21

12 5 1
                                    

لاحظت أنها توقفت أمام لوحة ما و هي تراقبها بخشوع و تركيز كبيرين.

كانت عبارة على لوحة كبيرة تتوسطها أشكال غير متناسقة، تمتد من أعلى الزاوية اليسرى إلى أسفل الزاوية اليمنى، وكأنها تمثل شقوقًا عميقة.

تبدأ الألوان التي استخدمت فيها بدرجات داكنة من الرمادي والأسود، ثم تتدرج بعد ذلك ببطء إلى درجات حمراء ونارية، وكأنها تعبر عن الصراعات الداخلية التي تتصاعد تدريجيًا نحو الانفجار.

في وسط اللوحة، يظهر وجه غير مكتمل، ملامحه مشوشة وغير واضحة، وكأنه يتلاشى وسط فوضى الألوان.

كانت عيونه مليئة بالقلق، لا تنظر إلى أي مكان محدد، لكنها تحمل نظرة عميقة تعكس حالة من الضياع والفراغ . في حين أن بعض أجزاءه تبدو مشوهة أو مكسورة، وكأنها تحكي قصة الصراع الذي يحدث في داخله.

بينما الجزء السفلي من اللوحة كان مليءا بخطوط حادة ومتشابكة، تشبه الأيدي المتشابكة أو الأسلاك التي تعيق الحركة، مما يعطي انطباعًا بالقيود الاجتماعية التي تفرض على الفرد... و بين تلك الخطوط، تظهر رموز متناثرة تعبر عن مشاعر مختلطة من الخوف والغضب، ولكن أيضًا بعض الأمل الضعيف الذي يحاول الظهور وسط كل تلك الفوضى.

النظرة الأولى للوحة قد تشعر الشخص العادي بالاضطراب والتوتر، فهي تتركك مع إحساس قوي بأنك قد شاهدت شيئًا يعكس واقعًا مؤلمًا و مأساويا ...

قالت دون أن ترفع عيناها عن اللوحة"هذا العمل يعبر عن الاضطراب الاجتماعي بطريقة مدهشة. أشعر أنه يحمل الكثير من المشاعر المعقدة."

راقبتها مطولا ثم سألت" أ أحببتها ؟ "

قهقهت بخفة مجيبة " لماذا ؟ أ ستهديني إياها لتثير إعجابي مجددا  "

هززت كتفاي بابتسامة هادئة" ربما ! من يدري؟ "

ردت بثقة" لا تفعل ، فأنا لن أقبل ذلك "

" حسنا ، أنتِ أدرى "

تقدمت خطوة نحو اللوحة، متأملة فيها مرة أخرى. كانت تتمعن في التفاصيل، وكأنها تبحث عن شيء ما، ربما إجابة، أو ربما معنى مخفي، لم أكن متأكدا ...

قلت بهدوء: "هل ترين نفسك فيها ؟"

نظرت إلي للحظة، ثم أعادت بصرها إلى اللوحة. "ربما نعم. تلك الفوضى، تلك التناقضات... تشبه كثيرًا ما أشعر به في الداخل."

صمت للحظات و أنا أحاول إيجاد جملة تناسب الموقف "صدقيني روز، حتى وسط كل هذا الصراع، يمكنك أن تجدي طريقك للخروج ."

ابتسمت ابتسامة صغيرة . "ربما. لكن ليس بالسهولة التي تتصورها."

اقتربت منها و أنا أشعر برغبة ملحة في مواساتها، لكنني اكتفيت بالصمت. أدركت أن هذا المعرض لم يكن مجرد مكان للرسومات، بل كان انعكاسًا لروحها، لصراعاتها الداخلية والخارجية.

"لن أشتري اللوحة لكِ" قلت بلطف، "لكن كوني متأكدة أني سأظل هنا بجانبكِ إلى أن تجدي مخرجك من هذه الفوضى."

نظرت إلي مطولا بعينين مليئتين بالامتنان، ثم قالت بهدوء: "استمر على هذا النحو ، فأنا على شفى الوقوع بحبك ."

يتبع ...

مَشَاعِرٌ وَرَقِيَّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن