"26" الرسالةُ الثالثة وَ الأخيرة

3 1 0
                                    

وَ هنا تكتب آخر وصمات العمر هذا، أيا آخر آمالي، تبخر ضوء عيناكِ من دياجير أيامي..

ألا يصل المرء إلى ما جاهد إليه؟
أين جزاء الركض طيلة السنين هذه؟

ثم أنني لا أملك من القوة ما يكفي لأواجه رفضكِ أمام مرئ عيناي أخترت أن أكمل رسالتي، ستتلقينها، لكني لن أكون هنا، سأترك البلد وَ أسافر إلى لندن، تنازلت عن أحلامي كي لا أكون كابوسكِ، وَ بعد أن قرأتي الرسائل السابقة وَ أصبحتي الآن تعرفين من أكون، أود الأعتذار منكِ على كل شيء، وَ شكركِ كذلك، فلولا حنينكِ الذي يغفو في أيسر صدري لما كنت لأصمد لليوم هذا، لولا البريق الذي طمحت بالوصول إليه لنطفئت أضوائي هذه، بينما تقرأينها أنتِ الآن، أنا أتجول في شوارع لندن كبائسًا يناجي الحياة بأن تقف، كمختلٌ يخيل له شوقه أنكِ هنا، يداكِ بيدي وَ الحب ثالثنا، تهف الرياح لتأتي بنسماتٌ تتسابق مع خصلات شعرك السوداء فتلطم وجهي، تلتف حولي، تسحبني نحو جنانٍ عبقها ريحانٌ يختنق في صدري، لكنكِ هناك وَ أنا هنا، لكنكِ يائسةٌ كحالي، أشعر به يهرب منك ليستوطن قلبي، أو قسرًا أقنع نفسي أنني أستطيع انتشاله منكِ فلا أريد بمزيدًا من الآلام أن أتسبب بها لكِ

دعيني أخبركِ في الآخر أنني أحببتكِ مذ كنت ضحيتهم وَ بقيت وَ سأبقى، وَ أخبري ألب أن يبقى مهتمٌ بكِ كما عاهدني قبل وَ دعيه يخبرك عن أمرّ صداقتنا بالخفية منكِ، كونوا جميعكم بخير، وَ في النهاية لن أقول وداعًا أو حتى إلى اللقاء فكلاهما كذبٌ لأنني لم أبتعد عنكِ، أنتِ هنا داخلي، داخل روحي..



بقيت يومان أفكر فيما قاله الطبيب لي، بدأت أتعافى من هول الصدمة قليلًا، تقبلت موت كيارا لكن روحي لا زالت تختلج ألمًا عليها، لم يأتي أحد لزيارتي، وَ لم أرى الطبيب مرة ثانية، كل ما أعرفه أن اليوم آخر يومٌ لي هنا وَ غدًا سأخرج من هنا لأواجه الحياة من جديد لكن بكيانٍ ثاني، عزمتُ على الوقوف من جديد، وَ قررت أن أول خطوةٌ سأدرجها حين خروجها هو تبني إيميليا، وَ أبقائها معي ربما هذا يخفف من شعوري بالذنب حول عدم قدرتي على إنقاذ كيارا، كذلك سأعود للعمل وَ سأهتم بآشلي ففي الفترة الأخيرة أهملتها كثيرًا، سأحط حدًا لعلاقتهما هي وَ ألب فيكفيهما لهوًا وَ شجارًا، ترتبت أفكاري وَ رأيت طوق نجاتي من الشوق لكيارا بين أيدي إيميليا، رسم المستقبل أمامي، بيتٌ دافئ ممتلئ بقهقهات الأطفال، إيميليا وَ ما ستهديني إياه آشلي مقابل صبري عليها، تبسمت مجرد تخيلي للمشهد رفرفت روحي، لمعت عيناي وَ تذكرت إدري فشعورٌ غريبٌ راودني، أتساءل ما الذي سيحدث له، هل ستنقطع سبل الوصال بيننا، أشعر أنني ألفت وجوده، لا يهم، كل ما يهمني الآن سعادة عائلتي تنهدت بخفة أرخي رأسي على الحائط خلفي أسدلت جفناي، لأعاود فتحهما بسرعة، لقد تجسد أمامي وَ سرعان ما أردكت أنه طيفٌ من أوهامي، ما بي لمَ أفكر به؟
قاطع سلسلة أفكاري صوت فتح الأقفال ليذلف بعدها الشرطي وَ عرفت قبل أن يتكلم أنه سيخرجني لزيارة أحدٌ ما لكنه خالف توقعاتي فأخبرني أن الطبيب ذاته بأنتظاري، وصلت إلى مكتبه وَ دخلت بينما بقي بالخارج ينتظرني، دخولي كان مختلف هذه المرة أكثر أشراقًا، وَ بسمةٌ لم تفارق شفتاي لأدراكي أنني لست وحشٌ كما ظننت، سبقت الطبيب لأخبره بشعوري قبل أن يطلب..

زهقٌ مُتوارٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن