14

3.7K 84 2
                                    


الفصل الرابع عشر :
كان ينظر اليها بين الحين الآخرأثناء فترة الصمت الطويلة المحيطة بهما بعد أن أفلح أخيرا في اجبارها على البوح بعنوانها و الركوب معه ....
ابتسم قليلا رغم الكبت و الحنق الذي يشعر بهما ... فطريقة تشبثها بحقيبتها المشغولة يدويا ذات الألوان الحمراء و البرتقالي ... قريبة للغاية من نفس حركات وعد ...
تذكر طريقة تشبثها بالكيس البلاستيكي الذي كان يحتوى على جلباب التنظيف الرقيق حين أقلها أول يوم نظفت به بيته ... رغما عنه شعر بغصةٍ غير مرغوب بها من تذكر هذا اليوم ...
أما المرة الثانية فلم يشعر تجاهها سوى بالغضب و الإحباط .....
أعاد تفكيره بالقوة من وعد الى ملك الجالسة بجواره .... و على الرغم من رغبته في خنقها و بشدة , الا أن شعورا رقيقا انتابه تجاهها ... شعورا بالعطف من ذلك الموقف الذي لا تحسد عليه و الذي وضعتها به وعد ...
الى متى سيظل يكتشف منها من القسوة ما لم يعرفه بعد ......
زم شفتيه و هو ينظر الي الشابة الصغيرة المرتبكة و التي هي بالكاد أكبر قليلا من مراهقة ...
تتشبث بحقيبتها و تفرك أصابعها مطرقة برأسها ....
قال سيف أخيرا بهدوء
( هل أنتِ بخير ؟؟ ....... )
انتفضت مكانها و هي تنظر اليه و كأنما قد نست وجوده تماما ... و أخذت تنظراليه بضعة لحظات بحاجبين منعقدين و شفتين ترتجفان ... ثم همست و هي تعيد وجهها الى حقيبتها
( نعم ...... شكرا لك ..... )
عاد سيف ليبتسم قليلا .... إنها تقريبا وعد .... وعد في ولى مرات رؤيته لها ....
تمتلك الكثير من حركاتها بحكم الوراثة .... على الرغم من عدم وجود أي تشابه شكلي بينهما ....
قال سيف مجددا يبدأ الحوار
( لا تبدين بخير تماما ........... )
لم ترد على الفور .... ثم همست بتوتر يكاد يخنقها حتى أنه استشعر سخونة وجهها الأحمر المسكين المرتبك
( أنا ..... أنا آسفة ...... أنا آسفة أنك الآن هنا تقلني بينما الليلة ...............الليلة .... .... )
همس بداخله متذمرا محتقنا بكبت
"نعم ..... الليلة .. الليلة ..... و ياله من توقيت !! .... "
لكنه سحب نفسا خشنا وهو يقول محاولا التكلم بصوتٍ هادىء
( لا بأس هوني عليكِ ...... الليلة كانت ليلة عقد قراننا ليس الا .... )
من يحاول أن يقنع ؟!! ..... اندفع هذا السؤال هادرا بداخله في موجات ساخنة وهو يتذكر تلك اللحظات المجنونة له مع خلابة العينين ....
اغمض عينيه لحظة و رجائها له كي يقبلها من جديد لا يزال يعصف بكيانه و كأنها ..... و كأنها كانت تتلهف الحب .... ليس منه بالضرورة .... لكنها كانت تتلهف تلك المشاعر التي بدت جاهلة بها كلية ...
كيف كان سيكبح جماح نفسه في مثل تلك الحالة ؟؟ !!.... كيف !!
غضب غامض مختلف كان يهز نقطة عميقة بداخله .... هل كانت لتتلهف الحب من سواه في نفس الموقف ؟؟؟ .....
و بنفس الدرجة ؟؟ ...
تحول الغضب الي استياء حارق كالأسيد أوشك أن يتآكل به صدره ....
هل يكون ممتنا لتلك الصغيرة ذات الضفيرة .... أم حانقاعليها ؟!! ... هو نفسه لا يعرف !!
نظرت اليه ملك بطرف عينيها و هي تعض شفتيها تحاول بصعوبة أن تكتم عبارة
" لم يكن هذا هو ما لاحظته ..... "
لكنها همست باختناق تحاول ابعاد احتراق الخجل عنها ....
( لم أكن أعلم ذلك ..... و لو علمت أن اليوم يوم عقد قرانكما لما أتيت متطفلة بهذا الشكل المخزي )
شعر سيف بالحرج بسبب فعلة وعد القاسية في إخفاء الأمر عن أختها .... ثم قال بخفوت محاولا التسرية عنها وهو يشعر بغرابة الوضع الذي يحياه حاليا
( لقد حدث كل شيء بسرعة ..... لم نتقصد الإخفاء .... لكن الظروف كانت معقدة قليلا .... )
نظرت اليه ملك بصمت ثم همست تسأله بفتور
( هل أخفيت الأمر عن عائلتك كذلك ؟؟؟ ......... )
نظر اليها نظرة خاطفة .... ثم أعاد نظره الي الطريق قائلا باختصار لا مفر منه
( لا ........ )
أومأت ملك برأسها في صمت لم يكن يحتاج الى ذكاء كبير ليعرف منه أنها قد أدانت وعد و انتهت ... و الحقيقة أنه لا يلومها ....
سألها محاولا التخفيف من حدة الموقف
( لماذا أتيت متأخرة هكذا على كل حال ؟؟ ....... )
همست ملك و قد اشتعلت وجنتاها خجلا
( لا أستطيع أن آتي قبل ذلك ...... أنا أعمل و كان لا بد لي أن أغلق المحل أولا ..... )
سألها سيف مبتسما
( و ماذا تعملين ؟؟ ............ )
همست ملك بخجل
( بائعة في محل ورود ......... )
ابتسم سيف يقول
( يليق بكِ .......... )
اخيرا ابتسمت كما يريد .... و هي تهمس بخجل
( شكرا ............ )
عاد الصمت بينهما ثقيلا .... قبل أن تقطعه ملك فجأة تهمس بفضول خجول متعثر
( هل ..... هل كانت قصة حب ..... بينكما ؟؟.... )
" هل كانت قصة حب بينكما ؟؟ ..... " يا له من سؤال بريء من فتاة حالمة !! .... و مع هذا تاه السؤال بداخل سيف طويلا ....
لكنه أجاب أخيرا بتلك الإجابة المحفوظة المختصرة التي ادخرها للجميع
( ربما لا تعلمين ..... لكن وعد تكون ابنة .... خالي ... لكننا تقابلنا مؤخرا )
اتسعت عينا ملك و ارتفع حاجبيها بدهشة بالغة .... لكنها قالت متفهمة
( حقا !! ....... ظننت .... ظننت أن لا أقارب لها مطلقا بخلاف والدها )
ابتسم سيف بهدوء ليقول
( و لماذا ظننتِ ذلك ؟؟ .......... )
قالت دون تفكير
( لأن الدار كانت لتبعث الى أقاربها ...... )
صمتت فجأة و هي تعض على شفتها برعب ... وهي ترى ملامح سيف التي اكتست غموضا و قتامة ... مفكرة برعب أن وعد ربما لم تخبره بموضوع الدار و الذي فضحته هي للتو ...
قال سيف بهدوء حين لاحظ صمتها
( لماذا توقفتِ ؟..... أنا أسمعك ...... )
ارتجفت ملك و هي تفكر كيف تهرب من هذه الكارثة ... الا أن سيف أنقذها سريعا حين قال بهدوء
( تابعي ..... أنا أعلم أن وعد كانت ضيفة دار رعاية في طفولتها .... )
تنهدت ملك ارتياحا قليلا ..... ثم نظرت من نافذتها قليلا ....... فقال سيف بخفوت و اهتمام
( و لكن كيف حدث أن انفصلت عنكِ و عن والدتك من الأساس ؟؟ ....... )
نظرت اليه ملك لفترة ثم همست مرتبكة
( ربما يجب أن تحصل على الإجابة منها ...... و ليس مني )
قال سيف محاولا كبت اهتمامه
( لا بأس حدثيني عن التفاصيل .... أنا أعرف المعلومات الرئيسية , أنا فقط أجهل ما يخصك )
زمت ملك شفتيها و هي تهمس باقتضاب
( نعم ..... أكيد ....... )
شعر سيف بالدناءة لأنه كان يستحثها بتلك الطريقة كي تبوح بما يريد .... لكنه قوى مشاعره رغبة منه في معرفة كل ما يخص وعد عبد الحميد العمري .... و التي تصادف أن تصبح زوجته اليوم ....
