2

50 6 20
                                    

لقد أسعدني للغاية كيف صارت زبونة وفية لمقهانا ، و هذا جعلني أتطلع شوقا لعملي هذا ، بعد أن كنت أخطط للاستقالة مجددا.

و أسعدني أيضا أننا لم نعد غرباء كالسابق بعد أن صرت أحجز طاولتها المفضلةَ القريبةَ من المكتبة ، لذا كانت تشكرني دوما ببعضِ الشوكولا الداكنة.

و كان ذلك الموقف يصنع يومي حقا
.
.

أوقفتني في أحد هذه المرات بهمسها بعد أن أحضرت طلبها و كنت بصدد الرحيل

'ششششش'

تلفت نحوها و أنا أشعر بدقات قلبي تقرع في حلقي ، أشرتُ لنفسي إن كنتُ من تقصده لتومأ بنعم ، ثم أردفت بعد أن اقتربتُ من طاولتها 

' ما اسمكَ يا فتى '

أجبتها و أنا أحاول إخفاء كم المشاعر المتضاربة بداخلي

'جوشوا ، يمكنك مناداتي ب جوش'

ابتسمت بإشراقٍ و هي تُظهر صف أسنانها اللؤلؤية المرتبة بعنايةٍ ثم أخرجتِ يدها من جيبها لتصافحني 

'تشرفت بمعرفتك ، أنا روز'

وددت بشدة إخبارها أن اسمها يليق بها جدا  ، لكني لم أستطع ... لم أرد أن أجعلها تشعر بعدم الراحة في حديثنا الأول ، لأكتفي فقط بمصافحتها مبادلا إياها الابتسامة بسرور .

بعد ذلك صرنا ندردش قليلا حين أحضر طلبها لكننا لم نكن مقربين كفاية لنسأل بعضنا أسئلة شخصية ، لذا لم أستطع معرفة طبيعة عملها ، حالتها الاجتماعية و حتى عمرها الحالي، لكني رغم ذلك كنت مكتفيا بأحاديثنا الصغيرة تلك .

أحببتها من بعيد ، لم أتنفس عطرها أو أحظى بشرف لمسها و لكن لطالما احتضنتها عيناي  كلما رأيتها

.
.
.
في أحد المرات أتت إلى مكان جلوسي لتسألني عن كتاب أرشحه لها ، و أنا ناولتها ذاك الكتاب الذي لاحظت أن أغلب زبائننا مولعون بقراءته ، لأني اعتقدت أنها من مفضلي الروايات العاطفية

لكنها صدمتني بعد أن قرأته بكلامها هذا

" ما ذلك الكتاب الرديئ الذي رشحته لي"

قهقهت بخفة و أن أتساءل

" لم يعجبكِ ؟ اعتقدت أنه سينال إعجابكِ فقد لاحظت أنه قد راق لأغلبية زبنائنا "

ردت بتأنيب

" كوني فتاة ، لا يعني بالضرورة أني أفضل الروايات العاطفية "

اعتذرت بلباقة

" أنا آسف ... "

" ليس بالشيء الكبير ، لست أنتقد التصنيف العاطفي لكني أكره روايات العصر الڤكتوري "

تساءلت و أنا أراقبها باهتمام

" لم ؟ "

تنهدت وهي تعقد حاجبيها بحنق

"أكره كيف أن النساء في ذلك الوقت كانوا كشموع الزينة ، ليس لهن أي دور فعال في المجتمع عدى أدوارهن التقليدية كالزواج وتربية الأطفال ، لا يتحصلون على أي تعليم أو تثقيف لأن العلم آنذاك كان حكرا على الرجال فقط . و مجرد التفكير بهذا أجد نفسي منفعلة فما بالك بقراءة رواية بأكملها تتبنى نفس المعتقد "

حاولت تهدأتها قائلا

"أفهم تماما مشاعرك ، لكننا لا ننكر أيضاً أنها في الحقيقة تعكس فقط الواقع الاجتماعي و الثقافي لتلك الفترة ، ربما تكون أداة قوية لفهم التطور الاجتماعي و الفكري ... "

اتجهت نحو رف الكتب و أنا أبحث عن كتاب ما ، لأبتسم بخفة بعد أن وجدته أخيرا

" علاوة على ذلك بعض هذه الروايات قد تتضمن نقدا غير مباشر لتلك القيود ، كهذا مثلا "

راقبتني بابتسامة و هي تسأل

"أ سبق و أن قرأته أم زبنائكم من فعلوا  ؟ "

قهقهت بخفة و أنا أنفي ب كلا

" أثق في أنه سينال إعجابكِ ، فأنا أملكُ ذوقا صعب الإرضاء"

ابتسمت بإشراق و هي تمسك الكتاب من يدي ، و أنا بعدها عجزت عن التحكم بنبضات قلبي السابقة.

أ تدرك أن ابتسامتها هذه تشعل أملا زائفا في قلبي ...

يتبع ...

مَشَاعِرٌ وَرَقِيَّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن