رِجال حولَ رسول الله ﷺ

24 4 0
                                    




-«صباحُ البلبلِ المُغرِّد! يا باغيًا بركةً البُكورِ اجتهد.»

خرجتْ حُروفي مُلحَّنة تناغي أُذنيّ من قفزت عيناها من على الورقة تفرش صفيّ اللؤلؤ في ابتسامةٍ مُرحبَّة.

-«صباحٌ بنسيمٍ باردٍ رقيق، طابَ الصباحُ بطِيب الرَّفيق!»

ردتْ برقَّة تليق بها. اقتربت أتناول الورقة من يدها أعقد حاجباي بقلة حيلة لعَرض الجدول وطول محتواه، وضعتها على الطاولة لأسحب القلم من أذنها أخُطُّ بينما أعاتبها بلُطف: «متى ستتوقفين عن حمل الأعباء وحدك؟ لقد اتفقنا على ترتيب المكتبة معًا يا إيلين!»

-«بدَوتِ منهكة من إنجاز مهامك فقُلتُ أخفف عنك.»

أجابت بينما تنزل كُتبًا من على الرّف، فما كان مني سوى توجيه نظرة شاكرة تكررها هي، ثم جاورتها نُفرغ الرفوف.

على رفِّ يعلوني طولًا؛ كُتب مرصوفة بشكل عرضيّ فوق بعضها، وقفتُ على أمشاط قدميّ بينما أطرافُ أصابعي تسحب المجموعة، يا إلهي! أسأتُ تقدير وزنها! ما إن هبطتْ الكُتب على يديّ حتى فقدتُ شيئًا من توازني لأترنح مسقطةً معظمها!

-«حذارِ! أنتِ بخير؟!»

فزعتْ تتفقدني، فأومأتُ معتذرة ثم جثونا نجمع ما سقط، لاحظتُ يديّ إيلين التي توقفت عن الحركة، وعيناها متجمدتان على كتاب مفتوح عن يمينها، أخضرُ الغلاف ثخين، وضعتُ يدي على كتفها فلم تستجب! قلقتُ مقتربة أكثر لأرى ما أصابها:

«إيلين! ما أصابك؟! إيلين؟»

لا رد! قرعت طبول صدري! عاينتُ وجهها فإذا بحاجبيها ملتقيان وعيناها ساكنتان مغيبتان عن العالم وبين شفيتيها فُرجة بسيطة؛ ملامح شخص مندمج!

خامرني الفضول لأسلط ضوء مقلتي علاما تراه، خطُّ الكتاب ينبئك بقِدَم إصداره، أخذتُ أدحرج عيناي على السطور ثم...

رعشة على طول عمودي الفقري، ثم سطوع يعمي البصر وخِفةٌ في جسدي، لحظاتٌ سكنتُ فيها برهبة حتى فتحت عيني بحذرٍ لتتسعا على مصراعيهما، صحراء؟! كيف وأين ومتى؟

رمال ذهبية، لهيبُ لافح، سماء كصفحة زرقاء لا تشوبها شائبة غيم، نظرتُ من حولي بتشتت بحثًا عن تفسير، فصدح من خلفي:

«هنا يا بَرِيقْ!»

استدرتُ نحوها دفعة واحدة ولا أدري أي رد فِعل أصيغ! الأسئلة تتزاحم في عقلي، ولكن قد أُجيب على أهمها وأنا أراها تركض نحوي إذ تبدو على ما يُرام، لكن ملامحها قلقة!

نَسِيجُ الأحرُفِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن