تحرك عمر إلى منزل يارا، يحمله الترقب المشوب بأشباح الانتظار. ووقف هناك، متسمّرًا بجانب السيارة، كتمثالٍ يحرس بوابة التلاقي. كان قد وعدها بخروجٍ لطالما حلمت به، بعد غيابٍ أضناه وأضناها، غيابٍ ترك فراغًا عميقًا امتزج بمزيج من الشوق واللوعة.
في الداخل، كانت يارا تتهيأ بعناية، تتزين وكأنها تستعد لحفلٍ طال انتظاره. احتضنت الفرحة روحها، وكانت ملامحها تتراقص تحت انعكاس المرآة، كلما فكرت في لقائه. أخيرًا، خرجت من البيت، تنساب خطواتها بهدوء ووجل، حتى أبصرت عمر واقفًا ظهره نحوها، متجذرًا في مكانه، منتظرًا بترقب. لم تستطع مقاومة رغبتها في مفاجأته، فركضت نحوه بخفة وعانقته من الخلف، ضحكت ضحكة ملأها الشوق، وقالت بفرحٍ لا يخلو من حزن:
"وحشتني أوي يا عمر."
حين شعر بلمسة ذراعيها تحتضنه، تدفق شعور مؤلم كالسهم إلى صدره، طغى عليه وجع عميق لم يستطع الهروب منه. أغلق عينيه بقوة، محاولًا أن يستجمع ما تبقى من صبره، وأن يحبس أنفاسه المتقطعة. أمسك يدها التي كانت على صدره وأبعدها عنه برفق، ثم التفت ببطءٍ كمن يحاول مواجهة حقيقة مرة. عينيه السوداوان كانت تسبح في ظلال حزنٍ قاتم، نظراته تروي حكايات من الوجع لا تجد سبيلاً للنسيان، وكأن كلماتها أشعلت داخله حرائق تأبى أن تخمد.
قالت يارا بحماس، وجهها مشرق بابتسامة تحمل العتاب اللطيف:
"هتوديني فين النهاردة؟ خلي بالك أنا زعلانة منك، عشان بقالك يومين غايب عني. يلا، صالحني."
ظل عمر يتفحص ملامحها، عينيه تسبح في تفاصيل وجهها، تلتقط كل نظرة وكل ابتسامة. بداخله نزاع مرير، قلبه يرفض بعنف القرار الذي أقرّه عقله. لقد كان قراره أن يجعلها تكرهه، ثم يسافر بعيدًا إلى والده، كي لا يرى أخيه يحتضنها في يومٍ من الأيام،لن يستحمل مشاهدتها مع شخص آخر غيره!
نعم، خطأ أخيه وأمه كان فادحًا، لكنه كان عاجزًا عن تدمير بيتهم بالكامل. من أجل حق يارا فقط؟وهذا الحل مناسب لهم ولها أيضًا..إنها عائلته فكيف يمكن أن يرمي عائلته في الجحيم؟
ركبت معه السيارة، وهي تروي له بحماس تفاصيل الأيام الماضية طوال الطريق، لكن عقله كان في مكان آخر، تائهًا في دوامة أفكاره، لا يستطيع سماعها. كانت الأفكار تتصاعد بداخله، تعلو على أي صوت خارجي، تعزله عن اللحظة.
"عمر... عمرر... انت مش معايا."
استفاق من شروده، التفت إليها بعينين غارقتين في صراع داخلي، وقال: "معاكِ، معاكِ... بس كنت بفكر في حاجة كده. يلا، وصلنا."
نظرت يارا من النافذة، وارتسمت على وجهها ملامح الدهشة والسعادة، عندما رأت المراكب والسفن. صرخت بفرح طفولي، هرولت خارج السيارة كأنها طفلة وجدت كنزًا. ركضت نحو المراكب، وعندما التفتت إليه، رأت عمر واقفًا، ذراعيه معقودتان أمام صدره، ينظر إليها بعمق. ركضت نحوه ثم قفزت عليه، فاحتضنها عمر بسرعة، خائفًا أن تقع. احتضنته بشدة، وكأنها تريد أن تذيب كل جراحها في تلك اللحظة.
أنت تقرأ
لا تخافي عزيزتي(مكتملة)
Romanceخُلق الحب بينهم، رغم إختلاف الطرفين... فهي لا تتكلم وفاقدة للنطق منذ زمن وهو رجل ثرثار لا يخاف من شيء ومقبل على الحياة بصدر رحب هل سيكون سعيدا بأن يحب فتاة تتمنى الموت كل يوم، وتخشى العيش مع البشر سيخلق الحب بينهم دون حديث يبوح منها لَهُ كيف؟ مَن س...