وقفت تمشط شعرها الطويل أمام المرآة .... تنهدت و هي تشعر بالتعب منه ,. الحقيقة أن تمشيطه أصبح مجهدا جدا .... لكنها على الرغم من ذلك من المستحيل أن تقصه ....
رفعت عينيها الى المرآة قليلا تنظر اليهما بشرود ... و هي تتذكر وعد ....
ملامحها تبدو بعيدة نوعا ما ... و كأنها مغطاة بنسيج أبيض شفاف .... لكن صوتها ما زال يشدو بنعومة في أذنها قبل النوم ....
دائما ما كانت تضفر لها شعرها بينما تغفل عن تضفير شعرها الخاص ....
كانت تهمس لها بصوت لابد و انه كان طفوليا لكن به امومة
( شعرك مثل سلاسل الذهب ..... لو تجرأت أيا من المشرفات على قصه لك فسأنهشها بأسناني ... )
ابتسمت ملك أمام المرآة و هي تتعجب من أن بعض العبارات لا تتيه من بالها أبدا ....
كتلك الأنشودة التي كانت وعد تغنيها لها قبل النوم ....و هي تضمها معها في سرير واحد .....
كانت تتعامل معها كطفلة تلعب دور الأم مع دميتها .... الا أنه لم يكن هناك وجودا للدمى حينها ....
كانت فقط ملك .... و كانت وعد تفرغ بها كل أمومتها و طفولتها .....
أين هي الآن ؟..... فقط تتمنى أن تكون بخير ....
تتمنى أن تكون الحياة كريمة مع وعد كما كانت كريمة معها .....
اختفت ابتسامة ملك وهي تتذكر صراخها ذات يوم
( وعد !!! .... وعد !!! ....... )
تتذكره و كأنه بالأمس .... حين ايقظتها احدى المشرفات ذات يوم ,و أخذتها من بين أحضان وعد لتذهب بها الى الحمام دون ضرورة الى ذلك .... و حين عادت ملك جريا بعد أن أهلتها ... وجدت السرير فارغ ....
فانطلقت تجري خارج ممر العنبر .... و هي تنادي بقلق على وعد .... الى أن رأتها ....
رأتها خارجة و رجل ضخم غريب يمسك بيدها ....
حينها نادتها ملك فاستدارت اليها وعد بقلق و عينين مفجوعتين ... لكنها كانت تبكي بصمت ....
تشير اليها بأن تعود للعنبر ..... لكن ملك جرت اليها و هي تتشبث بيدها لتسألها عن سبب خروجها ...
لازالت تتذكر حتى الآن أن وعد انحنت الى أذنها لتهمس و هي تبكي
( سأذهب لفترة قصيرة ثم أعود اليك ..... لكن فقط , أريدك أن تحفظي اسمي كأسمك .... وعد عبد الحميد العمري .... احفظيه كاسمك و اياكِ نسيانه أبدا ..... ردديه )
كانت ملك غير مستوعبة تماما لما يحدث ... و هي تنظر الي وعد التي تغرق الدموع وجهها بصمت
لكنها أخذت تهمس بطاعة كما هي دائما مع وعد
( وعد عبد الحميد العمري ...... وعد عبد الحميد العمري )
بعدها ضمتها وعد اليها بقوة و الدموع تنتقل من وجهها الناعم الى وجه ملك الأكثر نعومة .....
ثم ابتعدت بالقوة ما أن جذبها الرجل الضخم خلفه نافذ الصبر .... فابتعدت معه و هي تلوح لملك .... و حين أوشكت ملك على الجري لحاقا بها ... وجدت ذراعي مشرفة تحيط بها و تحملها قسرا لتعيدها الى العنبر ... بينما استمر نداءها لساعة .... و ساعتين .... و ثلاث ....
لقد ذكرت وعد أنها ستعود سريعا .....
و استمر ندائها ليوم و اثنين .... ثم طال به الصوت لاسبوع ..... بعدها بدأت في الدخول في فترات عقاب طويلة .... ببقائها وحيدة الى أن تنتهى من ندائها ....
حدثتها المشرفة طويلا عن أن وعد قد ذهبت مع والدها و أنها لن تعود الى هنا مجددا .... لكن ملك لم تستوعب حرفا و لم تقتنع و كأنما لم تفهمه ..... والدها ووعد قد توفي قبل سفر أمها بعد أن تركتهما لجدتهما ....
و التي لم تلبث أن توفيت بعد عام .... تاركة وعد و ملك بمفردهما في شقة قديمة ..... و الجيران يتوافدون لإخراج الجثمان من تلك الشقة .....
و بعد التنقل من جار الى جار .... استقر الجميع على ضرورة ارسال وعد و ملك الى دار للرعاية .....
آخر ما تتذكره ملك هي تلك الفترة الطويلة التي كانت تقضيها في النداء على وعد .... ثم بعدها حدثت فجوة .... جعلتها تنسى الكثير من التفاصيل .....
الى أن بدأت ذاكرتها في بناء حياة جديدة .... في دار جديد .... مرفه .... نظيف .... ينفق عليه الكثير من متيسري الحال .... فبدا أشبه بمدرسة داخلية نظيفة مرتبة ....
حتى المشرفات هناك كن مختلفات .... و كأن رقي الدار مرتبط برقي المشرفات اللاتي يعملن به .....
عادت من شرودها و هي تنظر الي صورتها مجددا .... لتبتسم برقة حزينة ....
ما أجمل أن تصطحب معك نسمة من الماضي المؤلم .... لترافقك الى حاضر به بعض لمحات الإشراق ... فتريها أن المستقبل ليس مؤلما كما كانت تصور له لياليه ....
رفعت ملك يديها لتضفر جانبي شعرها في ضفيرتين رفيعتين ... ربطتهما معا خلف رأسها فأصبحتا كالطوق الذهبي يزين وجهها ....
بينما ضفرت باقي شعرها في ضفيرة سميكة واحدة تركتها خلف ظهرها .... و كانت أثناء تضفير شعرها ... تنظر بين الحين و الآخر ... الى وعد الصغيرة التي كانت تجلس على السرير ناظرة اليها بابتسامتها الأمومية !!.... فتبادلها ملك الإبتسام !!.....
و حين قيمت نفسها أخيرا ... شعرت بالرضا بذلك الثوب الوحيد الذي تملكه .... الوردي الشاحب ....
فكل ملابسها كانت مبتاعة في فترة التنزيلات من الأسواق المحلية.... من جينزات و أقمصة قطنية ....
أما هذا الثوب الوردي الشاحب ..... فقد كان نزوة ليست بباهظة الثمن لكنه أنثوي بحيث لم تستطع أن تقاومه .... و لم ترتديه الا بضع مرات قليلة في المحل ....
لكنه الآن بدا مناسبا تماما لأول موعد لها ..... مع صديق ....
نظرت ملك الي الساعة القديمة ذات الزجاج المكسور .... فوجدت أن موعد العمل قد حان .... لذا طارت تخرج من غرفتها كي تنزل و تفتح المحل لكن دون أن تنسى أن تلوح لوعد ..... و تلوح لها !
تنتظر انقضاء الساعات الأولى كي تحصل على وقت راحتها و كم كانت الساعات طويلة بطيئة !! ....
ظلت ملك تنظم الورود لكل من يطلبها و عيناها على الباب الزجاجي كلما سمعت صوت اسطوانات النسيم ...
على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكرا على موعدهما .... الا أنها كانت تتمنى لو أتى مبكرا ....
كي تريه للسيدة ليلى ... صاحبة المحل التي كانت تنظر اليها بين الحين و آخر بعجب .... من تلهفها الي النظر للباب ... و هيئتها المنمقة أكثر من اللازم ....
وكلما حدجتها بنظرة مدققة .... كانت ملك تحمر خجلا دون سبب لتخفض عينيها مبتسمة و هي تعض شفتها بتشوق ....
أخذت xxxxب الساعة تعاندها بشدة ... تتحرك ببطءٍ مغيظ ... الى أن نهضت السيدة ليلى من مكانها و هي تقول متأوهة برقة
( سأصعد الى شقتي الآن يا ملك ...... لا تنسي أن تحكمي غلق الباب حين يأتي موعد راحتك )
أومأت ملك مبتسمة و هي تفكر بأن السيدة ليلى لا تمل و لا تكل من تذكيرها بنفس التوصية , على الرغم من أنها لم تنسى ليوم واحد اغلاق الباب في وقت راحتها ....
ما أن خرجت ليلى حتى نظرت ملك الى الساعة .... و الباقي من الزمن ثلاثون دقيقة كاملة ... ظلت تترقبها بعينيها دقيقة دقيقة .... الى أن سمعت صوت رنين الاسطوانات عند الباب ..... فابتسمت ....
نظرت بطرف عينيها اليه يدخل بقامته العالية ووجهه الوسيم .... انه يشبه نجوم السنيما بشعره الناعم البني و عينيه الجريئتين .... حتى الجرح في حاجبه يزيده عبثا ....
التمعت عيناه حين وقعتا عليها .... و كأنما يقتنصها في نظرةٍ واحدة ....
ليقترب منها ببطء دون أن تغفل عيناه عنها .... فوصل اليها أخيرا , يفصل بينهما الحاجز الرخامي ... أيديهما مرتاحة عليه بعكس ما بداخلهما .... قال أخيرا بصوتٍ خافت
( مرحبا ,........ )
ردت ملك برقة هامسة
( مرحبا .......... )
صمت يتأملها من جديد عله يرى بها ما غفل عنه في المرة الأولى ... ثم قال أخيرا
( تبدين جميلة ........ )
ابتسمت و هي تطرق برأسها بخجل ثم همست
( و أنت كذلك .......)
سمعت هدير أنفاسه حتى عجزت عن تفسيرها ... فارتبك قلبها عدة مرات , لتسمعه يقول بعد فترة
( اريد باقة جوري حمراء ...... لفتاة جميلة )
رفعت عينين متسعتين اليه .... فبدا واثقا مبتسما باعجاب عجز عن اخفاؤه ....
فهمست ملك بحيرة
( حقا ؟؟ ............. )
رد كريم واثقا
( بالتأكيد ....... اعتدت أن أجلب الورود معي لكل فتاة جميلة أخرج معها ... لكن و بما أنني مررت بكِ هنا , فسيكون من الغريب أن أحمل معي باقة ورد ..... )
ارتبكت ملك و احمر وجهها .... انه يعترف أمامها بأنه يخرج في مواعيد مع فتيات أخريات و يعتبرها كمجرد موعد بينهن !!! ..... هل يفترض بها أن تشعر بالإهانة و ترفض الخروج معه ؟؟ ....
لكن الرد بداخلها تأخر ... و زادت حيرتها ... فأخذ المبادرة منها وهو يقول آمرا
( هيا........سنتأخر )
كانت لهجته خافتة آمرة .... كمن اعتاد القاء الأوامر طوال حياته , لذا رغما عنها شعرت برغبة عارمة في تحديه ... فنظرت الي الساعة على أمل أن تكون أكثر بطئا و يكون وقت راحتها لم يحن بعد ... ولو بخمس دقائق ....
لكنها وجدت أن أخمس دقائق قد مرت منه بالفعل .... لذا أعادت نظرها اليه تقول بخفوت
( أظن ذلك ......... )
خرجت ببطء من خلف الحاجز الرخامي لتقف أمامه .... فمنحته الفرصة كي يراها كلها بثوبها الوردي الشاحي ... و تاجها المضفر على قمة رأسها ....
بدت أحدى بطلات العصر الفيكتوري هاربة من أحد الأفلام .... و كان ينظر اليها واجما , و كأنه يخشاها أو يخشى عليها ....
مشت أمامه برقة راقصة باليه و هي تعد باقة ورد جوري مميزة ليست ضخمة ... و لكنها رقيقة ذات سيقان طويلة عددها محدود ... لفتها بورق شفاف ثم ربطتها لتنظر اليها مبتسمة بشرود و هي تحتضنها الى صدرها ....بينما كريم كان ينظر اليها مسحورا ... ليهمس بعد فترة صمت مبهور
( هل أعجبتك ِ ؟ ........ )
ابتسمت ملك أكثر قليلا و هي تومىء برأسها ثم همست بمرح
( إنها جميلة جدا ....... شكرا لك , ذوقك رائع )
ابتسم كريم هو الآخر غير قادر على نزع عينيه منها ... بينما همست ملك برقة
( لم أتلقى باقة ورد من قبل ........ )
رفعت عينيها اليه مبتسمة .... لتهمس بسحر
( شكرا لك ......... )
ظل كريم ينظر اليها قليلا .... قبل أن يتنحنح ليقول أخيرا مخرجا حافظته
( حسنا ...... سأدفع ثمنها , و بعدها نغادر ...... لكن لا تنظري الى الثمن )
ضحكت ملك و هي تستدير خلف الحاجز الرخامي ... لتأخذ منه ثمن الباقة و تضعه في الجارور و تعيد اليه الباقي ... فقال مبتسما دون أن يأخذه
( أعتقد أنكِ لا زلتِ ترفضين الإكرامية ؟؟ ...... )
اختفت ابتسامتها و هي تنظر اليه .... فقال بسرعة
( أنها مزحة ......... )
قالت ملك دون أن تبتسم
( ليست ظريفة ............ )
مد كريم يده يسحب الباقي .... وهو يقول مقطبا جبينه
( أنتِ حقا مفيدة لغرور الرجل ....... هيا بنا )
خرجت معه بعد أن أشار الي الباب مادا ذراعه لكن ليس قبل ان تخبىء باقتها الخاصة لحين عودتها .... وجدت ملك سيارة أخرى غير الفضية التي أعتاد المجيء بها الى هنا و تأكد ظنها حين سمعت صوت جهاز فتحها ...
كم سيارة يمتلك ؟؟ .... و لما كل هذا الإستعراض أمامها ؟!!...............
جلست في المقعد الأمامي بعد أن فتح لها الباب ..... ثم استدار ليجلس بجوارها لينطلق بعد ذلك كالسهم ...
لم تتكلم ملك أثناء الطريق .... كذلك لم ينطق هو .... لكن القلق كان ظاهرا عليه أو أن هناك معضلةٍ ما يقوم بحلها ....
لم تخفي ملك مراقبتها له .... فكان ينظر اليها بين الحين و الآخر ليظاهر بالإبتسام لكن دون أن يتكلم ... و كأنه يفضل أن يجهز ما سيقوله اولا ....
توقفا أخيرا أمام مقهى راقٍ للغاية ..لا ليس مقهى في الواقع انه مطعم فخم جدا , الا انه مشهو بقهوته .... . نزل من السيارة و فتح لها الباب .... فخرجت ببطىء تتطلع الى أناقة المكان .... تستطيع تذكر انها لمحته من المواصلات مرة أو اثنتين .... لكنها لم تهتم بالنظر الي اسمه ... لذلك تعجب أنها لم تكن على معرفة بالمكان ....
دخلا الى المكان الخافت الإضاءة ... تنبعث من كل زاوية منه موسيقى ناعمة ... بينما الأصوات لا تعلو عن الهمهمات الخافتة ... قادهما نادل منمق الى ركن بعيد قليلا تم حجزه من أجلهما خصيصا ....
لم تظن بأن المقابلة تستحق كل هذا الإستعداد .... ربما لو جلسها على سور شاطىء البحر لكان الأمر مميزا أكثر ....
ارتبكت ملك و هي تشك للمرة الأولى في مدى ملائمة ثوبها الخفيف البسيط مع فخامة المكان ....
جلست ملك ... ثم جلس كريم مقابلها , ينظر اليها برقة .... يحاول حفظ ملامحها الدقيقة ... ثم ابتسم ليقول
( هل أعجبك المكان ؟؟ ...... )
شبكت كفيها في حجرها أسفل الطاولة و هي تجيب بارتباك
( لطيف .......... )
همس كريم يميل الى الأمام قليلا
( اذن لماذا لا تبدين مبتهجة ........ )
همست ملك تقول وقد احمروجهها ارتباكا
( تلك الأماكن ... توترني قليلا .... )
قال كريم وهو يترقبها بنظراته الملتهمة
( و كيف توترك و أنت أكثر جمالا من المكان نفسه بمن فيه ؟! ..... )
اتسعت عينا ملك و هي ترفعهما اليه مندهشة من جرأته .... ثم لم تلبث أن أخفضتهما الى كفيها ما أن بادلها النظر بقوة مبتسما .....
مرت فترة قليلة .... قبل أن يهمس كريم
( كلميني عن نفسك ........ )
عادت لترفع وجهها اليه ... تتحقق من ملامحه , ثم همست
( كلمني أنت عن نفسك ..... و عن أخبارك )
رجع ببطىء الى الخلف ... ينظر اليها بغموض , ثم قال بخفوت وهو يتلاعب بأكياس السكر الصغيرة ...
( أخباري !!...... حسنا أنا شاب كغيري من الشباب , ..... اسمي كريم القاضي ... من عائلة القاضي , لابد و ان تكوني قد سمعتِ بها .... مولع بالسهرات و السفر .... السيارات .... و الفتيات )
كانت تنظر اليه كمن يقرأ الجريدة .... بلا اي تعبير .... اطلاقا .... حتى عندما نطق الكلمة الأخيرة بصوتٍ خافت مازح ... لم تحمر خجلا ... على الرغم من أنه كما يبدو مزاحا واقعيا .....
حين وجدها صامتة تنظر اليه بلا تعبير .... قال أخيرا وهو يمد كفيه متسائلا
( هل هناك المزيد ؟؟ ......... )
لم ترد ملك على الفور ... ثم همست
( هل كانت حياتك سهلة ؟؟ ............. )
ارتجفت ملامحه قليلا ... الا أنه تمكن من الضحك بافتعال ليقول بجاذبية شاب واثق بنفسه و بحياته
( الحياة منحتني الرفاهية ..... فمن أكون لأتذمر !! ..... )
ابتسمت ملك برقة ... ثم همست تقول برضا
( و أنا أيضا قد كانت الحياة كريمة معي للغاية ....... )
بهتت ضحكة كريم للحظات ينظر الي عينيها .... ثم قال بصوت خافت
( هل هي سخرية مريرة ؟؟ ...... )
نظرت اليه بتعجب ... ثم قالت بثقة
( بل على العكس ..... الحقيقة أنني كنت محظوظة في معظم أحداث حياتي ..... حتى أيقنت بأن القدر يحرسني دائما ...... )
كان كريم يستمع اليها باهتمام ... ثم قال أخيرا
( ماذا عن اسرتك .... والديكِ ؟ ..... )
عقدت ملك حاجبيها قليلا .... تنظر اليه و كأنما هي غاضبة من شيء ما , الا أنها تجاهلته تماما ... و هي ترفع كفيها على الطاولة بعد أن ارتاحت للمكان قليلا ... تتأمله من حولها ....ثم لم تلبث أن قالت بخفوت
( أنا أعمل في محل للورد كما تعمل ...و أسكن بنفس الxxxx في غرفة علوية كما تعلم .... ليس لي أصدقاء , و إن كان معظم ساكني الxxxx يعتبروني كابنتهم .... لكن لي علاقات كثيرة في العالم الإفتراضي .... )
صمتت ثم هزت كتفيها تقول بلامبالاة
( هذه هي كل المعلومات المهمة عني ...... أنا مثلك , ليس لدي الكثير لأقصه .... )
أدارت وجهها بعيدا عنه , متعمدة تجاهل التحدث عن والديها و طفولتها ....
بعد فترة جاء النادل اليهما بالمشروبات التي طلبها كريم ..... فوجدت ملك أمامها كأس ضخمة بها مشروب شوكولا مغطى بطبقة كريما بيضا ... و مزين بشرائح من الفراولة الحمراء .... فابتسمت و هي تنظر الي الكأس رغما عنها ....
ثم همست دون أن تنظر الي كريم
( ماهذا ؟؟!!! .... لي و للجيران ؟!!! ...... )
ضحك كريم وهو يقول بخفة
( بألف هناء .......... )
نظرت اليه مبتسمة بمرح ثم قالت ضاحكة
( الف هناء ؟!!! ..... انها لا تتناسب مع سيارتك و نظارتك ... و ساعة معصمك .... )
ضحك كريم و هو ينظر الى ملامحها التى بدأت تتورد مرحا .. لتتأقلم مع المكان ... ثم قال
( لم تري شيئا بعد يا صبية .... فلا تدعي المظاهر تخدعك )
خفت ضحكها و تحول الى ابتسامة رقيقة و هي تهمس بثقة
( لن تخدعني المظاهر ....... لا تقلق .....)
تحولت ملامحه الى الشرود ... و هو يتشاغل بالنظر الى أرجاء المكان مثل حالها ... أصابعه ذات الأظافر النظيفة تتلاعب ببعضها بتوتر .... و الساعة الغالية الثمن تطرق سطح الطاولة بحركة لا إرادية ....
شعرت فجأة بالعطف عليه .... فقد بدا كطفل صغير متوتر قلق .... و قد ضغطت عليه أكثر من اللازم ...
لذا أمسكت بكأسها الضخم ... ترتشف القليل من مشروب الشوكولا .... بالماصة الطويلة ...
ثم همست قائلة بسرور
( انه رااااااااااااائع ....... )
التفت اليها متفاجئا بنبرة الإنبهار في صوتها .... ثم لم يلبث ان ابتسم زهوا و كأنه هو من أعد المشروب بنفسه ...
قال كريم أخيرا بصوتٍ لاهث .... و قد عاد لعبثه الناضح عليه وهو يتأملها تلعق الكريما البيضاء من فوق المشروب
( أنتِ تبدين بنعومتها .... و حمرة وجنتيك تماثل ثمار الفراولة بها .... )
رفعت عينيها اليه و قد احمر وجهها بشدة .... انه عابث و فاشل أيضا ..... وهي تتعجب من وقوع الفتيات في فخه مع ثقتها بوقوعهن راضيات مسالمات .... فقالت باتزان
( هل كتبت تلك العبارة بورقة كي تسمعها لي ؟؟ ..... ام أنك حفظتها بحكم العادة ؟؟ ..... )
عقد حاجبيه وهو ينظر اليها مستمرة في لعق الكريما دون أن تنظر اليه ... أما هو فقد غادرته الإثارة و بقى بداخله الغيظ فقط .... و الإنجذاب القوي لها .....
فقال دون تفكير
( لم أكن مضطرا عادة للحفظ أو التحضير ..... فالأمر كان أسهل من ذلك بكثير )
رفعت عينيها اليه مصدومة .... ثم قالت بعد فترة ما أن وجدت صوتها
( أتمنى الا تجدني من تلك الأمور ..... السهلة .... التي تظنها ..... )
شعر بأن حنقه منها يزداد أكثر و أكثر .... حتى بدأت أصابعه بالطرق في عصبية ... و ساقه تهتز بتوتر تحت الطاولة ناقلة اليها شحنات غضبه , لكنها كانت تنظر اليه بفتور .... تنتظر و تنتظر الى أن انفجر غضبه و هو يقول بقلة تهذيب .... ووجه محمر من الحنق
( ليس هذا ما رأيته حين وافقتِ على طلبي للخروج من العرض الأول دون الحاجة لأكرره ... و رقم هاتفك الذي تكرمتي به دون حتى أن تعلميني عن اسمك و الذي كتبته على الورقة وكأنه اسم محل يعرض خدماته ... )
كانت تنظر اليه بذهول أخذ يتزايد حتى ان عينيها اصبحتا في اقصى اتساعهما بينما فغرت شفتيها ... و ما أن انتهى حتى صمت ينظر اليها هو الآخر مذهولا من نفسه ... ثم ينظر حوله و كأنه فوجىء بإنفجاره ...
حين نطقت ملك اخيرا ... همست و هي تضع الكأس من يدها جانبا
( انت تعرف اسمي من قبل ..... لكنك مصر على الاستمرار بتلك التمثيلية الرديئة .... )
عقد حاجبيه وهو يراها تستعد للنهوض فقال بحنق يمسك معصمها ما ان استقامت واقفة
( اي تمثيلية ؟!! ...... اجلسي مكانك حالا ..... الناس ينظرون الينا ..... )
نظرت حولها قليلا ... ثم انحنت لتجلس ببطء دون ان تحيد بعينيها عن عينيه .... تنتظر أن يحسن من موقفه ... و كان هو يلهث بغضب .... لكنه يحاول تهدئة نفسه ... ثم قال مرغما
( طبعا كنت اعرف اسمك ...... لقد اعجبت بك من فترة لذا حاولت معرفة اسمك و عنوانك ..... لكن ما اثار سخطي هو ثقتك المبالغ بها في البشر .... وددت لو خنقتك ..... لم اتصورك تشبهين من عرفتهن من قبل )
كانت تنظر اليه بتعبير ميت .... تستمع اليه باذن خاوية ... ثم همست بألم بعد فترة طويلة
( كنا بمثابة اخوة ......... الجرح في حاجبك كان نتيجة دفاعك عني ..... ظننتك أتيت الي مشتاقا تعرفني على أخبارك .... لم أظن أن تتنكر لي بمثل هذه الرداءة في الإداء ..... )
اتسعت عيناه ذهولا ... ثم ارتبك وجهه و احمر وهو يحاول الكلام نفيا ... استنكارا ... أي شيء ...
الى أن قال أخيرا
( أنا آسف ...... أنت تخلطين بيني و بين شخص آخر ...... )
ابتسمت ..... لكن بلا اي ذرة مرح .. ثم نهضت ببطء لتنظر اليه بحزن , ثم همست اخيرا
( لا ..... لست أخلط بينك و بين أحدٍ آخر ... كما إني لست أتوهم ... ... )
ثم ابتعدت قبل أن يعاود الإمساك بمعصمها و هي تهمس برقة
( سررت برؤيتك .... و الإطمئنان عليك يا شادي ..... لكن اعتقد أنها ستكون المرة الأخيرة .... )
ابتعدت عنه بهدوء و كبرياء فنهض خلفها بسرعة وهو يهمس خوفا و غضبا
( ملك ....... انتظري )
الا ان اثنين حالا بينهما حين قالت واحدة بمفاجأة
( كريم القاضي !! ..... ماذا تفعل هنا , الم تخبرنا مرارا أنك لا تستسيغ المكان .... لنفاجأ بخيانتك و مجيئك هنا بدوننا !! .......... )
تسمر كريم مكانه .... ينظر الي مجموعة اصدقاء .... و حينها توقف تقدمه تجاه ملك وهو يرفع يده ليغرزها في خصلات شعره ناظرا اليها بطرفِ ..... و كان أن التفتت اليه ... لتقيم الوضع في نظرةٍ واحدة ...
إنه خائف من أن يلمحها أحد من أصدقائه معه .... لذا ابتسمت ابتسامة حزينة .... لمرة أخيرة و كأنها تودعه ... ثم خرجت دون أن تنظر خلفها و قد تأكدت من أنه لن يتبعها هذه المرة ....
و في تلك الليلة و بعد أن وضعت وجنتها الي الوسادة القاسية في سريرها الوحيد ... تنظر بوجوم و خيبة أمل الى الباقة الحمراء الجميلة الموضوعة على الكرسي الجانبي مكسورة الخاطر مثلها ...
و يد صغيرة تمشط شعرها باصابعها الحانية .... إنها وعد ... تسهر بجانبها كل ليلة ... تتخيلها و هي تمشط لها شعرها حتى اصبحت بالفعل تشعر بأصابعها تمر فوق رأسها بحنان ...
سمعت ملك صوت دقة من هاتفها .... أمسكت ملك بالهاتف تنظز اليه دون تشوق على غير عادتها ....
الا إنها ما كادت أن تستوعب حتى نهضت جالسة ببطء شديد .... عاقدة حاجبيها بصدمة .... تنظر مذهولة ....ثم لم تلبث ان همست و هي لا تزال في مرحلة الصدمة
( وعد!!!!!!!!!.......... )
.................................................. .................................................. .................
كانت السيارة تجري بهما ... و هو يود لو يطيل القيادة و هي بجانبه قليلا ....
ينظر اليها بين الحين و الآخر , تطلع من نافذتها كالعادة ... لكن المختلف هذه المرة هو شعرها الذي يطير بحرية دون أن تبالي به ....
إنها الآن هنا معه .... و هذا هو المهم .....
اقتربا من مكان عملهما .... للأسف ...
فالتفتت وعد اليه تهمس بخفوت
( انزلني هنا من فضلك ................ )
لكنه لم يمتثل لطلبها , بل ابتسم وهو يقول بخفوت
( و إن لم أفعل ؟؟ ......... )
نظرت اليه بعينيها الواسعتين لتقول بهدوء
( اذن لن انزل معك ........ )
اتسعت ابتسامته قليلا و هو يرد بخفوت عميق
( آه .... اذن لن أفعل , فهذا يناسبني اكثر ....)
احمرت وجنتى وعد رغما عنها وادارت وجهها الى نافذتها تقول بصوت مؤنب
( سيف ......... )
نظر اليها عاقدا حاجبيه بحنان بينما هي رافضة النظر اليه .... هل تقصدت نطق اسمه مجردا و هي تعلم ما أثاره به من أعاجيب !! ....
لا يعتقد أنها بمثل تلك البراءة التي تجعلها لا تدرك تأثيرها عليه .... لكنه ليس متذمرا رغم ذلك ....
أوقف السيارة جانبا رغما عنه حين قرر أخيرا أن يرحمها من قلقها الذي بدأ ينتابها و هي تتطلع مستطيلة العنق الى طريق العمل خوفا من أن يراها أحد من العاملين أو الموظفين ...
لكن و قبل أن تمد يدها كي تفتح الباب ... سمعته يقول بصوت آمر
( انتظري ........ )
توقفت يدها و هي تنظر اليه بتساؤل .... فوجدته يبحث بأحد جيوب الباب .... ثم أخرج رباط ورق مطاطي ... مده اليها بصمت وهو ينظر اليها نظرة تملكية بحتة جعلتها تحمر أكثر و ترتبك بينما همست بتوتر
( ما هذا ؟!! ............. )
قال ببساطة ذات نفس اللهجة الآمرة
( اربطي به شعرك ........ )
ارتفع حاجبيها وهي تنظر اليه بعدم فهم .... لكنه تابع بنفس البساطة
( و لا تطلقي شعرك مجددا ....... )
ظلت تنظر اليه طويلا ... بينما نظراته اليها كانت قوية واثقة لا تقبل الجدال ... ثم تابع أخيرا بصوتٍ خافت قليلا
(الا اذا كنا بمفردنا ............. )
حينها اتسعت عينيها ذهولا لكنها سارعت بإخفائه و هي تقول بصوتٍ حاسم
( اي مناسبة سنكون فيها بمفردنا ؟!! ...... )
رد سيف ببساطة يقول
( من يدري ..... ربما يوم كاليوم , ..... تلك المناسبات تأتي وحدها ...دون تخطيط .... )
ظلت وعد تنظر الى الرباط الراقد على كفه المفرودة الممتدة أمامها بصمت .... تبدو خائفة و كأنه رباط سيقيدها مدى العمر إن هي قبلت في تلك اللحظة ....
مرت الثواني بطيئة .... ثم مدت يدها ببطىء لتأخذ الرباط و دون جدل رفعت يديها ببطىء لتجمع شعرها عاليا عن عنقها و هي تلملمه بأصابعها ...
أسند سيف جبهته بإصبعيه و هو يراقبها دون حرج .... مأخوذا بحركة أصابعها و هي تمشط خصلات شعرها أولا بعد أن رفعته و قبل أن تربطه ...
أصابعها البيضاء الرشيقة تجري بين خصلات شعرها الأسود الحريري لتفك معضلاته
كانت شاردة قليلا ... في معضلة مستعصية أخرى غير خصلات شعرها ..... بينما عيناه تبرقان و هو يطالعها بأسف و هي تقيد شعرها الجميل بقيده ....
ذلك الشعر يخصه وحده ..... تلك حقيقة من حقائق الزمن .... فليتعامل معها و لتتعامل معها و ليتعامل الجميع معها ......
كانت عيناه تراقبان عنقها الطويل الذي انكشف اليهما الآن .... و ذيل حصانها يتلاعب مستفزا له فوق كتفيها و ظهرها ....
لكنها هي كانت مطرقة الرأس .... جالسة بمكانها شاردة ....
و عيناه لا تبارحان استسلامها .... الى أن همست أخيرا
( أنا سأخرج الآن ........ )
لم يرد لفترة .... ثم قال أخيرا بهدوء عميق
( وعد ........ )
بقت مسمرة مكانها لعدة لحظات ثم رفعت وجهها اليه و هي تهمس
( نعم ....... )
قال سيف وهو ينظر الي عينيها
( أريد قهوتي بعد ساعة من الآن ......... )
لم يتغير تعبير وجهها و هي تنظر اليه ثم قالت أخيرا بتهذيب
( حاضر ...... عن اذنك ...... )
ثم خرجت بسرعة قبل أن يمنعها ...... بينما هو ينظر في اثرها مبتسما , شاعرا أنه من العقل أن خرجت الآن قبل أن يتهور بتصرف أحمق ....
هل قال أنه يحب ثورتها ؟!! ..... و ماذا عن كلمة "حاضر" تلك اذن !!!
التى ما أن تخرج من بين شفتيها حتى ...............
أخذ سيف نفسا عميقا ثم قام بتحريك السيارة كي يضرب بعض الهواء وجهه الساخن ...... وهو في حاجةٍ اليه ......
أنت تقرأ
بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Randomوأقف أمامك بأعين متضرعة الأرنو اليك بنظرة تلتقطها عيناك من فورها توقف فقط توقف وخذ عينيك بعيدا نظراتك تقتلني وأيامي تضنيني والأمل بعيد بعينيك بحر متلاطم الأسرار ...