
أوشكت وعد على أن تغلق الخط ... الا أن صوت ملك جاءها أكثر خفوتا
( وعد ...... أنا أيضا ..... أحتاجك و أحتاج أن أحكي معك .عندي ...... أنا أعيش في حالة .... ...عندي كلام كثير ربما يوما .... )
ابتسمت وعد بعمق ... ابتسامة لم تبتسمها منذ فترة طويلة على الرغم من أن روحها حاليا في أقصى درجات الإستنزاف لكنها همست من قلبها
( أنا موجودة يا ملك ..... ما أن تطلبيني أنا موجودة .... )
سمعت صوت ضحكة خافتة فاتسعت ابتسامتها لتغلق عينيها بعد أغلقت الخط ..... تنهدت بقوة و أبتسامتها تشرد قليلا .....لتختفي أخيرا ...
للأسف كرمة أقرب لها من ملك ... و على الأرجح ملك تمتلك أشخاص في حياتها أقرب لها ...
استدارت وعد لتنظر الى المرآة الصغيرة المعلقة في غرفة السعاة ... و نظرت مليا الى عينيها المتعبتين ....
الصداع يتزايد معها بصورة فظيعة ... و الإرهاق ينهشها نهشا ....
و مع ذلك لا يزال اليوم في بدايته ... بعد أن تنتهي من العمل ستذهب الى والدها في المشفى ككل يوم ... ثم تتركه و تعود للبيت حتى تنكب على الأقمشة المكدسة عند ماكينة الخياطة ...
رفعت وعد أصابعها الى ما بين عينيها و هي تغلقهما قليلا .... لا بديل عن شراء نظارة .... لقد ضعف نظرها و هي تعلم ذلك , فقد كان ضعيفا من البداية .... أما الآن فالصداع المتزايد هو أقوى دليل على تزايد الوضع سوءا ...
اليوم ستتجه الى المستوصف لعمل كشف نظر ... و لربما كان الأمر بسبب فقر الدم فتوفر ثمن النظارة ....
نظرت الى هاتفها مرة أخرى بوجوم .... ثم طلبت رقم كرمة بيأس حتى قبل أن تسمع صوتها و ما أن ردت حتى قالت وعد بترجي يكاد يكون توسلا ...
( كرمة ..... أريد عمل .... ارجوكِ يا كرمة ساعديني , لم أترجاكِ من قبل .... أرجوكِ )
هتفت كرمة بقلق
( ماذا حدث يا وعد ؟!! ..... انطقي بالله عليكِ , لقد أفزعتني )
دارت وعد في الغرفة الصغيرة و هي تتخلل شعرها بيدها بتعب قائلة بيأس
( يجب أن أترك هذا العمل يا كرمة .... اليوم قبل الغد .... )
قالت كرمة بحزم
( اهدئي و أفهميني جيدا .... ماذا فعل لكِ ؟؟ ....)
صمتت وعد تماما .... لم تكن قد قصت ما حدث على كرمة أو أي مخلوق ... كيف تحكي ما حدث ؟؟ .. و من أين تأتيها الجرأة ....
حتى الآن .. في هذه اللحظة ... لم تستطع ... لكنها ذكرت عوضا نصف الحقيقة بصوت منخفض و كأنها تحدث نفسها بشرود
( انه يتعمد اذلالي يا كرمة ..... انه يريد كسري .....)
قالت كرمة بصوت حاد أقوى مما كانت تتخيله و كأنها تحدث نفسها هي الأخرى
( اذن اتركيه .... اتركي العمل على الفور .... اتركيه يا وعد .... لا تسمحي لأحد أن يكسرك و يحط من شأنك )
فوجئت وعد بقسوة كلمات كرمة المفاجئة ... فصمتت تنظر الى الهاتف قليلا .... ثم همست بقنوط
( أنا أحتاج للمال بشدة يا كرمة .... علاج أبي لا ينتهي ... والمشفى لا يرحم ... بخلاف ما أنا مدينة به لسيف من البداية ..... )
هتفت كرمة
( و لماذا يفعل بك ذلك ؟؟!! ....... هل يتلاعب بكِ ؟!! ... ألم يكن رقيقا يكاد يذوب من نظرة منكِ ؟!! )
صمتت وعد و هي تطرق برأسها ... وجهها شاحب و ملامحها قاتمة صلبة و هي تهمس بعد فترة
( لقد تهورت و تصرفت ..... تصرفا حقيرا )
ساد الصمت بينهما .... ثم قالت كرمة بجفاء آمر
( ماذا فعلتِ يا وعد ؟؟ .........)
أدارت وعد عينيها و هي تهمس تغطي جبهتها بيدها
( ليس الآن يا كرمة ...... رجاءا ... لا أملك الشجاعة .... )
عاد الصمت .... لتقطعه كرمة قائلة بهدوء
( و هل هذا التصرف الحقير .... كان صحيحا من وجهة نظرك ؟؟ ... )
استمرت وعد في تدليك موضع الصداع ... ثم قالت بخفوت بعد فترة طويلة و هي تنزل يدها باستسلام
( أعتقد ذلك ..... كنت قد بدأت أن أفقد نفسي شيئا فشيئا )
قالت كرمة بعد فترة
( جيد ........ اذن تصرفك الحقير كان في موضعه , و عليه لا تخشي شيئا .... انت هي من تضع قوانين نفسك و على الآخرين احترامها مجبورين .... )
صمتت كرمة قليلا .. ثم قالت بأمل
( اذهبي الى صاحب المعرض ....... قد ..... )
قاطعتها وعد بوجوم
( ذهبت اليه اليوم صباحا قبل أن آتي الى هنا ..... فطردني , لأني تركت العمل لديه دون سابق انذار )
تأففت كرمة بيأس ....ثم قالت بحسم بعد فترة صمت
( اتركي العمل لديه يا وعد ......... و سنتقاسم راتبي الى أن تجدين عملا آخر )
هتفت وعد بقسوة
( مستحيل ...... لم أهاتفك كي أتسول منكِ )
قاطعتها كرمة تهتف بحنق
( اسمعي يا غبية ..... محمد يعمل الآن , و لفترة طويلة كنت أعيل البيت بمفردي .... لذا نستطيع أنا و أنتِ أن نتشارك الراتب بعد أن خف عني العبء قليلا )
قالت وعد بحنق هي الأخرى
( هل تدركين حتى ما تقولين ؟!!! ..... أنتِ تتفوهين بالحماقات .... أريد عملا يا كرمة , هلا ساعدتني .... )
تنهدت كرمة بصوت مسموع ... فشعرت وعد بتأنيب الضمير لأنها تثقل عليها بهذا الشكل و تضغط على أعصابها , الا أن كرمة قالت بخفوت
( سأحاول مجددا ..... أعدك يا وعد سأفعل المستحيل و أجد لكِ عملا بقربي )
همست وعد بأسى
( أنا آسفة حقا يا كرمة ..... لقد اصبحت كالمجنونة مؤخرا )
قالت كرمة برقة
( ما تعيشينه ليس بالهين ..... لا بأس حبيبتي , فقط انتظري , لن تكون كل الأيام صعبة .... عسى ان يكون الفرج قريب )
همست وعد بروح متعبة ( يا رب ...... )
أغلقت وعد الهاتف و تنهدت بيأس قبل أن تجلس على أحد الكراسي ببطء لتغطي وجهها بكفيها سامحة لبعض دموعها بالتحرر و هي تنشج بنعومة
لقد تعبت ..... لقد تعبت جدا .....
الغريب في الأمر أنها الآن أصبحت تخشى موت والدها في أي لحظة .... أكثر من أي وقت آخر .....
وجوده كان يمنحها القوة و الصلابة حتى في مجابهته ... لكن و منذ أن سقط و هي تعيش كقشة في مهب الريح ....
لا شيء يمنحها القوة .... كل قواها تسلب منها و تنتهك واحدا تلو الآخر ....
رفعت وجهها المغطى بالدموع و هي تفكر بأكثر عملية ...
ماذا لو مات والدها .... سيرث سيف و والدته البيت معها ....
هل سيكون من حقهما أجبارها بيع البيت كي يأخذان نصيبهما ؟!! ...... و ما الذي سيمنعهما ؟!! ...
رفعت وعد كفيها تغطي شفتيها المرتجفتين و هي تنظر أمامها بعينين فارغتين حمراوين .... ماذا الآن ؟؟!! ......
دق الهاتف الداخلي فنظرت اليه بخواء ... ثم نهضت بتعب كي تتابع عملها .... حتى إشعارٍ آخر ....
جف بكائها بمرور الوقت و هي واقفة تغسل بعض الأكواب ... و قد ساعدتها على الهدوء بعض أغاني فيروز المنبعثة من هاتفها و هي تضعه في جيب تنورتها الرمادية الضيقة ... بينما ارتفعت سماعاته الحرة الى اذنيها ...
كانت تتدندن اللحن بشجن وجهها شارد حزين ... لا تعلم الى متى ستظل الحياة تلقي بها من مرتفع الى هوة .ثم تعود للصعود بها مجددا ....
أغمضت عينيها و اللحن يؤثر بها و صوتها بات كآهاتٍ حزينة ....
غافلة عن عينين مسحورتين من خلفها تنظران اليها ... تكادان تلتهمانها التهاما .... تتشربان رقتها رشفة رشفة .... تثملان من ضعفها و حزنها ....
بهما بريق غاضب مسحور .... قاسٍ و مشتاق ....مشتاااااااااااق ... و يدين انقبضتا فأدخلهما في جيبي بنطاله ....
منذ أن رآها لأول مرة وهو يعلم أن الأمور لن تسير بطبيعتها ... هو نفسه لن يكون بطبيعته التي تعب في رسمها على مر السنوات ...
لقد عبثت بنفسه و شتتته ... دخلت الى أوردته دون سبب مقنع , و كأنه شيء أقوى من الجمال و الجاذبية ....
لكنها صدمته .... حتى الآن لا يستطيع التصديق ....
ربما كان خطأوه هو أن بدأ سريعا يضع ثقته في انسانة وضيعة التربية و النشأة ... بمنتهى السذاجة ....
كان يقنع نفسه أنه لا يثق بها تمام الثقة .... لكنه في الواقع كان قد بدأ ..... بدأ يثق بها ولو قليلا ....
لكنها بحركةٍ جشعةٍ واحدة دمرت بذرة الثقة ... و أظهرت وجهها الحقيقي .... لقد كان فقط يحتاج الى الوقت , الوقت الطويل كي ينشيء هيئة مقبولة و يتحدى بها ما سيواجهه ....
الا أنها سارعت بتدمير كل شيء ... و تدمير تلك العلاقة مع امه و التي حارب خلال سنوات الاتزان الماضية في تحسينها و ترسيخها ليلقيا ما فات ... و يعوضها على تمرده عليها و غضبه منها حين كان مراهقا عنيفا غير قابل للسيطرة .....
فأتت وعد العمري في لحظةٍ واحدة لتدمر ذلك الإستقرار الذي استمر لسنوات .... بعد أن نجح في أن يكون كل شيء لأمه .... فارسها كما تقول له دائما ....
و مع ذلك يشعر بنوع من الإحتقار لنفسه فعلى الرغم مما فعلته الا أنه لن يقصيها من حياته ... لم تكن حركتها كافية كي تنزعها من أوردته .... هو يريدها و سيحصل عليها ...
ليس مجرد جسدها الضعيف الذي يشعل نيرانه بضعفه كما يفعل الآن .... و إنما ذلك الكيان الصلب ... الرقيق ... المخادع .... كلها دفعة واحدة تمثل له هاجسا قويا .... و دافعا لأن يمتلكها ويبقيها بقربه ...
مر أسبوعان على تلك الليلة التي تحفر تفاصيلها في ذاكرته ....
من اشد اسباب نقمته عليها حاليا هي انه جعلته يتدنى الى هذا المستوى في مهاجمتها ....
كان كالأعمى في غضبه .... و في لحظةٍ غادرةٍ أفرغ غضبه كله بها , الا أن الغضب سرعان ما تحول الى رغبةٍ جائعة ... لها كلها .... لضعفها و حزن عينيها ... تضائل جشعها امام عينيه و عادت وعد الرقيقة التي اخترقت جداره السميك ...
و حتى الآن لا يشعر بالندم الكامل تماما ... تلك اللحظات القليلة كانت .... كانت بمثابة اكتشاف لما تمثله تلك الفتاة له ...
لكن كلامها فيما بعد جعله يتسمر ....
" من تظن نفسك لتجعلني حبيبة سرية لك !! .... ما سلطتك على حياتي !!"
حبيبة سرية !!
لقد نطقتها بدونِ خجلٍ أو حياء ..... نطقتها بمنتهى الصراحة ... و القهر .....
هل هكذا كان ؟!!...... كان يحتاج للوقت
الا أنه نسي أن يسيطر على نفسه تمام السيطرة في هذا الوقت , فجعله ذلك مستغلا بشكلٍ لم يعتده في نفسه مع اي امرءة ٍ قبلا .... أو حتى مع اي أحد .....
لقد نجحت في اشعاره بدناءةٍ لم يشعر بها سابقا ...... وهذا ما يجعله خائفا !! .....
لأول مرة يشعر بالخوف من أن يتدنى لمستوى أكثر دنوا لو استمر به الحال على هذا الشكلِ معها ......
سحب سيف نفسا عميقا ملتهبا و تأوهاتها تزيد من لهيبه فصرخ بعنف
( وعد ........ )
اخترق صوته سحابة الألحان بدويٍ شديد ... جعلها تنتفض و تستدير بسرعةٍ و هي تستند الى المغسلة بكفيها المقطرتين ماءا على جانبي تنورتها ....
أنه هنا بالفعل !! ....ينظر اليها بعينين ملتهبتين نارا ... و ألحان فيروز بينهما .... تتناقض مع ملامح وجهه الهمجية ...
بينما هو كان ينظر اليها تتنفس بخوف .... قميصها الأبيض يتحرك أمام عينيه الجائعتين ... و هاتفها مشدودٍ الى ذلك الجيب المائل اللعين ...
عيناها ترتجفان .... أيمكن للعينين أن ترتجفان لتزلزلا تلك السيطرة المسرحية التي يتحلى بها ....
لقد ازدادت نحافة على مر الأسبوعين ... و ازداد شحوبها ... و أزدادت الهالات تحت عينيها الحمراوين ... و ازداد غباؤه على ما يبدو ....
قال سيف بصوته المدوي
( انزعي السماعات من أذنيك ...... )
أسرعت يداها ترتجفان و هي تنزع السماعات لتلقيها حول عنقها و هي تنظر اليه بصمت .... فقال بقسوة
( لقد طلبت أحد السعاة ثلاث مرات حتى الآن و لم يجب أحد .... )
ردت وعد بجفاء خافت
( علي اعتذر عن باقي اليوم ...... و أنا وحدي هنا , لذا لم أسمع ... )
أشتعلت عيناه أكثر وهو يهتف
( لأنك تضعين السماعات في أذنك و كأنك تتنزهين أو تلعبين ...... )
تجرأت وعد على النظر الي عينيه بصمت جليدي .... ستتقبل منه أقصى ما يمكنه , لعله يرتاح و يذهب الي الجحيم بعدها ...
حين ظلت صامتة تحاربه بعينيها الجميلتين .... اللعنة !! ....
مد كفه القوية ليقول آمرا و قد نفذ صبره
( أعطني الهاتف ......... )
ظلت تنظر اليه للحظات قبل أن تدس يدها في جيبها و تخرج منه الهاتف بصعوبة مع ضيق التنورة التي سيمزقها شر تمزيق على ما يبدو ذات يوم ... ثم أزاحت السماعات عن عنقها لتدس الأثنين في قبضة يده المفرودة مرسلة نفس الرعشة الي جسده بتلامسهما ....
لكنها تراجعت سريعا و هي تلهث حنقا ... و ظلما .... ها قد ضاعت وسيلة اتصالها بملك و كرمة بسهولة ... الا أن سيف قال بخشونة
( هذا الهاتف أعطيته لكِ لأغراض العمل ... و ليس للعب ... )
ردت وعد بهمس أجش
( ها هو عندك ..... خذه .......... )
لم يصدق تلك العنجهية التي تنظر بها اليه ....الا أنه قال بلهجة تهديد
( اسمعيني جيدا يا وعد .... خلال الفترة الآتية و ما بعدها ستراعين أسلوبك و تعاملاتك و تلتزمين التحفظ مع الجميع ... الى أن يتم زواجنا .... و بعدها سأكون أنا من يضمن ثبات تلك القواعد )
فقدت ملامحها تصلبها ... و أتسعت عيناها ... ها هو عرض الزواج المفقود .... إنه يعيده مجددا ...
لم تجد سوى أن تهمس بدون تفكير
( هل أنت جاد ؟!! ...... أي زواج !! )
تجمدت ملامح سيف و هو يهدأ قليلا من غضبه ... ليقول بجفاء
( زواجنا ...... أعتقد أنني سبق و أخبرتك )
هتفت وعد تقول
( و أنا سبق و أخبرتك أن ذلك من رابع المستحيلات .... لما لا تجد لنفسك لعبة أخرى ؟!! )
ابتسم قليلا و هو يقول بجفاء
( وجدت و أنتهى الأمر ..... أنتِ لعبتي ... )
بهتت ملامحها قليلا .. ثم أخذت نفسا متعثرا لتقول بعد فترة بتوتر
( أنا سأترك العمل يا سيف .... سأنتظر أسبوع واحد لأحصل على راتب هذا الشهر ثم أرحل )
اتسعت عيناه و ارتفع حاجباه بدهشةٍ حقيقية هذه المرة .... ثم لم يلبث أن ضحك عاليا ... الى أن أنتهى تماما أمام عينيها المتوترتين ... ثم قال أخيرا بعجب
( أتعلمين أنكِ تمتلكين وقاحة لم ارى مثلها أبدا ...... أنتِ تخبريني بمنتهى البساطة أنكِ في انتظار الراتب .....الذي ستتقاضينه مني ..... ثم ترحلين !!! ......بعد كل ما فعلتهِ )
قالت بصوتٍ أجوف
( أنا لا أتسول منك ...... أنا أعمل هنا بناءا على أمرك لي بالعودة , و الراتب من حقي )
نظر اليها سيف بهدوء به لمحة استهزاء خفية ... ثم سألها
( و هل أنتِ مطيعة للأوامر بتلك الصورة المتفانية !! ........ )
رفعت ذقنها و هي تواجهه على الرغم من خوفها الداخلي منه .. ثم قالت بخفوت
( أنا تركت عملي الأول من أجل هذا العمل .... لذا أنا أعتمد عليه , و أنت لا تتمنن علي .... )
رفع احدى حاجبيه و هو ينظر اليها صامتا و هي تحاول مجابهته .... و رغما عنه وخزته نزعة الحماية القديمة التي كان يشعر بها تجاهها ... و على ما يبدو أنه لا يزال يشعر بها حتى الآن ...
رفعت وعد وجهها تقاطع أفكاره الخائنة لتقول فجأة
( لقد نبذت الأمر لأكثر من أسبوعين ..... لماذا تعيده الآن فجأة !! )
نظر اليها يتأملها ... ثم قال بهدوء
( من قال أنني نبذته ............بصراحة أنا لا أثق بك , خشيت أن تتهميني بالتحرش إن اقتربت منكِ )
أحمر وجهها بشدة من رده الفظ الساخر ..... لكنها قالت بعنفٍ لم تستطع السيطرة عليه قبل أن تتهور
( و هذا أقل ما تستحقه بعد ما فعلته .......... )
تصلبت ملامحه .. و زالت السخرية عن عينيه و حل محلهما قسوة مفاجئة ... ثم قال بعد فترةٍ طويلة بخفوت
( لهذا سأتزوجك ..... كي لا تكون لديكِ حجةٍ ترفعينها ضدي حين ....... )
عاد وجهها ليحمر بشدة مبددا الشحوب ... لكنها هتفت بقسوة
( ألا تساوي الحياة لديك أكثر من نزوةٍ تلهو بها قليلا !! ..... الى أي حد تتحكم بك نزواتك !! )
نظر اليها مليا ثم قال بجفاء
( هل هكذا ترين نفسك ؟!! ...... مجرد نزوة ! .... )
صمتت قليلا ... ثم قالت أخيرا بخفوت
( و هل لديك وصف آخر لي !! ....... )
رفع سيف عينيه قليلا وهو يضع يديه في جيبي بنطاله متشبثا بهاتفها متظاهرا بالتفكير .. وهو يقول
( ما هي الكلمة التي استخدمتيها من قبل ؟...... )
عاد لينظر اليها قائلا بخشونة
( حبيبة سرية .......... )
لم يغادرها الإحمرار ... لكنها وقفت ثابتة مكانها ترفض أن يذلها أكثر ... لكنه تابع بهدوء ناظرا الى عينيها بثبات كان ان يخترقها
( و أنتِ أردتِ جعلها علنية ...... لم تتحلي بالصبر , خفتِ أن تضيع منكِ الفرصة ... لماذا ترفضين الآن اذن و قد نلتِ ما تريدين ؟؟ ..... لجعل نفسك أعلى ثمنا أم لأنني رأيت وجهك الحقيقي ؟؟ ..... )
صرخت وعد
( لا تكلمني بتلك الطريقة ........ )
الا أن صرخة سيف كانت أعلى وهو يقول رادعا
( اخرسي ........ )
ألجمت لسانها و هي تنتفض داخليا .. تلهث قليلا و هي تنظر اليه بغضب ممتزج بالخوف , الا أنه تراجع عدة خطوات وهو ينظر اليها ... ثم توقف ليقول بجفاء
( لا أريد تنبيهك مجددا لتصرفاتك يا وعد .... فقد لا أكون تساهلا المرة المقبلة )
خرج سيف أمام عينيها المتسعتين , و تركها تقف مكانها غير مصدقة لما قاله للتو .... تحركت وعد من مكانها ببطىء ... تنظر حولها الى شيء غير محدد ... أنه يبدو عازما على ذلك .... على الزواج بها ....
أكثر من المرة السابقة التي كان الغضب فيها يعمي عينيه .... أما الآن فيبدو هادئا ... واثقا ....
رفعت يدا مرتجفة الى شعرها تتلمس جبينها و جانب وجهها .... كيف تتخلص منه ؟؟ ..... و هل بعملها هنا بعد ما كان بينهما هو السبيل المثالي للخلاص منه ؟!! .... أم أنها تتحامق كل يومٍ أكثر .....
كانت تدور حول نفسها ببطىء يمينا ... و يسارا ... و كأنها تبحث عن شيء ٍ وهمي بينما عقلها شارد بعيدا ... لكنها فجأة رفعت وجهها و هي تنظر الى الباب الذي خرج منه سيف ...
فشدت ذقنها و برقت عينيها بشدة ... لتخرج من نفس الباب و هي تعلم أنها ستتهور .... لو كان علي موجود لطلبت منه أن يمنعها على الفور .... لكنها ستتهور تماما كما اقتحمت مكتبه المرة السابقة ...
الا أنها كانت ممتنة لعدم وجوده .... فأعصابها توشك على الإنهيار بفعل الأيام الشاقة التي تعيشها و ما يزيده ذلك المدعو سيف من العبء عليها .... كانت غبية حين ظنت أن انتقامه هين ....
حين ظنت أنها لن تتأثر بتقديم القهوة له .... و أنه لمجرد ساذج ان ظنه انتقاما عادلا .....
لكنها الآن عرفت و أقسمت بأنه يعذبها على نارٍ هادئة ....
وصلت وعد الى علا .... و عيناها تتطاولان الى الباب المغلق لمكتبه .... فقالت
( هل يمكنني الدخول الى السيد سيف يا علا ....... )
نظرت علا اليها محتارة بعد أن ظلت بعيدة عن مكتب المدير لأسبوعين كاملين ... ها هي تعاود زيارته بشكلٍ مريب لا يتناسب مع وظيفتها و مكانتها البسيطة هنا ....
الا أن علا لم تفصح عن أفكارها و هي تقول متمعنة فيها ببطء
( لحظة أخبره يا وعد ..... لكن اعذريني إن لم يوافق .... فهو مشغول جدا اليوم )
أومأت وعد دون رد ... و ظلت تنظر اليها و هي ترفع سماعة هاتف داخلي لتقول بأدب حرج
( سيد سيف .... وعد هنا و تقول أنها تريد رؤيتك في موضوع هام )
نظرت اليها تتأكد متسائلة , فأومأت وعد مؤكدة و هي تفكر بداخلها أن الموضوع أخطر مما تظن علا ....
لحظة توتر مرت قبل أن تقول علا بأدب
( حاضر ....... )
وضعت السماعة لتنظر الى وعد بإهتمام قائلة
( تفضلي يا وعد ..... انه .... في انتظارك )
قالت وعد بعزيمة
( شكرا .......... )
دخلت وعد و عينيها على عينيه المنتظرتين .... كان جالسا في هيئةٍ ملوكية ... مستندا بظهره الى مقعده ... رافعا اصبعا الى فكه وهو ينظر اليها و كأنه ينظر الى أحد راعاياه ....
أغلقت الباب خلفها و هي تقترب منه بهدوء .. الى أن وقفت على مسافةٍ قريبه من سطح مكتبه لتقول بخفوت دون أي مقدمات
( لماذا تريد أن تتزوجني ؟؟ ........ )
قال بهدوء قاتل دون مقدمات كذلك
( لأني أريدك .............. )
أجفلتها الكلمة و ارتبكت .... حتى سابقا كان كلامه منمقا أكثر .... لا تزال تذكر ذلك اليوم في المشفى حين كان رقيقا معها بشكلٍ يدمي القلب الجاف ... وهو يخبرها بصوتٍ عميق خافت عن انجذابٍ لا يمكن انكاره بينهما ....
لكنه أيضا حذرها من أن تتلاعب به .... و ها هي قد فعلت ....
و كم كان الجواب مختلفا عن هذه الكلمة الباردة كالجليد .... لكنها قالت بثبات قليلا
( لا تهين ذكائي من فضلك ....... ماذا ستنال من زيجة كهذه ؟؟؟ ..... و أي انتقام ستحققه لك ؟؟ .... هل تنتابك نوازع شريرة في أن تضربني بشكلٍ مستمر مثلا ؟!! .... )
لم تهتز ذرة في ملامحه ..... الا أنها أقسمت أن رجفة زلزلت كيانها من جراء نظرة عينيه فارتعشت شفتيها قليلا .... لكنه حين تكلم قال بهدوء
( هل تأملين في أن أكون ضعيفا .... جبانا ؟!! ..... اذن يؤسفني أن أخيب ظنك , فأساليبي أكثر قوة .... و فعالية )
لقد أخافها هذا أكثر .... حتى أنها عضت على شفتها قليلا دون و عي و عينيها تهتزان أمام عينيه القويتين و اللتان لا تحيدان عنهما ...
لكنها افاقت و هي تسأل باهتزاز
( و ماذا سيكون شكل هذا الزواج ؟؟ ..... سري ؟؟ .... )
لم يتحرك من جلسته الملوكية وهو يقول مبتسما
( مجددا !!..... أصبحت أشك أن هذه الكلمة تشكل لديكِ هاجسا ..... ممن سأخاف لأجعله سريا ؟!! ..... من يمتلك السلطة كي يحاسبني ؟؟ ....... )
عقدت حاجبيها قليلا بقلبٍ مرتجف و هي تقول
( و كيف ستبرر للناس زواجك من ساعية مكتبك ؟؟ ............ )
مط شفتيه ليقول ببساطة
( مجددا ..... من يمتلك السلطة كي أحتاج أن أبرر له زواجي من ..... ابنة خالي .... )
لم ترد هذه المرة .... بل بقت صامتة ترتجف و هي تنظر اليه باهتزاز عاقدة حاجبيها .. بينما هو يبادلها النظر بثباتٍ صلب ... الى أن همست بجفاء
( أريد أن أعرف تحديدا عواقب رفضي ........... )
لم يرد على الفور و هو ينظر اليها متمعنا بصلابة ... ثم قال أخيرا
( هل تحبين حياتك الحالية ؟؟......... )
ألجمها السؤال و ظلت تنظر اليه بحاجبين أكثر انعقادا ..... ثم قالت بغضب
( أيا كانت الإجابة فهذا ليس معناه أن أتزوج هربا منها ....... انه مجرد نوع آخر من بيع النفس )
ابتسم بخشونة تفتقر الي المرح ثم قال
(تلك الصيغ الرنانة لا تفلح جذب انتباهي ...... فكري جيدا بما عرضته عليكِ , و فكري بما تمتلكينه حاليا .... ستجدين أنكِ كنتِ محقة في خوفك على ضياع الفرصة .... لكن تصرفك جاء أكثر جشعا و غباءا .... أما الآن فأنا أوفر عليكِ المزيد من المخططات في سبيل تحسين صورتك ..... لما لا نلتزم الصراحة ...
أنا أعرض عليكِ عرض كنتِ تتوقين اليه ..... تعطيني ما أريد و أمنحك ما تحتاجين .....
لا داعي لكل تلك الانهيارات الدرامية ...... )
احتقنت عيناها بفعل الذل و الغضب معا .... و ظهر ذلك في بريقهما الحزين , لكنه قال أخيرا بجفاء
( الآن عودي الي عملك ...... و فكري حينها )
اطرقت وعد برأسها قليلا و هي تعض على شفتيها الساخنتين قهرا ... ثم استدارت و قد فقدت القدرة على تحمل المزيد ... اتجهت سريعا الى الباب تحت أنظاره ..... الا أن صوته قال آمرا
( وعد .......... )
وقفت مكانها قليلا قبل أن تستدير اليه بصمت .... فوجدته يضع هاتفها على سطح المكتب أمامه ثم قال بجفاء
( خذيه ........ أعتقد أنكِ تعلمتِ درسك ..... )
قست ملامحها الشاحبة و تصلبت ..... فقالت بجمود خافت
( لا أحتاج اليه ............... )
فقال بهدوء
( و مع ذلك ستبقينه معك ........ لكن دون غناء , فأنا لا أطيقه ...... )
اتجهت اليه بعد فترةٍ بخطواتٍ ثقيلة الى أن وصلت الى حافة مكتبه المقابلة .... فمدت نفسها و هي ترتجف كي تصل الى الهاتف , تخشى أن ينقض عليها في أية لحظة .... و كم كانت أفكارها شفافة حين قال و هي تميل أمامه
( لا تخافي ..... فلن أنقض عليكِ هنا في المكتب ...... )
استقامت سريعا و هي تقبض على الهاتف بقوةٍ كادت أن تحطمه ... بينما أحمر وجهها بشدةٍ و أهتزت حدقتاها أما ملامحه فكانت قاسية جامدة .... فابتعدت عنها و عن عينيه و هي تهرع الى الخارج تحت نظراته القانصة لكلِ حركةٍ منها ....
أغلقت وعد باب مكتبه خلفها بقوةٍ و هي ترتجف ... فأغمضت عينيها للحظةٍ تلتقط أنفاسها المبعثرة .. ناسية وجود علا التي كانت تراقبها باهتمام فقد دهشته بعد تكرر المواقف المريبة ...
الا أن وعد سرعان ما فتحت عينيها لتصطدم بعيني علا المحدقتين بها فارتبكت على الفور و تلجلجت ... و ابتسمت ...
و حين لم تجد ما تقوله ... تحرجت للخروج بخطواتٍ متعثرة , الا أن صوت علا أوقفها بهدوء
( وعد ...... أريد اوراقك و عدة صور شخصية لكِ من أجل التدريب )
نظرت اليها وعد بعدم فهم ... فقالت علا توضح
( التدريب الخاص بتعيين الموظفين الجدد .... الذي تأخر تقديمه قليلا ... )
عبست وعد و هي تشعر بأنها أصبحت غبية فجأة ... فاقتربت من علا ببطء و هي تقول بحيرة
( أنا لا أفهم شيء يا علا !! ...... أي تدريب ذلك ؟!! ..... )
نظرت اليها علا قليلا قبل أن تسألها بخفوت
( ألم يخبرك السيد سيف أنه أدرج اسمك في التدريب القادم من فترة ؟!! .... ظننتك أنتِ من طلب منه ! )
ارتجفت وعد قليلا و هي تسألها بفتور
( و ما هو هذا التدريب ؟............ )
قالت علا
( انها نوعا ما كمنحة تدريبية معتمدة دوليا .... نقدمها كل فترة لعدد من المتقدمين حديثا للعمل , و لو نجحوا في المرور منها , يتم تعيينهم فورا ..... )
فغرت وعد شفتيها قليلا ...تنظر اليها و كأنها آتية من عالم غريب ثم سألت بملامح باهتة قليلا
( متى أدرج اسمي ؟؟ ........ )
ردت علا تقول
( منذ فترة طويلة ..... لن التدريب تأخر قليلا ..... ألم يكن لديك علم به ؟!! .... )
تذكرت وعد اليوم الذي أخبرها أنه يعد لها مفاجأة ... أهذه هي المفاجأة التي يقصدها قبل أن تقتحم مكتبه مطالبة بوظيفة ميرال بكل سفاقة ؟!! ....
و من أين لها أن تدري ؟!! ..... فسرعان ما قرر معاقبتها و صرفها من مكتبه يومها .....
أطرقت وعد بوجهها بوجوم .... حلم حياتها بوظيفة ثابتة تناسب مؤهلها يلوح في الأفق ... و مع ذلك تشعر بغصةٍ بائسة في حلقها ...
تمتمت وعد بخفوت
( حاضر يا علا ..... بعد اذنك ....)
هتفت علا قبل أن تخرج وعد
( وعد ...... أنا أريد تفصيل تنورة طويلة )
أومأت وعد بصمت ثم همست بفتور
( حاضر ............. )
ثم خرجت و هي ترغب في الإختلاء بنفسها .... كي تبكي حزنا على فرحتها بالوظيفة المنتظرة !!......
.................................................. .................................................. ................................
أمسكت براتبها اخيرا تدسه بحافظتها الصغيرة ... و تخبئها في الحقيبة القديمة ...
تنهدت وعد بتعب و كأنها في سبقٍ طويل لا ينتهي .... ذلك الشهر كان من أقسى الشهور ماديا و عصبيا بالنسبة لها .. و قد بدأ ذلك يؤثر عليها صحيا ....
حتى حال والدها يتأرجح لذلك لا يزال محتجزا بالمشفى ... أحيانا يكون مستقرا ... و أحيانا أخرى يدخل بغيبوبات قصيرة .... و كأنه يعاندها في اراحتها من المصروفات ببقائه في المشفى ....
حتى في ضعفه يشقيها !! .......
خرجت وعد برأسٍ منكس من عملها مساءا كي تبدأ رحلة الجزء الثاني من يومها ....
وقفت تنتظر الحافلة بشرود ... تسند رأسها الى العمود الحديدي لمحطة الإنتظار ....
لقد قدمت أوراقها ... و ستبدأ التدريب الشهر المقبل .....
و كيف لها أن ترفض مثل هذه الفرصة ؟!! ..... خاصة بعد أن سمعت برقم الراتب الإبتدائي في هذه الشركة ...
قدمت أوراقها على الفور .. دون امعان في التفكير ....
التفكير أن هذه الوظيفة ستطير منها إن هي رفضت الزواج منه , حينها أبسط رد فعل له سيكون طردها من العمل و نسيانها ....
لكنه لم يذكر لها الموضوع حتى الإن مطلقا .... لأنه لم يخاطبها منذ اليوم الذي خرجت به من مكتبه و علمت بالتدريب ... و هي كانت ممتنة في الواقع .... فهي غير قادرة على مواجهته بعد أن علمت بما كان يحضره لها ...
لكن و مع ذلك لا تستطيع أن تكون حسنة الظن لدرجة السذاجة .... ممكن أن تكون خطوة في خطة طويلة وضعها للسيطرة عليها ....
المهم أن الأمر كان يحتاج الى بطل أسطوري كي يقاوم العرض و يترك الفرصة .... و هي لم تكن بطلة أبدا ....
وصلت الحافلة المكتظة ... فرفعت رأسها لتقترب من الباب و تحاول جاهدة الدس نفسها بالقوة بين الجموع ... لا تميز ان كانو رجالا أو نساء
فالقوانين في الحافلات تختلف و تختفي كلمة العيب ...
عصرها الزحام عصرا و هي توشك على الإختناق من شدة الدوار و الإعياء .... تتأرجح يمينا و يسارا الى أن تمكنت أخيرا من الوصول الي الباب قرب محطة نزولها ... و بالفعل تمكنت من النزول بقوة الدفع و الهتاف و لحسن الحظ اليومي خرجت بقميصها مغلقا بعد تلك الطاحونة العمياء ...
استقرت وعد واقفة بعد أن بدأت الحافلة في التحرك ببطىء ... بينما كانت وعد تضع يدها تتحسس حقيبتها المنتفخة ... الا أنها لم تشعر بالإنتفاخ المتوقع فعقدت حاجبيها و هي تسرع لفتح الحقيبة الخفيفة ... فذعرت بالأمر المحتوم
حين وجدت أن السحاب مفتوح و أن الحافظة قد اختفت .... شهقت وعد عاليا و هي تنظر الى الحافلة التي كانت قد أسرعت فصرخت عاليا و هي تركض خلفها ... لكنها لم تستطع اللحاق بها و هي تبتعد الى أن اختفت ...
بينما تعثرت وعد بحجرٍ ناتىء فسقطت أرضا .... و حينها لم تستطع نفسها من البكاء على الراتب الذي لم تهنأ به ساعة واحدة ...
أخذت تضغط عينيها بكفيها و هي تلعن غبائها .... كيف نست انتشار السارقين في الحافلات أول الشهر في أيام قبض الرواتب !! .... كيف نست ذلك و لم تأخذ احتياطها ...
معظم الموظفين يستقلون سيارات أجرة أيام القبض كي يتفادو خروج السارقين من جحورهم في هذه الأيام ....
أخذت وعد تبكي بصوتٍ عالٍ الى أن تجمع الناس من حولها ... و بعض النسوة ساعدنها في النهوض و بعضهن يواسيها .. و البعض الآخر يدعين على السارقين
قالت احداهن بعطف
( عوض الله عليكِ يا ابنتي ..... لستِ الأولى و لن تكوني الأخيرة , منهم لله ... )
بينما قالت الأخرى و هي تربت على ذراعها
( هل تمتلكين حق الوصول الى البيت ؟؟ ....... )
أخذت وعد تمسح وجهها و هي تنشج هازة رأسها نفيا ثم تمكنت من القول ببكاء
( لقد وصلت ...... بيتي بعد شارعين فقط من هنا .... )
تجمع المزيد من الناس ... و قام كل منهم باخراج .. خمس جنيهات ... و عشر جنيهات ... و جنيها واحدا ...ثم عدة جنيهات معدنية ووجدت وعد أن أحدهم يفتح يدها و يضع بها تلك المبالغ الزهيدة ...
فحاولت الرفض و هي لا تزال تبكي ... الا أن سيدة منهن نجحت في قبض يدها على يد وعد لتقول بحزم ...
( ابقيهم معك و لا تجادلي ..... قد تحتاجين لشراء شيء و أنتِ في طريقك للبيت )
بدأ الناس في التفرق بينما نظرت وعد الى الثمانية عشر جنيها في يدها و هي تبكي بصمت ... ثم تحركت أخيرا في اتجاه الطريق الموصل الي بيتها ....
لكنها سرعان ما وقفت و هي تظر الي ساعة معصمها .... لن تستطيع اللحاق بزيارة والدها ان صعدت للبيت أولا خاصة و ان اليوم موعد قياس لسيدة تسكن على بعد نسبيا ...
تنهدت وعد تنهيدة بكاء صامتة و هي تضغط أنفها بين عينيها المرهقتين .... لابد أن تذهب ... لن تحتمل خسارة ثانية بخلاف تلك الكارثة التي تمر بها في هذه اللحظة ....
استدارت للطريق مرة أخرى بصمت تشعر بإعياء بالغ .... ثم نظرت الى الثمانية عشر جنيها بعينين متورمتين
ثم هتفت همسا ببكاء
( أقسم أن أستقل بهم سيارة أجرة ...... لا أشعر بالقدرة على الوقوف , سأنهار ...... )
بعد أن استقلت سيارة أجرة بالفعل جلست تستند برأسها الى زجاج السيارة تاركة للنسيم البارد قليلا محاولة افاقتها و إبعاد شباك العنكبوت عن وعييها .... و قد نجح بالفعل الى حدٍ كبير ... بينما أخذت تمد ساقيها قليلا و هي تشعر بقدميها تحترقان تعبا ....
ابتسمت بسخرية مريرة و هي تتذكر المقابلة الأولى مع سيف في مكتبه .... حين سألها عما تكرهه في عملها .... فأخبرته صادقة أن الوقوف طويلا أضناها .... فقال حينها بصوتٍ لن تنسى مدى عمقه " بأنه سيضع ذلك في باله "
و ها هي لا تزال البطلة الأولى في سباق الوقوف على قدميها المسطحتين و عظامها الهشة ....
وصلت وعد أخيرا الى بيت السيدة كريمة .... إنها المرة الأولى التي تأتي الى بيتها .... و قد أخبرتها أنها لن تستطيع الذهاب الى خياطات في بيوتهن لأن زوجها لا يقبل .... لذا كان على وعد أن تمتثل صاغرة في الذهاب اليها كما تفعل مع بعض زبائنها ....
وصلت وعد الى باب الشقة فدقت الجرس و انتظرت الى أن فتح باب الشقة ووجدت رجلا طويلا يقف أمامها ينظر اليها متسائلا ....
فتنحنحت وعد تقول بخفوت
( أنا لدي موعد مع السيدة كريمة اليوم .... من أجل خياطة فستانها )
عقد الرجل حاجبيه قليلا ... ثم قال بلامبالاة
( لم تخبرني ..... لكن لا بأس ,. تفضلي ....... )
ابتعد عن الطريق قليلا ..... ليدعها تمر , فدخلت وعد عدة خطوات و هي تمسك بحقيبتها , ثم استدارت اليه لتقول بخفوت وهو يغلق الباب
( هل يمكنك أن تخبرها من فضلك لأنني لن أستطيع التأخر ..... )
قال الرجل بهدوء و بطء
( حسنا لا بأس ...... تفضلي اجلسي قليلا )
أومأت وعد برأسها ثم اتجهت الى مقعد كي تجلس عليه لترتاح قليلا ... بينما اختفى الرجل بالداخل ,
كانت وعد تنظر الى المكان بعينين مرهقتين تحتهما هالاتٍ تكاد أن تكون بحيراتٍ زرقاء تسع العالم للغرق ...
توقف نظرها عند الطاولة الموضوعة أمامها .... فوجدت مطفئة سجائر تحتوى على العديد من أعقاب السجائر ... لكن ليس هذا ما لفت نظرها ... ان تلك السجائر ملفوفة يدويا من الأوراق و مادة لا يمكنها اغفال رائحتها بعد أن انتبهت قليلا ... استقامت وعد قليلا بتوجس و هي تنظر من حولها
" انه حشيش ..... "
نهضت ببطء و أعصابها تنتفض ... هل تنتظر السيدة كريمة أم ترحل ؟؟ .... لم تحتاج الى التفكير مرتين فاتجهت سريعا الى باب الشقة لكن فجأة شعرت بيدٍ ثقيلة على ذراعها فاستدارت بعنف لتجد الرجل الغريب ينظر اليها بعينين زائغتين و يده على الباب و اخرى على ذراعها ليقول بعدم تركيز
( الى أين أنتِ ذاهبة ؟؟ ........... )
تشنجت وعد تتشبث بظهرها الى الباب بينما نفضت يده عن ذراعها بالقوة , لتقول بقسوة
( تذكرت شيئا ...... يجب أن أخرج حالا ... )
ابتسم الرجل ابتسامة دائخة وهو يقول
( هل تأتين ثم تخرجين هكذا دون أت تشربي شيئا ؟!! ..... )
ارتجفت وعد لكنها أخفت ارتجافها و هي تصرخ بقوة
( أين السيدة كريمة ؟؟ ........... )
ابتسم الرجل مرة أخرى وهو يربت على ذراعها بهدوء
( لا تقلقي ..... لقد ذهبت لأمها و ستعود على الفور , لن تتأخر )
حتى هذه الحظة كان عندها أمل , لكنها دفعته و هي تقول بقوة
( ابتعد عني ....... يجب أن اخرج حالا )
الا أنه أمسك بذراعيها ليقذفها الى الداخل مجددا و هو يقول بخشونة
( اهدئي يا صغيرة ...... لا أحب تلك العروض بخلاف الباقين , سأراضيكِ جيدا بعد أن ننتهي )
صرخت وعد بأعلى صوتها , فامتزج صراخها بضحكته و هو يقول زائغا
( نحن الشقة الوحيدة المسكونة في هذا الxxxx ..... لكن أنا متأكد أنك تعرفين ذلك , يا فتاة أخبرتك أنني لا أحب تلك العروض , فلنبدأ مباشرة .... أتريدين سيجارة ملفوفة أولا ؟؟ ..... أنا لا أفرط في احداها الى للأحباب فقط )
كانت وعد تنتفض رعبا و أطرافها تتشنج و هي على وشكِ الإغماء ... الا أنها أمرت نفسها بالقوة أن تستفيق و الا فستضيع في طريق بلا عودة ...
أخذت تلتقط أنفاسها ثم قالت بخفوت ترتعش
( و ماذا لو أتت زوجتك في أي لحظة ؟؟ ........... )
ابتسم الرجل بخبث ليقول ببطىء
( لا تخافي يا أوزة ...... قائدة الحرس زوجتي ستبيت الليلة عند أمها , عسى الا تعود هي أو أمها أبدا .... )
وقع قلب وعد بين قدميها و شعرت بأن القفز من النافذة سيكون وسيلة الفرار الوحيدة لها خاصة وهو يقف ظهره لباب الشقة , لكنها تمكنت بمعجزةٍ من تصنع ابتسامة مذهلة و هي تهمس بارتجاف
( اذن لقد طمأنتني ..... هل يمكنني ...... الدخول للحمام ؟؟ ..... )
عبس الرجل وهو يقول بخشونة
( و لما تضيع الوقت و المزاج يا فتاة ..... دعي الحمام فيما بعد )
تشبثت وعد بحقيبتها و هي تقول بدلال مصطنع
( س .... سأرتدي لك شيئا رهييييييييبا ...... )
ابتسم الرجل بعدم تركيز , ثم قال بخشونة
( حسنا اذهبي .... انه الباب الثاني في الرواق خلفك ..... لكن لا تتأخرى يا أوزتي البيضاء الشاحبة , لكن اطمئني , بعد أن أنتهى منكِ لن تكوني بيضاء أو شاحبة لفترة طويلة .... )
ابتسمت وحد بشفتين زرقاوين ... لكنها أسرعت الى الرواق ثم دخلت للحمام فأحكمت غلقه و أستندت بظهرها الى الباب مرجعة رأسها الى الخلف و هي تلهث برعب هامسة
( ما هذا اليوم ؟!!! ..... ما هذا اليوم ؟!!!! .... ماذا أفعل ؟!! )
أغمضت عينيها للحظة .... ثم دست يدها في جيب تنورتها لتخرج الهاتف و هي تحمد الله ألف مرة أنه لم يسرق منها هو الآخر ... اخذت تعبث بالأزرار بأصابع مرتجفة و هي تفكر بعشوائية
" بمن تتصل ؟؟ ..... بمن تتصل ؟!! ..... الشرطة ؟؟ ستأتي بعد عام .... كرمة ؟؟ و ماذا ستفعل المسكينة ؟؟ قد تصبح ضحية ثانية ... .... "
دون تفكير تقريبا وجدت نفسها تتصل بمن سيفصل رأس ذلك الثورعن جسده ان شاء الله ما أن يعلم ...
انتظرت ترتجف و هي تضع الهاتف على أذنها حتى وصلها اسمها بنبرته العميقة القوية
( وعد ؟!! ........... )
همست وعد بخفوت و رعب و هي ترتجف مبتعدة عن الباب
( سيف ..... سيف .... أنا في مصيبة ..... )
في لحظةٍ كان صوته القوي يقصف
( ما الأمر ؟.... أين أنتِ ؟؟ ...... )
همست وعد و هي تنظر الى الباب
( أنا محتجزة في حمام بشقة أحدى زبوناتي ..... حين أتيت لم اجدها و زوجها موجود وهو شارب حشيش حتى أوشكت عيناه على الخروج من وجهه .... و أنا ......)
صرخ سيف بصوتٍ كاد أن يخرق أذنها
( هاتي العنوان حالا ......... )
أملته وعد العنوان بهمسٍ مرتجف , فصرخ و هي تسمع صوت مكابح سيارة عالٍ
( ابقي الباب مغلقا و اياكِ و الخروج ..... أتفهمين ؟؟ ..... إياكِ و الخروج .... خمس دقائق و اكون عندك )
أومأت وعد برأسها و هي ترتجف , .... فتنبهت وهو يصرخ عاليا
( وعد أسمعتني ؟؟؟ ........ )
همست ترتجف
( نعم ..... نعم سمعتك ........حاضر )
أغلقت وعد الخط .... و أغلقت عينيها و قد بدت لها ان الخمس دقائق هي بمثابة خمس ساعات ... حتى أنها بدأت في عد الثواني همسا ... تعالى الطرق فجأة لتسمع صوت يقول بسماجة
( لماذا تأخرتِ هكذا يا أوزتي ؟...... دعيني أدخل معك )
أغمضت عينيها و ساقيها تهتزان بعصبية وهي تهمس برعب
( فلتنهشك أوزة مسعورة يا متخلف ......... )
ثم رفعت صوتها تقول بدلال
( انتظر لحظة يا .... يا جميل ..... اذهب و اشرب سيجارة أخرى و انا آتية اليك , لكن ادخر لي واحدة )
سمعت صوت ضحكته الأجشة و خطوات قدميه تبتعدان .....
تعالى فجأة طرقا عنيفا مع رنين الجرس على باب الشقة .... فأغمضت وعد عينيها و هي تكاد تبكي ارتياحا .... لقد وصل ..... كانت تعرف أنه لن يترك أسيرته تتعرض لإنتقامٍ بيدٍ شريرةٍ أخرى ...
فتح الرجل الباب وهو يصرخ بعينين زائغتين ....
( ماذا ..... ماذا ..... من أنت و لماذا ؟!!! .........آآآآآآآآه )
لم يكمل جملته الغير مترابطة و سيف يقبض على مقدمة قميصه كي يضربه بجبهته ... بسرعةٍ لم يتداركها فتطوح الرجل ثم سقط أرضا كالثور ....
فدخل سيف الى المكان باشمئزاز الى ان وصل الى باب الحمام المغلق فطرق عليه بعنف كاد أن يحطمه وهو يصرخ
( افتحي يا وعد ..... انه أنا ....)
فتحت وعد الباب .... لتبكي بالفعل ارتياحا ما أن ابصرت الملامح المتحجرة المتوحشة أما عيناه العاصفتان القلقتان كانتا تتفحصانها سريعا قبل أن يقول بخشونة
( هل أنتِ بخير ؟.........)
كانت تستند بكفها الى إطار باب الحمام بملامح كالأموات و الدموع تنساب على وجنتيها ... و ساقيها تتخاذلان , فهتف سيف يقترب منها أكثر حتى كاد أن يمسك بها لكنه أبعد يده قبل أن يفعل قائلا بخشونة قلقة
( أجيبي بالله عليكِ ..... هل فعل بكِ شيئا ؟؟ ..... لأنني أقسم أن ... )
هزت وعد رأسها نفيا و هي تهمس بضعف
( لا .... لم يحدث شيء .... أريد فقط أن أخرج من هنا ..... أرجوك )
ذهب همسها الضعيف بعقله المشوش و هو يراها منسدلة الشعر بوجهٍ أبيض بلون قميصها و عينين تحتها بشرةٍ رقيقة زرقاء كشفتيها .... و عنقها الناعم يتحدى سلطة اي رجل ان يقاوم انجذابه لضعفها و هشاشتها ....
أوشكت أعصابه أن تنهار و هو يتخيل أنها تكذب و أن ذلك الحقير قد لامسها أو أكثر .... هذه المرة لم يستطع ان يمنع نفسه وهو يمد يده ليقبض على كفها يجذبها خارج هذا الحمام الذي اصابه بالغثيان وهو يقول بلهجة آمرة
( هيا بنا ......... )
جذبها خلفه و هو يندفع بها الى أن مر بالرجل الذي كان يحاول الإستقامة من سقطته الا أن سيف ركله في جانبه ليسقطه أرضا مرة أخرى وهو يبصق  ثم جذب وعد خارج المكان العفن قبل أن يحرقه هو وصاحبه ....

بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن