الفصل التاسع
جلس مكانه منتظرا ... مدققا بنفسه قبل أن يكون مدققا في الوقت الذي يمر , .....
لقد حسم الأمر و أعلن صك ملكيته لها تهدئة لحاله المختل منذ أن دخلت وعد العمري حياته .... كان يفضل لو ترك الأمور لوقت أطول .... وهو يلاعبها و يدرسها و يدرس نفسه معها .... الا أنه ببساطة لم يتمكن من ذلك ....
مرة تذهب و مرة يطردها .... تارة شخص يتحرش بها و تارة آخر معجبا بها ....
و ما بين كل ذلك .... يبقى انتباهه مشتتا بها وهو يكره هذه الحالة ... بل يمقتها ....
لذا لم يجد نفسه الا وقد وقع على صك ملكيتها حتى و إن كان الأوان مبكرا .....
لقد أمضى عدة دقائق ... عدة دقائق و هو يفكر في كل الخطأ المحيط بهما .... لكن سؤال وحيد طاف بذهنه ...
وهو .... هل مع كل ذلك الخطأ .... هل يمكنه أن يطردها كما طرد والدها ليتلقفها غيره في يومٍ من الأيام ؟!! ...
ولم تكد الدقائق تنتهى حتى وصله الجواب .... سيكون ملعونا لو تركها تذهب وهو على هذه الحالة ...
لم يكن يوما عاشقا مرهف الحس .... لكنه رجل يعرف ما يرده من اللحظة الأولى .... وهو لم يعتد الخسارة ...
هناك طاقة ما بعثت بوعد العمري الى حياته ..... إما والدها و إما هي من نفسها .... و إما شيىء أكبر منه و منها و من كل مخططات عبد الحميد نفسه ....
لكن كل هذا أدى الى نهاية واحدة .... سقوط وعد العمري بحجره .... وكم هو سعيد بذلك السقوط ... بل اكثر من سعيد ....
نوعا من الراحة تنتابه الآن ... بعد أن وضع النقاط فوق الحروف .... الآن لن يشغله شيء عن دراسة أدق تفاصيلها ... بدئا من أعمق أسرارها و حتى أصابع قدميها الصغيرتين ...
ابتسم سيف وهو يفكر أنه ما أن ينتهى قد يكون حينها قادرا على مناقشة رسالة دكتوراة بوعد العمري
ابتسم ابتسامة عابثة أعمق وهو يفكر متابعا
" و سوف ينالها بامتياز مع مرتبة الشرف .... "
و بعد أن قست عيناه قليلا ببريق انتصار ... همس بشرود
( و كم سأكون سعيدا بتقليم أصابع عبد الحميد منها ..... ليبقى وحيدا بين جدرانه العتيقة )
تنهد بقوة كي يجلي قليلا من ذلك الإحساس المنعش أخيرا بعد حيرة ثلاثين يوما ... ليركز على انتظاره لها , سيتأكد من اليوم أن تنال ما تحتاجه ... فهو يجيد الاعتناء بمن يقرر ادخالهم لمملكته الخاصة ...
لقد أطالت بتلك الفحوص .... هل الأمر به وجها من الخطورة بالفعل ؟!! ...
لم يشعر بأن ملامحه قد بانت عليها القتامة قليلا وهو يجلس واضعا كفيه في جيبي بنطاله شاردا بعبوس ....
سمع وقع أقدام بالرواق آتية تجاهه ... فنظر تلقائيا الى امرأة شابة ... تنظر يمينا و يسارا ... أنيقة و تبدو عليها مظاهر الرقي ....
مرت عليه بنظرة عابرة .... ثم تابعت التحديق فيما حولها , ... ثم قررت أخيرا التوجه اليه بسؤال رقيق
( سلام عليكم ..... أتعلم من فضلك أين تقع وحدة اجراء التحاليل ؟؟ .... )
أشار سيف برأسه الى الباب المجاور وهو يقول
( ها هو الباب الموصل اليها .... لو عبرته ستجدين غرفة عليها الاسم في آخر الممر )
ابتسمت الشابة لتقول بود
( جيد ............ )
ثم دون استئذان اختارت مقعد على بعد مقعدين منه لتجلس عليه ببساطة ... ثم بدأت بفتح حقيبتها و أخذت تقلب بها حتى أخرجت لفافة من الورق ... فتحتها لتخرج منها شطيرة أخذت تتناولها بنهم ....
بينما أخذ هو ينظر اليها .... انها تأكل بسرعة و كأن هناك من يلاحقها ..... إنها تأكل كالرجال! ....
بينما بيدها الأخرى كانت ممسكة بكتاب صغير الحجم باللغة الإنجليزية , .... كتاب كلاكسيكي قديم تعرف عليه من فوره ....
قرر تركها لحالها , الا أنه بعد قليل شعر بتوجب تنبيهها ... فقال بهدوء
( من فضلك سيدتي ..... الا يجدر بك التأكد من وجود من تنتظرينه ؟؟ .....)
التفتت اليه متعجبه تطفله , الا أنها ابتسمت بمودة و هي تقول
( آه .... قريبتي هنا في وحدة التحاليل , لقد هاتفتني منذ دقائق من الداخل ..... )
عقد سيف حاجبيه و هو ينظر اليها تعود ببساطة الى شطيرتها و كتابها ... , ثم قال بخفوت متسائلا
( وعد ؟!! ................. )
رفعت وجهها متفاجئا اليه , ثم قالت بتساؤل
( نعم وعد ...... هل أتيت معها ؟؟ ....... )
لم يرد سيف وهو ينظر اليها مقطبا , ثم قال بخشونة مكررا نفس الجملة المؤخرة
( وعد لا تمتلك هاتف ............ )
رفعت حاجبين قليلا .... ثم قالت و قد بدأت تتوجس منه
( آممممم حسنا هناك هاتف بالداخل , ..... لكن هل يمكن أن أتشرف بمعرفتك ؟؟ .... )
نظر سيف أمامه وهو يقول باقتضاب
( سيف الدين فؤاد ..... مدير وعد بالعمل ..... )
هتفت قبل أن تستطيع تمالك نفسها
( سيف الدين ...... أنت هو !! ...... )
نظر اليها سريعا ثم قال بهدوء مهتم
( على ما يبدو أن وعد قد كلمتك عني ......... )
عادت الى تحفظها و هي تشعر بأنها قد أطالت أكثر مما ينبغي .... فأخفضت رأسها الى كتابها تقول باختصار
( لا ............. )
ظل ينظر اليها بين الحين و الآخر بينما شغلتها الشطيرة أكثر و تاهت بين السطور أبعد ....
فلم يستطع منع نفسه من السؤال تدفعه الهيمنة
( هل أنت ....... أختها ؟؟ ..... )
رفعت اليه وجهها محدقا بلا تعبير و كأنها تتسائل عن موعد انتهائه من هذا التحقيق , فاجابت باختصار
( تقريبا .......... )
عبس سيف وهو يشعر بأن كل ما هو متعلق بوعد العمري يكون غامضا مبهما .... الشبه بينهما لا يمكن اغفاله .... لكنها تفتقد تلك العينين .... يشعر بأن الشبه بينمها صنعته الايام و ليست قوانين الوراثة
قال سيف بصوت مستفز و كأنه يحاول جرها الى الكلام فيجد بعض المعلومات
( لقد أصيبت بالإغماء اليوم ..... و هي ثاني مرة لهذا الشهر )
رفعت وجهها اليه تحدق بملامحه , ثم قالت ببساطة
( إنها ليست المرة الأولى ...... منذ أن كنا صغارا و هي تصاب بالإغماء حين ترهق أو تتوتر .... )
ثم عادت الى كتابها مجددا .... فقال بغيظ بعد فترة
( لا يبدو عليك القلق .......... )
عادت لترفع وجهها لتقول بعفوية
( آه .... انه لمجرد فقر الدم .... )
مط سيف شفتيه وهو يرفع حاجبيه مومئا متفهما , ليقول بهدوء
( الآن عرفت من أين أتت النظرية ..... )
ثم قال أخيرا بهدوء
( لم يكن هناك من داع لتقلقك ..... فأنا سأقلها في كل الأحوال )
نظرت اليه لتقول ببساطة
( ليس هناك من قلق , لقد هاتفتني لأن لدينا مشوار هام بعد أن تخرج من هنا .... )
أوشك أن يسألها الى أين ... لكنه أمسك نفسه في اللحظة الأخيرة و هو يفكر عابسا بن وعد تلك لديها مشوار هام كل يوم تقريبا و في النهاية تدعي أن لا حياة اجتماعية لديها
مرت عدة لحظات قبل أن تتكرم و تقول مبتسمة
( لطف منك أن تقلها الى هنا ..... يمكنك الذهاب الآن , لا تعطل المزيد من وقتك .... )
إنها تصرفه بلطف .... عقد سيف حاجبيه ليقول بايجاز
( سأنتظر ............. )
رفعت حاجبها قليلا ....الا أنها عادت الى كتابها , لكن بذهنٍ محتار هذه المرة ...
كان الفضول يشغله لمعرفة من تكون .... انها حتى ترتدي نفس ملابس وعد , لكن مع اختلاف أنها تضيف بعض اللمسات العصرية الى مظهرها ...
كوشاح شفاف معقود حول عنقها .... و شعرها الذي موجته في أمواجٍ انيقة .... و الحذاء الأنيق ذي الكعب العالي .....
إنها تبدو كوعد عصرية ...... و مع ذلك , لم يشعر تجاهها بنفس الإنجذاب القوي الذي يجمعه بوعد
توقف عن تفكيره فجأة حين رأى الباب الخارجي يفتح .... لتخرج منه وعد بوجهٍ شاحب كالجليد ... و شفتيها زرقاوين للغاية ...... تقترب حافية على الأرض اللامعة ... وهي تقبض مرفقها المشمر على لاصقة صغيرة
بينما الممرضة بجانبها تساعدها ....
همست وعد بضعف
( كرمة ......... أشعر بالدوار )
نهض سيف من مكانه مباشرة دون انتظار على الرغم من أنها لم تلتفت اليه تتبعه كرمة .... فأمسك بها بقربه , محنيا رأسه اليها وهو يهمس
( ماذا بك ؟ ....... ماذا حدث بالداخل ؟ )
قالت الممرضة مبتسمة
( إنها بخير ..... إنها تخاف من منظر الدم فقط لا غير , ....... )
أمسكت كرمة بوعد تجذبها من بين أحضان سيف الخادعة و هي تقول متعجبة
( ماذا حدث لكِ ؟ ..... آآمممممم و وعد ... لماذا أنت حافية بالمناسبة ؟؟ !! .... )
رفعت عينين مهتزتين قليلا ثم همست و هي تبتعد عن سيف خطوة أخرى
( أريد أن أخرج من هنا يا كرمة ..... ...... )
اقترب سيف تلك الخطوة التي ابتعدتها ممسكا بذراعها يقول بصوتٍ عميق للغاية
( هيا بنا ...... سأقلك الى بيتك )
الا أنها عادت لتندس أكثر بأحضان كرمة و هي تقول بتوتر
( لا ..... شكرا , سأخرج مع كرمة , .... لدينا شيء هام ..... )
رفعت وجها شاحبا الى كرمة التي بدأت أخيرا تشعر بالقلق من الوضع بأكمله ... فهمست
( هل أنت قادرة على ذلك اليوم يا وعد ؟؟ ....... اشعر بانكِ لن تحتملي المزيد من الإرهاق العصبي )
أصرت وعد بصوتٍ مهتز و عيناها تدوران
( بل سأذهب يا كرمة ...... لن أحتمل البقاء ليومٍ إضافي )
ابتسمت كرمة بتعاطف و هي تهمس
( هل هي بالفعل ؟؟ ............ )
همست وعد بحرارة ....
( لقد أتت بنفسها يا كرمة ........... )
افترت شفتي كرمة عن ابتسامة جميلة مرتاحة قبل أن تهمس
( اذن سنذهب ......... )
هنا تدخل سيف قائلا بقوة
( لن تذهبي لأي مكان ........ )
استدارت اليه زوجان من الأعين بحدة ..... احداهما تشبه عينيه بهما من القسوة و الحزن ... و أخرى رقيقة حالمه بهما من الدهشة و الفضول ما جعله يدرك أنه قد بالغ في صيغة الأمر ... خاصة في وجود من يحميها منه .....
أدخل يديه في جيبي بنطاله كي يمنع نفسه من جذبها الى أحضانه بالعنوة عوضا عن أحضان صديقتها , بينما قال بصوتٍ عميق لا يظهر شيئا عما بداخله
( كيف ستذهبين حافية الى أي مكانٍ كان ؟؟ ...... هل هذا طقس قبائلي خاص بكما ؟؟ )
نظرت كلا من وعد وكرمة الى قدميها الحافيتين فوق الأرض الباردة ... فرفعت وعد وجهها الي كرمة تتأوه بحنق
( ياللهي كيف نسيت أن أخبرك بأن تحضري لي أي حذاء ....... )
قال سيف راضيا
( اذن بعد اذنكما لقد ضيعتما الكثير من وقتي .... لذا سآخذ وعد و أنصرف .... )
كانت كرمة تنظر اليه بعينين متسعتين و كأنها تتسائل للمرة الألف عمن يكون مثل هذا الشخص غريب الأطوار و القافز االي الحديث بينها و بين وعد دون اذن ....
همست وعد بتوتر
( من فضلك اتركني لحالي .... و كفى ..... أنا لست في أفضل حالاتي الآن ... )
قال سيف بحزم قاطع
( و لأنك لست في أفضل حالاتك فستأتين معي ......... )
مد يده يقبض على ذقنها يرفع وجهها اليه .... ينظر الي عينيها الواسعتين المحدقتين بعينيه ليقول بصوتٍ أكثر ليونة
( لا تجادليني الآن يا وعد ..... لا أحب العناد فهو من أكثر الصفات غباءا .... )
و أثناء صمتها و هي تحدق بكلماته .... كان فك كرمة قد تدلى ببلاهة و هي تتابع ما يحدث ذاهلة ....
ترك ذقنها أخيرا مضطرا متبرما نظرا لوجود غيرهما هنا .....
ثم قال أخيرا بهدوء
( لذا و عليه ..... فأمامك الآن عدة حلول ..... إما أن اقلك الي البيت .... و إما أن أقلك لأقرب محل للأحذية كي أشتري لك واحدا .... و إما أن أقلك الى المكان الذي تريدين الذهاب اليه بشدة .... بعد أن تشتري الحذاء الجديد ..... )
كانت وعد و كرمة تنظران اليه كطفلتين مهذبتين متسعتي العينين ..... و وعد تفكر
" بأنه متواجد في كل الحلول !! ....... "
نظرت بطرف عينيها الي كرمة و همست بشفتيها فقط
( يجب أن نذهب من هنا ......... )
قرأت كرمة شفتيها .... ثم قالت وهي تنقل نظرها الى سيف
( حسنا ..... انتظرنا هنا , سآخذها لتغسل وجهها ثم نعود اليك ..... )
نظر سيف اليهما بريبة غير واثقا بهما , الا أنه قال في النهاية
( حسنا لا بأس ..... سأنتظركما هنا .... )
أمسكت كرمة بذراع وعد تجذبها برفق الي الباب الذي خرجت منه للتو ... و ما أن أغلقا الباب خلفهما حتى اسندتها كرمة الي الجدار لتقول بصرامة
( حسنا ...... أريد معرفة ما يجري و حالا ... دون إغفال اي تفصيلة )
تنهدت كرمة و هي تحك جبهتها لتقول بشرود
( أنا نفسي لا أعرف ما يجري ....... )
صمتت قليلا ثم رفعت وجهها الى كرمة و قالت بخفوت
( لكن ما أعرفه هو شيء واحد من اثنين .... إما أن سيف الدين فؤاد رضوان يدبر لمكيدة يكسرني بها .... و إما أن يكون ما هو الا مختلا تماما ..... )
عبست كرمة محاولة الإستيعاب ثم قالت من بين أسنانها
( احتفظي بخياريك لنفسك ..... و أخبريني عن صحة ما رأيت للتو ,, هل أمسك بذقنك للتو ؟!! ... )
احمر وجه وعد قليلا وهي تومىء برأسها ناظرة الى كرمة بشعور بالذنب , فقالت كرمة تستخرج الكلام منها
( و ....؟؟؟ ....... )
اخفضت وعد وجهها و هي تعض على شفتيها و هي تهمس برعب
( لقد تجاوز حده معي مرتين حتى الآن ...... آخرهما قبل أن تأتي ..... لقد قبلني على وجنتي .... )
اتسعت عينا كرمة بذهول و هي تقول هاتفة
( ماذا ؟!!! ...... كيف ؟ ؟...... هكذا من نفسه ؟!! ..... يبدو مختلا فعلا .... )
هزت وعد رأسها بارتباك و هي تهمس
( يقول أن بيننا أنجذاب ... و اننا سمنمنح هذا الإنجذاب فرصة .... )
شهقت كرمة ابتهاجا و هي تهتف همس طارقة الأرض بقدميها
( ياللهي !!! ...... لقد اسقطتِ مديرك من شهر واحد !!! ....... و أنا التي كنت أظنك ساذجة .... كيف تمكنتِ من فعلها بالله عليكِ ؟!!! ..... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بغيظ
( لم افعل شيئا ...... لم أفعل أي شيء و هذا ما يثبت أنه مختل من نوعٍ ما ..... )
قالت كرمة و قد بدأ عقلها الحالم في التخطيط لفستان الخطوبة من الآن .....
( اذن متى سيتقدم لكِ ؟......... )
نظرت وعد اليها مقطبة كمن تنظر الى مخلوق غريب ..... لقد أصاب الخلل عقل كرمة كذلك !! .... هل هي عدوى !!! ... فقالت أخيرا
( من يتقدم !!! ..... سيف الدين فؤاد رضوان ؟!! .... ابن عمتي ؟!! ..... هل نسيتِ أن بينه و بين والدي ماضٍ غير مشرف من كل النواحي و لكل الأطراف ؟!! ..... )
بهت ابتهاج كرمة قليلا و عقدت حاجبيها و هي تقول متعجبة
( نعم صحيح ...... لقد نسيت قرابته بكِ تماما في خضم الدقائق الماضية ..... بدا لي كعاشق ولهان ... )
اتسعت عينا وعد بشدة من كلمة عاشق ولهان ..... لقد اختل عقل كرمة بالفعل !! .....
قالت كرمة بحيرة
( اذن ماذا يريد منكِ ؟!....... و ما آخر هذا الإنجذاب ؟!! ....... )
قالت وعد بوجوم
( لقد سألته هذا السؤال .......... )
قالت كرمة
( و........؟؟ ...... هل يمكنك التحدث بدون أن أنتزع منك الكلام انتزاعا ..... )
قالت وعد مفكرة عابسة
( لقد تهرب من الإجابة ......و قال أنني مهمة لديه و أنني أشياء كثيرة لا أتذكر منها الكثير الآن ...... )
قالت كرمة مبهوتة
( لا أصدق هذا !!! ...... و مع ذلك , كل ما سمعته يجعلني أشك به و في نواياه ...... أنتِ في خطرٍ منه يا وعد )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بخفوت
( لا أعتقد أنه من النوع الخطير ............. )
قالت كرمة بحدة
( و هل أنت مستعدة لتقبل المزيد من تجاوزاته الى أن يقرر متعطفا ماذا ستكون نهاية انجذابه بك ِ ؟!!! .... )
عبست وعد بشرود مجددا و هي تتلاعب بأصابعها ثم همست
( المرة السابقة أوقفته عند حده ....... أما هذه المرة أخذني على حين غرة .... كنت لا أزال تحت تأثير لقائي بملك و كان الدوار لا يزال ....... )
قاطعتها كرمة تقول بهدوء
( أنتِ تتلاعبين بالنار يا وعد ......... )
ازدادت وعد عبوسا و هي تقول
( و ماذا يمكنني أن أفعل إن كان الرجل مختل ؟!! ...... فليشفيه الله .... )
قالت كرمة بغيظ
( و ماذا لو تجاوز حدوده أكثر ؟!! ........ )
قالت وعد بحزم و هي تشد ظهرها
( لن يكون هناك أكثر أو أقل ..... أنا مستعدة له منذ الآن ..... )
قالت كرمة برجاء
( وهل موضوع الزواج هذا مستبعد تماما ؟؟ ........ )
نظرت اليها وعد بغيظ ثم قالت من بين أسنانها
( أنت تسألين عن شيء .مستبعد تماما ...... عدو أبي لم يعرضه علي من الأساس ..... )
سكتت قليلا ثم قالت ببرود
( و أريحي بالك ..... سيف الدين فؤاد رضوان هو آخر شخص من الممكن أن أقبل الزواج منه .... هذا إن عرضه ...... أنا لن أحرر نفسي من سيطرة رجل انتظرت سنوات طويلة حتى تخور قواه لأتمكن من التحرر منه ... لآتي بعدها و أسلم نفسي لمن هو في ريعان قوته و أمنحه السيطرة على حياتي مجددا ....
أنا لن أسلم السيطرة لأحد على حياتي مجددا .....
..... لذا ادعي الله الا يعرضه كي لا أضطر لترك العمل ..... فأنا في أمس الحاجة اليه خاصة الآن ... )
عبست كرمة و هي تقول
( أعتقد أنه من الأفضل أن تتركي العمل من الآن يا وعد طالما أنتِ ترفضيه .... هذا هو التصرف الصحيح )
عبست وعد و هي تهتف هامسة بحدة
( صحيح ؟!!! ...... ومنذ متى كان أيا ممن أعرفهم يتصرف معي تصرفا صحيحا ؟!!! ..... هذا العمل بدأ في تحقيق أولى خطواتي للهرب على الأقل ماديا ..... و أنا لن أتنازل عنه لمجرد بضع كلمات سخيفة لم أتحقق أصلا إن كانت صادقة أو هي البداية لمكيدة يريد أن يوقعنا بها ..... لكن إن كانت مكيدة فسيخيب ظنه كثيرا )
عقدت كرمة حاجبيها و هي تنظر اليها .... ثم همست
( أنا خائفة عليك يا وعد ..... إنه يبدو كشخص لا يُستحب التلاعب معه ولو من على بعد .... )
أخذت وعد نفسا عميقا و هي تقول
( لا تخافي ....... ليس الأول و لن يكون الأخير ممن أجيد وقفهم عند حدودهم .... المهم الآن .... دعي كل هذا جانبا ..... يجب أن اذهب الى ملك يا كرمة .....لن أرتاح قبل أن أتحدث معها وجها لوجه ... )
تنهدت كرمة عابسة و هي تهمس
( لكن كيف سنذهب اليوم ... و سيف الدين هذا قابعا بالخارج كشرطي المناوبة ..... )
تأوهت وعد و هي تهمس بغيظ
( أوووف .... لا أصدق هذا , لو لم أصاب بالإغماء لكنت خرجت خلفها ... أو على الأقل كنت لأذهب اليها بعد العمل ..... )
ظلت كرمة تفكر قليلا .... قبل أن تقول بهدوء
( حسنا اسمعي لما لا ندعه يقلنا الى هناك كما عرض .... بعد أن يشتري لكِ حذاء جديد .... )
نظرت اليها وعد بحنق و هي تقول
( و لماذا يشتري لي حذاء جديد ؟!! ..... أنا لن أقبل بهذا , خاصة و أننني قد تقاضيت راتبي اليوم , بإمكاني أن أشتري أي حذاء أريد ..... )
قالت كرمة بهدوء
( اذن لا مشكلة .... فلتدفعي ثمنه )
عبست وعد أكثر و هي تهتف
( و لماذا أشتري واحد ؟!! ...... حذائين في شهر واحد ؟!!! .... ربما لو انتظرت للغد فسيجده لي أحد ما )
تأففت كرمة بصوتٍ عالي و هي تهتف
( يا الله .... امنحنى الصبر ..... )
ثم نظرت اليها بحنق لتهتف غاضبة
( وعد ...... هذا ليس وقت بخل , كيف ستتمكنين من الذهاب سواء الى بيتك أو الى ملك ؟؟!! .... )
زمت وعد شفتيها بحنق .... ثم قالت أخيرا
( حسنا ..... هيا بنا , سنتصرف ..... )
هزت كرمة رأسها يأسا ثم خرجت مع وعد فوجدا سيف واقفا منتظرا , مستندا الى الجدار و يديه في جيبي بنطاله و ما أن رآهما حتى قال بصوتٍ قاتم
( و لما العجلة ؟!! ..... كان بإمكانكما البقاء للغد ..حتى كنا أخذنا نتائج التحاليل .. )
لم تستطع وعد من أن تمنع نفسها من القول بحنق
( لم يطلب أحد منك البقاء ...... )
صمتت فجأة حين قست عيناه عليها ترسلان اليها رسائل تهديد صامتة .... فأدركت حينها أنها قد تجاوزت حدها خاصة أمام كرمة .... وهو رجل لا يقبل بتجاوز الحدود معه .... هو فقط من يتجاوزها ....
فأخفضتت رأسها تزم شفتيها بحنق ....فقال بخفوت خطير
( ماذا قررتما ؟ .......... )
تطوعت كرمة للكلام بينما بقت وعد صامتة بعناد ... عاقدة حاجبيها ....
( يمكنك أن تقلنا مشكورا ....... بعد أن نشتري حذاءا مناسبا )
لم ترفع وعد رأسها اليه ,..... لكنها استطاعت الإحساس بنظرة اللإنتصار جلية تحوم فوق وجهها ....
و حين جاء صوته كان عميقا راضيا كما توقعت
( حسنا .... هيا بنا .... )
تبعته كرمة ووعد خلفه بكل وداعة ..... لكنه لم يترك الفرصة فما أن تأخر قليلا لتتجاوزاه ... حتى انحنى الى أذنها يهمس بخفوت
( بيننا حساب ....... )
ارتبكت وهي تبتعد خطوة عنه جاذبة ذراع كرمة كي تسرعان الخطا و هو يتبعهما ..... مبتسما .....
حين وصلوا الي سيارته بموقف المشفى .... دون مقدمات اتجهت وعد بحزم الي المقعد الخلفي لتفتح بابه و هي تنظر الى سيف رافعة ذقنها بتحدي اليه كي يتجرأ على الإعتراض أمام كرمة ....
و قد قبلت عيناه التحدي ..... وهو يومىء شبه إيماءة لم يراها غيرها و كأنه يهمس لأذنيها هي فقط
" انتظري عليّ ...... حسابك يزداد وزنا "
لكنها دخلت بهدوء و إباء لا يتناسب مع كونها حافية القدمين .....
بينما اتجهت كرمة الى المقعد الأمامي ذوقيا كي لا يكون بمحل سائق لهما إن هي جلست بجوار وعد بالمقعد الخلفي .....
و استمر الصمت بين ثلاثتهم بتوتر .... تمنع نفسها بالقوة من النظر الى المرآة الأمامية خوفا من أن تصطدم عيناها بعينيه ....
و لم تكد تمر عدة دقائق بعد خروجهم للطريق الرئيسي حتى توقف سيف بالسيارة أمام أول محل للأحذية مر بهم ....
نظرت كرمة نظرة ذات مغزى الى وعد في المرآة الجانبية .... فاحمر وجهها بشدة و ارتبكت ....
الا أن صوت سيف قال قاطعا
( هل ستخرجين ؟؟ ......... )
قالت وعد من بين أسنانها
( كيف سأخرج حافية في الطريق العام ..... كرمة هي من ستشتريه لي , هي تعلم مقاسي جيدا ...لا تتعب نفسك .... . )
الا أن كلامها الأخير ذهب هباءا و هي تحدث الهواء في مكانه الفارغ بعد أن نزل من السيارة بهيمنة .... تتبعه كرمة و هي تنظر اليها بعجز .... ثم لم يلبثا أن اختفيا في المحل بينما بقت وعد تتنفس بسرعة و غضب .... تتسائل عن آخر ما يفعله ذلك الشخص غريب الأطوار ....
بقت وعد عينيها على الباب ... تقضم أظافرها بتوتر ....و الدقائق تمر ببطىء ... الى أن خرجا أخيرا و كرمة تمسك بكيس أحذية أنيقة ... تعلقت به عينا وعد ....
الى أن فتحت كرمة بابها و انحنت اليها تضع الكيس بحجرها لتهمس في أذنها سريعا
( هو من اختارها و دفع ثمنها ...... دون حتى أن يسمع حرفا من اصراري .... )
فغرت وعد شفتيها و قد اشتعلت عيناها غضبا ... و أوشكت على الهتاف بحنق الا أن كرمة أسرعت بإغلاق بابها اتقاءا للفضيحة و هي تتجه سريعا الى مقعدها الأمامي بجوار سيف الذي جلس هو أيضا ......
لينطلق بالسيارة بقوة ........
كانت وعد تتنفس بحنق و دمها يغلي بعروقها من تلك السيطرة المفروضة عليها .... لكن و بعد بضع دقائق من املائها العنوان له بشفتين متيبستين من الغضب ....
كانت تتطلع من نافذتها و الهواء يتلاعب بوجهها و شعرها فيخفف قليلا من عمق حنقها ....
ثم لم تلبث أصابعها أن بدأت في تحسس الكيس اللامع .... لتخفض عينيها اليه ببطء ...... أصابعها الخائنة تتجه الى حافتيه .... تباعد بينهما قليلا ....
لون براق غشى عينيها ..... فتجرأت أصابعها على خيانةٍ أكبر .... لتندس في داخله تلامس جلدا ناعما مصقولا ..... لتقبض على قطعةٍ أكبرها قلبها أنها قطعة فنية ....
لم تلبث أن ارتكبت الخيانة العظمى حين أخرجت الحذاء ببطء .... ترى بين يديها حذاء أحمر قاني مفتوح الأصابع ذو كعب عالٍ رفيع .....
انه يشبه الحذاء الأحلام الذي تمنت شراءه قبل أن تقرر شراء حذائها الضائع ....
فغرت وعد شفتيها ببطء و عيناها تتعلقان بالحذاء عشقا ..... لا تصدق بأنه بين يديها ....
رفعت عينين شاردتين أمامها فاصدمت عيناها بعينيه في المرآة الأمامية .... لتأسرها نظراته الدوامية البراقة وهو يلتهم تعبيرات وجهها و كأنها تلقت للتو هدية العيد ....
أخفضت وعد عينيها بسرعةٍ و هي تعاود النظر الي نافذتها وقد احمر وجهها بشدة ... و من شدة ارتباكها لم تدرك أنها كانت تشدد من احتضان الحذاء الى صدرها بقوة .... تاركة أحدهم يتلوى تسلية و شوقا حاسدا ..... مجرد حذاء أحمر !! .....
وصل سيف سريعا الى مكان قرب محل الورود .... فنظرت وعد برهبة الي المكان ... بينما تولت كرمة الحديث قائلة بهدوء
( هذا هو العنوان .... شكرا جزيلا سيد سيف , لقد أتعبناك معنا .... يمكنك الإنصراف الآن و أنا سأتولى أمر أرجاع وعد الى بيتها سالمة .... )
لم يرد سيف للتو وهو يراقب ملامح وعد التي تحولت الي حزينة تحوي بعض الخوف .....
يريد أن يجذبها من رأسها اليه ليعرف الى من تتجه بمثل هذا الحزن و الرهبة .... هل هي تلك التي كانت تبحث عنها ؟؟ .....
أوشك على أن يرد .... الا أن رنين هاتفه قاطعه فجأة , لينظر الى الاسم الظاهر فعقد حاجبيه قليلا وهو يرد ....
( مرحبا مهرة ....... خير ما الأمر ؟!! .... )
ظل يستمع قليلا و حاجبيه ينعقدان أكثر ثم قال أخيرا بقلق و غضب
( كيف حدث هذا ؟!! ..... من المؤكد أنها قد حملت شيئا ثقيلا ..... دعيها تستلقي على ظهرها على الفور و امنعيها من الحركة , أنا آتي اليها الآن على الفور .... )
و ما أن أغلق هاتفه فوجىء بصوت وعد يهمس قلقا
( ماذا بها ؟!! ...... )
نظر سيف الى المرآة التي تطل بينهما .... بين عينيها و عينيه ..... دون أن يتخيل أن تترك التفكير ولو للحظة في مشوارها الهام لتسترق السمع و تسأل عنها ..... عن أمه ....
تابعت وعد حين وجدته صامتا
( إنها السيدة منيرة ...... اليس كذلك ؟؟ لقد أصابت ظهرها من جديد .... )
قال سيف بخفوت
( نعم ..... هذا ما يحدث كلما قامت بحركةٍ خاطئة ..... )
مالت عينا وعد أكثر و هي تنظر اليه في المرآة لتهمس
( اذن اذهب كي لا تتأخر عليها ....... )
حين بادلها النظر بقوة .... همست متابعة
( من فضلك .......... )
ذابت عيناه قليلا , قبل أن تستعيدا قساوتهما في لحظةٍ واحدة .... ليقول بصوت خافت
( نعم ..... يجب أن اذهب حالا ..... )
دون كلمة أخرى انحنت وعد لتدس قدميها في الحذاء الأحمر ..... و الذي بدا كحلم جميل فيهما ....
ثم خرجت مسرعة تتهادى مترنحة فوق الكعبين قبل أن تستقيم تتبعها كرمة ....و التي وقفت بجوارها تمسك بيدها .... تنظران الإثنتان الى سيف و الذي أدرك أنهما لن تتحركا الى أي مكان قبل أن يغادر كي لا يعرف وجهتهما على وجه التحديد .... و كان ليتحداهما بقوة حتى يعرف ...
الا أنه الآن يجب أن يذهب الى والدته على الفور .... فانحنى الى النافذة المقابلة للمقعد المجاور له ليقول بصلابة مخاطبا وعد
( هل ستتمكنين من العودة ؟........ )
فغرت وعد شفتيها قليلا ثم همست
( ككل يوم ...... لا تقلق ....... )
أومأ برأسه قليلا ... قبل أن تنحنى عيناه لتسرقا نظرة الى الحذاء الأحمر .... و الذي بدا أقل ما يقال عنه أنه رائعا في قدمي فتاة قديمة الطراز بفستانٍ سماوي ....
نزع سيف نفسه انتزاعا و هو يعيد تشغيل السيارة بقوة و ينطلق بها .... ناظرا في المرآة نظرة أخيرة الى صاحبة الحذاء الأحمر .... تقف بعيدا ناظرة اليه ..... الى أن اختفت عن ناظريه .....
رفعت كرمة عينيها الى السماء و هي تهتف
( الحمد لله ..... لم أظن أننا سننجح في التخلص منه ..... انه يبدو كالغراء المحلي الصنع ... لا ينتزع الا بترك بصمته ..... )
نظرت الى وعد الشاردة في نقطة اختفاء السيارة دون أن ترد عليها ... فقالت متسائلة
( وعد ..... ماذا بكِ ؟ ..... )
لم ترد وعد التي لم تسمعها من الأساس و هي شاردة في شيء واحد .....
انطلاقه بالسيارة ما أن كلمته أمه بعد أن كان فارضا نفسه بقوةٍ لا منطقية على يومها ....
لم يبدو لها في تلك اللحظة كشخص مختل ...أو غير منطقي ....
بل بدا ببساطة رجلا كان يحيا حلما لعدة لحظات .... لكن و ما أن يحين وقت استيقاظه حتى يلقي بالحلم جانبا بمنتهى الإقتدار ..... ربما الى وقت فراغ لاحق .... حين يكون متفرغا لهذا الحلم من جديد ...
إما ليعيشه لعدة لحظات ..... و إما ليتسلى به ..... أيضا عدة لحظات .....
ما بين الحلم و الواقع .... و ما بين الماضي و الحاضر .... تقبع هي عالقة مع انسان لا يعرف للمنطق عنوان .......
.................................................. .................................................. ......................
وقفت وعد أمام الباب .... تشعر بخوف مفاجىء ... فنظرت الى كرمة هامسة باسمها
فشددت كرمة على يدها تهمس
( لا تخافي .... أنا معك ...... )
تنفست بعمق ثم دفعت وعد الباب الزجاجي ... لتستقبلها نغمات اسطوانات الهواء الناعمة ... و تنبعث رائحة ورود خيالية لافحة وجهها بكل حب ... فابتسمت تلقائيا و هي تشعر و كأنها تفتح صفحة كتاب حكايات لتدخل قصة أميرة ذات ضفيرة عسلية طويلة تصل الى خصرها .....
و شاء القدر أن تكون تلك الأميرة هي أختها ..... بينما هي تصلح لأن تكون خادمة في حكاية أخرى ... ناسية أو متناسية أن الخادمة دائما في الحكايات ينتهي بها المطاف ساكنة قلب الأمير ....
دخلت وعد برقة .... و حذائها الأحمر يلامس الأرض الوردية ذات النقوش المماثلة لصفة لونها .....
لتجدها واقفة كوردة حزينة .... تستند بوجنتها الى كفها في صمت .... تلاعب هاتفها بشرود .....
اقتربت خطوة .... و أخرى .... الى أن همست من قلبها
( ملك ........ )
رفعت ملك وجهها مندهشا الى وعد ... ثم اتسعت عيناها و هي تهمس غير مصدقة
( وعد !! ..... )
ابتسمت وعد أكثر و هي تحارب ظهور الدموع بعينيها ..... لتهمس قائلة
( نعم وعد ..... هل ظننتِ أن أترك اليوم يمر دون أن أراكِ ؟؟ !!...... )
نظرت ملك الى وعد مليا .... ثم الى كرمة خلفها ..و التي كانت مبتسمة و عيناها دامعتان ... تهمس باسمها هي الأخرى ..... لا تصدق أنها استوت عروسا شابة بهذا الشكل الخلاب
نظرت ملك بطرفِ عينيها الي السيدة ليلى التي كانت تراقبهما باهتمام .... فارتبكت قليلا ثم اتجهت بخطوات متعثرة اليها وقالت بخفوت
( سيدة ليلى ..... هاتان قريبتان لي .... أتيتا اليوم .... من .... من سفرٍ بعيد .... هل يمكنني أن أصعد بهما الى غرفتي لفترة ... )
نظرت السيدة ليلى من فوق نظارتها الأنيقة الي وعد و كرمة طويلا و كأنها تتحقق منهما و لو أمكنها لكانت طلبت منهما بطاقتي هويتهما قبل صعودهما الى غرفة ملك معها بمفردها ...
لكنها اضطرت للقول أخيرا ...
( حسنا يا ملك ..... اصعدن و خذن راحتكن .... و لا تقلقي للمكان ... )
ثم نظرت الى كرمة ووعد و قالت مبتسمة
( مرحبا بكما ........ )
ابتسمت لها كل من وعد و كرمة .... فهمست ملك بخفوت
( هيا .... تفضلا ......... )
ثم تحركت أمامهما .... دون أن تنظر للخلف .....
وصلت ملك الى باب خشبي أعلى الxxxx .... ففتحته ثم وقفت جانبا و هي تمد يدها قائلة
( تفضلا ........... )
دخلت وعد برهبة تتبعها كرمة .....
الى غرفة جملية كجمال صاحبتها على الرغم من بساطتها .... حيث كانت الألوان الدافئة و المبهجة تشع من كل مكانٍ فيها ....
سرير خشبي رفيع ... عليه وسائد ملونة و مفرش يماثله ألوانا و زخرفة بالأحمر و الوردي و البرتقالي ....
و عدة أرفف متشققة .... تراصت عليها الكثير من الكتب ... و معظمها روايات عن الحب ...
حتى النافذة الصغيرة .... كانت تتدلى من اطارها العلوي عدة خيوط ... كلا منهم تضم مجموعة من الخرز الزجاجي الملون بنفس ألوان الورود المبهجة .....
و البساط !!!! .....
ابتسمت وعد بمحبة و هي تخطو عليه و قلبها يمنعها .... فالبساط كان عبارة عن وردة ملونة مقصوص حوافها لتصبح مستديرة بأوراقها ... و في قلبها وجه أصفر ضاحك !!! ....
ضحكت وعد لضحكة البساط ..... و هي تقاوم دموعها بالقوة ....
الا أن ملك سحبت كرسي قديم لكرمة و هي تهمس
( تفضلي ......... )
ابتسمت كرمة دامعة العينين و هي تقول
( ملك .... هل تتذكرينني ؟؟ ..... أنا ..... )
قاطعتها ملك مبتسمة و هي تهمس
( نعم أتذكرك ..... كيف حالك يا كرمة .... )
اتسعت عينا كرمة و هي تقول
( ياللهى لا أصدق أنك تتذكرينني ......... )
همست ملك بخفوت
( أنا أمتلك ذاكرة قوية للوجوه ..... كما أنك تركتِ الدار في وقتٍ أطول قليلا من ...... )
لم تستطع المتابعة ... فأخذتها كرمة بين أحضانها لتطبع قبلة عفوية قوية على وجنتها مما أشعل قلب وعد غيرة و لهفة الى مثل هذا العناق .... لكنها أرغمت نفسها على الثبات الى أن تندفع اليها ملك بنفسها
نظرت ملك الى وعد التي كانت لا تزال واقفة مكانها فأشارت الى السرير و هي تقول بأدب و خفوت
( تفضلي اجلسي ..... للأسف , ليس لدي غير كرسي واحد .... )
ابتسمت وعد بغصة في حلقها و هي تهمس
( لا بأس ....... لكن تعالي و اجلسي قربي ....... )
جلست ملك بهدوء بجوارها و يديها متشابكتين في حجرها .. بينما كانت وعد تروي نظراتها منها مليا , ثم همست برقة
( غرفتك جميلة جدا ..... )
ابتسمت ملك و هي تهمس
( شكرا لك ........ و حذائك جميل أيضا ..... )
نظرت وعد الى الحذاء الأحمر و كانت قد نسيته .... فابتسمت مجددا لتقول
( كان ليليق عليك أكثر ..... ما رأيك أن آخذ أحد أحذيتك و أبادلها به ؟؟ .... )
عبست ملك و هي تقول بوجهٍ محمر
( لا .... لا .... لم أقصد هذا ..... كنت فقط .... )
ضحكت وعد من بين دموعها الحبيسة و هي تهمس
( كنت أمازحك فقط .... اخبريني عن حياتك , أريد أن أعرف كل شيء عنكِ مهما كان صغيرا ... )
نظرت ملك بتردد الى أنحاء الغرفة و هي تهمس
( هذه هي كل حياتي ..... الغرفة و محل الورود .... لقد أكملت تعليمي بفضل الدار الذي انتقلت اليه , كان مميزا للغاية .... يشرف عليه مجموعة من المقتدرين ... فتعلمت تعليم فندقي .....و تدبرت صديقة لي العمل هنا في هذا الxxxx بالإضافة لتوفير تلك الغرفة ..... )
نظرت وعد معها الى أرجاء المكان و قلبها ينبض شوقا لمكان مثله .... لان تكون لها ولو غرفة واحدة لكن خاصة بها وحدها .... و كم تتمنى لو تترك حياتها و تأتي لتعيش هنا مع ملك
لكن من الواضح أن الطريق لذلك قد يكون طويل جدا ان لم يكن مستحيلا .... فملك تعاملها كغريبة تماما ....
تابعت ملك بخفوت و هي تنظر الي يديها
( أنا أقضي عالمي ما بين الكتب و العالم الافتراضي ... و ما بين الورود .... هذا هو ملخص حياتي ... و لقد قدر الله لي وقوف الكثير من البشر لمساعدتي ..... )
"لكنها لم تكن أحدهم ".... فكرت وعد بحسرة
لذلك تبدو وكأنها تحمل بداخلها عتاب لها .... و من يلومها بعد الطريقة التي أخذوها فيها تاركة طفلة صغيرة متعلقة بها أكثر من أمها .....
ابتلعت وعد غصة مسننة مؤلمة و هي تهمس بتحشرج مبتسمة ...
( تلك الباقة جميلة جدا ...... لكنها ذابلة , لا أظنك ممن لا يهتمون بالورود بعد اقتنائها .... )
نظرت ملك الى حيث تشير وعد الى الباقة الجميلة الذابلة بانكسار .... قابعة بإغماء فوق الطاولة تعلن احتضارها قبل أن تسعد قلب من جائت اليها ....
فهمست ملك بشرود
( كانت لشخص آخر ..... لم تكن لي , و الآن آن أوان رحيلها ...... أحيانا بعض الاشياء لا تستحق المحاربة لإحيائها .... )
عقدت وعد حاجبيها قليلا .... ثم همست برجاء و هي تقترب من ملك تمسك بيديها القابعتين في حجرها
( قلت أنكِ تمتلكين ذاكرة قوية للوجوه .... الا تتذكرينني .... أنظري الى عيني .... كان والدك دائما يقول مهما تغير شكل الانسان من مولده الى مماته .... تبقى عيناه هما نفسهما .... )
ابتسمت ملك قليلا و هي تحاول عبثا تذكر شكل والدها .... ثم همست
( بالطبع أتذكر يا وعد ........... )
قالت وعد برجاء أكبر و هي تقبض على كفيها
( اذن تصدقين أنني وعد ؟؟......... )
ابتسمت ملك و هي تنظر الي عينيها لتقول بمودة
( طبعا ...... و الا لما كنت أتيت اليك بنفسي .... )
همست وعد بحرارة
( اذن لماذا تعاملينني كغريبة ؟........... )
هتفت ملك قائلة
( أنا لا ................ )
سكتت ملك قليلا .... ثم أخفضت رأسها لتهمس
( الأمر فقط ..... أن شكلك تغير , و أنا أحمل بداخلي صورة .... ظللت مرتبطة بها طوال تلك السنوات .... وعد الصغيرة .... أنا أعيش معها .... أكلمها و تكلمني ... تضفر لي شعري و تسمع شكواي ليلا .... انها على ما يبدو كانت صديقة وهمية ..... على الرغم من أنني كنت أتخيل رجوعك بنفس الصورة ....
لكن الآن ..... اشعر أنني فقدت الأمل في العثور على تلك الصورة القديمة ....... و التي بقيت أناديها أياما و ليالي ..... أشعر أن ذلك الجزء المكسور مني لن يشفى بعد الآن ..... )
سكتت قليلا ثم رفعت عينيها الى وعد هامسة بغصة
( لقد اشتقت اليها ....... أنا حتى لا أتذكر الكثير مما تلى تلك الأيام , الى أن انتقلت الى دار آخر .... أرغب حتى الآن في عودتها ..... اشتاق اليها جدا ..... )
شهقت وعد شهقة مختنقة ..... لتهمس بقوة
( و كيف أجعلك تستعيدينها ؟ ...... أخربيني رجاءا .... )
ربتت ملك على كفها و هي تهمس و قد بدأت عينيها في تجميع الدموع
( لا بأس ....... أنا ..... أنا سعيدة جدا .... صدقيني .... أنا سعيدة جدا بالتعرف اليكِ .... من جديد .... )
انسابت الدموع من عيني وعد ... لكنها أومأت و هي تهمس بصوت يثير الشفقة
( هل يمكنني أن ...... أحادثك من وقت لآخر .... و أراك من وقت لآخر ...... )
هتفت ملك بحرارة
( طبعا ....... و إن لم تفعلي فسآتي اليكِ بنفسي ...... )
أومأت وعد بعينيها و هي تنهض واقفة لتقول بصوت مختنق
( يجب أن نذهب الآن ........ لقد أخرت كرمة معي جدا و قد يأتي زوجها في أي لحظة .... )
قالت ملك مبتسمة بسعادة
( هل تزوجتِ يا كرمة ؟؟....... و كم طفلا لديكِ ؟؟؟ ........ )
شحبت ملامح كرمة على الفور و نفر الحزن من عينيها الا أنها ابتسمت قائلة برقة و اختصار
( لم يأذن الله بعد ............ )
أمسكت وعد بكف كرمة و هي تقول بخفوت
( سنغادر الآن يا ملك ........ و سأحادثك كلما حصلت على هاتف , لأن الهاتف الذي حادثتك منه لم يكن هاتفي ........ )
أومأت ملك ببطىء و هي تنظر اليهما تغادران .... لكن و قبل أن تخرج وعد استدارت الى ملك و هي تشهق باكية
( لا أستطيع ....... لابد أن أفعل ذلك ..... )
ثم جرت اليها لتعتصرها بين ذراعيها بقوة و هي تتنشق رائحة شعرها و دموعها تبلل عنق ملك بغزارة ... التي اجفلت لفترة .... قبل أن تحاوطها بذراعيها .... محاولة التعرف الى رائحتها الخاصة من جديد ....
هامسة في موجات شعر وعد
( لقد اشتقت اليك ........... )
شهقت وعد مرة أخرى ترتجف بشدة بين ذراعي ملك و هي تهمس باختناق
( أما أنا ..... فالشوق لا يماثل ذلك الشعور حين يفقد الإنسان جزءا منه ........ )
.................................................. .................................................. ......................
وصل سيف مسرعا الى غرفة أمه ... و ما أن دخل حتى وجدها على الحال الذي يصيبها من آن لآخر ....
مستلقية على ظهرها ...فوق ألواح السرير و قد استبدلت فراشه الوثير بمجرد بساط سميك كي تبقى مستقيمة قدر الإمكان .....
تنهد سيف بأسى وهو يقترب منها ليجلس على حافة السرير ممسكا بكفها بينما هي تبتسم له بتعب ... فقال بحنق
( و الآن كيف تمكنتِ من إصابة نفسك مجددا ؟....... أي حركةٍ خاطئة فعلتِها ؟؟ ...... )
ابتسمت بتفكير عميق رغم الألم و هي تقول
( صدقني لا أعلم أي الحركات كانت هي الخاطئة ..... كل ما أعلمه أنني سمعت طقطقة ... لأجد ظهري قد توقف عن العمل بعدها تماما ...... )
قال سيف بخشونة و هو يتحسس كفها ...
( سأستدعي الطبيب حالا ........ لماذا لم يستدعيه أحدا حتى الآن ؟!! ...... )
الا أنها تشبثت بكفه و هي تهمس باعتراض
( لا أريده و أنا من طلبت ذلك ..... لن يكون أمامه الا ما يقوله كل مرة وهو اجراء الجراحة و هذا أمر مرفوض تماما ..... )
قال سيف بحنق بالغ
( و لما لا تجرينها يا أمي .... أنها مجرد تعديل في وضع الفقرات ... و هي تتم كل يوم .... )
عبست أمه و هي تقول
( لا أطيق لفظ الجراحة مطلقا يا سيف .......... )
ثم ابتسمت لتقول مغيرة الموضوع
( اترك هذا الموضوع الآن ...... أترى أن مهرة قد انتهزت الفرصة لتهاتفك بالرغم من عدم وجود ما يستحق حضورك على وجه السرعة ؟؟ ...... بعد أيام طويلة من البكاء و مقاطعتك .... تنتهز الفرصة الأولى كي تحادثك ..... لماذا تقسو عليها بهذا الشكل يا سيف .؟؟ .... )
تنهد سيف بغضب وهو يقول
( إن دلالها بدأ يفوق الحد ..... و أنا لم أعتد على منح مثل هذا الدلال لأحد .... )
قالت أمه عاتبة
( لكن هذه المرة لم يكن دلالا ..... الحق كان معها في الغضب منك .... )
نظر سيف الى أمه ليقول حانقا
( معها حق ؟ !!! ..... بعد كل ما أفعله !! .... حسنا لا بأس ..... أريد فقط أن أخبرك بأنني تدبرت أمر الشقة لها .... و ستكون مدفوعة الثمن ليسدده حسام وقت أن يستطيع .... )
عبست منيرة قليلا قبل أن تقول
( وما المشكلة في أن تقطن مع والدته مؤقتا يا سيف .... ليس ذنبه أن خُدع في شقته التي كان من المفترض أن يستلمها .... و طالما أنه لن يستطيع توريط نفسه بثمن شقة جديدة , فلما لا تسكن مع أسرته في البداية ..... المسكينة أمضت أياما و أياما تبكي بعد أن خرج حسام من هنا مكسور الخاطر ..... )
قست ملامح سيف أكثر وهو يقول بصوت قاطع
( أختي لن تسكن مع أحد ..... هذا أمر يجلب المشاكل منذ البداية , و أخت سيف الدين رضوان لا ينقصها شيء كي لا تحصل على سكن خاص .... )
عبست أمه قليلا من انفعاله ثم قالت بجهد
( و ماذا لو لم يرتضيها لنفسه ..... أن تشتري له سكن خاص , خطيب أختك حساس من تلك الأمور للغاية )
قال سيف بصوت لا يقبل الجدل
( هذا هو ما عندي .... وإن كان يريد أختي بحق فليثبت ذلك و يتنازل .... ثم أنني سأبحث معه أمر تسديدها كي يرضي كرامته ..... )
ظلت أمه تنظر الي عينيه القاسيتين طويلا ... ثم همست أخيرا
( منذ حداثة سنك و أنت تأخذ ما تريد قبل حتى أن تفكر ..... دائما كنت تتهور لتأخذ ما تريد ثم تفكر لاحقا ..... )
نظر اليها سيف بعتب ., الا أنها تابعت
( لا يهم إن كان ما تريده يناسب من حولك أم لا .... المهم أنك قررت ما تريده و ما تراه الأصلح ....أتتذكر حين سطوت على شقة خ .... خا.... خالك ؟؟ ...... لم تفكر بي و بشقيقتيك , فقد قررت و تصرفت كي تنال حقك .... لقد غضبت منك وقتها اكثر من غضبي ..... منه ... )
أخفضت عينيها أمام اشتعال عينيه المخيفتين , فقال بصوت شرس
( و لماذا هذه الذكرى الآن ؟...... )
صمتت قليلا ... ثم همست
( أنت دائما تأخذ ما تريد .... و هذا ما يقلقني عليك )
ربت على كفها ليقول بخفوت
( و ما المقلق في ذلك ؟؟ ...... أنسيت الأيام التي عشناها من قبل , لقد أقسمت ما أن اشتد عودي قليلا , أن أنال كل ما أريده و كل ما تحتجنه في هذه الحياة ما دمت أستطيع ..... )
صمت قليلا وهو يشرد بعيدا .... ليقول بصوتٍ خطير
( يبدو أنكِ قد نسيت بالفعل يا أمي ..... نسيت الى أين أوصلك الخضوع , ... من أجباره لكِ على طلب الطلاق من والدي .... ثم أرغامك على الزواج من غيره .... نازعا اياك مني بالقوة أنا وورد .... لو كنت وقتها لدي القدرة لفعل ما أريد , لما كان حدث ما حدث .... )
صرخت أمه فجأة
( لم تكن .... حتى و لو امتلكت قوة العالم كله .... لم أفعل ذلك مرغمة ... لقد فعلته بملىء ارادتي خوفا على والدك ..... )
ابتسم سيف بسخرية مريرة وهو يقول
( اليس هذا ارغاما ؟!!! ........ لو كنت تعلمين احساسي و قتها و أنا أعرف بأنك ببيت رجل غريب غير والدي ...... لكنتِ عذرتني حين قررت انتزاع ميراثك المسلوب منه انتزاعا حين مرض والدي ..... )
لم تشعر بأن الدموع انسابت على وجهها بصمت و هي تهمس
( و هل نجحت ؟؟ ..... أم أنك لم تنجح سوى نحر قلبي عليك بعد والدك ...... )
تنهد سيف بقوة وهو يضغط بين عينيه بقوة .... و يقول بصوت مكبوت ثائر
( كفى يا أمي ..... أنا لا أطيق هذا الحديث )
صمتت منيرة قليلا .... تود قول شيء ما بتردد , و ما أن وجدت الشجاعة حتى همست
( سيف ...... لقد سامحني والدك .... بعد أن ردني اليه ..... )
عاد سيف ليتنهد مجددا ثم قال بخفوت قاس
( بالطبع سامحك ..... أذكر جيدا أن عيناه كانت تشتعلان حبا بك حتى آخر يوم في حياته ..... )
ابتلعت ريقها ثم همست
( لكن لو كنت مكانه لما سامحتني أبدا ...... أنت لا تسامح بسهولة ..... )
انحنى اليها ليقبل جبهتها بعد صراع عنيف ... ثم همس لها
( أعرف أنكِ كنت مرغمة يا أمي ...... لذلك أكره هذا الشعور ......انسي هذه الأيام , فقط انسيها .... أنا نفسي قد نسيتها .... )
نظرت أمه اليه بشكٍ قابع في العينين الحمراوين منذ سنوات .... ثم همست
( هل نسيتها حقا ....... )
رد عليها و عينه في عينيها يقول بخفوت قوي لا يقبل الجدال
( حقا .......... )
ظلت أمه تنظر اليه طويلا الى أن همست أخيرا
( عدني الا تكسر قلبي مجددا خوفا عليك ...... ... )
ظل سيف ينظر الي عينيها ثم قال بهدوء
( لكِ وعدي ................ )
لكنها على الرغم من ذلك لم تشعر بالإرتياح الذي كانت تنشده
خرج سيف من غرفة أمه بملامح غير مقروئة ... فوجد مهرة أمامه تسير بملامح حزينة ... فقال لها بصرامة
( هاتفي خطيبك و حددي معه موعد كي يأتي لزيارتنا ...... )
اتسعت عيناها و هي تنظر اليه بقلق و صدمة ثم قالت بخوف
( لماذا ؟؟ ..... على ماذا تنتوي ؟؟ ..... )
رد عليها بخشونة و هو ينزل السلم دون أن ينظر اليها
( الا تريدين أن نحل مشكلة السكن ؟!! ...... اذن هاتفيه و اخرجي نفسك من الأمر بدون مطرود .... )
هتفت مهرة بابتهاج لم تشعر به من أيام
( حاضر .... حاضر ....حاضر ..... )
لكن ما أن استدارت خطوة .... حتى فقدت القدرة على المقاومة و هي تعاود الاستدارة و هي تنزل السلالم جريا حتى وصلت اليه لتقفز على ظهره متعلقة بعنقه و هي تهتف
( شكرا ..... شكرا .... شكرا ..... )
مد ذراعه خلف ظهره كي يحمل ثقلها ثم قال بخشونة
( الآن ابتهجت يا ناكرة الجميل .... يا صاحبة مصلحتك )
اخذت تقبل وجنته و هي تقول
( اشتقت اليك جدا ..... لن اخاصمك ابدا مجددا .... ابدا ... ابدا ... ابدا )
ابتسم سيف قليلا .... ثم انزلها ليقول وهو يتابع سيره
( أخشى أن تستبدلينا ذات يوم بحبيب القلب ....... .. )
هتفت من خلف ظهره بمرح
( إن فعلتها أنت ذات يوم ....... قد أفعلها أنا حينها ..... )
لم يرد سيف حينها و هو يتابع سيره مبتعدا ......
أنت تقرأ
بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Randomوأقف أمامك بأعين متضرعة الأرنو اليك بنظرة تلتقطها عيناك من فورها توقف فقط توقف وخذ عينيك بعيدا نظراتك تقتلني وأيامي تضنيني والأمل بعيد بعينيك بحر متلاطم الأسرار ...