جلستُ على بساطِ الحديقة أتأمّل كل شيءٍ حولي، الأطفال يلهون بلا كلل أو ملل، والكبار يتحدثون في أمور شتى، اتخذت كل مجموعة منهم ظل شجرة كمقر لهم يشركون الشجر في حديثهم، لكن استوقفني منظرٌ غير مألوف في هذا الزمن، طفلة صغيرة، ربما في الحادية أو الثانية عشر، تُمسك كتابًا بين يديها، اقتربت منها وأنا أرسم بسمةً ودودة على شفتيّ، وسألت بفضول."ماذا تقرئين يا حلوة؟"
ابتسمت الطفلة ومدت كتابها لأرى العنوان قائلة
"زهرة رنيم"
كسى الفضول وجهي فأنا لم أرى هذا العنوان سابقا، فسألت
" عن ماذا يتحدث؟"
أغلقت الطفلة كتابها وتركته جانبا ثم قالت بحماس فائض
"تتحدث تلك الرواية عن زهرة مميزة، اسمها زهرة رنيم، لا تنمو إلا عند الشخص ذو الصفات الحميدة، وحاول الملك يوما زراعتها في حديقة قصره، لكن الزهرة المسكينة لم تتحمل ذلك المكر والخداع الذي يتجول في أروقة القصر الملكي، فماتت في اليوم التالي، مما أغضب الملك فأمر بإبادة هذه الزهرة من كل مكان في المملكة، وهنا تحاول رنيم مع والدها البحث عن طريقة لإنقاذ الزهرة من بطش الملك."
ابتسمت بهدوء، وقد آخذني شيء غير هذه القصة المشوقة، جذبني أسلوب الطفلة الذي يتجاوز عمرها بكثير، فبدا لي وكأني أحادث شخصا من عمري وليس طفلة صغيرة، سألت مرة أخرى وأنا أطمع لحوار دافئ مع فتاة يبدو لي أنها تملك الكثير في جعبتها
" وما رأيك في هذه القصة يا حلوة؟"
"يمكنني القول أنها رواية للناشئة، لكن الموضوع الذي تلمح إليه القصة أو تعالجه يرتفع فيه الوعي ليحولها إلى قصة أكبر من اهتمام الناشئة فهي رواية تصلح للكبار أيضا وهذه ميزتها.. هذه الرواية تحرك الفكر إلى ما هو أبعد من الظاهر، فما الذي يمكنه أن يثمر وسط الصدق والأمانة ولا غيرهما؟ هل هو الكرامة أم الحرية أم هل هو الإنسان نفسه؟ هل زهرة رنيم هي ذلك المواطن الذي لا يعيش إلا في موطن صدق ولا يزهر فكره وعقله إلا فوق تراب الأمانة والعدالة؟ لم تقدم الرواية نهاية واضحة، إلا أنها جعلت احتمال الحياة بشروط البقاء الراقية والضرورية واردا، يمكن انتشارها ويمكن العثور على طريقة لاستمرارها وإن كان ذلك بمحض الصدفة، لكن المهم في كل هذا هو أن الإيحاء بضرورة مراعاة القيم والاجتهاد لإبقاء الضمير الإنساني ماثلا أمام أي سلطة أو سطوة في الحياة هو الهدف الذي تقف عليه أبعاد القصة التربوية والفكرية.
إن المتعة الحق في هذه الرواية هي أنكِ سوف تفكرين مليا، وتقرري إن كان قد حان الوقت لتقفِ صارمة من أجل تغيير محيطك، أم أنك ستظلين بعيدا عن سيرورة الحياة تترقبين آخرا، أكثر وعيا وشجاعة كي يفعل؟"
ابتسمت باتساع لها، وفي داخلي كنت مندهشة، كيف لها أن تتحدث بهذا النضج والتميز؟ وقبل أن أخرج من صدمتي لأسال حملت كتابها وسلمته لي قائلة
"يجب أن أذهب الآن، تأخرت على المنزل، أنهيت الكتاب يمكنك أخذه آنستي"
ثم ولت مدبرة، وعلى آخر لحظة صرختُ سائلة
"ما اسمك يا صغيرة؟"
التفتت وردّت عليّ بصوتٍ يماثل علو صوتي
"رنيم!"
~إيلين♡.
أنت تقرأ
نَسِيجُ الأحرُفِ.
Misterio / Suspensoلكلِّ كتابٍ أو روايةٍ أو حتَّى أقصوصةٍ جوانبٌ تختلفُ من شخصٍ إلى آخر، بحسبِ وجهةِ كلِ واحدٍ، فتعال معنا نأخذكَ إلى وجهةٍ لم تكن تراها في كتابٍ قرأتَه، أو تتعرّفَ على جوانبِ كتابٍ لم تقرأْهُ بعد، فلا تدري لعلّنا نشدُّكَ إليه. هنا حيثُ لا قيود للرأي،...