«وقد أجمع عقلاء كل أمة على أنَّ النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأنَّ من آثر الراحة فأتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة..
فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له...
بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله»...ابتسمت وأنا اسمع ذات البريق تتلو علي من كتابها المفضل، كتاب ابن القيم، مفتاح السعادة، لكن قلت لها وأنا أفكر
«هذا الكلام يبدو مألوفا لي»قلتها وأنا أقف متجهة إلى مكتبتي الصغيرة التي تحتل جزءًا معتبرًا من غرفتي، صحيح لا تقارن بمكتبة اليم العظيمة،ولكن لها مكان شاسع في قلبي، مررت يدي بين الكتب حتى اهتدت لكتاب أبيض ناصع به بعض الأزرق، ابتسمت وأنا أفتح الصفحة لأقرأ نفس ما تلته علي قبلا، فسألتني بفضول
«ما محتوى الكتاب؟»فتحت صفحة وبدأت أقرأ لها
«تتساءل توينج في كتابها (جيل التقنية: لماذا يكبر أطفال اليوم أقل ثورية، وأقل تسامحا، وأقل سعادة، وغير مؤهلين تماما لمرحلة الرشد؟!): هل ينبغي أن نقلق بخصوص هذا الجيل من الشباب الهش؟ نحن يمكننا أن ننتظر حتى يكبر هؤلاء الشباب القابلين للكسر ولا نقلق كثيرًا حول أثرهم الأوسع على المجتمع. لكن، يلاحظ المراقبون أن هذا الشباب رقيق الإحساس، تزداد رقته يوما وراء يوم، ويزداد طفولة ودلالا في مواجهة خشونة ومشاكل الحياة الحقيقية»ابتسمت بتحير وهي تقول
«ما هذا الاسم الطويل؟"»فضحكت بدوري وأنا أجيبها
«الكتاب يناقش واحدة من أكثر الظواهر المنتشرة في الجيل الحالي، ظاهرة الهشاشة النفسية»«وما هي الهشاشة النفسية؟»
وضعت كتابي جانبا وعدلت جلستي في ركننا الخاص وأنا أقول
«عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة تجعلك تؤمن أن ما حدث لك أكبر من قدرتك على التحمل، فتشعر بالعجز والانهيار عند حدوث المشكلة وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي، وإنَّما هي أوصاف سلبية لا وجود لها إلا في مخيلتك فتزيد من معاناتك فقط لأنك تشعر أنها أكبر من قدرتك على التحمل مع أنها ليست كذلك في الواقع.
هذا التضخيم يجعلك تغرق في شعور التحطم الروحي والإنهاك النفسي بلا سبيل للخروج منه، وتحس على الفور بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تماما، وتستسلم لألمك وتنهار حياتك بسبب هذه المشكلة.»«لكن أليست هذه عادات الجيل الجديد كاملًا؟»
ابتسمت وأنا أقول
«حسنًا، نحن جيل حساس بالفعل لذا، تنتشر هذه الظاهرة فينا انتشار النار في الهشيم، وفي البداية ظننت أن هذه الظاهرة أجنبيه حتى اكتشفت أنها تنتشر لدينا نحن العرب بصورة أكبر»«كيف هذا؟»
"إذا لاحظت، أصبح هذا الجيل ينصرف عن القضايا المحورية بصورة مزعجة، حيث أصبح أغلب الاهتمام بما يسمى هذه الأيام، التنمية البشرية، لست ضدها للأمانة، بل وأحبها، لكن ليست بالصورة المعروضة، حيث أصبح هذا مزعجا في مرحلة ما»
همهت ذات البريق وهي تقول
«لديك نسخة منه؟»«أجل، استمتعي بقرائته»
قلت هذا وأنا أعطيها كتابي ووجدتها تهمس
«الهشاشة النفسية، إسماعيل عرفات، مثير للاهتمام»قالت هذا قبل أن تضعه جانبا لنكمل سهرتنا.
-إيلين
أنت تقرأ
نَسِيجُ الأحرُفِ.
Misteri / Thrillerلكلِّ كتابٍ أو روايةٍ أو حتَّى أقصوصةٍ جوانبٌ تختلفُ من شخصٍ إلى آخر، بحسبِ وجهةِ كلِ واحدٍ، فتعال معنا نأخذكَ إلى وجهةٍ لم تكن تراها في كتابٍ قرأتَه، أو تتعرّفَ على جوانبِ كتابٍ لم تقرأْهُ بعد، فلا تدري لعلّنا نشدُّكَ إليه. هنا حيثُ لا قيود للرأي،...