أولاد حارتنا

8 1 0
                                    

كعادتها آناء الليل، كانت تجلس بوضعية مقلوبة وتقرأ كتابا، بينما يقرأ كاز في جريدة ما، وتسهر شفق على عملها، هتفت بضيق عندما سحب أحدهم الكتاب من يدها، فأتاها صوت إحداهن وهي تقول:
«لا تقرئي هذا الكتاب، عليه جدل كبير»

رفعت حاجبها وهي تقول:
«جدل ماذا؟»

«يقولون أنها تسيء إلى الله والدين»

أخذت الكتاب بحرص وهي تفتح صفحة تقول
«يقول محمد سليم العوا:
هذه الرواية ثار حولها جدل لم يثر مثله حول رواية عربية معاصرة، أحد جوانب هذا الجدل كان يثور . ولا يزال . حول ما إذا كان نجيب محفوظ يرمز بشخصيات روايته إلى الله تبارك وتعالى وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومسألة الصراع المفتعل بين العلم والدين وهي مسألة أجنبية عن ثقافتنا العربية والإسلامية.
والرمز كله يحتمل التأويل، وما كان محتملاً للتأويل يجب حمله على أحسن وجوهه. وقد قال محفوظ نفسه إن الرواية تصور حارة مصرية تماما ، ووقفا قديما لصالح أبناء الحارة يتصارع عليه فريقان أحدهما شرير والآخر طيب. والسؤال الذي كان يحاول توجيهه إلى حكام مصر من رجال الثورة هو: «مع أى فريق أنتم؟»

ابتسمت وأنا أقول
«كما قال نجيب محفوظ: حتى رواية أولاد حارتنا،  التي أساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية، ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به أحداثها، أن الناس حين تخلوا عن الدين ممثلاً في «الجبلاوي»، وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلا في «عرفة» أن يديروا حياتهم على أرضهم التي هي حارتنا،  اكتشفوا أن العلم بغير الدين قد تحول إلى أداة شر، وأنه قد أسلمهم إلى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم،  فعادوا من جديد يبحثون عن «الجبلاوى».»

جلست الاخرى بفضول وهي تقول
«حدثيني عنها»

فابتسمت بحماس وانا أعدّل جلستي قائلة:
«تتحدث القصة عن الجبلاوي، رجل صالح له قرية، وأبناء يحب أحدهم وهو ابنه من جارته، وعندما وقت التقسيم، أعطاه والده إدارة ممتلكاته، فغار الأكبر وتجاوز على أخيه، فطرده والده من بيته، تزوج الآخر وعمل في الحساب لوالده، لكن يومًا ما، وسوس له الأكبر، وحاك الحيلة ليطرد هو أيضًا من حكم والده، عاشا خارج القصر، وأصبح لكل منهم أبناء، تزاوجوا في بعضهم، أحدهما يمثل الشر، والآخر يمثل الخير، وبقي الجبلاوي بعيدًا، جيل بعد جيل، كان هناك أشخاص، يقابلون الجبلاوي شخصيًا، فيعملون على حشد الناس و تشجيعهم، لكن سرعان ما ينجحون، ويموتون بعدها، لينسى الناس بعدها، ويعودوا إلى الظلم والذل، وهكذا ظلوا جيلًا بعد جيل، تروي الرواية القصة بتفاصيلها، وما حدث لأولئك الشّبان»

ابتسمت الّتي أمامي بتحير وهي تقول:
«يبدو أنّها رموز فعلًا.»

فقلت بصوت متحمس:
«ليس يبدو بل هي، فقد رمز نجيب محفوظ للكل برمز، لا نحتاج طبعا لوصف عن نجيب محفوظ فهو ابو الرواية، يمكنك قراءة الكتاب أوشكت على الانتهاء.»

ابتسمت التي أمامي بحماس وهي تشكرني

-إيلين

نَسِيجُ الأحرُفِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن