الفصل السابع عشر

5.7K 418 98
                                    

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "

‏وكم تمنيت لو أنّ الحياة اختبرت صبري في أشياء أخرى غير قلبي ..
وكم تمنيت لو أن أحدهم يرى ذلك الجدال المكتوم في عيناي...
تمنيت طويلا ..
أن يكون لدي شخص كلما هزمتني الحياة ..أذهب اليه..
لقد ظنَنّا أنَّ العِتاب هوَ الحَل.. ولكن خابَ الظّن وفهِمنا مُؤخّراً أنّ الصَمتُ أقوَى والعين تَنطُِق مَا يعجَز اللِسان عن وصفِه.. فَلا عِتاب لِمن اسَتباحَ أذِيّتَنا ، اليوم وبَعدَ تِكرارَ الأذى ، كتَمنا كل الجراح في قلوبنا و مضَينا مُثقَلين بما لم نَستَطِعُ البَوح بِهِ والتحدّث عنهُ أمام مَن حولِنا.. المُحزِن في كل ما مضَى أنّنا كنّا نَتَباهى بِهم ، والآن نُخفي كل خيباتنا خوفاً مِن شامِت أخبرناهُ مِراراً أنّهم مُختلفين..

-مش كدا ياحضرة اللوا، سرقتوا حياتنا، عيشتونا كدا، انت ومدام فريدة

توقَّفت فريدة تنظرُ إليه بعيونٍ جاحظة، 
لم تشعر بعبراتها التي انسابت بقوَّةٍ كالشلال، اقتربَ منها بعينيهِ الخاوية، التي تشبهُ صقيعَ الشتاء:
-إيه يامدام فريدة، مالك مصدومة كدا ليه؟! ولَّا أقول ياماما..همسَ بها بجوارِ أذنها لينتفضَ جسدها بشهقاتٍ مرتفعة، اقتربَ مصطفى محاولًا السيطرة على غضبه:
-إلياس حبيبي ممكن تهدى..
تراجعَ مفزوعًا من لمسته، وانفجرَ كبركانٍ ثائرَ الحمم، وكأنَّهُ يترنَّحُ فوق حقلِ ألغامه:
-أهدى، أهدى إيه ياسيادةِ اللوا، ليه حضرتك دوست على رجلي، ولَّا ضربتني قلم..لكمَ الحائطَ وبقدمهِ دفعَ الطاولةَ لتهوى متناثرة:
-بيقولِّي أهدى، عايز منِّي أهدى..اقتربَ منه بعيونٍ حمراء يجزُّ على أسنانهِ حتى نفرت عروقهِ بالكامل، ورفع كفِّهِ مكورهُ بعنف:
-أنا طلعت مش أنا ياحضرةِ اللوا، ماليش وجود، حياتي بقت على الهامش، أنا مين إيه، قولي أنا مين، ابنِ حضرتك ولَّا ابنِ الستِّ اللي هناك دي؟!..

-تراجعَ يهزُّ رأسهِ ولم يستطع مقاومةِ طوفانِ العبراتِ التي كانت كالنيرانِ تحرقُ داخلهِ قبل وجنتيه..أزالها بعنفٍ كارهًا ضعفهِ بتلك الحالة..دفعَ إسلام الذي توقَّفَ على بابِ الغرفةِ ينظرُ إليه بألمٍ يشطرُ قلبه، ثمَّ تحرَّكَ للخارجِ يأكلُ بخطاويه الأرض…وكأنَّ أقدامهِ زلزالٌ لتنشقَّ له الأرضَ بسببِ قوَّةِ إعصارِ غضبه..مرَّت دقائقٌ من الصمتِ المميتِ سوى من شهقاتِ فريدة، طالعتهم ميرال بنظراتٍ ضائعةٍ جاهلةٍ لتتساءلَ بتقطُّع:
-إيه اللي حصل، هوَّ إلياس ماله، وإيه الكلام اللي بيقوله دا أنا مش فاهمة حاجة..
-إلياس طلع ابنِ ماما فريدة ياميرال، مش شقيقي..
غمغمت بعقلٍ ينكرُ حماقةَ ماتفوَّهَ به إسلام:
-إلياس مين ابنِ ماما فريدة، إلياس جوزي، قالتها وهي تشيرُ على نفسها بحالةٍ من التشتُّتِ يعني أنا متجوِّزة أخويا!..شهقةٌ أخرجتها تضعُ كفَّيها على  أحشائها..
-يانهار إسود، أنا متجوِّزة أخويا..اقتربَ منها إسلام بعدما شعرَ بضياعها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
-ميرال ممكن تهدي متنسيش إنِّك حامل، إلياس بس اللي ابنِ ماما فريدة وإنتِ بنتِ عمُّه..
طافت بعينيها على مصطفى وفريدة تشيرُ إلى مصطفى:
-إسلام بيقول إيه، هوَّ اتجنِّن ولَّا إيه؟!..
اقتربَ مصطفى منها وحاوطَ أكتافها:
-حبيبتي تعالي معايا، هفهِّمك كلِّ حاجة..تركت يديهِ واقتربت من فريدة التي مازالت واقفةٌ بجسدٍ شاحب، وعينيها على المكانِ الذي خرج منه..
-ماما، إيه اللي حصل وليه إلياس بيقول الكلام دا؟..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: 2 days ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن