الفصل الأول

7.3K 315 79
                                    

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك

أنا وانت ...نشبه الحرب والسلام
لا نلتقي ولا نفترق..كلانا يبحث عن الآخر ...
والهدنة بيننا حفنة أحلام..
كاذبوون أنتم..
من اخبرتمونا بأننا سنتجاوز ونتخطى كما تخطى غيرنا....فواجع الفقد والرحيل..
مضت الأيام واحترق الفؤاد اشتياقًا...
والله مانسيناكم..أماكنكم هنا لا زالت شاغرة..
ياسااادة
نرسم أحلامنا ونحن نعلم ..
بأن الرسم ليس سبيلا لتحقيقها
ولكن أمل مرسوم خير من ألم مكتوم..
ف والله كان اللقاء بك قدر..
وللقدر رأي آخر لا يوافق أحلامنا الهادئة..
باختصار لا القدر يجمعنا ولا البعد يفرقنا

أبطال الرواية
إلياس مصطفى السيوفي :
يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا..

أرسلان فاروق الجارحي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا

يزن إبراهيم السوهاجي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا

آدم زين الرفاعي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا

ميرال راجح الشافعي :
تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا

إيلين محمود الجندي :
تبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا

غرام محمود الزهيري :
تبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا

رحيل مالك العمري :
تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا

بأحد أحياء القاهرة الراقية، وخاصة بتلك الفيلا التي يدون على خارجها
فيلا اللواء مصطفى السيوفي ..بالأعلى
بذاك الجناح سيدة بمنتصف عقدها الخمسون جلست على سجادة صلاتها
لتنهي وردَها اليومي، صدقت تفتح كفيها وتنظر بعيون مرققة بالدموع أن يربط على قلبها لغياب فلذة كبدها، تدعو من الله أن يجمعها بهما، ظلت لدقائق ثم نهضت من مكانها متَّجهةً إلى نافذةِ غرفتها تفتحها بخروجِ زوجها من الحمام:
صباح الخير يافريدة...استدارت مبتسمة :
صباح الخير يامصطفى، عامل إيه دلوقتي لسة جنبك بيوجعك؟.
خطى إلى أن جلسَ على الأريكة، ثمَّ بسطَ كفَّيهِ إليها :
تعالي قوليلي الصُّداع لسَّة بيجيلك؟..
خطت إليه، ثمَّ جلست بجوارِه :
لا، الحمد لله، باخد العلاج وأديني ماشية عليه..
مسَّدَ على وجهها بحنان، ثمَّ حاوطها بذراعيهِ يجذبها تختبأُ تحتَ جناحِ حنانِه :
اهتَّمي بصحتِّك يافريدة، أنا مقدرشِ أعيش من غيرِك..رفعت رأسها تطالعهُ بعيونٍ لامعة :
ربِّنا يخليك ليَّا يامصطفى، إنتَ أكبر نعمة ربنا أنعمني بيها بعد سنين مرار .

قبلةً عميقةً بمعاني كثيرة فوقَ جبينها :
طيِّب حبيبتي اهتَّمي بصحتِك، وسيبك من عصبيتِك طولِ اليوم..اعتدلت قائلة :
فكَّرتِني هتفضل ساكت على إلياس كدا، العمر بيجري بيه وهوّّ مش حاسس، نهضَ من مكانهِ يشيرُ إليها :
هاتي بدلِتي فيه اجتماع في الوزارة النَّهاردة، وربِّنا يستر مالقَهوش عامل مصيبة، إلياس خلاص مبقتِش قادر عليه، نفسي أجوِّزُه النهاردة قبلِ بكرة، بس إنتِ شايفة رفضه ..
ربتت على كتفهِ تتعمَّقُ بالنظرِ إليه :
إيه رأيك أكلِّمُه مرَّة تانية، يمكن يسمع مني المرَّة دي ..
هزَّ رأسهِ بالرَّفض :
لا لا ..بلاش إنتِ وترجعي تزعلي وضغطِك يعلى، سبيه بكرة الأيَّام تعدِلُه .
أومأت بحزنٍ واستدارت متَّجهةً إلى غرفةِ ثيابه :
براحتك يا مصطفى..أطبقَ على رسغها يجذبها إليه :
فريدة إنتِ فهمتي إيه؟..هزَّت رأسها ثمَّ رفعت كتفها للأعلى بعدمِ رضا :
عارفة إنَّك خايف يزعَّلني، بس أنا خلاص اتعوَّدتِ عليه ومبقتش أزعل منُّه، دنت منهُ تحتضنُ وجهه :
مصطفى..إلياس سواء رفض أو قبل هوَّ ابني وعمري ماهزعل منُّه، مهما يقول ومهما يعمل، هوّّ معذور ياحبيبي، شايفني مرات أبوه اللي مفكَّرها السبب في موت أمُّه .
ضمَّها بحنان :
ربِّنا يباركلي فيكِ يافريدة وميحرمنيش منِّك، خرجت من أحضانهِ ورسمت ابتسامة قائلة :
هنزل أشوفهم خلَّصوا الفطار ولَّا لأ...أومأَ لها دونَ حديث..غادرت الغرفة تشعرُ بدموعها تتكوَّرُ تحتَ أهدابها، إلى أن وصلت إلى غرفةِ ابنتها، دلفت إليها وهي تضعُ كفَّيها فوقَ فمها تمنعُ غصَّتها المتألِّمة، ظلَّت لدقائقَ تستعيدُ اتِّزانها، ثمَّ خطت حتَّى وصلت إلى فراشِ ابنتها :
ميرال حبيبتي قومي الساعة تمانية وعندِك Meeting ..رفرفت بأهدابها عدَّةَ مرَّات، انحنت فريدة تطبعُ قبلةَ فوقَ خصلاتها :
صباح الخير حبيبتي..اعتدلت تُرجِعُ خصلاتها للخلف :
صباح الخير ياماما، هيّّ الساعة كام ؟..
نظرت بساعةِ هاتفِ ابنتها :
الساعة تمانية حبيبتي، قولتي عندِك اجتماع مهِّم الساعة عشرة، هبطت من فوقِ سريرها متَّجهةً إلى الحمَّام :
فنجان القهوة ياستِّ الكُل قبلِ ما أنزِل ..
ابتسمت لها ثمَّ نهضت من مكانها واقتربت منها :
محكتيش لماما إيه اللي حصل معاكي إمبارح ..استدارت تنظرُ بصمتٍ للحظاتٍ ثمّّ تأفَّفت بضجر :
ولا حاجة سيادة الظابط العظيم رفض أعمِل الحوار الصحفي مع المسجون، وطردني كالعادة..
أفلتت فريدة ضحكة على حركاتِ ابنتها، ثمَّ هزَّت رأسها وخرجت مردِّدة :
واللهِ جننتيني إنتِ والياس ..
ماما ..توقَّفت على بابِ الغرفة استدارت إلى ابنتها :
عرَّفي عمو مصطفى مش كلِّ مرَّة هسكُت على تبجحه، واللهِ هقدِّم فيه شكوى لنقابةِ الصحفيين ..
خرجت فريدة متذمِّرة من أحاديثها التي لا تنقطعُ عن قسوةِ إلياس، وصلت إلى الأسفلِ قابلها إسلام على الدرج :
صباح الخير ياماما فريدة .
ابتسامة تجلَّت بملامحها عندما اقتربَ منها ثمَّ قبَّلَ وجنتيها :
أنا مطيع أهو وقدِّمت الولاء والطاعة .
ربتت على ظهرهِ بحنانٍ أمومي :
صباح الورد ياروح ماما، أخوك مصحيش..قاطعهم صوتهِ وهو يردفُ بصوتهِ الرخيم :
صباح الخير...قالها وتحرَّكَ إلى طاولةِ الطعام، ثمَّ جذبَ الصحيفةَ يتفحصُ الأخبار، اتَّجهَ إسلام إليها حتى يُخرِجها من حالةِ الحزن :
بقولِّك ياجميل، إيه رأيك تحضري النهاردة حفلةِ التَّخرُج، إنتِ وسيادة اللوا، بس البتِّ ميرال لا، لأنها شقيَّة وهتبوَّظ الحفلة ..
سامعة دبَّانة بتجيب بسيرتي، تحرَّكَ إليها يحيِّها بيدهِ :
ميرو، وحشتيني الكام ساعة دول..توجَّهت إلى طاولةِ الطَّعامِ وعينيها على ذاكَ الذي جلسَ يرتشفُ قهوتِه ويتفحَّصُ الأخبار، ثمَّ جذبت المقعد بقوَّةٍ حتى أصدرَ صوتًا، رفعَ عينيهِ إليها :
بالرَّاحة يامعزة على الصُبح، إيه مفكَّرة نفسِك في حديقة حيوان، لم تعيرهُ اهتمامًا و رفعت عينيها إلى إسلام :
سلُّومي حفلتِك الساعة كام، علشان أعدِّي عليك، جلسَ بجوارِها :
قولي واللهِ وهتفضَلي ساكتة ولَّا تجيبينا مجلسِ الشّّعب، أفلتت ضحكةً مرتفعةً ثمَّ ضربتهُ بخفَّةٍ على رأسه :
بس يالا، قاطعهم دلوفُِ غادة توأمَ إسلام :
صباح الخير ياعفاريت السيالة..قبلة على الهوا من ميرال إليها ..
خلَّصتوا مسرحيتكم التافهة، قالها وعينيهِ كالطَّلقاتِ النَّارية إليهم :
مش عايز تفاهة على الصُّبح، إفطروا وأنتوا ساكتين ..نظرت غادة إليه :
صباح الخير ياأبيه إلياس، آسفة مكنشِ قصدنا نزعج حضرتك ..
أشارَ بعينيهِ لطعامها :
كُلي وإنتِ ساكتة، متبقيش تافهة زي الأغبية الرَّغايبن ..أومأت لهُ وبدأت تتناولُ طعامها بصمت، وصلت فريدة تضعُ إليهم أكوابَ اللبن :
ممكن تبَّطلوا قهوة على الصبحِ وتشربوا اللبن ..
رمقها إلياس وتمتمَ بتهكُّم :
ناقص تقوليلُهم إغسلوا سنانكم قبلِ النوم، قالها ونهضَ ملقيًا محرمتِه، يحملُ أشيائه الخاصَّة بعدما ارتدى نظَّارته ..
طالعتهُ بأعينٍ حزينة :
هتمشي من غير فطار..رفعَ رأسهِ إليها بدخولِ والدهِ ملقيًا تحيَّةَ الصباح :
صباح الخير ياولاد..ردّّ على والدهِ التحيَّة ثمَّ رمقَ فريدة بنظرةٍ سريعةٍ قائلًا :
ماليش نفس، أتمنَّى تعاملينا على إننا كبرنا، بلاش مثالية الستِّ المصرية المتأفوَرَة دي..قالها وخطا لبعضِ الخطواتِ ثمَّ استدارَ ينظرُ لتلكَ التي توقَّفت بجوارِ والدتها :
ماما حبيبتي أقعدي علشان تفطري، واللي يفطر يفطَر واللي مفطِرش يشرب من البحر ..
تحرَّكَ إليها وتوقَّفَ أمامها مردِّدًا بنبرةٍ قاسية :
عارفة لو شوفتِك عندي هحبسِك في الزنزانة، آخر تحذير سمعتي، ثمَّ ألقى نظرة على والدِه :
قولَّها تبعد عن طريقي، خلِّيها تلعب بعيد مش ناقص غباء من واحدة غبية زيَّها ..قالها وتحرَّكَ للخارجِ وكأنّّه يسابقُ عدوِه .
ربتَ مصطفى على كفِّ فريدة، ابتسمت وأومأت له :
إلياس خلاص اتعودَّتا ...ابتلعت غادة طعامها :
أه والله ياماما فريدة، بقى عندنا تناحة من كترِ ماتعوِّدنا ..
اتَّجهت ببصرها إلى ابنتها الصامتة :
ميرال مابتكليش ليه؟!
توقَّفت تمسحُ فمها ورسمت ابتسامة :
شبعت حبيبتي لازم أتحرَّك علشان متأخرَش، استدارت إلى مصطفى وطبعت قبلةً فوقَ رأسِه :
صباح الفُل ياحضرةِ اللواء..ضمَّها بحنانٍ أبوي :
صباح الخير على القمر..حملت حقيبتها واتَّجهت إلى والدتها ثمّّ دمغتها بقبلةٍ على وجنتيها :
دعواتِك ياستِّ الكُل..توقَّف إسلام يشيرُ إلى غادة :
ياله يادودي هنتأخَر على المحاضرة، هبَّت واقفة واتَّجهت تجمعُ أشياءها :
باي يابابي، باي ماما فريدة..قالتها غادة وغادرت برفقةِ أخيها ..
ظلَّت فريدة تطالعُ ذهابِهم إلى أن اختفوا، بعدَ فترةٍ انتهى مصطفى من طعامِه، ثمَّ همَّ بالمغادرة، توقَّف لتوديعها :
خلِّي بالك من نفسِك، لو حسِّيتي بحاجة كلِّميني فورًا أنا مش هتأخر ..
أومأت لهُ دونَ حديث..نهضت من مكانها متَّجهةً إلى الحديقةِ، جلست بمكانها المفضَّل تنظرُ لتلكَ الأشجارِ التي بدأت تتأثرُ بقدومِ فصلِ الخريف .
غامت عينيها لذكرياتِ تلكَ الأشجارِ، التي قامت بغرسها والعنايةِ بها بكلِّ حب، جلست بجوارِها تلملمُ أوراقها المتساقطة، تنهيدة عميقة حرقت جوفها متذكِّرةً الماضي بآلامه ..

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن