غُربة الياسَمين

34 4 0
                                    

كعادتها، لطالما أحبت إيلين السكن بين أروقة مكتبة اليم التي لا تنفك تجود على الأعضاء بأشكال العلم والمعرفة، كانت تقرأ كتابا بينما كعادتها تجلس مقلوبة وقدميها على الحائط، توقفت عن القراءة عندما لاحظت أحدهم يضرب كفيه بحسرة وهو يشاهد التلفاز، فعدلت جلستها تنوي معرفة ما يزعجه، وقد ظهر لها الخبر بوضوح

«إلقاء القبض على «إرهابي» مدينة كان، وقد أسماه الناس «ممثل العرب» قالت متحدثة باسم الشرطة الفرنسية، الأربعاء، إن سلطات مكافحة الإرهاب ألقت القبض على فتى يبلغ من العمر 16 عاما بعدما قال على مواقع التواصل الاجتماعي أنه يريد أن يموت «شهيدا« خلال أحداث مهرجان كان السينمائي.»

ابتسمت بأسى، بينما تم بث ذلك التسجيل الذي قال فيه هذا، وقد كان واضحًا أنه يمزح ويسخر مع رفيقه فقط، ولكن يبدو أن لسانه قال ما لا يجب قوله، وضعت يدها على كتف المتحسر قربها قائلة
«لا بأس، سيفهمون لوحدهم في يوم ما»

عقد حاجبيه بانزعاج وهو يقول
«إلى متى ليلو؟ إلى متى؟»

«إلى أن يظهر الحق ويدحض الباطل، تذكر، سيظهر الحق مهما تأخر»

زفر كأنه يزفر هم كل عربي سكن في تلك الدولة ثم قالت
«تعرف؟ أقرؤ كتابا يناقش هذه القضية»

لمعت عينيه بحماس وهو يحثها على الإكمال فقالت
«يروي الكتاب أكثر من قصة، ولأكثر من بطل، لكنه يبدأ برواية قصة ياسمين، فتاة حلوة كزهرتها، سافرت لفرنسا حتى تقيم مع والدها كمال عبد القادر، لتستكمل دراسة الدكتوراه، يوجد أيضا رنيم، الفتاة التي دخلت في المجتمع الفرنسي قلبا وقالبا حتى بنت لنفسها مكانا جبارا فيه، ومعهم شخصية مختلفة، عمر الرشيدي، العالم الذي رفض ذلك المجتمع بكل جوارحه، لكل منهم قصة، ياسمين وهي تبحث عن الاستقرار، والراحة، ورنيم وهي تبحث عن الجموح وما يغذي روحها التي تهدف إلى اللمعان والتميز، وعمر الذي سيتعرض لأسوأ ما يتعرض له شخص، حيث حدث تفجير في المصنع الذي يعمل به، وتم اتهامه به واعتبر إرهابيا، وهنا تقاطعت شخصيات شخوصنا، حيث ستحصل ياسمين بفضل والدها على فرصة في باريس، ويرغب القدر بأن تسكن مع رنيم في شقة واحدة، ورنيم محامية، تعمل على قضية عمر الرشيدي»

ابتسمت وهي تقول هذا، ثم قلبت صفحات كتابها سريعا وهي تقول
«من أجمل الاقتباسات التي قرأتها في هذا الكتاب، قول هيثم لياسمين عندما وصلت لحافة الانهيار
- كنت أستفزك ألم تفهمي ذلك؟ الاندماج؟ دعي عنك تلك الكلمات الجوفاء التي يتشدق بها الفرنسيون وهم لا يعنونها على الإطلاق! حتى بالنسبة إلى من ولد ونشأ على الأراضي الفرنسية ودخل مدارسها وخالط أهلها لعقود، ليس الأمر تلقائيا ولا يسيرا، لكي تندمجي يجب أن تكوني بيضاء البشرة زرقاء العين وشقراء الشعر، وأن تفعلي كل ما يُطلب منك ويفترض بكل فرنسي أصيل أن يفعله تسهرين وترقصين، تصاحبين وتشربين الخمر، ومع ذلك يمكنك أن تنتظري لوقت طويل حتى تحصلي من هذا المجتمع على شهادة حسن سيرة لذلك فإن الاندماج الذي تتحدثين عنه هو مجرد وهم، مجرد كونك مسلمة يعني أنك لن تسمحي لنفسك بالذوبان في مجتمع لا دين له، بل من واجبك ألا تفعلي هنا تعيشين صراعًا بشكل يومي للبقاء والاستمرار وحماية ثوابتك، قد تمر عليك أوقات تترنحين فيها وتوشكين على السقوط، لكن عليك مواصلة الطريق والحفاظ على احترامك لنفسك، لأن تخليك عن هويتك يعني ضياعك إن لم تكوني نفسك، فلن تكوني شيئًا على الإطلاق»

ابتسمت برضى عندما رأت الحماس يبدو على وجهه فقدمت إليه الكتاب قائلة
«أنهيته استمتع به»

ابتسم بدوره وهو يمشي يده على الغلاف ويهمس
«غربة الياسمين، خولة حمدي»

-إيلين♡

نَسِيجُ الأحرُفِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن