نَسِيجُ الأحرُفِ.

لماذا ننام؟

بقيت أتقلب في سريري أحاول مجابهة سلطان النّوم كعادتي، لكن لا نوم يأتي ولا استرخاء، لذا اتجهت إلى المكتبة وظللت أبحث عن كتاب، وجذب انتباهي كتاب ضخم لم أره من قبل، لذا، أخذته وأنا أتجه للمطبخ فالأغلب نائم وخفاشنا في إجازة، كان الوقت ليلًا ولا أحد مستيقظ غيري، لكن تنهدت وأنا أفتحه وأبدأ في قراءته.

دق أذان الفجر، ونشر سكينته في الأجواء، وتسللت أولى أشعة الشّمس من نافذة المطبخ، دخل أحدهم إلى المطبخ، لم أشعر به في أولى اللحظات حتى ربت على كتفي بهدوء وهو يقول
-ليلو، استيقظي.

فتحت عينيّ بصعوبة بالغة، بينما تحرك هو وأعد كوبين من القهوة، منحني أحدهما فشربته وأنا غير واعية بما حولي، نظر إلى الكتاب الذي فُتح على آخر صفحاته وهو يقول:
-متى نمتي بالأمس؟

هززت كتفيّ بعدم معرفة وأنا أكمل ارتشاف كوب القهوة، فابتسم بسخرية وهو يقول:
-مضحك أنك تقرئين كتابًا اسمه لماذا ننام وأنت لم تنامي بالأمس.

تحفزت فجأة لعنوان الكتاب، فدب الحماس في أوصالي وأنا أمسك الكتاب وأقلب صفحاته وأنا أقول:
-تعرف؟ اكتشفت أن للنوم أثرا بالغا على أفكارنا وأسلوب حياتنا وحتى إبداعنا! اسمع هذا، عبّر الكيميائي الرّوسي الشّهير، ديميتري مندلييف عن ذلك قائلًا:
«رأيتُ في الحلم جدولًا يحتل كلُّ عنصر مكانه فيه على النّحو المطلوب تمامًا. وعندما استيقظت دونته فورًا على ورقة. لم يستوجب ذلك الجدول أيّ تصحيح لاحقٍ إلا في مكان واحد»
على الرّغم من وجود من يشككون في كمال ذلك الحل الّذي جاء في الحلم، فما من أحدٍ يشكك في الدّليل على أنّ مندلييف قد توصل إلى صيغة الجدول الدّوري في ذلك الحلم.

وضعت الكتاب جانبا وأنا أقول:
-في أولى الفصول يناقش الكتاب سؤالا مهما، هل يمكن للنوم أن يقتل؟ وإذا استثنينا حالات القيادة أثناء النعاس، أجل يمكن قول هذا، هنالك اضطراب جينِيّ نادر جدًا يبدأ بظهور حالةٍ متفاقمة من الأرق في أواسط العمر، وبعد انقضاء شهورٍ من تطور هذا المرض، يكفُ المريض عن النّوم تمامًا، في هذه المرحلة، يكون قد بدأ خسارة كثيرٍ من الوظائف الأساسية للدماغ والجسم، ما من أدويةٍ معروفةٍ الآن يمكن أن تساعده في النّوم، يموت المريض بعد اثني عشر شهرًا، أو ثمانية عشر شهرًا من عدم النّوم، صحيح أنَّ هذه الحالة شديدة النّدرة، لكنها تثبت أنَّ قلة النّوم يمكن أن تقتل الإنسان!

ابتسم بسخرية وهو يقول:
-هل لاحظت أنّك تحرقين علي  الكتاب؟

رفعت حاجبي وأنا أقول
-حرقت ماذا؟ عزيزي هذا الكتاب 510 صفحة، يناقش النوم وطرقه وآثاره وحتى أسبابه.

وضع يده على رأسه بصدمة وهو يهتف:
-إيلي! هل قرأت 500 صفحة خلال ليلة أمس!

ابتسمت وأنا أقول: 
-ليس تماما، باقي لي ٥٠ صفحة سأنهيها الآن.

نظر بصدمة لي ثم سحب الكتاب من بين يدي وهو يقول:
-لا قراءة لك، عودي إلى غرفتك وخذي قسطًا من الراحة، لدينا عمل يا فتاة!

سحبته بدوري وأنا أقول:
-خمسون صفحة لن تضر، أعطني إياه.

-في أحلامك، إلى غرفتك ولا أريد رؤيتك مستيقظة، خذي قسطا من الراحة قبل العمل.

زممت شفتي بعدم رضى، لكني قمت بذلك بهدوء، على أي حال أعتقد أن لدي نسخة في مكتبتي، وأنتم يا لآلئ؟ هذا الكتاب من أدسم الكتب التي قرأتها يوما، لكن له أهمية كبيرة جدا في حياتنا اليومية، استمتعوا به.

-إيلين