عادت هدير إلى منزلها بعد يوم مرهق، مثقلة بالهموم والأفكار المتشابكة. حملت على عاتقها رعاية أخوتها الصغار، فتوجهت فورًا إلى المطبخ لتحضير الطعام لهم. أطعمتهم بحنان، محاولًا إخفاء حزنها خلف ابتسامة دافئة. بعد ذلك، جلست معهم لتساعدهم في حل واجباتهم المدرسية، وكأنها تحاول بذلك أن تنسى مشاعرها المعقدة ولو للحظات.
بعد أن انتهت من تلك المهام ونيمتهم بحنان، شعرت بالوحدة تلتهمها. دخلت المرحاض، توضأت، ثم وقفت للصلاة، لتجد في صلاتها ملجأً من ألمها الداخلي. ما إن بدأت بالصلاة حتى انهمرت دموعها بغزارة، وفي خلوة مع ربها، انفجرت بمشاعرها المكبوتة، مستجيرةً بالله:
"يا رب... أنا بحبه يا رب. شيلوا من قلبي يا رب، عشان هو ميستاهلش مني دا. حياته هتتقلب لجحيم لو اتجوزني... وبابا هيستغله أشد استغلال. أنا عارفة يا رب، شيلني من قلبه وشيله من قلبي. يا رب، أنا حبيته غصب عني، بس احنا مننفعش لبعض... احنا الاتنين مختلفين."
انهمرت دموعها بحرارة على وجنتيها، تحمل كل دمعة معها ألمًا وشوقًا وخيبة. كانت تحاول أن تطهر قلبها من هذا الحب الذي لا يمكن أن يزهر إلا شقاءً. شعرت كما لو أن قلبها يكاد ينفجر من تناقض المشاعر، بين رغبتها في الحب وإدراكها للعواقب التي قد تترتب على هذا الحب.
كانت تعلم أن رفضها لتلك العلاقة ليس فقط لأجلها، بل لأجله أيضًا، لحمايته من عالمها المعقد الذي قد يمزقه. كانت كل لحظة في صلاتها كأنها تسليم لله، محاولةً البحث عن السلام الداخلي وسط العاصفة العاتية التي تجتاح روحها.
جلست هناك طويلًا، تهمس دعواتها بصوت متهدج، باحثةً عن ملاذ في بحر من الدموع والصلوات، متمنيةً أن يمنحها الله القوة لتجاوز هذه المحنة، وأن يساعدها على تحمل ذلك الحمل الثقيل الذي يضغط على قلبها.
__________________________
كانت يارا تجد في زياراتها للطبيب مع عمر ملاذًا من صراعاتها الداخلية. كل فحص يُظهر صحة الطفل الجيدة كان بمثابة شعاع من النور يُبدد مخاوفها ويزيد من يقينها بحب عمر الصادق. لم تعد تعطي أهميةً لتحذيرات والدتها أو تهديداتها؛ فقد قررت أن تستمع لقلبها وترى الحقيقة بعينيها. عمر، بابتسامته الدافئة واهتمامه العميق، كان يعشقها بصدقٍ لم تعهده من قبل. شعرت أنها لا تحتاج لأكثر من هذا الحب المتبادل، الذي يملأ حياتها بالأمان والدفء.
في الجهة الأخرى من البيت، كان مصطفى يعيش في كابوس مستمر. والدته، رحاب، كانت تسعى جاهدة للسيطرة عليه بوسائل قاسية. تنازع يارا والدتها دائمًا، محاوِلةً أن تمنعها من ربط أخيها وتقييده، لكن رحاب كانت ترفض الاستماع لأي صوتٍ غير صوتها. كانت تهدد مصطفى بربطه إلى السرير إذا لم ينصع لأوامرها، مستغلّةً ضعفه وصراعه الداخلي.
مصطفى، الذي وجد نفسه مقهورًا تحت وطأة هذه المعاملة، كان يشعر بألمٍ يعتصر روحه. في بعض الأحيان، كان يستسلم للعزلة، يبقى في غرفته، معانقًا أفكاره التي تزدحم في عقله، حيث يتكرر عليه صوت والدته وهي تردد أنه "مجنون". هذا الإحساس كان يمزقه، فهو كالرجل المقهور، مقيدٌ بجدران من الخوف والإحباط، ويفقد طعم الحياة شيئًا فشيئًا.
أنت تقرأ
لا تخافي عزيزتي(مكتملة)
Romanceخُلق الحب بينهم، رغم إختلاف الطرفين... فهي لا تتكلم وفاقدة للنطق منذ زمن وهو رجل ثرثار لا يخاف من شيء ومقبل على الحياة بصدر رحب هل سيكون سعيدا بأن يحب فتاة تتمنى الموت كل يوم، وتخشى العيش مع البشر سيخلق الحب بينهم دون حديث يبوح منها لَهُ كيف؟ مَن س...