شعور عامر بالرضا غمر صدره .... الا أنه أجله قليلا ليقول لملك
( حدثيني عن افتراق وعد عنكما...... كيف حدث ؟؟ )
همست ملك بتردد
( لم تفترق وحدها ...... لقد كنت معها ؟؟ ..... )
عقد سيف حاجبيه قليلا بعدم فهم
( كنتِ معها ؟؟ ..... أين ؟؟ ...... )
قالت ملك بخفوت
( كنت أنا و هي نعيش عند جدتي ..... و قد سافرت أمي مع زوجها الجديد .... و بعد وفاة جدتي ... تنقلنا أنا ووعد لدى الجيران .... الى أن طالت الفترة , فأرسلو بنا الى دار الرعاية بعد أن فقدو كل أثر لأمي .... )
نظر سيف اليها مقطبا بشدة .... ثم أعاد نظره الي الطريق بقوة , ليقول بخشونة بعد فترة
( و بعد ذلك ؟؟ ........... )
ترددت ملك مجددا .... ثم همست بخفوت
( مكثنا في الدار عدة سنوات ... الى أن جاء والد وعد و اصطحبها معه ...... )
ازداد عبوس سيف بدرجة مخيفة ... ثم همس بلهجة خطيرة
( و تركك هناك ؟؟!! ....... )
ترددت ملك أمام نظرات غضبه ... ثم همست بعفوية حزينة
( لم أكن أخصه في شيء ...... الحقيقة أنني لا أستطيع لومه .... )
تمتم سيف شيئا ما بدا كشتيمة .... وهو ينظر غضبا ما بين نافذته الي الطريق أمامه ....
قال سيف بعد فترة بصوتٍ جاف
( و كم سنة بقيتِ هناك ؟؟ ........... )
ردت ملك بخفوت
( بقيت حتى سن الثامنة عشر ...... لقد تم نقل الأطفال من الدار القديم الي عدة دور , و لهذا لم تستطع وعد الوصول الي بسهولة لعدة سنوات .... لكنها كانت دار رائعة و نظيفة .... لقد أمضيت هناك سنوات سعيدة .... )
عبس سيف أكثر وهو يسأل
( تلك التي كنتِ فيها مع وعد ؟؟ ....... )
هزت ملك رأسها نفيا بصمت .... ثم همست باختصار
( قصدت الجديدة ........ )
قال سيف بنفس الاختصار
( و تلك التى كنتِ فيها مع وعد ؟؟ ......... )
نظرت ملك من نافذتها طويلا قبل أن تهمس
( لا أتذكر منها الكثير ...... و بعد رحيل وعد , لم أتذكر أي شيء من هذه الفترة مطلقا ... و لا أريد أن أتذكره ... )
كانت لهجتها الخافتة قاطعة ... و صادقة في نفس الوقت .... حينها ارغم سيف نفسه بالقوة على التوقف
من الواضح أن تلك الفتاة قد تعرضت للكثير .... لذا لم يرغب في أن يزيد الأمر سوءا اليها ... لذا صمت و صدره مثقلا من شيء ما ..... شيء أسود و كئيب ....
أفاق على صوت ملك تهمس أخيرا
( ها هو بيتي ..... لقد وصلنا .... )
نظر سيف بعد أن أوقف السيارة الى xxxx عريق أسفله محل ورود مغلق .... ثم نظر اليها بتفحص ليقول مؤكدا
( هل أنتِ بخير ؟؟ ........ )
أومأت خجلا دون أن ترد .... ثم قالت بخفوت و ضياع
( أنا آسفة جدا على ما سببته لك و تركك عروسك ليلة زفافك ..... لو كنت أعلم لما ..... )
قاطعها سيف مبتسما
( هيا اخرجي ..... لقد تأخر الوقت , هل الصعود آمن في هذا الوقت ؟؟ ..... )
ابتسمت ملك تهمس برقة
( آمن تماما ..... شكرا لك ...... )
أومأ سيف ... ثم قال بهدوء
( سأبلغ سلامك لوعد ......... )
اختفت ابتسامة ملك تماما .... و هي تهمس بقنوط
( الى اللقاء ............... )
خرجت بهدوء تحت أنظار سيف وهو يدرك بوضوح أنها خصته بكلمة " الى اللقاء " .... بينما خصت وعد بكلمة واحدة " وداعا .... "
لقد جرحتها وعد ..... و بشدة .....
ظل سيف مكانه الى أن أبصرها تدخل من باب الxxxx ثم حرك السيارة و ابتعد بها ...... عائدا .... بشوق .....
.................................................. .................................................. .......................
مدت ملك يدها بالمفتاح تحاول فتح باب غرفتها الصغيرة ... لكنها شهقت مرتعبة فجأة حين قبضت يد قوية على ذراعها تديرها اليه بالقوة ملصقا ظهرها الى الباب الخشبي ...
رفعت وجهها برعب تنوي الصراخ .... الا أنها أبصرت وجهه على ضوء شعاع القمر في تلك اللحظة الوحيدة التي شل فيها الخوف حنجرتها ... فتوقفت الصرخة في حلقها و هي تنظر اليه بعينين متسعتين و صدرٍ يلهث ...
بينما بدت على وجهه معالم شيطانية مخيفة .... و أنفاسه الهادرة تلفح بشرة وجهها بقسوةٍ مؤلمة ... تنبئها بأنه متهور غاضب ....
كانت تحاول النطق الا أن الرعب كان يصيبها بالخرس تماما , بينما تطوع هو قائلا بهمسٍ خطير مهدد
( من هذا اللذي نزلتِ للتو من سيارته ؟؟ ........ )
فغرت شفتيها قليلا بذهول ... ثم همست بخوف
( أترك ذراعي ......... )
شدد على ذراعها قليلا أكثر .... فاتسعت عينيها خوفا , قبل أن يحررها بقسوة ليحاوطها بذراعيه و هو يستند على الباب من خلفها بكفيه مكررا بقسوة
( من هذا الذي نزلتِ من سيارته يا ملك ؟؟ ....... )
همست تتظاهر بالدهشة على الرغم من خوفها منه
( عجبا .... الازلت تتذكر اسمي ؟!! ........ )
همس بحدةٍ وهو يميل عليها فأبعدت وجهها عنه بعمد و هي تتنفس بسرعة , فقال آمرا مخيفا
( من هو يا ملك ؟؟ ...... و أين كنتِ لتعودي معه في سيارته في مثل هذه الساعة ؟؟ ..... )
لم ترد على الفور و هي تتنفس خوفا ... مبعدة وجهها عنه قدر الإمكان .... ثم همست
( ابتعد من هنا قبل أن أنادي على سكان الxxxx و لن تغادر حينها المكان حيا ....... )
قال لها يميل بوجهه أكثر و هي تلصق رأسها الي الباب أكثر
( نادي عليهم .... هيا , فقد نعرف حينها مع من كنتِ حتى هذه الساعة ...... )
مدت كلتا يديها فجأة تدفعه في صدره دفعة قوية مفاجئة و هي تهتف
( أبتعد من هنا ...... أنا لا أكلم أغراب , و هم لا يملكون حق استجوابي ... )
وقف مكانه ينظر اليها بعينين حمراوين من السهر .... مخيفتين , على الرغم من أنها لم تخافه من قبل ...
ثم همس فجأة مترجيا
( من هو يا ملك ؟؟ ...... أجيبيني )
ظلت تنظر اليه في الظلام طويلا قبل أن تهمس من بين أسنانها بحرارة
( لطالما كنت طفلا متهورا أحمقا .............. )
أجفل قليلا وهو يتراجع برأسه للخلف ... الا أنها كانت قد هدأت قليلا , ثم قالت بلهجة حازمة
( ابتعد من هنا ...... و توقف عن مراقبتي , أتظن أنني لا أراك و لا ألمح سياراتك الفارهة الصافة في زاويةٍ مختلفة كل مرة ؟!! ...... )
صمت تماما و استطاعت أن تلمح صدمته في الظلام
فهزت رأسها مبتسمة بسخرية قاسية و هي تقول
( من يريد مراقبة أحد متخفيا لا يتعمد تغيير سيارة فارهة في كل مرة ..... و الآن عد الى حياتك و ابتعد عني ... )
همس أخيرا بوجوم بينما عيناه الحمراوان تتابعان ضفيرتها المنساب آخرها على خصرها النحيف .... و خصلاتٍ ذهبية تداعب وجنتيها الورديتين .... كم بدت جميلة !! .... بل أجمل .... أجمل بكثير .....

بعينك وعد. 🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن